أقباط المهجر

8

العدد 139 الصادر في إبريل 2017
أقباط المهجر

    مرة أخرى يتجدد الحديث عن أقباط المهجر مثلما يتجدد في كل مرة يتم فيها الكشف عن توقيت زيارة رئيس لجمهورية مصر العربية لأمريكا، الأمر الذي تكرر مع كل زيارة لكل رئيس سواء أكان أنور السادات أو مبارك أو السيسي، وواضح أنها ورقة يصر الكل على اللعب بها، وأطروحة يتم طرحها سواء من قلة قليلة من بعض الأقباط الذين هاجروا إلى أمريكا أو كندا بالذات، والذين عادة ما يطلق عليهم الناس في مصر اسم أقباط المهجر، علمًا بأن أقباط المهجر ليسوا المصريين المقيمين في أمريكا فحسب بل في كل الدول الأخرى التى هاجر إليها الأقباط المصريون لسبب أو لآخر، ويلعب بها أيضًا كل من الأقباط والمسلمين داخل مصر، أو حتى الحكومة المصرية نفسها. كلٌ يلعب بورقة أقباط المهجر لتحقيق أغراضه الدينية أو السياسية أو العرقية للضغط على الأطراف الأخرى، إما لضمان سكوتها وعدم تحركها للقيام بمظاهرات ووقفات واحتجاجات أمام مباني الحكومات والسفارات والبرلمانات، وخاصة أمام البيت الأبيض أو لحصول الأقباط في الخارج من الحكومة أو المجتمع المصرى على أكبر قدر ممكن من الانتباه والاهتمام والاعتراف بوجودهم وتأثيرهم على الأحداث في مصر، وربما لخلق هالة من المجد والكرامة حول عدد من هذه الكيانات أو بحثًا عن الأضواء أو ضمان استمرار الدعم المادي لهيئات معينة قبطية أو إسلامية أو التأثير على الرأي العام المصرى أو الأجنبي إلى جانب عشرات من الأسباب المعلنة والخفية، الشريفة المنطقية وغير الشريفة الوهمية غير الواقعية وغير المنطقية. وكما ذكرت سابقًا تتعدد طرق وأهداف وأساليب استخدام كرت أقباط المهجر بتعدد مستخدميه، من حكومة مصرية إلى جماعات إسلامية إلى أقباط مصر في الداخل والخارج أنفسهم.

    فعلى سبيل المثال لا الحصر تستخدم الحكومة المصرية كارت أقباط المهجر بالطرق والمناسبات والأغراض المختلفة كالآتي:

    1- لإحداث انقسام بين الأقباط أنفسهم سواء بين الأقباط الذين يعيشون في مصر والأقباط الذين هاجروا منها للدول المختلفة أو داخل كل فصيل منهم على حده، أي بين أقباط المهجر بعضهم مع بعض، أو الأقباط الذين يقيمون في مصر بعضهم ضد بعض، وبالتالي ضمان شرذمة هذه المجموعات وتفتيتها والتقليل من تأثيرها لسهولة ضرب كل منها على حده في الداخل والخارج. حيث أن أخلص وأشرف الحكومات تعلم وتعمل بالمبدأ الاستعماري الشيطاني “فرق تسد”، لأنها تعلم جميعها مدى فاعلية القول الكتابي أن “الاثنين خير من واحد والحبل المثلوث لا ينقطع سريعًا”.

    2- الهدف الثاني من استخدام كارت أقباط المهجر بواسطة الحكومات المصرية هو رسم صورة مغلوطة مشوهة كاذبة بإظهار أقباط المهجر على أنهم خونة غير وطنيين ومقاومين لبلادهم وحكوماتهم ورؤسائهم، مستغلين في ذلك إما حالة التغييب العام العالية التى يعيش فيها المصريون بالداخل والخارج منذ عشرات السنين، أو مستغلين أحقاد وكراهية كثير من المصريين المسلمين والأقباط على السواء ممن لم يتمكنوا من الفرار من مصر لسبب أو لآخر، وبالتالي فهم ينفسون عن حالة إحباطهم ومرارة فشلهم في الخروج منها بالوقوف بجانب الحكومة المصرية ضد إخوانهم أقباط المهجر.

    3- تستغل الحكومات المصرية أيضًا كارت أقباط المهجر في منع حصول الأقباط على حقوقهم المشروعة داخل مصر كأفراد أو جماعات وهذا من خبراتي الشخصية مع حكومة مبارك، فلقد قوبل بالرفض الشديد التام الموافقة على كل ترخيص لمشروع أو طلب خاص لي أنا شخصيًا في مصر من حكومة مبارك والسبب الوحيد الذي كان يكتب في تأشيرة الرفض على الطلبات المقدمة لمكاتب الأمن المصري هو “لعلاقته بأقباط المهجر”، وهم في كل مرة كانوا يشيرون فيها لأقباط المهجر كانوا يتكلمون عن جماعة قبطية أرثوذكسية معينة يعلمون جيدًا أنني لا أنتمي لها وليس بيني وبينها أية علاقات مباشرة أو غير مباشرة سوى الود والاحترام بسبب الإخوة في جسد المسيح، تبارك اسمه.

    4- تستغل الحكومات المصرية أيضًا كارت أقباط المهجر، مع الشعب المصرى، كشماعة تعلق عليها فشلها في كثير من المرات التى تخفق فيها بإقناع العالم أنه ليس هناك اضطهاد ممنهج للأقباط المصريين أو تمييزًا عنصريًا مستمرًا ضدهم، أو عند تهديد حكومات العالم بسحب المعونات المرسلة إلى مصر بسبب اضطهادهم للأقباط، فتصور الحكومات للعامة في مصر أن سبب فشلها هم أقباط المهجر الذين أعطوا صورة غير صحيحة لحكوماتهم وحكامهم الأجانب عن الحالة الدينية والأمنية في مصر.

    أما على الصعيد الإسلامي، المعتدل أو السلفي، فاللعب بكارت أقباط المهجر ووضعهم في خانة الخونة والمجرمين فينفعهم فيما يلي:

    1- إظهار بعض فئران الجحور وتلميعهم لأنفسهم على أنهم قادة المسلمين في مصر والوطن العربي وأنهم المدافعون عن الإسلام والمسلمين ضد تيار أقباط المهجر، أو كما يحلو لأحدهم أن يطلق علينا لقب: “كلاب المهجر”.

   2- اللعب بكارت أقباط المهجر من جانب بعض الإسلاميين يضمن استمرار تدفق مصاري “بيت المال” عليهم من دول لا تعرف العيش سوى على نفايات الاضطرابات والقلاقل واضطهاد الأقليات وخاصة المسيحيين حتى تخلق لها دورًا قياديًا في عالم المنظومة الإسلامية.

    3- يوفر اللعب بكارت أقباط المهجر من ناحية بعض الإسلاميين إمكانية  إظهار وخروج كمية ديناميتية من الكراهية والحقد للأقباط عمومًا ولأقباط ناجحين في المهجر لم يعودوا يعيشون أو يخضعون للسيطرة الإسلامية، والتعالي الديني الذي يمارسه المسلمون المصريين ضد المسيحيين في داخل مصر ومحاولة ممارسته خارجها، وخاصة بعد أن تحرر أقباط المهجر من الضغط الإسلامي الذي ربما كان السبب الأوحد أو في أقل تقدير السبب الأول في ترك هؤلاء الأقباط لأرض وطنهم الأم مصر واللجوء إلى دول العالم المختلفة، وتسول الراحة والإحساس بالكرامة والاستقلالية والحرية والعدالة الاجتماعية من بلاد وشعوب لم يكن لها وجود على وجه البسيطة يوم كانت مصر مقدام دول العالم في الأمن والأمان والخير، ومشاركة الشعوب الأخرى في خيرات الله التى أغدقها عليها من كل ناحية.

    ٤- اللعب بكارت أقباط المهجر أيضًا من قبل السلفيين يقنن ويوطد ويدعم دور التيار السلفي ضد الأقباط بالداخل والخارج ويساعد في محاولاتهم لتصوير أنفسهم بأنهم حماة الإسلام في مصر والحافظون لها من سموم أقباط المهجر، والمنفذون للقول: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

    أما على الصعيد القبطي نفسه فاستخدام كارت أقباط المهجر يكون بكشف النقاب عن المعاناة اليومية المستمرة للأقباط في مصر وخطورة الاستمرار في هذه المعاناة على كل من الأقباط والمسلمين ومصر نفسها ولذا فإن بعض أقباط المهجر يحاولون الاتصال بحكومات بلادهم التي استوطنوا فيها أو رجال مجالس شيوخها ونوابها ويشرحون لهم مساوئ هذه الحكومة أو تلك ومدى الاضطهاد الذي يعانية الأقباط في مصر ويطلبون منهم اتخاذ مواقف حازمة رادعة تجاه الحكومات المصرية ومنع المساعدات والقروض عنها أو توجيه وتأكيد الاتهامات الحادثة من أو الملصقة بالحكومات المختلفة، وبعضها ينظم مسيرات أو مظاهرات وتحاول أن تحشد أكبر قدر ممكن من المصريين أمام البيت الأبيض أو البرلمانات المختلفة للدول الخارجية مع تأكيدي التام أن مظاهرات البيت الأبيض لم تعد تنفع في اليوم الأسود. لعدة أسباب أذكر منها القليل وهي:

    ١- إن أقباط المهجر اسم كبير أطلق على محتوى صغير بالنسبة لتعدادهم وتنظيماتهم والتأثير الذي يمكن أن يحدثوه في مصر والبلاد التى هاجروا إليها، ففي أحسن وأحدث التقديرات قدر تعداد أقباط المهجر بثلاثة ملايين مصري أي أقل من تعداد سكان حي شبرا بالقاهرة.

    2- أقباط المهجر ليسوا  كيانًا واحدًا موحدًا معروفًا، العدد والهوية يتواجد في مكان واحد وله أهداف محددة واضحة، فهناك تجمعات وكيانات قبطية في أكثر من ٥٥ دولة على مستوى العالم، لذا فمن رابع المستحيلات أن تتوحد صفوف هذه الجماعات والتخلي عن أجنداتهم الشخصية والتركيز على القضية القبطية وإيجاد حلول جذرية لمشكلة معاناة أقباط مصر.

    3- رياسة الكنيسة القبطية في مصر لا خيار لديها إلا أن تتخذ جانب الحكومات المصرية وتأييدها في كل ما تعمل خيرًا كان أم شرًا والسكوت عن المطالبة بحقوق شعبها القبطي، والتظاهر بالشكر والعرفان بالجميل إذا ما وعدوا بأن كنائسهم التى أحرقها المسلمون المتطرفون سيعاد بناؤها في خلال عام واحد، بالرغم من إغفال حقيقة وجود أربعة من صغار الكنيسة في السجن. وإذا ما ظهر في الأفق أنه يبدو أن الإخوان المسلمين هم الذين سيخطفون الحكم من المصريين وأن هناك احتمالاً كبيرًا لتولي مرسي مرشح الإخوان المسلمين الحكم سارعت قيادات الكنيسة على اختلاف طوائفها بالارتماء في أحضان الإخوان ومقابلة المرشد ونائبه وبطانته ومغازلتهم ومد الجسور بينهم، وإذا ما قرر الرئيس السيسي نزع الحكم من مرسى ممثل الإخوان المسلمين في مصر وقف قادة المسيحيين ليمتدحوا خارطة الطريق ونسوا أو تناسوا ما قالوه وما عملوه لمد الجسور مع مرسي وقادة الإخوان، بل وفي بعض الحالات تطرفوا في التأكيد على أن المسلمين والمسيحيين نسيج واحد في مصر وأن الأقباط ليسوا بمضطهدين في داخل بلادهم وبيوتهم، وعاش الصليب مع الهلال، وبالتالي الوقوف ضد كل مظاهر التعبير عن الاضطهاد ضد الأقباط، سواء أكان بوقفات أمام البرلمانات الأوربية والأمريكية، أو تنظيم مسيرات وقت زيارة رئيس مصر لهذه الدول وغيرها الكثير. ولذا فإن الكنيسة تسارع بتهدئة أقباط المهجر قبل كل زيارة لزعيم مصري لأمريكا، متجاهلة الفرق الكبير والهوة الشاسعة بين دول هاجرنا إليها ويمكن بكل سهولة أن يضْرب العامة من شعبها رئيسها بالبيض والطماطم، وبين شعوب يضربها رؤساؤها على رؤوسها حتى تفقد النطق والسمع والبصر فيسهل اقتيادها كالمركب العملاق في وسط المحيط إلى حيثما شاء قصد المدير.

    ولدراسة قضية أقباط المهجر ومدى تأثيرهم على مجريات الأمور لا بد من دراسة أسباب هجرتهم إلى الدول التى هم فيها مقيمون. فعدد قليل منهم هم الذين تركوا مصر بمحض إرادتهم وباختيارهم الحر بحثًا عن بريق العيش في دول أجنبية. أما الأسباب الحقيقية لترك الغالبية العظمى لمصر فهي:

    ١- الإحساس بالقهر والظلم وعدم المساواة بين المسيحيين والمسلمين في الحقوق والواجبات وكأن الناس في مصر درجات وفقًا لأديانهم. ذلك الإحساس الذي يبدأ مع القبطي المصري منذ نعومة أظفاره حتى قبل دخوله الحضانة أوالمدرسة الإبتدائية، ويستمر معه طيلة حياته إلى أن يتغمده الله سبحانه برحمته ويأخذه إلى مثواه الأخير، الأمر الذي اختبرته أنا شخصيًا في طفولتى عندما سخرت منى مدرستي أمام تلاميذ صفي المدرسى لأنني أجبت عن سؤالها، بنعم، عندما سألتنى إن كان المسيح عيسى ابن مريم- تبارك اسمه – هو الله أم لا، وعندما أجبت بنعم حسب ما سمعت من والديَّ وما تعلمته كطفل في مدارس الأحد، سألتنى: هل كان المسيح يأكل ويشرب ويدخل إلى دورة المياه لقضاء حاجته؟ أجبت أيضًا بنعم، فقالت ضاحكة ساخرة ساخطة محقرة مني متهمة إياي بالغباء، وهل يأكل ويشرب الله سبحانه؟ وهل يدخل الله إلى دورة المياه؟ فأسقط في يدي وكطفل لم أكن أعرف كيف أجيب على أسئلتها، فتلعثمت وجلست في مكاني منكس الرأس محمر الوجه دامع العينين والأرض تدور بي وبرأسى الصغير وخاصة عندما ضحكت وضحك طلاب الفصل جميعًا وراءها، الأمر الذي حفر في مخيلتي ومازلت أتذكره إلى الآن بعد مرور أكثر من خمسة وخمسين عام على هذه الواقعة.

    ٢- الأمر الثاني الذي يدفع الأقباط لترك بلادهم دون رجعة وينضمون إلى تعداد أقباط المهجر يرجع ليس لسبب اضطهادهم كأطفال في المدارس الإبتدائية فحسب بل وفي الكنائس أيضًا، فكم من مرة كنا كأطفال نذهب إلى الكنيسة لحضور فصل مدارس الأحد تحف بنا صياحات جماعة من الصبية المسلمين الذين كانوا يعيروننا لأننا أقباط ويغنون لنا الأغنية الشهيرة في أيامنا الخوالي التى مطلعها “الكنيسة خربت والقسيس مات، أخص عليك يا قبطى يا بتاع البنات”، وكم من مرة ألقى هؤلاء الأطفال المسلمون بأكياس التراب والزبالة علينا ونحن نجلس في كنيسة الإيمان بحي الأربعين بالسويس أو كنيسة نهضة القداسة ببابا دبلو بشبرا وغيرها من الكنائس، الأمر الذي حفر ذكريات سيئة في داخل عقولنا وقلوبنا والذي ساهم بشكل أو بآخر بالرغم من مرور عشرات السنين على وقوع مثل هذه الأحداث، ساهم في قبولنا قرار الفرار من مصر، فصرنا والعياذ بالله في ليلة وضحاها من أقباط المهجر، المغضوب عليهم من الشعب والحكومات المصرية.

    ولرب قارئ يتعجب ويسأل ألم يتغير الزمان الذي حدثت فيه كل هذه التعديات من المجتمع الإسلامي الذي نعيش فيه؟! ألسنا في أهنأ أيامنا كمسيحيين في مصر، فلماذا الحديث عن الماضى وخبراته حسنة كانت أم سيئة؟! أقول إن التعديات في المدارس والجامعات وضد الكنائس مازالت كما كانت في القديم، مع فارق واحد فقط وهو استخدام وسائل وطرق حديثة ومتطورة للوصول إلى نفس النتائج المخيفة التى كانت تحدث لنا ونحن أطفال، فبدل من استخدام الزبالة والتراب في رشق الكنائس بها أصبح استخدام الرصاص والقنابل والمتفجرات هو البديل للزبالة والتراب، وبدلاً من غناء جماعة من الأطفال  وراءنا كمسيحيين في الشوارع والطرقات أصبح الغناء والهجاء يذاع في الراديو والتليفزيون والمحطات الفضائية العالمية، وبدل من أسئلة شفهية تسألها المدرسة المتعصبة المتطرفة لتلميذ غض صغير لا خبرة عنده في الإجابة على أسئلتها أصبحت نفس هذه الأسئلة تطبع وتدرس في الكتب المدرسية الحكومية، وأصبح التلميذ محاصرًا من كل جهة فأساتذة اللغة العربية الذين يصححون كراسات الإجابة لمادة اللغة العربية في الامتحانات النهائية كالإعدادية والثانوية العامة لابد أن يكونوا من المسلمين، وأصبح من اليسير جدًا على المصحح أن يعرف ورقة الإجابة الخاصة بالتلميذ المسيحي من الورقة الخاصة بالتلميذ المسلم، فالتلميذ المسلم لابد أن يبدأ إجابته على الأسئلة وفي السطر الأول من أول صفحات الإجابة بكتابة “بسم الله الرحمن الرحيم”، أما التلميذ المسيحي فلا يمكنه كتابة هذه البسملة وبالطبع لا يمكنه كتابة “باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين”؛ فإن كتبها أو لم يكتبها فسيان، فعدم كتابته للبسملة الإسلامية لخير دليل على كونه مسيحيًا، يقوم بتصحيح ورق إجابته أستاذ مسلم ويراجع درجاته أستاذ مسلم إذا فلا راداً لقضاء الله. ثم اختراع أساليب أخرى من سرقة أوراق النابغين من الطلبة المسيحيين وإعطاء كراسات إجاباتهم بالكامل لابن أو أكثر من أبناء رؤساء الكنترول أو لجان الامتحانات المسلمين، الأمر الذي حدث مع إحداهن وهي المعروفة بالطالبة مريم صاحبة الصفر الأشهر في الثانوية العامة، بالرغم من تفوقها وشهادة الكل بذلك.

    3- سبب آخر لهجرة أقباط المهجر وفرارهم من مصر آمنين هو عدم حصولهم على فرص متساوية في الجامعات والتعليم الجامعي. فعلى سبيل المثال الطالب المسلم يمكنه الالتحاق بكلية طب الأزهر بمجموع ٨٥٪ بينما الطالب المسيحي لا يمكنه الالتحاق بكلية من كليات الطب غير الأزهرية حتى إذا حصل على ٩٥٪ حيث أن لا أزهر ولا كليات أزهر يمكن أن تقبل الطلبة المسيحيين، وحيث أنه لن يسمح بإنشاء جامعة مسيحية تسمى “بالجامعة القبطية” أو غيرها من الأسماء لتقبل طلبة الثانوية العامة المسيحيين فقط بمجموع أقل من أو حتى مساوي لأقرانهم المسلمين، وحتى دخول الجامعات الأهلية هو لنوعية معينة وفئة قليلة من البشر القادرين على دفع رسوم الالتحاق والدراسة بها. وإذا شاءت العناية الإلهية أن يلتحق القبطي بكلية الطب حرم عليه بعض التخصصات والتعيينات في الجامعات ولا شك أن قصة حياة العالم القبطي الدكتور مجدي يعقوب هي خير دليل على ما أقول، وهي أبسط إجابة على السؤال: لماذا يهاجر أقباط المهجر ويتركون مصر إلى غير رجعة!

    إذًا، فأقباط المهجر في العالم كله هاجر الغالبية العظمى منهم لا طوعًا واختيارًا بل قصرًا وإجبارًا، وإن كان الحال هكذا، فكيف نطلب ممن أجبر على ترك دياره عنوة وذهب إلى بلاد احترمته وعاملته على أنه إنسان مبدع خلاق محترم مساوٍ لأكبر الرؤوس في البلد الذي هاجر إليها، فلا فرق عندهم بين عربي وأعجمي وأمريكى أو كندي إلا بالعمل الجاد والربح القانوني، وأعطت له هذه البلاد الفرصة أن يثبت نفسه كمواطن كامل الأهلية بغض النظر عن دينه وعرقه ونوعه وجنسه وساوت بين الرجل والمرأة، فالرجال غير قوامين على النساء عندهم ولم يفضل الله بعضهم على البعض درجة أو درجات، وأتاحت هذه البلاد له الفرص كمهاجر ليعمل فيما يريد وكافأته هو وأولاده المتفوقين وسهلت لهم العيش، حتى للمعاقين وغير القادرين على العمل، سهلت لهم التملك لأراضيها وبيوتها وطياراتها ويخوتها. ومن الأمور التى كانت غريبة علي عندما جئت إلى أمريكا، وقد كنت يومها بلا عمل لأنني كنت أدرس للحصول على شهادة الدكتوراه في طب الأسنان، فكان دخلي يومئذ قليلاً جدًا، أقل من الحد الأدنى للأجور الذي حددته مصلحة الضرائب الأمريكية، ففوجئت في نهاية العام وبعد أن قدمت الإقرار الضريبي الخاص بي وبعائلتي أن مصلحة الضرائب أرسلت لي خطابًا يحمل داخله شيكًا حكوميًا بمبلغ من المال وقالوا لي هذا من حقك صرفه والاستفادة به، كان وقع الأمر عليَّ كالصاعقة، فصورة مأمور الضرائب المصرى ومصلحة الضرائب المصرية في ذهني كانت هي “رجل سخيف بدين يكاد الشحم أن يقفز من عينيه، يلبس بدلة ورباط عنق، يزورك على غير توقع منك، ويدخل إلى عيادتك كاللص ويقوم بعد مرضاك، وأفراد عائلاتهم المرافقين لهم، يعدهم جميعًا على أنهم مرضى جاءوا للعلاج بعيادتك، ويتلصص النظر إلى قائمة أسعارك التى كنا نقوم بتعليقها في غرفة الانتظار، ثم يقوم بعمل حسبة خاصة لا يعرف طريقتها إلا هو، ويقرر على أساسها مبلغ من المال يصدمك برقمه، يضعه عليك كمستحقات ضريبية ينبغي عليك تسديدها لمصلحة الضرائب، وعادة ما يكون المبلغ كبيرًا جدًا ومبالغ فيه، وكل منكما، أنت ومأمور الضرائب، تعلمان أن هذا الرقم غير واقعي ومن رابع المستحيلات أنك بقادر على دفعه، والسبب في ذلك أن تقدير الضرائب ودفعها في مصر ما هو إلا حلبة مصارعة يتصارع فيه كل من صاحب العمل أو العيادة أو الدكان ومأمور الضرائب، فيبدأ مأمور الضرائب بالضربة الأولى بلكمة في وجهك بالرقم المبالغ فيه، وعندما تفيق من تأثير هذه الضربة وتحاول أن توجه لخصمك في المقابل ضربة منك بأن تقدم لخصمك الأدلة الرسمية والبراهين العملية والتأكيدات المنطقية من الدفاتر والمستمسكات الخاصة بك أن دخلك أقل جدًا من تقدير سيادته، يفاجئك حضرته بضربة أخرى وهي أن دفاترك ومستمسكاتك هذه لا قيمة لها ولا يؤخذ بها وأنك كاذب ومزور ومتهرب من الضرائب وتنتهي الجولة الأولى بهزيمتك أمام العاملين معك في المكتب أو العيادة، فتضطر أن تصمت ويصمت الآخرون، ثم تبدأ الجولة الثانية فيملي من كسب الجولة الأولى عليك شروطه بأن الجولة الثانية لا بد أن تكون في مكتبه الشخصي الخاص به، وفي بعض الحالات على قهوة الحاج فلان وفي ميعاد لابد أن يكون في المساء وبعد انتهاء ساعات العمل، ولا بد أن تكون هذا الجولة دون تواجد متفرجي أو مشجعي أي من الطرفين بل بينه وبينك فقط، وفي النهاية سترضخ إن شئت أم أبيت لابتزاز السيد مأمور الضرائب وستضطر أن تقبل رأي وعرض سيادته بأن يغير سيادته تقديراته إلى الثلث وهذا المبلغ يسدد إلى مصلحة الضرائب لزوم تغطية نتائج الصفقة المحرمة، والثلث الثاني يقبضه كاش منك وهذا يدخل في جيبه والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه إن سيادته قد عفاك عن دفع ثلث المبلغ المقرر فلتفرح ولتتهلل به وتشكره على كرمه ومساعدته لك وتخفيض المبلغ الذي كان مقدرًا لك أن تدفعه لمصلحة الضرائب. هذه هي الصورة في ذهني لعملية دفع الضرائب في مصر، هذا ما جعلني في حالة من الصدمة العصبية والنفسية غير مصدق أن مصلحة الضرائب الأمريكية التى لم أدفع لها، في تلك السنة مليمًا واحدًا  كضرائب، تدفع هي  لي آلاف الدولارات، وعند سؤالي عن سبب إرسال هذا المبلغ لي، قال الرجل الذي ساعدني في إعداد الإقرار الضريبي الخاص بي: “لأنك اشتغلت وبذلت جهدًا في العمل وحصلت على أقل من الحد الأدنى من الدخل لمن ينبغي عليهم دفع ضرائب عن دخولهم، لذا فمسؤلية مصلحة الضرائب أن ترسل لك مبلغًا من المال حتى تساعدك على تسديد احتياجاتك وتشجعك على العمل الأكثر والانتاج الأوفر. عندها قلت لنفسي إنه يمكنني أن أطبق القول الوارد في الكتاب وصفًا لهذه الحالة: “من الآكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة”.

    ولا شك أنه يمكنني أن أكتب أكثر من مجلد عن الأسباب التى جعلت أقباط المهجر، أقباط مهجر، لكني أكتفي بهذا القدر.

    وللاستفادة من إمكانيات وقدرات وعلاقات أقباط المهجر لابد للكنيسة المصرية على اختلاف طوائفها أن تبعد عنهم، ولا تمارس الوصاية عليهم،  وتترك لهم حرية التصرف في قضيتهم القبطية الداخلية والخارجية. وأنا أرى أنه إن لم تترك الكنيسة أقباط المهجر أن يتعاملوا مع القضية القبطية، في البلاد التى هُجِّروا إليها، بطريقتهم الخاصة وإن لم تقف على أقل تقدير على الحياد منهم، فلا تأخذ صف الحكومات المصرية والمسلمين وتقاوم كل محاولة لإصلاح الحالة الدينية المسيحية القبطية في مصر يقوم بها أقباط المهجر، أو أن تنحاز لصف المسيحيين وأقباط المهجر بإتخاذ موقف يترجم حتمًا على أنه موقف عدائي للحكومة المصرية، فتبدأ موجات أخرى من الاضطهاد الذي لا يعرف إلا المولى، سبحانه وتنازل إلينا في السيد المسيح، ما سيصل إليه مآلها من تعقيد وسوء. إن لم تقف الكنيسة وقياداتها على الحياد، فسيصل الأقباط إلى نقطة اللارجعة، نقطة الانفجار، وستنعزل الكنيسة كمؤسسة سياسية وستواجه من أولادها بالتمرد عليها، ولن يعد هناك ما سيقف أمام أقباط المهجر من قيم وضوابط واعتبارات اجتماعية أو كنسية أو حتى أخلاقية عند التعامل مع القيادات الكنسية القبطية في مصر.

    وعلى الجانب الآخر، فإن الحقيقة التى لابد من مواجهتها ودراستها وتقييمها هي أنه إذا استمر أقباط المهجر بوضعهم وصورتهم الحالية من تفكك ولا مبالاة وانقسام وطائفية، فلن يكون لهم تأثير أو تواجد فعال في قضيتهم القبطية القديمة المتجددة. فقد أصبحت كيانات وتجمعات أقباط المهجر اليوم موضة قديمة لا نفع لها ولا تأثير حقيقي على الأمور في داخل مصر أو خارجها، فأقباط المهجر منقسمون على ذواتهم العنترية ومشغولون بمصالحهم الشخصية ومغموسون في تطلعاتهم الوقتية وولائمهم المحبية، والحاذقون منهم يعلمون أنهم يلعبون بكارت خسران خسران خسران. فالكنيسة المصرية، لسبب أو آخر ضدهم، والمسلمون ينتظرون فناءهم، والحكومات تنتظر أن تتخلص منهم يومًا يلقون حتفهم؟!

    والحقيقة الواضحة أيضًا أن لا الكنيسة ولا الدولة المصرية تعرف كيف تستفيد بأقباط المهجر وإمكانياتهم السياسية والمادية والبشرية والعلمية، فالكنيسة لم تتعود أن تعتمد على أولادها وتعتبرهم كبار السن والخبرة بدرجة كافية، يمكنهم معها أن يتحملوا المسؤلية أمام الله والناس، مهما كانت خبراتهم وأعمارهم وأهمية مواقعهم العلمية والمجتمعية، ففكرة الأبوة الروحية والسيادة البابوية أو المطرانية أو القسوسية خلقت جيلاً خانعًا متواكلاً لا يعرف كيف يعتمد على ذاته في ممارسة شؤونه الخاصة، فكم وكم إذا كان الأمر يتعلق بأمر الكنيسة. واعتماد الشباب المصرى القبطي على الرياسات الكنسية وتحريكه بالأوامر والنواهي والحل والربط والحرمان والمنح والسجود وتقبيل الأيادي ولمس الأرض أمام الكبار خلق أجيالاً من المشوهين المعوقين! فمن لا يستطيع أن يقرأ كتاب الله المقدس في اجتماع كنيسة الله دون أن يسمح له الأكبر منه رتبة كهنوتية وأن يرشم له الصليب أولاً كيف يمكنه أن يقف في وجه السلطات والرياسات والبرلمانات ليدافع عن القضية القبطية دون موافقة الكنيسة، والكنيسة تجامل الحكومات وتزايد وتساوم على حساب القضية القبطية، وتتحجج بحجج واهية وأمثلة عفا عليها الدهر ولم يعد هناك إمكانية لإعادة استخدامها فما حدث مع البابا شنودة الثالث يوم حدد السادات إقامته في الدير لا يمكن تكراره من شخصية حكيمة كعبد الفتاح السيسي وإن حدث لأي سبب مهما إن كان،  فرد فعل الأقباط الذين اشعلوا الشرارة الأولى في ثورة يناير التى أطاحت بمبارك وبطانته مازالوا بقادرين على إشعال شرارة وشرارات آخر كثيرة، والدليل على  ذلك أن الكنيسة ترسل الوفود قبل زيارة كل رئيس مصري لمقابلة أقباط المهجر لتهدأتهم ومنعهم من الخروج للتظاهر ضد رئيس جمهوريتنا، معتمدة على نفس المنطق السلطوي العقيم المعبر عنه بابن الطاعة تحل عليه البركة، وبالرغم من رفضي التام للانضمام إلى تجمعات قبطية أو غير قبطية أمام البيت الأبيض وذلك لإيماني أن البيت الأبيض ليس مدعوًا ولا مرغوبًا فيه على الأقل من جهتي لحل المشاكل المصرية الداخلية أو الخارجية، لكن  الحقيقة التى لا يمكن تجاهلها أن ترك أقباط المهجر يعبرون عن ما بداخلهم بحرية كاملة وبأسلوب حضاري يليق بمكانة مصر في العالم، أمام البيت الأبيض أو غيره من البيوت والبرلمانات سيولد إحساسًا داخل أقباط المهجر بحريتهم وكرامتهم وتأثيرهم في الأحداث وسيعمل العدد الكبير منهم في النهاية على خدمة مصر بشتى الطرق. وسنظهر أمام العالم كله بمظهر حضاري وحرية حقيقة تصل إلى درجة أن تسمح الحكومة بوقفات احتجاجية لشعبها المهاجر. مسيحيين كانوا أم مسلمين. علمًا بأن لا أمريكا ولا أية دولة في العالم يفرق معها وقوف المئات أو حتى الألوف أمام سفاراتها أو برلماناتها أو بيوتها على اختلاف ألوانها. فما يؤثر في العلاقات الدولية بين الدول ليس إلا المصالح والمطامع المشتركة أو المتعارضة، فمظاهرات البيت الأبيض لا ولم ولن تنفع في اليوم الأسود. وفي النهاية كمواطن مصري فإنني أرحب بزيارة رئيسنا المصري عبد الفتاح السيسي لأمريكا، وأصلي أن تكون زيارته زيارة مثمرة مباركة له ولمصرنا ولنا نحن “أقباط المهجر”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا