أنهم يقتلون الأطفال

7

العدد 96 الصادر في سبتمبر 2013
أنهم يقتلون الأطفال

    للأطفال مكانة متميزة فى كتاب الله، الكتاب المقدس، فكثيراً ما تحدث عنهم السيد المسيح وصرف الوقت معهم، واستخدمهم كأمثلة حية يُعلم بها الكبار كيف يكونوا بسطاء، وكيف يدخلون إلى ملكوت السموات، والكثير غيرها، كقوله تعالى: “إن لم ترجعوا وتصيروا كالأطفال لا تقدروا أن تدخلوا ملكوت السموات”، وقوله: “دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم فإن لمثل هؤلاء ملكوت السموات”، وغيرها مما ذكر عنهم، فما يعمله الكبار، وما نتاج تصرفاتهم وطبائعهم وأشكالهم، فى معظم الأوقات، إلا انعكاساً واقعياً عملياً لما كانت عليه طفولتهم، وما تعلموه صغاراً وما تلقنوه أطفالاً وما شاهدوه مراراً، وسمعوه من آبائهم وأمهاتهم والمحيطين بهم تكراراً. ومع ذلك وبالرغم من كل هذا فهم، منذ أيام السيد المسيح على الأرض، وما قبلها، كانوا ولا يزالوا أكثر الفئات تعرضاً للعنف، والإزدراء، والإضطهاد والإهمال والإقصاء والبعد عن دائرة الأحداث، بحلوها ومرها، وكأنهم لا يتأثرون بما يجرى حولهم ولا يفهمونه ولا شأن لهم به. نعم، إنهم يقتلون الأطفال، وليس أدل على ذلك من حالة الأطفال فى مصر، وسوريا، والعراق، والسودان، وتونس، وليبيا، ولبنان، وفلسطين، وإسرائيل، وإيران وغيرها. نعم، إنهم يقتلون الأطفال، فما تصرفات جماعة الإخوان المسلمين اليوم، إلا نتاج ما عمله عبد الناصر والسادات ومبارك بهم وبأولادهم منذ أن قامت الثورة وإعتداء المنشية على جمال عبد الناصر، فماذا نتوقع من أبناء وُضع آبائهم فى السجون وعذبوا فى مستشفيات الأمراض العقلية، وغيرها؟! فمع أننى لا أعطى أى عذر مهما كان لأعضاء هذه الجماعة لتعمل ما عملته فى السنتين الماضيتين وخاصة منذ أن تولى مرسى، ثانى الرؤساء المخلوعين، عرش مصر إلا أننى أكتب قراءة مختلفة لواحدة من الأسباب التى جعلت هذه الجماعة تتصرف كما تتصرف الآن. وحيث أننى كنت يوماً طفلاً مصرياً مسيحياً فقيراً ولد فى مدينة صغيرة، مدينة السويس، وفى حى فقير كحى الأربعين، وعشت بها حتى اضطررنا، أنا وعائلتى، أن نتركها مُجبرين مُهجرين لنبحث لنا عن مدينة أخرى بمصر تأوينا، حتى يأتى الله بالفرج وتنتهى حرب الإستنزاف بيننا وبين إسرائيل، تلك التى امتدت من 5 يونيو سنة 1967 وحتى انتصارنا المقنن فى 6 أكتوبر سنة 1973. أستطيع أن أقول أننى كطفل قد اختبرت ولو القليل مما يعانيه الأطفال اليوم فى كثير من بقاع الدنيا، مع أن ما عانيته لا يقارن فى المدة، أو التجربة، أو الشدة أو الألم أو التأثير، إلا جزءاً بسيطًا جداً لا يذكر، ولا يمثل أهمية لى بالمقارنة بما يعانيه أطفال هذه الأيام، وخاصة فى الدول السابقة الذكر. فإن كان هذا الجزء البسيط الذى عانيته كان بالنسبة لى يومها وكأنه اختبار العيش فى الجحيم نفسه، فكم تكون حالة أطفال هذه الأيام؟! فلا بد أن يصدق قول أنهم يقتلون الأطفال.

    فلا زال محفور فى ذاكرتى صوت أول انفجار لقذيفة مدفع سمعته الساعة التاسعة صباحًا يوم 5 يونيو 67، ولا زالت تعود لى ذاكرة صوت هذا الانفجار كلما سمعت انفجاراً مدوياً كتلك التى تحدثها الألعاب النارية التى تمتلئ بها سماء أميريكا فى الرابع من يوليو من كل عام، كنت يومها أبلغ من العمر 12 سنة، وكنت أنام على سرير يقع مكانه تحت شباك، كان مفتوحاً ومطلاً على سماء النجوم مباشرة، كنت اتطلع إلى السماء الصافية، وفجأة اهتزت بى الغرفة وصُمتْ آذانى من صوت انفجار مدوى، وكل ما رأيته فى السماء كان دخان أبيض كقطعة من القطن لا يزيد حجمها على قدر كف إنسان، ظهرت فجأة فى السماء مصاحبة لصوت الإنفجار، اهتزت الغرفة بى وارتفع جسدى الصغير ما لا يقل عن 20 سنتيميتر فى الهواء بعيدًا عن مرتبة السرير، ثم هوى مرة أخرى فى مكانه، لم أكن أعلم يومها ماذا كان يحدث، لكن سرعان ما عرفت أن إسرائيل، الشيطان الأصغر، وحليفتها أمريكا، الشيطان الأكبر، كما كان العامة يصفونهما، يضربوننا بالصواريخ لكننا بعون الله لمنتصرون، كما كانوا يقولون لنا. ثم توالت الموسيقى العسكرية والأغانى الوطنية، والبيانات الحربية، وكلها كانت تؤكد أن طائرات العدو أغارت علينا ولكن جنودنا البواسل أجبروها على الفرار، وأسقطوا منها بعضاً وتم القبض على طيارى الطائرات التى أسقطناها ودمرناها، ولا زلت أتذكر منذ 46 سنة صوت المذيع، الذى كان يدعى أحمد سعيد، وهو يجلجل معلناً لنا نصراً أكيداً على جحافل العدو، وتدميرنا لطائراته وبالطبع لم يقل لنا أننا خسرنا الحرب فى الخمسة دقائق الأولى منها، وأنه لم تبقى لنا طائرة واحدة لم تدمر فى مطاراتنا الحربية، وما زلت أذكر هدير الطائرات، وصوت الانفجارات الذى كان يمكن أن يحدث فى أى ساعة من ساعات النهار أو الليل، مما جعلنى أصر على أن يترك جميع أفراد أسرتنا أسرتهم وأن ننام معاً كعائلة مكونة من 6 أفراد على أرض غرفة جلوسنا المتواضعة، ليس ذلك فقط بل كان لا بد لى أن أنام على ذراع أبى، الرجل الذى كان فى نظرى، كطفل، أقوى الرجال وأشجعهم فى العالم، وهو الوحيد القادر على حمايتى وقت الخطر، ومن كل ما ذكرت، وأتذكره حتى اليوم، مما حدث لى فى طفولتى وما يحدث مع الأطفال فى هذه الأيام إلا دليلاً على إجرام العالم كله فى حق الطفولة والأطفال، فالشعور بالخوف والفزع من أعمال العنف والقتل والإرهاب أصبحت كوابيس تطارد الأطفال حيثما يذهبون وأينما ينامون، وأتذكر يوم سخرت مدرستى من دينى وقالت ما لا يليق عن شخص المسيح يسوع، تبارك اسمه، مما جعل جميع الأطفال يضحكون من اعترافى الحسن أن السيد المسيح هو الله الظاهر فى الجسد، ولست أعلم إن كانت التليفزيونات العربية ليست منتبهة إلى أن الأطفال فى بيوتنا يشاهدون معنا النشرات والتحليلات الإخبارية، أم أنها تعلم ولا تكترث للأمر، لسبب أو آخر، فبعض صور القتل والتعذيب والدمار التى تعرضها كل القنوات التليفزيونية، مسيحية كانت أو غير مسيحية، لا يمكننى كرجل بالغ أن أشاهد معظمها من هول ما بها من مشاهد ودماء وأشلاء لموتى وأحياء، فكم وكم الأطفال، الذين يستيقظ أغلبهم كل يوم فى تلك الدول، التى ذكرتها سابقاً، على سماع أخبارها، ومشاهدة صورها، فإن كانت هذه القنوات لا تعلم أن نشر مثل هذه الصور هو جريمة فى حق الطفولة البريئة، فهذا شر وجرم يحاسب عليه المسئولون فى هذه القنوات يوم الدين، وإن كانت تعلم وتنشره تحت أى مسمى من المسميات دون تحذير أو إنذار فهذه جريمة يعاقب عليها قانون الأرض والسماء. فنحن لا نزرع سوى الخوف والقتل والإرهاب فى عقول وقلوب أطفالنا، لذا لا عجب إن حصدنا وحصد أولادنا معنا جيل من الإرهابيين، القتلة والجبناء الذين يفجرون أنفسهم فى سبيل الله، للحصول على قصور وحوريات الجنة المزعومة. ترى كيف يثق الأطفال فى رؤسائهم وقياداتهم عندما يرون الجموع تهتف ضد مبارك ارحل، وتهتف مع مرسى وتهلل لنجاحه ثم فى أقل من سنتين تعيد الكرة مرة أخرى وتهتف ضد مرسى ارحل، وتهلل للسيسى، الذى نصلى إلى المولى ليحفظه سالماً حتى يتمم مسعاه، وأتباع كل منهم يتهم أتباع الآخر بالعمالة، والخيانة، وغيرها من مفردات الساعة! ألا يولد ذلك تشويشاً فى أذهان الأطفال ويفقدهم الثقة فى حكوماتهم وقياداتهم، فينمون على حب التفرقة والإنتقام والشك وعدم الثقة فى الكبار والمسئولين وأولى الأمر؟!

    أما عن الاضطهاد الدينى الذى يتجرع كأسه، حتى الثمالة، الأطفال وخاصة المسيحيين منهم فحدث ولا حرج، فتخيل معى عزيزى القارئ حال الأطفال المسيحيين فى القرى التى اعتدى عليها بعض المسلمون المتطرفون، سواء أكانوا من الإخوان المسلمين أو من غيرهم، ممن يحاربون الإخوان المسلمين، تخيل معى أن هؤلاء الأطفال المسيحيين وقد انقطعوا عن الدراسة لبضع أيام، فالاعتكاف فى منازلهم خير لهم وأبقى عندما يكون هناك من يتربص بأولادك ليفتك بهم، أتخيل طفلاً مسيحياً عاد بعد انقطاع دام عشرة أيام إلى مدرسته بسبب أحداث العنف التى حدثت فى قريته واحترقت فيها كنيسته، وقتل فيها والده وسجن فيها شقيقاه بعد إتهامهما بإثارة الشغب والإعتداء على مواطنين آمنين، وتكدير الأمن العام، وإلى غيرها من التهم الجاهزه والمفصلة سابقاً، والمترقبة لمن يلبس أحدها أو جميعها، وهو يعلم أن شقيقاه قد اختفيا بسبب الدفاع عن والده قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ثم يعود هذا الطفل إلى المدرسة، وتسأله مدرسته التى تكرهه بسبب ديانته، ديانة القردة والخنازير، كما يحلو للبعض أن يطلق عليها، ومع أنها تعلم السبب الحقيقى لغيابه، فالقرية صغيرة جداً ويعرف كل من فيها بعضهم البعض، وما حدث بها منذ عشرة أيام لم يحدث فى زاوية أو فى ظلمة الليل، بل حدث فى وضح النهار على مسمع ومرأى من الجميع، وهى تعرف نتائج ما حدث، أبو الولد المسيحى الذى تتحدث معه قتل فى الإعتداء على الكنيسة، وسجن ابناه، فى رأي المدرسة الشخصى، بسبب اعتدائهم على أخ موحد بالله، لكنها تتجاهل كل ذلك وتبدأ فى استجوابه أمام زملائه فى الفصل، تسأله أين كان، ولماذا تغيب عن المدرسة لمدة العشرة أيام الماضية، وتصر أمام الفصل كله أن يعترف لها الطفل المسكين بالسبب الحقيقى وراء غيابه، لا لشئ إلا لأنها تبحث عن خطأ لهذا الطفل لينال قسطاً آخر من العقاب بسبب غيابه، فيبدأ الطفل فى الكذب والتهرب من الإجابة، ويحاول أن يقنع مدرسته أنه كان مريضاً وذهبوا به إلى المستشفى وظل هناك حتى الأمس، وما أن خرج من المستشفى إلا وقال لوالدته أنه يحب المدرسة ويريد أن يرجع إليها، وها هو قد جاء بالرغم من مرضه، ويظن الصغير أنه قد نجا من التحقيق والعقاب بقصته المؤلفة التى لا أساس لها من الصحة، تماماً كما كنا نعمل جميعاً عندما نقع فى مشكلة ما ويتم إستجوابنا عن طريق الأم أو الأب أو مدرسينا، فمن منا لم يفعل فى صغره مثل هذا الطفل؟ لكن المدرسة تسأله عن نوع المرض، فهى تعلم أنه يكذب حرجاً، ويريد أن يفلت من العقاب، وهى لا تريده إلا أن يعاقب بأى شكل من الأشكال، يحاول الصغير المسكين أن يؤلف أعراض لمرض وهمى لم يختبره، وبالطبع لم يقرأ عنه لصغر سنه، يتذكر المسكين والدته وقد كانت تقص على إحدى جاراتها أعراض حالة كانت قد أصابتها فى وقت سابق، كانت الأم تقول لجارتها أشعر بدوخة وحالة من الغثيان كل صباح بعد أن أستيقظ من النوم، تستمر هذه الحالة معى لمدة ساعتين فلا استطيع القيام من السرير، وليست لى قابلية على الأكل، وكل ما آكله اتقيأه، إلا الليمون، فأنا آكل عشر ليمونات فى اليوم حتى أصبحت أسنانى حساسة جداً.. و.. و.. و..، فيأخذ الصغير فى ترديد كل هذه الأعراض لمدرسته وكأنها أعراض المرض الذى أصابه ومنعه من المجئ إلى المدرسة فى العشرة أيام الماضية، تصرخ فيه المدرسة: “أنت كذاب دى أعراض حمل، وهى لا تأتى إلا للسيدات الحوامل يا غبى”. يضحك التلاميذ زملائه بصوت مرتفع، المدرسة لا تنتهر التلاميذ وكأنها أحبت الفكرة أن يكون ضحك التلاميذ وسخريتهم من الطفل جزءاً من العقاب. تحاول المدرسة أن تخفى سعادتها لإهانة الطفل، تقول بصوت مرتفع وحاد: “أنت لازم تجيب أبوك معاك بكره الصبح علشان يقابلنى ويقابل الست الناظرة، وإلا مش هتخش المدرسة”. يصرخ الصغير: “لا بلاش الطلب ده”. يتأكد الطفل أنه لا مفر من الإعتراف بالحقيقة لهذه المدرسة الشريرة، يقول التلميذ وقد خنقت العبرات صوته، وبحت حنجرته: “أبويا مات، أبويا مات، ولو سمحتى ما تجبيش سيرته”. تجيبه المدرسة: “أنت كذاب، إن ما جبتش أبوك أو حد من إخواتك مش هتدخل المدرسة بكره”. ينتحب الصغير يتوسل إليها، هو لم يتعود أن يحلف البته فقد تربى فى بيت مسيحى، علمه أبواه أن كلمة صدقينى، أو يعلم الله، أو ربنا شاهد، أو ما شابهها من كلمات أو عبارات تكفى أن تحل محل القسم، أبوه وأمه تعودا أن يصدقوه إذا ما قال إحداهما، لكن الصغير يعلم أن مدرسته لن تفهم هذه اللغة، وقد ضاقت نفسه جداً، فكفر بكل ما علمه إياه أبوه وأمه، لم يتمالك نفسه أخذ يقسم بالله العظيم ثلاثة: “إن أبويا مات وإخواتى الاتنين فى السجن، وأمى فى الجنازة وبتخلى بالها من إخواتى الثلاثة الأصغر منى”. تصر المدرسة على أن الصغير يكذب لينجوا من الرفد والعقاب، وتبدأ فى توجيه الإهانة له ولأسرته: “ما هو لو كان أبوك راجل محترم ورباك تربية كويسة ما كنتش تعمل كده، اترزع واقعد وإياك أشوفك بكره لوحدك من غير أبوك أو أمك أو حد من إخواتك”. تنتاب الطفل الصغير حالة من الهيستيريا يجرى بسببها خارج الفصل ويقرر أنه لن يعود للمدرسة مرة أخرى، يقرر الصغير أنه سينتقم من المدرسة على فعلتها والناظرة، لأنها كانت دائماً مصدراً للتخويف والعقاب، سينتقم من زملائه الطلبة لأنهم ضحكوا عليه، لم يقف أحد فى صفه، لم يظهر أحدهم أى مشاعر للأسف على ما حدث له، وتركوه وحيداً يواجه هذه المدعوة مدرسة ولم يؤكد لها أحد أن أباه بالفعل مات، سينتقم من أهل قريته المسلمين لأنهم قتلوا أباه، ورجال الشرطة الذين حبسوا إخوته، ورجال المطافئ الذين لم يأتوا إلى القرية إلا بعد أن أحرقت بيوتها، ورجال الإسعاف الذين حضروا بعد وفاة والده ورفضوا أن يأخذوه فى سيارتهم إلى المستشفى لينقذوه، لأنه على حد قولهم قد توفى، وهو لم يصدق هذه الرواية أنه كان بالفعل ميتاً حين جاءت الإسعاف متأخرة أكثر من ساعة كاملة، “سأنتقم أيضًا”، قال الطفل: “من كاهن كنيستنا لأنه علمنا من صغرنا أن نحب أعداءنا وأن نبارك لاعنينا وأن نصلى لأجل الذين يسيئون إلينا ويضطهدوننا، فاقتنع المسلمون أننا ضعفاء لا حول لنا ولا قوة ولم يحترموننا ولم يعملوا لنا أى حساب، سأنتقم من المسيحيين والمسلمين فلا فرق، فكلهم خونة كل على طريقته ولأسبابه الخاصة”. ويتحول الصغير إلى قنبلة موقوتة تنتظر وقت الصفر للانفجار، تتحول فيه براءة الطفولة إلى قسوة المجرمين، ومن بساطة الأطفال الى لؤم الحية القديمة، وتتبدل الإبتسامة إلى غضب دائم، يجدف على القدير ويهين كل من يتحدث عن المحبة والصفح والغفران، فهذه أصبحت أسلحة الضعفاء فى رأيه، يخرج بهذه الأفكار فى رأسه، سماسرة الشباب جاهزون لإتقاط أمثاله وتغذية هذه المشاعر العدائية الإجرامية السلبية فيهم، هذا الطريق لا بد أن يبدأ بالمخدرات عامة والهروين خاصة، والإدمان هو أقصر الطرق للسيطرة على الشباب، لا مانع أن تكون الشمة الأولى والثانية والثالثة مجاناً، على حساب المعلم رئيس العصابة، لكن الرابعة لا بد أن يدفع ثمنها، وحيث أنه لا يملك ثمنها فلا مانع أن نعطيه 10 جرعات، يشم أحدها ويبيع التسعة الباقين، كل 10 جرعات يبيعها يأخذ جرعة مجانية، هذه هى الطريقة البسيطة السهلة السريعة لضمان استمرارية البيع والالتصاق بالعصابة، وإذا قبض عليهم فهناك طرق كثيرة للاستفادة منه ومن أمثاله كأطفال، ففى الشوارع ومبانى الأحداث التى ينبغى أن تكون لتدريب الأطفال وتهذيبهم وإعدادهم ليكونوا رجال المستقبل، يتم استخدامهم كوسائل للمتع الجنسية لدى القائمين على رعايتهم، وفى القتال يستخدمون كآلات لاشباع رغبات المجاهدين فى الحروب، كما يستخدمون فى القتال وتوصيل الرسائل الخاصة للقادة والجنود ويخدمون الجيوش بكل الوسائل، وفى بلد كالسودان (الإخوانية) انتشرت تجارة العبيد بخطف الأطفال الجنوبيين، ثم يأتى سماسرة متخصصون فى هذا الشأن ويحررون الأطفال بعد الحصول على فدية مالية نقدية كبيرة، عادة ما يدفعها أحد الأمريكان المسيحيين المؤمنين الذين بمجرد أن يسمعوا عن إمكانية تحرير الأطفال المسيحيين المخطوفين والمستخدمين فى كل أنواع الأنشطة غير القانونية من قبل الخاطفين حتى يقوموا بحملة لجمع الأموال من كنائسهم وأصدقائهم لتحرير الأسرى من الأطفال المخطوفين، يأتى أحدهم إلى السودان، يدفع الفدية، يسلمونه الطفل المخطوف، يقوم بتصويره والصلاة لأجله ويذهب راجعاً إلى كنيسته فى أمريكا، يزف بشرى تحرير 20 طفل سودانى جنوبى، يهلل الحاضرون ويهنؤن بعضهم البعض، فكنيستهم أصبحت عاملة بالمحبة لتحرير الأطفال، يأتى سمسار آخر من سماسرة الأطفال، يختطف نفس الطفل الذى تم تحريره ودفعت الفدية الكبيرة لإطلاق سراحه، يعود به إلى نفس معسكر المخطوفين، يأتى أمريكى آخر، يكرر ما فعل الأمريكى الأول، ويقبض التجار ثمن فداء أحد الأطفال ليس أقل من عشر مرات، الأمريكان ناس طيبين جداً ويمكن استغفالهم بسهولة، وهكذا تستمر الأمور، هذا فى وقت السلم، أما عند الهجوم المسلح على أى جماعة إرهابية يراد تصفيتها، الأطفال يستخدمون كدروع بشرية سواء فى رابعة العدوية أو فى المقاومة السورية، لا فرق فالأطفال لا حول لهم ولا قوة، لقد جند الخومينى أطفالاً لا تزيد أعمارهم عن 8 و10 سنوات ووضع مفاتيح بلاستيكية فى أعناقهم وأقنعهم وأهاليهم أنها مفاتيح الجنة لمن يموت شهيداً منهم فى حربهم مع العراق. ومن ينجو من هذا وذاك، لا ينجوا من قضاء شهور أو سنين فى معسكرات اللجوء التى اكتظت بها البلاد العربية بلا ماء صالح للشرب، ولا مدارس للتعليم، ولا آباء فالآباء فى معسكرات القتال، والأمهات لا حول لهن ولا قوة.

    والمحصلة النهائية لكل هذا هو خلق جيل من المجرمين المحترفين فى الجريمة وممارسة الجنس واللواط وإدمان المخدرات، والسرقة والقتل وبيع النفس بأبخس الأثمان، صبياناً كانوا أم بنات، خلق جيل كافر بالله وبتعاليمه وكتبه ورسله، حقيقيين كانوا أم مدعين، وملائكته سبحانه ووصاياه.

    وفى النهاية، أقول أن ما ينبغى عمله مع الأطفال يتطلب عدة أمور وخطوات مدروسة: أولها، تغيير المناهج الدراسية ومحو كل ما يدعوا للعنف وتصوير البطولة الرجولية وكأنها مستمدة من تاريخ الفتوحات والجهاد وفتح الدول وإجبار أهلها على ترك أديانهم وقبول دين الفاتح المغوار، ومن لا يقبلون هذا الدين الجديد عليهم أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أو أن يقتلوا. لا بد من تغيير البرامج التليفزيونية والإذاعية وأحاديث الأطفال إلى ما يدعو للمحبة والتسامى والفعاليات المشتركة بين الأديان والأطفال المنتمين إليها، لا بد من إشراك الأطفال فى صنع القرارات منذ نعومة أظافرهم، وهنا لن أنسى عندما كان أندرو ابنى الأكبر يدرس فى أحدى المدارس الأمريكية فى الصف الخامس الإبتدائى، وجاء من المدرسة وقال لى: “بابا أنا النهاردة انتخبت جورج بوش (الأب)”. ولفت نظرى أنه كان يتكلم بكل جدية وكأنه انتخبه فعلاً. قلت له: “الإنتخابات لم تبدأ بعد يا أندرو، كيف انتخبت أنت جورج بوش”. قال: “لأ يا بابا إحنا فى المدرسة بننتخب الأول، وبعدين لما تيجى الانتخابات أنتم الكبار تنتخبون”. حاولت فهم ما يقول، وتتبعت القصة، وجدت أن الأمريكان يُدرِسون الأولاد عن الانتخابات وعن الأحزاب، وعن نقط ضعف وقوة كل مرشح ثم يجرون لهم ما يشبه الإنتخابات، مع تعليمهم أهمية أن تمارس حقك الكامل فى الانتخابات، وأن تقول رأيك بحرية وأن رأيك سيفرق فى نتيجة الإنتخابات، ليس كما يفعل البعض من عمل المستحيل حتى لا يتسنى لفئة معينة من الشعب أن تجد طريقها لصناديق الإنتخابات. لقد قيل أن ما جعل أوباما الرئيس الحالى للولايات المتحدة الأمريكية رئيساً، هم طلبة الجامعات الذين تركزت أصواتهم لتأييده فى انتخابه رئيساً فى المرة الأولى. وقد قام القائمون على العملية الانتخابية للحزب الديمقراطى، حزب أوباما، بإعطاء البنات طلبة الجامعات ملابس داخلية مرسومة عليها صورته وكان البنات يمشون فى أماكن إقامة الطلبة فى الكليات بالبكينى المرسوم عليه صورة أوباما ودعاياته الانتخابية.

    لا بد أن يكون هناك عقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه بإيذاء طفل ايذاءً نفسياً أو بدنياً أو من أى نوع.

    إن أنجح وأضمن علاج للأطفال هو تعليمهم مبادئ المحبة والسلام والوفاق وفقاً لما علمه السيد المسيح، تبارك اسمه، ولعل الفرق بين من تربوا على محبة وتعاليم المسيح يسوع، تبارك اسمه، ومن تربوا على عكسها من كل الأديان، حتى من المسيحيين أنفسهم واضحاً جلياً فى كل الأطفال وكل الأوقات. فالكراهية مرض يفتك بكل جوانب حياة الطفل، فلا يمكن أن أعلم الولد أن يكره الطفل المختلف معه فى الدين أو العقيدة، وأن أعلمه أن يحب أقرانه من نفس الدين، فكأس النفس لا يمكن أن يمتلئ بالكراهية والحب فى نفس الوقت، ولا يمكن للحب والكراهية أن يمتزجا فى يوم من الأيام. علموا أولادكم التعبير عن الرأى، علموهم الحب فمن يزرع حباً يحصد سلاماً، ومن يزرع كراهية يحصد حرباً وخصامًا.

    اللهم احمى صغارنا من تأثير كبارنا، واغفر لكبارنا ما إرتكبوه فى حق أطفالنا. اللهم افتح بصائرنا وأيقظ ضمائرنا فنرعى صغارنا، بما يتماشى مع تعاليمك ووصاياك فأنت إلهنا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا