أكتب لمصر متضرعًا كما أتضرع لها محبةً

31

أشرف ونيس

لم يكن لطائر العنقاء بأسطورته الخالدة شيء من الامتلاك لواحدة من أعظم ملكات الإنسان قاطبة ألا وهي (التخيل) حين حمل على أجنحته سلام البشر وأمانهم وسار بهما في طريقه من حيث لا نعلم أين هو الطريق!!!

مصر، لا بل مصرنا، بل بالأحرى نحن، فلقد ذاب الفرق بين ما نعيش فيه ويحيا بنا على حد تعبير أحدهم، فما من حد أو حدود تفصلنا حبـًا عن بلدنا العزيز مصر، وما من سهل مهما تدنى انحدارًا أو جبل حتى وإن عظم ارتفاعًا قادر على شق الجسد الواحد إلى شطرين ما لم يغيب ذلك الجسد عن دنيا الحياة ويظل خاضعـًا لديمومة ناموس الوجود وهو العدم أو قل اللاوجود.

لم يكن اهتزاز قلوب كل من دُعي عليهم اسم مصر – حين لصق بتكون ذراتهم وتكوين خلاياهم فدمائهم – جرَّاء انزلاق صخر تماسكهم وصخور ثباتهم وسط رياح الظروف وعواصف الصروف، لكنه كان انصهارًا لمعدن بل معادن البشر وكل مَنْ اتخذ من مصر مرتعًا ومسكنًا ومقامًا، حين اشتد قيظ حياتهم واضطرام نيران ترنحهم تارة يُسرى وأخرى يُمنى بل أقصى ابتعاد ثم أدنى اقتراب، فامتزج حر حيرتهم بحرارة صلابة رسوخهم، وهنا تزلزلت أرض استقرار وتماسك وتمالك رباطة جأشهم، فصار استمرار الهدم ودوام التهدم لمثابرتهم وسعيهم هو المهيمن والمسيطر والمتسلط على أعناق الجميع دون استثناء لأحد أو إقصاء لبشر!!!

أهو شيطان أم طغمة منه؟! أهو قاتل وقتَّال ومن ثم اقتتال وقتل للأمل والرجاء، أم إنه جهل أثيري صعد من دائرة العدم والتصق بعالم الموجودات؟؟ ألعل شيئًا ما اجتث ضمائر العديد اجتثاثًا وطرحها بوهدة جهنمية تتصاعد ألسنة لهبها إلى أعالي سحب أسقف الفقراء وسحائب أساقفة كهنوت الظلم وعدم العدل؟ أم إنه مس من جنون قد أصاب الدماغ وما يحتويه من تلك المادة الرخوة – المخ – التي هي رأس جهازنا العصبي وتاجه، فدمر وأتلف وقوَّض نفسيات كثرة بل الأكثر ممن يشعرون إحساسًا وإدراكًا حتى استشعروا الخوف والخطر كما الاختفاء والتلاشي والفناء؟!

لقد تحامق مَنْ انتصب رأسًا على من حوله حين خدعه عقله كما خدعه مَنْ تسيد عليهم وقت أن اعتقد زورًا وبهتانـًا بأنه إله على معبودات له يخضعون ويسمعوه ويدينون له بالولاء، من ثَمَّ أذاق من عارضه مر العذاب، ولكنه تعامى عن حقيقة تقلبات البشر كما حُجِبَ عن استبصاره وتبصره ما يدور في العقول والقلوب وما يخفيه الغير بباطنهم وخلف حنايا صدورهم، فهل تطلع إدراكه وتداركه بواقعية حقيقة أن رفيق اليوم هو خصم الغد، وأن راضيًا الآن هو نفسه مَنْ يأخذه عناده فيما بعد؟…….. هذا وقد تكلس وتحجر كما تصلد الظن لدى مَنْ تبنى تلك العقلية التي تمرغت في وحل بل أوحال الخطأ – وذلك في كثرة من المستويات – بأن الأمور ستظل طوع يديه، وأن الأشياء ستظل طائعة لما يشير له ويأمر به!!!

فهل الدعاء من دون شيء معه كافيًا لأن يغير شيئا أم إنه لا بد من آخر معه؟ وهل كفايته لقلب الأشياء رأسًا على عقب تستدعى إنقاذنا ممن قلبوا علينا كل شيء بالدعاء عليهم؟ أم طلب الهداية لهم وهم باقون تواجدًا معنا وبيننا هو ما لا بد وضعه في الحسبان فكرًا وعملا وتنفيذًا؟ ليت الله يرى ويسمع وينزل ويخلِّص حتى نُبعث من بين قبورنا بل عدمنا، فنشعر بالوجود حياةً لا بالفناء وجودًا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا