أصل المرارة والعداء مع إسرائيل

7

العدد 108 الصادر في سبتمبر 2014
أصل المرارة والعداء مع إسرائيل

    كتبت فى مقالى المنشور فى العدد يونيو 2014 “مين فرعن الفرعون” عن المصيبة الكبرى، مصيبة بيع المصريين أنفسهم وأولادهم كعبيد لفرعون مصر، بالإضافة إلى تخليهم عن أراضيهم وممتلكاتهم، عندما جاعوا ولم يجدوا من الفتات ما يحفظ لهم كرامتهم وحياتهم، تلك المجاعة التى استغلها يوسف بن يعقوب، الإسرائيلى، الذى بيع من إخوته عبدًا لقافلة إسماعيليين نازلة إلى مصر والذين باعوه بدورهم عبدًا لفوطيفار رئيس شرط فرعون ثم انتهى به المطاف ليصبح عبدًا لفرعون، بالرغم من كونه قد أصبح الرجل الثانى في حكم مصر بعد فرعونها الرئيس، وهكذا لازمته صفة العبد منذ أن خلع عنه إخوته قميص الابن الملون الذي صنعه له أبوه حتى مات في عبوديته بأرض مصر ودفنه إخوته فيها، وكأنه مع خلع هذا القميص الملون بألوان الحرية والسيادةوالسلطان، قد خلع حريته وهويته وبنوته ليعقوب أبيه، وقَبِلَ روح العبودية، وارتضى أن يحيا عبدًا، بعقلية ومحدودية وطبيعة العبد أولاً: خوفًا على نفسه  من فتك إخوته به أن اعترض وقاوم واستمات فى رفض العبودية وصفة وطبيعة العبد، ثانيًا: خوفًا من شر الإسماعيليين الذين دفعوا فيه ثمنًا بخسًا بالمقارنة بأصله الحر وعائلته التى كانت من أغنى عائلات الأرض يومئذ، وعمره الذي لم يتجاوز السابعة عشر، وغيرها من المميزات التى كان يتمتع بها يوسف لكنها لم تحسب فى ثمن شرائه كعبد، ثالثًا: خوفًا من رئيس الشرط فى مصر، وهكذا اسْتُعْبِدَ من فوطيفار، الذى لم يذكر الكتاب المقدس كم دفع من مال في شراء يوسف كعبد ليحصل عليه، وأخيرًا اسُتْعِبد من الفرعون الكبير والرئيس الذي بقي له يوسف عبدًا إلى أن مات وذهب إلى مولاه، وهنا أقرر أن كل من يتعامل ويخشى ويساوم ويقدم تنازلات لروح الخوف، ويقبل الخضوع لروح العبودية، بغض النظر عن جنسيته، ديانته أو نوعيته، لا بد أن يعيش ويموت عبدًا، يفكر ويتصرف كعبد، يحلم ويتطلع كعبد، يتكلم ويحيا كعبد، وويل للأمة أو الجماعة أو الأسرة التى يحكمها عبد أو من يحيا بعقلية العبد!! ، اللهم إلا إذا كسر وتحرر من روح العبودية الشرير الذي يجعل من البشر، الذين خلقهم الله أحرارًا يجعلهم عبيدًا للرؤساء، والحكومات، ورجال الدين وكل من هم فى سلطة أو حتى عبيدًا لأنفسهم ورغباتهم وشهواتهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم وغيرها من وسائل الشرير فى إبعاد خلق الله عن الحرية وحلو طعمها. وتأتي دراستى هذه فى سياق اكتشاف جذور المشكلة المصرية والأرواح المسببة لها، لا لمجرد الانتقاد أو الحط أو الانقاص من مكانة أحد، مصريًا كان أو إسرائيليًا، حيًا كان أم ميتًا، من عامة الناس أو فرعونًا من الفراعنة أو رجل من رجالات الله العظام فى الكتاب المقدس كيوسف، الذي نُعَرِّفُه فى كنائسنا بيوسف الصِّديق، بل هذه الدراسة ما هى إلا محاولة لمعرفة أصول وجذور الأمور كما قلت ولكي نستطيع أن نعالج كل ما يعترضنا من مشاكل مجتمعية وأمراض دينية وروحية.

    والسؤال الذى يطرح نفسه بشدة فى هذا المقام هو، ألا يمكن أن تكون معاملة يوسف الصديق! للمصريين هي السبب الأول فى بداية كراهية المصريين لإسرائيل، وكل ما يأتى من إسرائيل، وكل من هم فى إسرائيل حتى اليوم؟ ولربما سأل سائل، متعجبًا!، ولماذا لا تكون معاملة المصريين ليوسف عندما اشتروه عبدًا ثم وضعوه فى السجن هي التى تسببت فى هذه الكراهية من أصلها؟ والحقيقة هى أننى استبعد أن يكون المصريون هم الذين بدأوا بالكراهية والمعاملة السيئة ليوسف وكانوا سببًا فى هذه العداوة، وذلك للأسباب التالية:

    أولاً: لأن المعروف، حتى فى هذه الأيام الغبراء التى نعيش فيها حاليًا، أيام الفقر والاحتياج والمشاكل والكذب والخداع والصراع والمجاعات والحروب والتنكر للأهل والأصدقاء، المعروف عن المصريين حتى الآن، أنهم شعب طيب الأعراق، مسالم، مِضْيَاف، شهم، كريم، مرح، هذه الصفات التي كانت ولا تزال تميز المصريين كشعب حتى اليوم، فكم وكم كانت صفاتهم فى القرون الهادئة الخوالي يوم أن كان عددهم واحتياجاتهم أقل، مشاكلهم وأمراضهم أبسط، أرضهم وزراعاتهم أخصب، ونيلهم كان بلا سدود يسرع الخطا في اشتياق إلى أرض مصر بالخير الوفير كل عام!، حتى حق وصف المولى – تبارك اسمه- لأرض مصر بأنها “كجنة الرب” وغيرها من مميزات تلك القرون التى مضت ولن تعود.

    ثانيًا: عندما نزل يوسف الصديق إلى مصر لم ينزل سيدًا واستعبده المصريون إنما نزل عبدًا مع قافلة الإسماعيليين الذين باعوه عبدًا إلى رئيس الشرط فى مصر، وواضح أن رئيس الشرط كان عادلاً فيما يختص بمعاملاته مع الصديق وذلك يتضح مما يلى:

    أ- لأن فوطيفار لم يستول على يوسف من قافلة الإسماعيليين دون أن يدفع ثمنًا له كما يفعل عادة بعض رجال الشرطة (وأقول بعضًا وليس كل رجال الشرطة) فى كل بلد ومكان وزمان، فى استغلال نفوذهم والاستيلاء على ما ليس لهم، فهم، أي البعض من رجال الشرطة، لم يتعودوا على العمل بأيديهم، فمعظمهم لا يزال يعيش فى عصر البهوات والباشاوات أولاد البهوات والباشاوات وبعضهم ذو قرابة لمسؤل حكومى كبير أو رتبة عالية فى الدولة أو الجيش أو البوليس، ولهذا تم قبولهم فى كلية الشرطة وإلا لما دخلوها مهما كانت الظروف، فبرغم أننا فى مصر، منذ أن قرر عبد الناصر ذلك، قد ألغينا لقب البيه والباشا، لكننا لازلنا نسمعه فقط عند التحدث مع ضابط البوليس.

    ب- السبب الثاني الذى يدل على عدل فوطيفار رئيس الشرط المصرى فى معاملته مع يوسف الصديق هو أنه بالرغم من صعوبة أن يثق كثير من الرجال فى آخر غير نفوسهم، أو يسمحوا لرجل أو لذَكَرٍ حتى لو كان هذا الآخر مِحْرِمًا ومن المفترض دينيًا أن لا خوف منه أن يكون فى محيط تواجد زوجته، وخاصة إذا كان الزوج غائبًا بعيدًا عن زوجته وعن بيته في معظم الأوقات نظرًا لطبيعة عمله، فكم وكم إذا كان زوج المرأة ضابطًا بل ورئيسًا للبوليس! ، من يتعامل مع نوعيات مختلفة من البشر أغلبهم، أقل ما يقال عنهم إنهم غير أمناء وغير مُخْلِصين، بالرغم من كل هذا، إلا أن رئيس الشرط هذا قد وثق فى يوسف حتى قيل عنه في سفر التكوين4:39 “فوجد يوسف نعمة في عينيه وخدمه فوكله (رئيس الشرط فوطيفار) على بيته ودفع إلى يده (يد يوسف) كل ما كان له. فترك كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرِف شيئًا إلا الخبز الذي يأكل”. وهذا ما قَدَّرُه يوسف نفسه تقديرًا كبيرًا حتى إنه عندما طلبت منه امرأة فوطيفار اللعوب أن يضطجع معها “فابى وقال لامرأة سيده: «هوذا سيدي لا يعرِف معي ما في البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدي. ليس هو في هذا البيت أعظم مني. ولم يمسك عني شيئًا غيرك لأنك امرأته فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلَى اللهِ؟” أي أنه باعتراف يوسف نفسه أن سيده رئيس الشرط عامله معاملة شخص عظيم فى بيته وليس كالعبد، وائتمنه على كل ما فى بيته وسمح له أن يكون فى محيط تواجد زوجته حتى لو كانا بمفردهما، ولم تكن شريعة رضاعة الكبير معروفة في تلك الأيام ولم تكن من شريعة الفراعنة يومئذ فى شئ، ومع ذلك لم يمنع فوطيفار عن يوسف شيئًا سوى امرأته، وهذا يدل على طريقة معاملة فوطيفار له، إذن فمن الواضح أن العداوة لم تنشأ من المصريين بل من يوسف الصديق. والأمر الثالث الذى قد يكون قد سبب العداوة بين يوسف الإسرائيلى والمصريين هو ما ورثه يوسف وسمعه من يعقوب عن تصرفات هاجر المصرية مع ساراى سيدتها امرأة إبراهيم، فعندما اكتشفت هاجر كأمة أنها تمتلك شيئًا تفتقر له سارة سيدتها وهى أنها حبلى بإسماعيل من إبراهيم، تصرفت لا كالمصريين الشرفاء بل كالعبيد والإماء تجاه سيدتها، وصغرت مولاتها فى عينيها ومن الواضح أنها لم تعد تخضع لساراي كسيدتها بل تمردت عليها وبالتالى فما كان أقسى ردود أفعال ساراى تجاه أمتها هاجر، ويقول تنزيل الحكيم عن ما عملت سارة بهاجر “فاذلتها ساراي فهربت من وجهِها.”

    وبعد أن أعاد ملاك الله هاجر وقال لها ارجعى إلى مولاتك وكوني خاضعة لها، عادت سارة للإساءة إلى هاجر لمجرد أنها رأت إسماعيل يمزح مع ابنها إسحق، فنسيت أن إسماعيل هذا هو أخو إسحق وهو أيضًا ابنًا لإبراهيم، وأنها هى التى كانت السبب فى اتيان إسماعيل إلى هذه الدنيا، لأنها كانت خطتها لتنجب لإبراهيم ولد من هاجر، وكانت سارة ستكون أكثر الفارحين بإسماعيل إذ هى نفسها لم تكن بقادرة على الإنجاب إلى نهاية حياتها، ولعل كلمة المصرية التى كانت عائلة إبراهيم دائمًا تصر على إلصاقها باسم هاجر أو صفة الجارية  تدل على مدى التوتر فى العلاقة بينها وبين المصريين. التوتر الذى صاحب العلاقات بين إسماعيل وإسحق طوال حياتهما وامتد إلى أبناء إسحق ومن بعده إلى عيسو وأخيه يعقوب ولا يزال حتى الآن بين أولاد إسماعيل وأولاد إسحق ويعقوب والأسباط.

    ولرُبَ سائل يسأل: ما الذى عمله يوسف من خطأ يثبت أنه كان السبب فى تراكم العداوة بين العبرانيين وهم أهله، وبين المصريين الذين استضافوه وسمحوا له أن يصبح، وهو الغريب الجنس عنهم، الرجل الثاني بعد الفرعون على مصر، ألم يعلمونا فى مدارس الأحد، وفى كتاب مادة الدين المسيحى الذى كان مقررًا علينا منذ أن كنت أنا صبيًا فى السادسة الإبتدائية، علمونا أن يوسف الصديق هو واحد من الأنبياء القلائل جدًا الذين لم يذكر لهم الكتاب المقدس أية خطية، بل على العكس فهو من رفض أن يعمل الخطية بكل إصرار، وهو من أحب إخوته الذين خانوه وناصبوه العداء وتآمروا عليه وباعوه عبدًا، ولم ينتقم منهم بل غفر لهم إساءاتهم له، وهو الذى عالهم وأحسن إليهم بالرغم من عدم استحقاقهم للرحمة والغفران، لذا فقد شبهوه بسيد كل الأرض والسماء المسيح يسوع – تبارك اسمه-  الذي أحب خاصته الذين فى العالم وأحبهم إلى المنتهى. وللإجابة على هذا السؤال أقول نعم وبما لا يدعوا مجالاً للشك إن يوسف من أعظم وأرق وأنجح وأنبل الأنبياء فى العهد القديم عندما يتعلق الأمر بإخوته وأهله وعشيرته الإسرائيليين،أما عندما يتعلق الأمر بالمصريين، فالوضع يختلف تمامًا من عدة نواح وإليك الدليل:

    أولاً: من ناحية التفرقة فى المعاملة التى عامل بها الصِدِّيقُ المصريين وعامل بها إخوته فيما يتعلق بنفس الحالة وفي نفس الظروف. ففيما يتعلق بإخوته عندما جاءوا إلى مصر واستعرف يوسف عليهم قبل أن يَعْرفوه هم أنه يوسف إخوهم، نعم، إخوته الذين نزعوا عنه قميصه الملون، وأرادوا قتله، وعندما استرحمهم رموه فى البئر ثم باعوه كعبد لقافلة الإسماعيليين وكانوا سببًا فى حرمانه من أرضه وأبيه وعشيرته ووطنه وفى عذابه لأكثر من 13 عامًا، هؤلاء الإخوة عندما جمعهم يوسف إلى حبس لم يحتمل حبسهم أكثر من ثلاثة أيام ثم أطلقهم قائلاً لهم: “أنا خائف الله” نعم وأنى على يقين أن يوسف الصديق كان خائفًا الله لأنه لم يفعل الخطية مع امرأة فوطيفار ولم ينتقم لنفسه من إخوته ولم يستطع أن يضعهم فى الحبس أكثر من ثلاثة أيام، لكننى اتساءل: هل كان يوسف حقًا خائفًا الله عند التعامل مع المصريين، عندما منع القمح عنهم، ثم باعه لهم، ثم استغل احتياجهم للطعام فى أن يشترى منهم أرضهم لفرعون ثم يأخذ مواشيهم ومصدر ألبانهم التى تحتاجها أطفالهم ثم يقايضهم على أنفسهم، فيصبحون وما يملكون ومن يملكون عبيدًا للفرعون بالرغم من أنهم أصحاب الأرض والقمح والمواشي والتاريخ والخيرات. فأين كانت مخافة الله فى كل ما صنع الصديق بالمصريين وأرضهم وبهائمهم وممتلكاتهم؟! ، إلا يمكن أن تكون تفرقة يوسف فى المعاملة بين إخوته وبين المصريين فى هذه النقطة كانت ولا تزال سببًا فى تعلية جدار الكراهية التى تعاظمت فى قلوب المصريين من نحو الإسرائيليين منذ ذلك الزمان وحتى الآن. لم يستطع الصديق أن يعامل إخوته العشرة فى ذلك الوقت كعبيد أو أسرى، ولو بطريقة صورية، لأكثر من ثلاثة أيام مع أنه فى نفس الوقت عامل المصريين جميعًا طيلة مدة إقامته فى مصر، إلى أن انتهى أجله فيها،  كالعبيد وحزى حزوه الفراعنة من بعده لمئات السنين. فيذكر تنزيل الحكيم العليم عن فم يهوذا ابن يعقوب أخي يوسف الصديق فى حديثه ليوسف عندما نجحت خطة الآخير فى استرجاعهم ومعهم أخيه الشقيق بنيامين، الذى وجد الطاس الذى خبأه عبيد يوسف فى عداله متهمينه بأنه سرقه، فقال يهوذا: «ماذا نقول لِسيدي؟ ماذا نتكلم وبِماذا نتبرر؟ الله قد وجد إثم عبِيدك. ها نحن عبِيد لِسيدي نحن والذي وجِد الطاس في يده جميعًا». لكن يوسف أجابهم فقال: «حاشا لِي أنْ أفعل هذا! الرجل الذي وجِد الطاس في يده هو يكون لِي عبدًا وأما أنتم فاصعدوا بِسلامٍ إلى أبِيكم». وحتى فى هذا الموقف لم يكن يوسف ينوى أن يجعل أحد إخوته ليكون عبدًا له بل كان الأمر كله ما هو إلا جزء من مسرحية يوسفية ألفها وأخرجها ومثل بطلها ليعلن عن نفسه من خلالها لإخوته أنه يوسف أخوهم. لقد طلب إخوة يوسف منه نفس الطلب الذى طلبه المصريون منه وهو أن يكونوا عبيدًا له وبالتالى عبيدًا لفرعون فقبل طلب المصريين على الفور ودون تردد واستعبدهم لفرعون لكنه رفض بشدة وبطريقة روحية! طلب إخوته، مع أن الفارق فى الدافع وراء نفس الطلب كان يحتم على يوسف أن يجعل إخوته عبيدًا له ولفرعون وليس المصريين، فإخوته كانوا مذنبين له ورأوا أنهم يستحقوا العبودية لوجود الطاس بعدال واحد منهم، ولأنهم رأوا أن الله يقتص منهم بسبب ذنبهم في بيع يوسف إخيهم كعبد ولكن المصريين كانوا محسنين له ولفرعون وكانوا لا يستحقون العبودية بل المساعدة والمكافأة على ما قدموه من قمحهم فى سنيين الخير ليستخدمه الفرعون وحاشيته والمصريين جميعًا فى سنى القحط.

    إن مخافة الرب لا تتجزأ، ولا يمكن للمرء أن يكون خائفًا الرب في موقف ما أو مع جماعة ما ويكون في نفس الوقت غير مطبق لنفس قوانين مخافة الله مع جماعة أخرى. فإما أن يكون المرء خائف الله في كل ما يعمل وأما أنه لا يكون.

    ثانيًا: لقد كان التمييز اليوسفى فى سكنى أرض مصر بين المصريين أصحاب الأرض وإخوته الإسرائيليين الغرباء تمييزًا بينًا، فبعد أن جعل يوسف المصريين عبيدًا لفرعون، يقول الكتاب المقدسفى سفر التكوين وأصحاح 20:47 فاشترى يوسف كل أرضِ  مصر لِفرعون إذ باع المصرِيون كل واحد حقله لأن الجوع اشتد عليهِم. فصارت الأرض لِفرعون. وأماالشعب فنقلهم إلى المدنِ من أقصى حد مصر إلى أقصاه.” فلماذا نقل يوسف المصريين بعيدًا عن مدنهم وشوارعهم وبيوتهم وحقولهم وذكريات طفولتهم وشبابهم الأماكن التى لعبوا فيها، وخفقت قلوبهم بالحب البرئ لأول مرة فيها، المكان الذي ضم أصدقاء طفولتهم ومدارسهم ومعابدهم وتاريخهم وحتى قبور آبائهم، لماذا نقلهم بعيدًابعيدًا بعيدًا؟؟ ، ألم يقل تنزيل الحكيم العليم إن الصديق يراعى نفس بهيمته؟، فلماذا لم يراع صِدِّيقُنا يوسف نفوس المصريين وهم مثله بنى آدم وليسوا من بهائمه؟!، أولئك الذين خلقهم المولى على صورته كشبهه، ألم يكن يوسف وفرعون يعلمان بقسوة ترك الأرض والممتلكات وحتى الأثاث والبعد عنه والإجبار على التشتت فى الأرض من أقصى حد مصر إلى أقصاها؟!، ألم يعلما كم هو محزن أن يترك الفرد حتى أثاثه ويرحل إلى مكان آخر غير الذى ولد وتربى وكبر وعاش فيه؟! ، أقول الصدق فى المسيح إن مجرد كتابة هذه السطور جعلت الدموع تنهمر من عينيي غزيرة بلا توقف، فبكيت بأعلى صوتى حتى تجمع أهل بيتى حولى ليروا ما أصابنى، فأنا أعرف معنى الحرمان من الأهل والأصدقاء ورفاق الطفولة بالرغم من أنه لم يستعبدني أحد من البشر ولم ينقلنى أحد بعيدًا عنهم أو عن بيتى، وبالرغم من أنه بإمكاني أن اتحرك بين بلاد الله الواسعة دون أن يعترضنى أحد، فلا زالت ذكريات مَدْرَسَتى، مدرسة الأنصارى الإبتدائية بمدينة السويس تشدنى بذكرياتها الجميلة والمخيفة، لا أزال اتذكر تلك المنطقة المرتفعة من الأرض القريبة جدًا من المدرسة التى كنا نعرفها باسم “الطابية”، ومازلت اتذكر القصص الخرافية المخيفة التى كنا نتناقلها عن عفاريت تسكنها وأشباح تملأها وتتمشى فوقها عندما يلفها ظلام الليل، مازلت أذكر عربات بائعى البطاطا والبسكوت والسكر الجلاب والدوم، التى كنا نندفع إليها كطلقات الرصاص بأقصى سرعة للشراء من أصحابها من خلف سور المدرسة بمجرد سماع صوت جرس الفسحة، مازلت اتذكر اسم ووجه الست الناظرة عديلة صالح والعصاة الغليظة التى لم تكن تفارق يدها على الإطلاق حتى إننى كنت اعتقد أن عصاتها كانت لاصقة بيدها وكنت اتساءل إن كانت تنام بعيدًا عنها أم لا؟!، ومازلت اتذكر القشعريرة التى كانت تسرى فى جسدى لمجرد المرور أمام مكتبها، بالرغم من أنها كانت تعرفنى بالإسم وكثيرًا ما شجعتنى وامتدحتنى بينى وبينها وأمام بقية زملائى التلاميذ والمدرسين، فقد كنت رئيسًا لفريق الكشافة المدرسية فى سنتي الأخيرة فى المدرسة الإبتدائية، من كان يحيي العلم ويعزف السلام الجمهورى على طبلته التى كانت أكبر من حجمه، مازلت أذكر الست فتحية الجميلة معلمة الحساب، والاستاذة البارعة إقبال مدرسة المواد الإجتماعية والعم إبراهيم وعبد الرسول فراشي المدرسة وغيرهم الكثير ممن قضيت معهم أجمل أيام عمرى صغيرًا، وما من شك أن ما أكتبه الآن سيشعل نيران الذكريات في عقول وقلوب القراء جميعًا وسيذكرهم بطفولاتهم، فهل كان يوسف الصديق والفرعون يعلمان بتأثير نقل المصريين من أقصاء مصر إلى أقصاها على نفسياتهم وذاكرتهم وحياتهم، بلى، كانا يعلمان تأثير حتى ترك الأثاث على نفسية المهاجرين فكم وكم تأثير ترك الأماكن والناس عليهم!، والدليل على ذلك أن قال الفرعون لإخوة يوسف: ” ولاتحزن عيونكم على أثاثكم لأن خيرات جميعِ أرضِ مصر لكم” ومع ذلك تصرفا كما لو كانا لا يعلمان وبالتأكيد لم يكونا يكترثان لحالة المصريين النفسية والمادية والروحية، فكانا يقرران ما يشاءان وبئس القرارات في هذا الشأن كانا يتخذان. أليس من التمييز والظلم والإجحاف أن يقال للغرباء الإسرائيليين لا تحزن عيونكم حتى على أثاثكم لأن خيرات جميع أرض مصر لكم، ويقول الفرعون لِيوسف: «أبوك وإخوتك جاءوا إليك. أرض مصر قدامك. في أفضلِ الأرضِ اسكن أباك وإخوتك. لِيسكنوا في أرضِ جاسان، بينما يقول يوسف الصديق للمصريين فى نفس الوقت ونفس الظروف ونفس الاحتياج ونفس المجاعة فى تك 23:47 “إني قداشتريتكم اليوم وأرضكم لِفرعون” فاشترى يوسف كل أرضِ مصر لِفرعون، إذ باع المصرِيون كل واحد حقله، لأن الجوع اشتد عليهِم. فصارت الأرض لِفرعون. وأما الشعب فنقلهم إلى المدنِ من أقصى حد مصر إلى أقصاه.”

    ألا يشبه اليوم البارحة ألم يفضل رؤساؤنا، منذ عبد الناصر وحتى مرسى، الغرباء علينا كمصريين نحن أصحاب الأرض، فإذا تقاتل اليمن الجنوبي مع اليمن الشمالي نزج نحن بجيشنا للقتال في حرب لا دخل لنا بها وما عادت علينا إلا بمزيد من الموتى والجرحى والمعوقين بين صفوف جنودنا، ولنخسر مليون دولار يوميًا دفاعًا عن اليمن في وقت كنا نشتهي كفقراء أن نأكل اللحم ولو مرة واحدة في الإسبوع، ومشكلة فلسطين التى يمكن أن تحل فى دقائق معدودات تدخلنا فى حروب لم يكن لنا فيها ناقة ولاجمل إلا ما كان يخطط له عبد الناصر من تولى لزعامة الوطن العربي ولذلك اخترع ما يعرف بالقومية العربية التى كنا ندرسها فى كل عام من الخامسة الإبتدائية وحتى السنة الأولى القسم العلمى من الدراسة الثانوية، تلك القومية العربية التى لم ولن نسمع عنها منذ سنين لأنها لم تعد تصلح حتى لكتب التاريخ. الطلبة الأجانب وخاصة الفلسطينيين كانوا يأخذون أماكننا فى الكليات والمعاهد العليا، والطلبة المصريون يُنْقَلون من أقصاء مصر إلى أقصاها ليدرسوا فى جامعات الأقاليم إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً، الطلبة المسيحيون يمنعون من دخول الكليات التى يرغبونها والطلبة الوافدون المسلمون يلتحقون بكليات الدرجة الأولى فى جامعة الأزهر والمعاهد الدينية. وعندما يطالب المسيحيون بإنشاء جامعة قبطية على غرار جامعة الأزهر يُتَهَمون بالعنصرية والإنقسامية والتحزبية والتركيز على المصالح الشخصية والاستقواء بأمريكا والعالم الغربي وغيرها من النغمات التى سادت ولا زالت المجتمع المصرى بالرغم من عدم ظهورها بنفس الطريقة وبنفس الكثافة السابقة.  (ولله الحمد من قبل ومن بعد أن ظهر الحق وزهق الباطل ووضح من هم الذين استقووا ويستقوون بالأمريكان، ومن هم الذين ساعدهم ويساعدهم الأمريكان فى تلبية رغباتهم ونزواتهم، من هم الذين يحرقون في مصر ليلاً ونهارًا ومن الذين قبلوا سلب أموالهم وحرق كنائسهم وتشتيت أسرهم ولم يستغلوا أي من هذا ضد مصر وفضلوا وئد الفتنة على مصالحهم الشخصية والدينية)،ألم تتمتع حماس بأرض سيناء وما كان يهرب بواسطة انفاق التهريب من مواد تموينية، وبترول ومواد بناء وغيرها مما كان محرمًا على المصريين منذ شهور قليلة؟! ، ألم يطبع السادات العلاقات مع إسرائيل وأحرق ما تبقى من خيط العلاقات الرفيع الذي كان يربط المسلمين والمسيحيين المصريين فنقل، بصورة أو أخرى، أو طريقة أو أخرى، الشعب المسيحي إلى المدن من أقصى حد مصر إلى أقصاها؟!

    والعجيب إنه لم ينتبه أحد فى مصر إلى خطورة ما فعله يوسف الصديق، لا المصريين المغلوبين على أمرهم والذين لم نسمع يومئذ أحدهم يخرج إلى ميدان عام كميدان التحرير اليوم، ولنطلق عليه مجازًا ميدان الفرعون، ليعترض على هذا الظلم والإجحاف، ربما خوفًا على مصائرهم وأعمارهم وأبنائهم ولا أقول ممتلكاتهم، لأنهم كانوا قد فقدوها وأعطوها لفرعون وارتضوا أن يكونوا عبيدًا له، وقد تغلغل بيت يعقوب ويوسف فى التجارة والزراعة والرعي والإداريات فى مصر إلى الدرجة التى جعلت الفرعون الرئيس يتردد فى أن يسمح ليوسف وإخوته أن يصعدوا إلى أرض كنعان ولو لمرة واحدة حتى لو كان سبب صعودهم هو أن يدفنوا أباهم يعقوب عند موته، حتى لو تركوا كل شئ وراءهم، أولادهم وبناتهم وممتلكاتهم ليؤكدوا له أنهم لا محالة راجعون، ويبدو هذا واضحًا من قول الكتاب المقدس عن هذه الجزئية في تك 3:50 أنه بعد موت يعقوب أمر يوسف عبيده المصريين (عجبي، المصريون عبيد ليوسف!) أن يحنطوا أباه،” وكمل له (ليعقوب) أربعون يومًا لأنه هكذا تكمل أيام المحنطين. وبكى عليه المصرِيون سبعين يومًا (ما أطيب وأعظم المصريين الذين يبكون حتى على فقد مستعمريهم ومسخريهم ومستعبديهم!). وبعد ما مضت أيام بكائِه قال يوسف لِبيت فرعون: «إن كنت قد وجدت نعمة في عيونكم فتكلموا في مسامعِ فرعون قائِلين: أبِي استحلفني قائِلاً: ها أنا أموت. في قبرِي الذي حفرت لِنفسي في أرضِ كنعان هناك تدفنني. فالآن أصعد لأدفن أبِي وأرجِع». فقال فرعون: «اصعد وادفن أباك كما استحلفك». وهنا نتساءل: لماذا طلب يوسف وهو الرجل الثاني فى مصر وسيد كل الأرض بعد فرعون يومها، والمتسلط على كل أرض مصر، وكل من يتعامل معهم كانوا أقل منه فى المرتبة لدى فرعون الرئيس، لماذا طلب، وتوسل، الصديق لمن هم أقل منه أن يتوسطوا له لدى فرعون أن يأذن له أن يذهب ويدفن أباه فى أرض كنعان؟!  ويؤكدون للفرعون أن يوسف وإخوته سيعودون ثانية إلى أرض مصر، لماذا كان الفرعون يخاف أن يترك يوسف وإخوته أن يصعدوا ليدفنوا أباهم؟، ألا لأنه كان يعلم مدى تغلغلهم في أرض مصر وسيطرتهم على كل موارد الدولة وتصرفهم فيها واعتماد المصريين إن طوعًا واختيارًا أو قسرًا واجبارًا على الخضوع للإسرائيليين فى كل ما يحتاجونه من فرعون وكل ما يعملونه فى كل ما تمتد إليه إيديهم، هناك سببان لا ثالث لهم يجعلان من دولة كبرى كمصر تصر على أن يبقى شعب آخر غير شعبها يعيش ويعمل فيها ويصبح جزءًا من مكوناتها واقتصادها ومستقبلها وغيرها، السبب الأول أن يكون الشعب الغريب فقيرًا محتاجًا يعمل فى أشغال وأعمال يترفع أهل البلد الأصليين أن يمارسوها، تمامًا كما يحدث اليوم لكثير من المهاجرين الرسميين أو المتسللين من دولة المكسيك المجاورة لأمريكا إليها، أما السبب الثاني فهو تميز هذا الشعب بميزة لا تتواجد فى أهل القطر أو البلد المستضيف، وواضح من سرد قصة نزول شعب إسرائيل إلى مصر أنهم لم يكونوا مميزين عن المصريين فى شئ، لأن يوسف أوصاهم أن يقولوا إنهم رعاة غنم حتى يعتبرهم المصريون أرجاسًا لا يحق لهم أن يسكنوا أو يعملوا أو يختلطوا بالمصريين، وإن كان المصريون يشعرون بالسيطرة والتحكم والتدخل فى أقدارهم وممتلكاتهم وأعمالهم من الإسرائيليين، فلماذا انتظروا على يوسف وشعبه إلى أن يصبحوا مهددين للأمن المصرى؟، لماذا لم يتخذ الفرعون المعاصر ليوسف الصديق قرارًا ينظم العلاقة بين الإسرائيليين والمصريين؟، ومما لا شك فيه أن الفرعون ويوسف وإخوته وشعبه كانوا يعلمون ما ارتكبوه فى حق المصريين البسطاء من جرائم واضطهاد وتمييز عنصرى وإذلال، والدليل على ذلك أن استمر تكميم الإفواه من جهة المسؤلين عن إدارة البلاد في مصر قائم ضد أصحاب الأرض المصريين إلى أكثر من أربعمائة سنة إلى أن قام فرعون آخر لم يكن يعرف يوسف، والعجيب أن ما عمله يوسف الصديق من أخطاء فى معاملة المصريين استمر لأكثر من 400 سنة حتى ينتبه فرعون آخر، غير الذى كان يملك مصر فى أيام وجود يوسف فيها، إلى خطورة تواجد بنى إسرائيل بهذه الأعداد والإمكانيات الضخمة وتغلغلهم فى المجتمع المصرى بتلك الصورة المخيفة، يقول تنزيل الحكيم فى سفر الخروج والأصحاح الأول” ومات يوسف وكل إخوته وجميع ذلِك الجِيلِ. وأما بنو إسرائِيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيرًا جِدًا وامتلأت الأرضمنهم. ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرِف  يوسف. فقال لِشعبِه: «هوذا بنو إسرائِيل شعب أكثر وأعظم منا”. هلم نحتال لهم لِئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنّهم ينضمون إلى أعدائِنا ويحارِبوننا ويصعدون من الأرضِ».

    ولرُب سائل يقول لماذا هذه الدراسة؟، ما شأننا اليوم بما حدث مع يوسف وبني إسرائيل في القديم وما انعكاساته على ما نحن فيه؟؟، هل انتهت مشاكل الحاضر بيننا وبين إسرائيل حتى نبحث فيما حدث في الماضي بيننا وبينهم؟!، لذا دعني أوضح ما كتبته مرارًا كثيرة، إن ما يقوله الكتاب المقدس في سفر الجامعة بأن: “ما كان فهو ما يكون والذي صنع فهو الذي يصنع. فليس تحت الشمسِ جديد. إِن وجِد شيء يقال عنه: «انظر. هذا جديد!» فهو منذ زمانٍ كان في الدهورِ التي كانت قبلنا.” وبالتالي فلا يمكننا أن نشخص مشاكل الحاضر إلا إذا رجعنا لإصولها في الماضي، ولا يمكن أن نصلح قضايا الحاضر إلا إذا كنا على استعداد أننا على الأقل نعترف بأخطاء الماضي، فمن منا لا يعرف القول الكتابي الذي استخدمناه كثيرًا، ولأغراض متنوعة، في اجتماعاتنا ولقاءاتنا الدينية والسياسية وهو “مبارك شعبي مصر” ثم لم نجرأ على تكملة بقية الآية الكتابية التي تقول: “مبارك شعبِي مصر وعمل يدي أشور وميراثي إِسرائِيل” ببساطة ربما لأننا لا نريد ولا نقبل ولا نحب أن تدخل إسرائيل في بركة شعب الرب مصر، ولماذا لا نقبل لأن تدخل إسرائيل في البركة مع مصر وآشور؟ لأن بيننا وبينهم على مر العصور، وبتعبيراتنا الدارجة، ما صنع الحداد من العداوة والبغضة والكراهية؟ ولماذا هذه العداوة والكراهية؟ لأسباب كثيرة، قد يكون في ما بينها ما كتب أعلاه بهذه الدراسة حتى قال فيهم القرآن: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا  ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون”، ولماذا قال القرآن بهذا ولم تكن يومها مشكلة فلسطين قائمة، ولم يكن وعد بلفور قد أعطى لإسرائيل حق الرجوع إلى أرضهم في فلسطين، ولم يكونوا يتخذون من أوروشليم القدس عاصمة لهم؟؟!، ربما لأنهم كانوا أقسى من قاوم رسول الإسلام في نشر دعوته، فنكل بهم في خيبر ومن قاوموا من قبله المسيح إله المسيحية وربها، تبارك اسمه، فغفر لهم على صليبه، وهكذا يعود بنا الأمر في النهاية للبحث في أصل هذه العداوة والكراهية إلى أيام يوسف والأسباط ويعقوب وإسحق وإبراهيم ثم إلى يومنا هذا وتصبح الفترة الزمنية التى قضاها بنو إسرائيل في مصر هى أوضح خارطة يمكن لنا من خلالها الوقوف على أصل العداوة بين مصر وإسرائيل وتتبع منابعها وبالتالي بين إسرائيل وكل البلاد العربية جمعاء.

    ومرة أخرى ما الذي سيعود علينا من الوصول إلى أصل العداوة، وللإجابة أقول إن وعود الله – تبارك اسمه-  مع أنه لا ناقض ولا مبدل ولا معدل لها إلا أنها لن تتحقق إلا عند اكتمال شروطها، فوعد الله بمباركة مصر مرتبط بعلاقتها ليس بإسرائيل فحسب بل بآشور أيضًا، ومهما حاولنا اختصار واقتصار بركة الرب على أرض مصر بعيدًا عن آشور وإسرائيل فلن نستطيع وإن كانت البركة لأرض مصر متوقفة على علاقتها بإسرائيل وآشور، إذًا فلنبدأ دراسة جادة عن كيف نحصل على هذه البركة، حتى لو كان لزامًا علينا أن نمد أيدينا إلى إسرائيل وآشور بالبركة والسلام والخير المبني على العدل والمساواة وليس بالسب والقتل والكراهية، وهذا ما جعلنى أصرف الوقت والجهد في تتبع منابع المشكلة المصرية الإسرائيلية الآشورية من الناحية الروحية، وإنعكاساتها على النواحي الإجتماعية والثقاقية والعسكرية والإقتصادية الخ، وكيفية وزمان وتداعيات حلها. ولازال للدراسة بقية وتطبيق على الماضي الحاضر لشرقنا الأوسط، ولنبدأ معًا في مقال لاحق عن ما عمله فرعون مصر عندما اكتشف أن إسرائيل شعب أكبر وأعظم من المصريين على حد قوله، وهل كان حقًا إسرائيل شعب أكبر وأعظم من المصريين؟، هل حقًا كانوا يمثلون تهديدًا حقيقيًا في حالة حدوث حرب مع مصر؟، هل كانت الطريقة التى عالج بها الفرعون الآخر الذى تولى عرش مصر ولم يكن يعرف من هو يوسف طريقة صحيحة أم كانت ضمن الأسباب التى زادت الطين بله في العلاقات المصرية الإسرائيلية وما عسانا أن نتعلم من الماضي الحاضر؟؟. وللحديث بقية.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا