العدد 67 الصادر في إبريل 2011
أشعياء 19 والأحداث الجارية
عندما يمر العالم بأحداث غريبة وعنيفة كتلك التي مرت وتمر بمصر والشرق الأوسط في هذه الأيام، عادة ما يسرع المرء إلى مراجعة النبوات الواردة في بعض مقاطع الكتاب المقدس ومحاولة تفسير هذه الأحداث وفهمها مما ورد في كلمة الله، وهذا أمر رائع أن يكون الكتاب مرجعنا والنبوات دليلنا والحق سراجنا في فهم ما يحدث حولنا، لكن ينقسم الناس في التعامل مع هذا الأمر إلى عدة أقسام أذكر منها أولاً: من يحاولون أن يجدوا ذكراً دقيقاً تفصيلياً في الكتاب لكل حدث يبحثون عنه وهؤلاء إن لم يجدوا ما ينطبق تماماً على الحدث المعين بكل حذافيره ودقائقه اتجها إلى جهة من اثنين إما استبعاد النبوة أو النص الذي لم يف بالغرض من وجهة نظرهم وإما أن يطوعوا، لو كانوا مخلصين، أو يلووا النبوة، إن كانوا مغرضين، لتطبق تماماً على الأحداث الجارية، فيحملون النصوص الكتابية أكثر مما تحتمل ويضخمون بعض النقاط الواردة في النبوة تلك التي تتوافق مع أغراضهم ويصغرون من النقاط غير المنطبق عليها.
ثانياً: أولئك الذين يبحثون النصوص الكتابية والنبوات المستقبلية ويفهمونها ويفسرونها ويؤمنون بها، بغض النظر إن انطبقت بحذافيرها ودقائقها على الحدث المراد فهمه أو لا، أولئك يعلمون أن الأحداث لابد أن تفسر في ضوء كلمة الله وليس العكس، أي لا ينبغي أن تفسر كلمة الله في ضوء الأحداث، لكنهم يرون إما أن النبوة تنطبق أو لا تنطبق على الحدث.
ثالثاً: المجموعة الثالثة هي التي تفهم النبوة في أبعادها التاريخية أي زمن هذه النبوة التي قيلت فيه وزمن تحقيقها، وعن زمن تحقيقها هل ستتحقق كلها في زمن واحد ومرحلة واحدة وحدث واحد أم ستتحقق في مراحل متتالية وأزمنة مختلفة، ثم لابد أن نفهم البعد الشخصي لمن يلعب الدور الأساسي في هذه النبوة، والبعد الجغرافي، والوحي النبوي..الخ. ولضيق المساحة أقول: إن تفسير النبوات وتطبيقها على واقع الأحداث ليس بالشيء اليسير. ومهما أوتينا من حكمة ومعرفة ودراسة فلن نعرف كلمة القدير ولن نفهمها بعمقها الكامل إلا متى جاء الكامل وأبطل ما هو بعض أو جزئي، فنحن الآن نعرف بعض المعرفة ولكن حينئذ سنعرف كما عرفنا.
ولعل النبوة الواردة عن مصر في سفر أشعياء 19 تكون هي الأكثر تداولاً في هذه الأيام، نظراً لما يحدث في مصر من أحداث تفوق تخيلات أهلها، وتتوالى الأحداث فيها بأسرع مما يمكن الإحاطة بها وتفسيرها ويشوبها غموض في مستقبلها يكذب من يقول أنه بقادر على فك كل طلاسمه وأسراره.
وأنا من المدرسة المسيحية السلفية التي تؤمن أن كل ما حدث ويحدث وسيحدث في عالمنا إنما هو مدون بصورة أو أخرى تلميحاً أو تصريحاً تفصيلاً أو إجمالاً في كتاب القدير الكتاب المقدس، لكنني لست ممن يحاولون أن يجدوا نصاً كتابياً منطبقاً تمام الانطباق على كل ما حدث ونمر به، بل أحاول أن أفهم الأحداث الجارية في ضوء ما دونه الكتاب المقدس، فالأحداث هي التي ينبغي أن تفهم في ضوء كلمة الله وليس العكس كما قلت، فالكلمة النبوية هي الأثبت وهي الأوسع جداً من كل كمال في هذا العالم، وليس هدفي من هذا المقال أن أدرس وأسرد النصوص الواردة في أشعياء 19 وأحاول تفسيرها، بل محاولة إلقاء الضوء على بعض ما ورد في هذه النبوة من نقاط في غاية الأهمية لفهمها في وقتنا الحالي، وإليك هذه النقاط:
-
وحي من جهة مصر، أي أن ما نحن بصدد الحديث عنه هو وحي أي إعلان الله سبحانه وكلمته من جهة مصر، والوحي يُقبل ويخضع له ولا ينقض. وهناك فرق بين الوحي وهو الكلمة النبوية التي هي أثبت، وتفسير الوحي، فتفسير الوحي ليس وحياً، فالوحي كما قلت هو ما خرج من فم القدير وهذا هو الملزم، أما التفسير فهو محاولة لفهم الوحي وشرحه وتبسيطه، لذلك فالوحي واحد أما التفاسير فقد تكون كثيرة، والوحي ثابت أما التفاسير فمتنوعة وقد تكون متضاربة، لكن يبقى الوحي وحياً سواء أمكننا تفسيره أم لا، ويخطئ الكثيرون عندما يتعاملون مع تفسير الوحي وكأنه هو الوحي نفسه، لذا قلت لن نعرف التفسير الكامل بكل أبعاده للنبوات إلا عند مجيء الكامل، مع علمي باختلاف تفسير حتى كلمة الكامل ومن هو أو ما هو ومتى يجيئ هذا الكامل في تفسير هذه الآية. ولقد حدد الوحي بحصر اللفظ أن هذا الوحي هو من جهة مصر، أي خاص بمصر، وهنا لا مجال للتفسير مع الاحتفاظ أيضاً بمحاولة معرفة أي مصر تلك التي تكلم عنها الوحي، أهي مصر مصرايم وأولاده وأحفاده، أم هي مصر الفرعونية، أم هي مصر المدنية التي كانت الغالبية العظمى من شعبها الأقباط المسيحيين أي مصر القبطية، أم مصر الإسلامية الحالية مع وجود الأقلية القبطية بها.. أم مصر في فكره تعالى كانت مختلفة عن كل هذا، أم أنها مصر بكل أحقابها وتفرعاتها، وفي رأيي الخاص (وهذا تفسير وليس وحياً) أن المقصود بمصر هنا هو مصر في كل عصورها وأزمنتها. فالنبوة تبدأ: “هوذا الرب آت سريعاً على سحابة ليهز أوثان مصر، ثم تتحدث عن فرعون، وهو شخص بذاته وقد يكون شخصية اعتبارية تشير إلى إنسان أو جماعة حكام من الفراعنة أو حتى عملاً شيطانياً أو روحاً شيطانياً كما جاء بالوحي أن ذراع فرعون كسرت ولن تجبر إلى الأبد، وواضح أنه لم يكن يتكلم عن فرعون الإنسان بذاته.. وغيرها، ثم يذكر رؤساء صوعن فجفاف مياه النيل وأنين المصريين وعن المشورات البهيمية التي لرؤساء صوعن ونوف ثم عن روح الغي التي مزجها الرب في وسط مصر، ولم يقل أنه سيحبسها أو يوقف تأثيرها في وقت من الأوقات، ثم المولى القاسي الذي سيغلق على المصريين في قبضته، ثم عن ضربات تأتي على مصر فيضرب الرب مصر ضارباً فشافياً، ثم البركة التي ستأتي إلى مصر عندما تعبد هي والمملكة الآشورية القديمة وإسرائيل (وهنا أقول صدق أو لا تصدق أن مصر وإسرائيل والعراق وجل سوريا وإيران وغيرها من هذه المملكة القديمة سيعبدون إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، يهوه القدير الجالس على كرة الأرض والمتسلط في مملكة الناس، يا للعجب!!) وهذا لم يحدث من قبل في التاريخ أن اتحدت هذه الممالك في عبادة يهوه القدير. كل هذا سيحدث فيما أطلقت عليه هذه النبوة “في ذلك اليوم”.