بينما كنت أتفكر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وما وصل إليه العباد والبلاد والكنيسة من القهر والظلم والعبودية والتغييب النفسي والعقلي، كدت أصاب أنا نفسي بحالة من الهلع والفزع والاكتئاب وانعدام الوزن والهوية، فأصبحت وكأنني على شفى حفرة من نار، فمن ناحية هناك نار ذكريات أيام الطفولة الجميلة التي نفتقدها جميعًا، ولا يمكن استرجاعها والتي مازالت تتقد بداخلي، فلا أستطيع احتمالها، ولا أريد إطفاءها، ذكريات الطفولة البريئة في دنياي الصغيرة حيث كنت أحياها دون مجهود أو مسؤوليات أو حتى انتباه لما يغمرني به والداي من رعاية وعناية وسد لكل احتياجاتي المادية والنفسية والجسدية، ومن ناحية أخرى من نار ما يحدث في العالم أجمع اليوم من طغيان وعدوان وظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد، أو ما يحدث لكنيسة الله، سواء من أعضائها أو من أعدائها، حتى صارت هذه نارًا تأكل في عظامي، فلا أستطيع السكوت والإمساك عن الكلام، تلك النار التي كتب عنها نبي الله إرميا في القديم قائلاً: “لأني كلما تكلمت صرخت. ناديت ظلم واغتصاب. لأن كلمة الرب صارت لي للعار وللسخرة كل النهار. فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه. فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك (عن الكلام) ولم أستطع”.
بينما أنا في هذه الحالة الخطيرة قررت أن أتحاجج مع الله سبحانه وتنازل إلينا، في المسيح، حيث أنني أعلم أن إيماننا المسيحي به سبحانه، لا يرى جرمًا في الحديث معه، والاستماع إلى صوته الواضح داخل قلوبنا، ولا ينقص هذا من قدره أو مكانته ومهابته، سبحانه، في قلوبنا نحن البشر، حيث أنه هو تبارك اسمه، يريد أن يسمع أصواتنا المرتفعة له بالحمد والشكر والعرفان بالجميل، وهو أيضًا مع كونه العليم بكل شيء، يريد أن يسمع أنات قلوبنا، ونشاركه، سبحانه، بآلامنا وضيقاتنا ونناقش معه أسئلتنا واستفساراتنا، ونعرض عليه غضبنا واعتراضاتنا وخطايانا، ونتحاجج معه عملاً بقوله الكريم لنا: “هلم نتحاجج يقول الرب، إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج. إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف”. فهو تبارك اسمه – يريد أن يقيم علاقة محبة وصداقة وبنوة معنا نحن سكان الأرض المخلوقين به، سبحانه، من تراب. حتى إنه علمنا عندما نصلي إليه أن نبدأ صلاتنا ب:ـ “أبانا الذي في السموات …”، فكيف لا نقبل هذا بكل حمد وشكر وعرفان بالجميل؟!
سألته سبحانه أسئلة سبق ووجهها له أنبياؤه أيوب، وداود، وارميا، وغيرهم، تمامًا كما: “اجاب أيوب (أصدقاءه ومعزيه) وقال: “اليوم أيضًا شكواي تمرد. ضربتي أثقل من تنهدي. من يعطيني أن أجده فآتي إلى كرسيه. أحسن الدعوى أمامه وأملأ فمي حججًا. فأعرف الأقوال التي بها يجيبني وأفهم ما يقوله لي”؟. أبكثرة قوة يخاصمني. كلا. ولكنه كان ينتبه إليّ. هنالك كان يحاجه المستقيم وكنت أنجو إلى الأبد من قاضيَّ. هأنذا أذهب شرقًا فليس هو هناك وغربًا فلا أشعر به، شمالاً حيث عمله فلا أنظره. يتعطف الجنوب فلا أراه” (أى23: 2-9) كذلك سأله كاتب المزمور قائلاً: “يا رب لماذا تقف بعيدًا؟ لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟ في كبرياء الشرير يحترق المسكين. يؤخذون بالمؤامرة التي فكروا بها. لأن الشرير يفتخر بشهوات نفسه. والخاطف يجدف يهين الرب. الشرير حسب تشامخ أنفه يقول: لا يطالب. كل أفكاره أنه لا إله. تثبت سبله في كل حين. عالية أحكامك فوقه. كل أعدائه ينفث فيهم. قال في قلبه لا أتزعزع. من دور إلى دور بلا سوء. فمه مملوء لعنة وغشًا وظلمًا. تحت لسانه مشقة وإثم. يجلس في مكمن الديار في المختفيات يقتل البري. عيناه تراقبان المسكين. يكمن في المختفي كأسد في عريسه. يكمن ليخطف المسكين. يخطف المسكين بجذبه في شبكته. فتنسحق وتنحني وتسقط المساكين ببراثنه. قال في قلبه: إن الله قد نسي. حجب وجهه. لا يرى إلى الأبد. قم يا رب. يا الله ارفع يدك. لا تنس المساكين. لماذا أهان الشرير الله. لماذا قال في قلبه لا تطالب. قد رأيت لأنك تبصر المشقة والغم لتجازي بيدك. إليك يسلم المسكين أمره. أنت صرت معين اليتيم. احطم ذراع الفاجر. والشرير تطلب شره ولا تجده”.
أما إرميا فخاطبه سبحانه بالقول: “يا رجاء إسرائيل مخلصه في زمان الضيق، لماذا تكون كغريب في الأرض وكمسافر يميل ليبيت؟. لماذا تكون كإنسان قد تحير كجبار لا يستطيع أن يخلص؟. وأنت في وسطنا يا رب وقد دعينا باسمك. لا تتركنا” (أر14: 8-9).
عند وصولي لهذا الحد من التحاجج معه وأنا تراب ورماد، هتف في داخلي صوت يقول: “إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر. لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما”.
سألته تبارك اسمه قائلاً: هذه هي مأساتي يا سيدي، فأنا أعلم “أن فوق العالي عاليًا والأعلى فوقهما يلاحظ”، أعلم أنه ليس مثلك ولا من هو أعلى منك، وأنت كلي القدرة والحكمة والعلم، وهذا ما جعل أنبياءك ومحبيك ومؤمنيك يتحيرون بل وفي بعض الأحيان يتعثرون ويحزنون وحتى يفشلون وييأسون من رحمتك عندما يرون ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد، ويرون جلالك بالصورة التي سألك عنها أنبياؤك في القديم وكأنك، أستغفرك وأتوب إليك، إنك جبار لا يستطيع أن يخلّص، أو أنك لست بموجود من أصله، أجابني تبارك اسمه بعدة نقاط:
أولها: لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب. لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت طرقي عن طرقكم وأفكاري عن أفكاركم.
ثانيها: إنني لا أتباطأ عن تحقيق وعودي كما يحسب قوم التباطؤ، لكنني أتأنى عليكم، وأنا لا أشاء أن يهلك أناس، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة.
ثالثًا: أنا هو يهوه من عرفت نفس لموسى كليمي بالقول: “الرب إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية. ولكنه لن يبرئ إبراء، مفتقد إثم الآباء في الأبناء، وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع”.
رابعًا: إن كل ما حدث ويحدث اليوم مع كنيستي ليس بالجديد على الإطلاق، فلقد سبق وحدث من قبل مع كنيستي منذ وجودها على الأرض وسيظل إلى يوم رفعها واختطافها إليّ، حتى حيث أكون أنا تكون هي أيضًا إلى أبد الآبدين.
أخيرًا وليس آخر إن كل ما تراه عينيك من ظلم وقهر واستعباد وشر، سواء في العالم أجمع من حولك، أو حتى في كنيسة الله عمود الحق وقاعدته، أو حتى في قلوب من اتبعوني وآمنوا بي قد سبقت وأنبأت عنه في كتابي الوحيد التوراة والإنجيل، قبل أن يحدث، حتى متى كان تؤمنون أنني أنا الله العارف خبايا النفوس والفاحص القلوب ومختبر الكلى، وحتى تستعدوا لمواجهتها والتغلب عليها. لقد دون لكم عبدي الرسول بولس ما نصه: “ولكن الروح يقول صريحًا: إنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان، تابعين أرواحًا مضلة وتعاليم شياطين. ولكن أعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستأتي أزمنة صعبة، لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم، محبين للمال، متعظمين، مستكبرين، مجدفين، غير طائعين لوالديهم، غير شاكرين، دنسين، بلا حنو، بلا رضى، ثالبين، عديمي النزاهة، شرسين، غير محبين للصلاح، خائنين، مقتحمين، متصلفين، محبين للذات دون محبة لله، لهم صورة التقوى، ولكنهم منكرون قوتها. فاعرض عن هؤلاء. فإنه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت، ويسبون نسيات محملات خطايا، منساقات بشهوات مختلفة. يتعلمن في كل حين، ولا يستطعن أن يقبلن إلى معرفة الحق أبدًا. وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى، كذلك هؤلاء أيضًا يقاومون الحق. أناس فاسدة أذهانهم، ومن جهة الإيمان مرفوضون. لكنهم لا يتقدمون أكثر، لأن حمقهم سيكون واضحًا للجميع، كما كان حمق ذينك أيضًا. وأما أنت فقد تبعت تعليمي، وسيرتي، وقصدي، وإيماني، وأناتي، ومحبتي، وصبري، واضطهاداتي، وآلامي، مثل ما أصابني في أنطاكية وأيقونية ولسترة. أية اضطهادات احتملت! ومن الجميع أنقذني الرب. وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون. ولكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردأ، مضلين ومضلين. وأما أنت فأثبت على ما تعلمت وأيقنت، عارفًا ممن تعلمت. وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة، القادرة أن تحكمك للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً، متأهبًا لكل عمل صالح”.(2تيمو3: 1- 17)
لذا ففي العام المقبل:
إن رأيت العالم من حولك يحترق… فلا ترتع لأن إلهك متسلط في مملكة الناس وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.
إن رأيت الناس تجتاز في أزمنة صعبة…… فلا ترتع. فالساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت.
إن رأيت الحروب وأخبار الحروب تزداد…… فلا ترتع فإلهك يقودك في موكب نصرته في المسيح يسوع كل حين.
إن رأيت الكنيسة تتخاذل وتتراجع وتأخذ قراراتها من نفسها ولنفسها، وتعتمد أكثر على حساباتها النفسية والعقلية والمالية…… فلا ترتع، لأن القادر على كل شيء قال: “أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها”.
إن رأيت خلط التبن مع الحنطة……… فلا ترتع، فالله لا يشمخ عليه، “فعمل كل واحد سيصير ظاهرًا لأن اليوم سيبينه. لأنه بنار يستعلن، وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو. إن بقي عمل أحد قد بناه عليه فسيأخذ أجرة. إن احترق عمل أحد فسيخسر، وأما هو فسيخلص، ولكن كما بنار”.
إن رأيت ظلم الفقير ورأيت الغني يزداد غنىً والفقير يزداد فقرًا، ورأيت الغني يأكل مال الفقير ومجهوده ولقمته، ورأيت ظلم الفقير حيث لا أحد يقف بجانبه أو يدافع عنه، ورأيت الذين يصابون بالتخمة من كثرة ما يأكلون ويشربون ويلبسون ويكومون من أموال…. فلا ترتع لأن الساكن في السماوات يرى ويسمع أنات الفقير ويقيم دعواه. “يقيم المسكين من التراب. يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسي المجد. لأن للرب أعمدة الأرض وقد وضع عليها المسكونة”.
إن رأيت نزع الحق والعدل في البلاد، ورأيت الفشلة والراسبون يسرقون درجات الطلبة المسيحيين المتفوقين ويبادلونهم الصفر درجة لإجاباتهم ومجهوداتهم، إن رأيت نزع حق الطلبة المسيحيين أن يلتحقوا بكل كليات الدولة حتى الإسلامية منها، وأن يكون لهم كليات وجامعات مجانية قبطية لتعليمهم وإعدادهم لمستقبلهم كما هو الحال مع غيرهم، وإن رأيت نزع حق المسيحي في مساواته في الحقوق المكفولة لغيره بالدستور والقانون في الوظائف من أصغرها إلى أكبرها قاطبة، إن رأيت نزع حق المسيحي في الحصول على محطة إذاعية للإنجيل الكريم كما هو الحال مع غيرهم، إن رأيت نزع الحق في الرد على القنوات الفضائية والحكومية والميكرفونات التي تدعو الله أن ييتم أولادك ويثكل امرأتك ويفرق شمل أسرتك وأن يحشرك وأمثالك في سعير نار ينصهر فيه الحديد، إن رأيت مزيدًا من الاضطهاد والقسوة إن رأيت كل هذا…… لا ترتع. فإلهك متسلط في مملكة الناس، هو لا يستجيب دعاء الظالمين ومستقبلك ومستقبل أولادك مضمون في شخصه لأنه القادر على كل شيء.
إن رأيت مزيدًا من الخيانات الشخصية والعائلية والكنسية…… فلا ترتع. فقد سبق الله وأخبرنا بهذا كله، وأنه سبحانه أبقى لك في شخصه الصديق الألزق من الأخ.
إن رأيت مزيدًا من أولئك الذين لهم صورة التقوى، والذين يعرفون كيف يتلاعبون بالألفاظ ويجذبون وراءهم أناسًا مستحكة مسامعهم يطالبونهم بأن يكلمونهم بالناعمات، إن رأيت المزيد من الذين يتعلمن في كل حين، ولا يستطعن أن يقبلن إلى معرفة الحق أبدًا، إن رأيت الكبرياء والعناد والليبرالية والتصلف يزداد في الكنيسة من القادة والرؤساء…. فلا ترتع لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما.
إن رأيت مزيدًا من الهرطقات والتعاليم الشيطانية تنتشر بسرعة النار في الهشيم في جسد المسيح الكنيسة…… فلا ترتع، فهو سبحانه ساهر على كلمته ليجريها وعلى كنيسته ليبنيها وعلى جسده ليقوته ويربيه.
إن الحل الوحيد لتتعامل مع كل ما تقدم هو أن يثبت المؤمنون على ما تعلموا من حق كتابي واضح وبسيط، وأن يفحصوا الكتب وأن يتعلموا ويقبلوا في تواضع الكلمة النبوية التي هي أثبت، وأن يعرفوا ممن تعلموا، أتعلمون فقط من كتب الآباء والمؤرخين والفلاسفة والصوفيين والملاحدة وكتب أديان وعبادات شيطانية لا تعرف المسيح من قريب أو بعيد، أم تعلمون من الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية وكتابه بعهديه القديم والجديد؟ لذا فإن رأيت كل ما تقدم… لا ترتع لكن “اثبت على ما تعلمت وايقنت، عارفًا ممن تعلمت”.
إن مشكلة الغالبية الساحقة من الشعب المسيحي في الكنيسة، إما أنه لا يتعلم شيء حتى عن كلام بداءة المسيح، أو أن يتعلم كل ما هو غير كتابي يتماشى مع رغباته الشخصية وتطلعاته الذاتية، أو يتعلم كثيرًا من معلمين كثيرين قد يكونون مختلفي الملة والإيمان وبالتالي التعليم، غير عالم ما تعلم وممن تعلم، وما هي مصداقية وتاريخ ودراسات وصفات حياة من يقومون بتعليمه حتى من المؤمنين المخلصين الأمناء. وتحضرني قصة لأحد الشباب جاء ليأخذ مشورتي في أية كلية لاهوت هي الأفضل في مصر حتى يدرس بها ويتخرج منها، عندما بدأ صديقي حديثه معي قال لي: “أنت عارف إن ربنا دعاني للخدمة التفرغية كل الوقت، ابتسمت وقلت، لا الحقيقة مش عارف لأنك لم تشاركني بهذا الأمر من قبل، لكن على كل حال الله يباركك ويستخدمك، هذا قرار مصيري وهام للغاية، ربما يكون أعظم وأخطر من أمر الزواج أو إيجاد الأخت المناسبة لك، قال هذا الصحيح، أكمل صديقي كلامه، الحقيقة أنني جئت لأستشيرك حول أي من كليات اللاهوت في مصر تقترح أن أدرس بها؟
لأول وهلة ومن هول المفاجأة ظننت أنني لم أفهم سؤاله، أجبته، ما هو سؤالك: هل تسمح بإعادته، قال الشاب سؤالي هو أية كلية لاهوت ترى أنه يمكنني أن أدرس بها لأصير قسًا؟، قلت في استغراب: عزيزي دعني اسألك، إلى أية كنيسة تنتمي أنت وفي أية كنيسة تحضر؟، قال أنا أصلاً من كنيسة الإيمان، وأبي كما تعلم كان قسًا بكنيسة الإيمان حتى وفاته، قلت: هذا عظيم كنيسة الإيمان كنيسة كتابية والمسؤولون عنها رجال الله الأفاضل، لماذا لا تدرس في كلية اللاهوت التابعة لمجمع كنيسة الإيمان؟، قال: أنا الآن لا أحضر أية كنيسة من كنائس الإيمان، سألته فأية كنيسة هي التي تلتزم بحضورها والخدمة بها الآن؟ قال: الكنيسة المشيخية، قلت نعمًا، وهذه أيضًا كنيسة عريقة بها الكثير من رجال الله القديسين. لماذا لا تدرس في كلية اللاهوت التابعة للكنيسة المشيخية؟ قال: الحقيقة أنا محتار، لقد ذهبت وتقابلت مع القسيس الأستاذ المسؤول عن كلية لاهوت الكنيسة الرسولية، والمسؤول عن كلية اللاهوت التابعة لكنيسة نهضة القداسة، وكلية اللاهوت التابعة لكنيسة المثال المسيحي، وكلية اللاهوت التابعة لـ…، لم أدع صاحبنا يكمل ذكر بقية كليات اللاهوت، بل صرخت في وجهه، قلت يا أخي أنت عاقل ولا مجنون، قال: لماذا هذا السؤال؟ قلت: ما هو إيمانك، ما هو معتقدك الذي من المفروض أنك تراه الإيمان الصحيح وتنتمي لكنيسته، والذي ستعلمه لكنيستك عندما تصبح قسًا مرتسمًا عليها؟ قال: لا أفهم سؤالك، أجبته: في انفعال، هل تؤمن بمعمودية الروح القدس كاختبار ثاني؟ قال: نعم، قلت: هل تؤمن بالملك الألفي؟ قال: لا، قلت: هل تؤمن بالضمان الأبدي للمؤمن قال: نعم، هل تؤمن باختبار القداسة؟ قال: لا، قلت هل تؤمن بالاختيار المطلق؟ قال: لا، قلت: يا أخي “أنت رايح تشتري بطيخة؟ وعايز تتأكد أنها حمراء قبل أن تدفع ثمنها”، كيف ستصبح قسيسًا مشيخيًا وأنت تؤمن بمعمودية الروح القدس كاختبار ثاني؟، هل ستعلم كنيستك المشيخية أن هناك اختبارًا آخر غير اختبار الخلاص يعرف بمعمودية أو اختبار الملء بالروح القدس؟ كيف ستعلم شعب كنيستك الرسولية أن لا ملك ألفي وأننا الآن في الضيقة العظيمة، حيث الحمل والأسد يرعيان معًا؟ كيف ستعلم كنيستك التابعة لنهضة القداسة أن ليس هناك اختبار اسمه اختبار القداسة؟
قلت عزيزي: كليات اللاهوت تختلف في تعاليمها والمذاهب المختلفة أصبحت “مختلفة” لأنها تختلف في بعض تعاليمها، سكت صديقي وضحك ضحكة بلهاء ثم قال: “تعرف أنا وصلت في النهاية أن كلية اللاهوت المشيخية هي أحسن كلية، لأنك لما بتتخرج منها ويعينوك قسيس في كنيسة مشيخية مرتبك يبدأ من ٢٠٠ جنيه (في سالف العصر والزمان)، لذلك أنا قدمت على الدراسة في كلية اللاهوت المشيخية وقبلوني بها.
انصرف الأخ إلى حال سبيله ولم أستطع أن أتخلص من علامات التعجب والاستفهام والاستهجان التي ملأت عقلي وقلبي، قلت لنفسي ربما كان هذا ما تكلم عنه الروح القدس من خلال بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس عندما قال له: ”وأما أنت فاثبت على ما تعلمت وايقنت، عارفًا ممن تعلمت“.
أليس هذا ما نراه مكررًا في حياة الكثيرين من المؤمنين والقسوس وخدام الرب، الذين لا يعرفون ما تعلموا إن كان صحيحًا كتابيًا أم مختلطًا كخلط التبن مع الحنطة، وبالتالي لا يقين لهم في تعليمهم؟، فمنهم من يجاهر بتعاليم ارتفعت معرفتها فوقهم ويفتي في ظهور القديسين الراقدين، وفي تفسير ما يحدث مع من يُعرف بالقديس شربل، أو باتحاد أو انفصال طبيعتي المسيح وقت موته، أو الاستحالة في الخبز والدم ثم يعود ويعتذر ويغير ما خرج من شفتيه، تعاليم الصوفية ولاهوت المحبة الحر ولا يعتذر عن تضييع وقت أعضاء الكنيسة جسد المسيح وعن كمية التشويش التي أحدثتها تعاليمه، وغيرها وغيرها الكثير.
لذا ركز الرسول بولس في كلامه لتلميذه تيموثاوس على هذه النقطة الأساسية في الحياة المسيحية قائلاً: “وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة، القادرة أن تحكمك للخلاص، بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً، متأهبًا لكل عمل صالح”.
ربما يظن البعض أن مقالي هذا مقال سلبي متشائم يرى أن العام المقبل ٢٠٢٠ سيحمل الأكثر مما ذكرت عاليه ولا يصح كتابته في نهاية عام منصرم وبداية عام جديد، لكنني أراه العكس تمامًا، أراه صوت صارخ في البرية ينبه العباد والبلاد أن تثق في إلهها القادر على كل شيء المتسلط في مملكة الناس، وهو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته فهو الذي لا يعتريه تغيير ولا ظل دوران، لا ينعس ولا ينام، من يقول فيكون، يحي الموتى ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة.
لذا يا شعب الرب: “إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد فلا ترتع من الأمر. لأن فوق العالي عاليًا يلاحظ والأعلى فوقهما”.