“ولما أكون وياك/هايم ف بحر هواك/ ماعرفش إيه فات من عمري/إن كان رضا أو كان حرمان/وافضل وبس انت في فكري/يللي بحبك زي زمان ..” ..
واحنا كمان بنحبك زي زمان على قولك وأكثر يا عمنا الشاعر الجميل “أحمد رامي” بعد ما رأيناه من هوان للأغنية من بعد جيلكم العبقري وإبداعاته الساكنة في قلوب وجدان المصريين..
تأتي مناسبة ذكرى رحيل الشاعر العظيم أحمد رامي (1892/5 يونيو 1981) هذا العام في نهاية شهر رمضان الذي شهد ما يمكن بالفعل الاتفاق على وصفه بــ “التهييس الدرامي” كما أطلق عليه ــ ومعه كل الحق ــ أستاذنا “عماد الغزالي” رئيس تحرير جريدتنا “القاهرة” الغراء لفرط ما رأيناه من عدد من النماذج الرديئة لبعض المسلسلات التليفزيونية متهرئة البناء الدرامي والفاقدة للمصداقية في التناول، بل والتي ولا يمتلك بعض أصحابها مهارات الحرفية المهنية التقليدية لأبجديات الصياغة الدرامية المقبولة فنيًا واجتماعيًا وإنسانيًا. وتذكرنا شخصية شاعرنا الكبير أحمد رامي بدراما مسلسل “أم كلثوم” للكاتب الراحل العظيم “محفوظ عبد الرحمن” والمخرجة المبدعة “إنعام محمد علي”، والذي عشنا معه ومع فريق العمل أروع تجسيد لفترة تاريخية في عمر الوطن، وتابعنا كيف تم تقديم شخوص العمل باحترام وتعاطف نبيل ودراسة طيبة لأبعادها، وفي مقدمتهم “أم كلثوم” وشاعرنا الكبير “أحمد رامي”، إلى جانب الاقتراب من إبداعات أهل الفنون والمغنى في تلك الفترة باجتهاد مخلص وتأمل حصيف لتفاصيل الأحداث وبقراءة اجتماعية وسياسية وإنسانية للواقع المصري بصدق ورؤية فنية خاصة راصدة لزخم المتغيرات المتلاحقة التي شهدها الوطن في زمانهم ..
ولعل من الطريف أن نذكر في مستهل حديثنا عن “أحمد رامي” أنه كتب مائة وسبع وثلاثين أغنية لكوكب الشرق ولم يتقاضَ عنها مليمًا واحدًا لأن الأغنية عنده قطعة من نفسه وروحه وخياله يهذّب معانيها وألفاظها، فلم يشأ أن يسري عليها نظام العرض والطلب.. قالت له أم كلثوم ذات مرة: “أنت مجنون يا رامي لأنك لا تأخذ ثمن أغانيك.” فقال لها رامي: “نعم يا ست الكل. أنا مجنون بحبك، والمجانين لا يتقاضون ثمن جنونهم.”
وُلِدَ “أحمد رامي” عام 1892م بحي السيدة زينب لعائلة من أصول كردية، والتحق بمدرسة المعلمين وتخرج منها عام 1914م، ثم سافر إلي باريس في بعثه لتعلُّم نظم الوثائق والمكتبات واللغات الشرقية، حيث حصل علي شهادة في المكتبات من جامعة السوربون..
وفي عام 1918م، كان إصدار ديوانه الأول، والذي كان صدوره حدثًا أدبيًا في ذلك العهد لكونه ذا شكل جديد من الشعر اختلفت فيه المدرستان القديمة والحديثة. وفي عام 1925، أصدر ديوانه الثاني والثالث. وفي عام 1924م، كانت أولى أغانيه وهي “خايف يكون حبك ليه شفقة عليه”.
وعندما سألوه هل وقع تحت تأثير مدرسة شعرية معينة أو نهج شاعر بعينه، قال: “لا أظن أن هناك أثرًا خاصًا من أحد، لأنني اعتدتُ منذ بدايات اشتغالي بالشعر أن أقرأ كثيرًا وأحفظ قليلًا، فأصبحت شخصيتي الشعرية مستقلة في نتاجاتي. أما التأثير الأهم فهو قادم من تجارب الحياة، فقد قضيتُ طفولتي في إحدى جزر الأرخبيل اليوناني، بصحبة والدي الطبيب الذي أوفدته الحكومة المصرية ليكون طبيبًا خاصًا في جزيرة (طاش يوز)، وكانت هذه الجزيرة من أملاك مصر في ذلك العهد…”
وعندما أثار النقاد أنه في ترجمته لرباعيات الخيام قد حذف الكثير منها، وأنه حاول أن يُظهِر الخيام بصورة المؤمن التقي الصوفي، وقالوا إنه اختصر رباعيات الخيام إلى (175 رباعية) مع أن المراجع تقول أنها تتجاوز الـ (450 رباعية)، وقد تصل عند البعض إلى (800 رباعية)، كان رد رامي: “لقد كانت ترجمتي لرباعيات الخيام بعد دراسة لها، فقد رجعتُ إلى كل المخطوطات المنسوبة للخيام لاختيار الصادق والصالح منها، وكان اعتمادي الأساسي على مجموعة صغيرة نُشرت عن حياة الخيام. وعلى ضوء هذه المجموعة الصغيرة، اخترتُ 175 رباعية من حوالي ألف رباعية نُسبت إلى الخيام، أو دُست عليه، ولا يمكن القطع بصحة نسبتها للخيام، لأن أقدم مخطوط له كان منسوخًا بعد 350 سنة من موته، ولذلك احتار الدارسون في معرفة الرباعيات الصحيحة.”
ويقول “توحيد أحمد رامي” إن والده كان محبًا للموسيقى متصلًا بنادي الموسيقى ويعرض على الناس شعره في أوقات الفواصل بين وصلات الغناء.. وهذا الاتصال زاده قربًا من الغناء والموسيقى.. وكان المطربون يعرفونه بحبه للغناء فتعرف على الكثير منهم أمثال “داود حسني” و”أبو العلا محمد” و”إبراهيم شفيق” و”صالح عبد الحي” و”سيد درويش”. وكان يقوم بتلحين قصائده وغنائها بنفسه .. وكان له صديق مقرب وهو من أساتذة أم كلثوم – “الشيخ أبو العلا محمد”. وفي يوم طلب منه أن يعطيه قصيدة من ديوانه ليغنيها فأعطاه قصيدة “الصب تفضحه عيونه”، وعندما تعرف الشيخ أبو العلا على أم كلثوم أعطاها هذه القصيدة لتغنيها.
في ذلك الوقت، كان “رامي” في باريس وعندما عاد قال له صديقه محمد فاضل: “هناك بنت فلاحة من دلتا مصر بتغني كلامك.” فذهب ليسمعها وجلس في الصف الأول وكانت تغني من غير آلات موسيقية.. وطلب منها أن يسمع قصيدته فقالت له: “أهلًا يا سي رامي.” كان هذا في عام 1924، وأخذت تغني قصيدته “الصب تفضحه عيونه”. ومن هنا بدأت بينهما علاقة استمرت 50 عامًا، ولم تتوقف إلا بوفاتها عام 1975.
تقول د. نعمات أحمد فؤاد: “لقد عرف رامي الألم، ولكن ألم الشاعر ألم موجب لو صح هذا التعبير، فلم يقعد به عن السير، ولم يعجزه عن النماء والازدهار… لقد بكى وشكى، ولكنه صاغ الدمع أوزانًا، والشكوى ألحانًا، والألم شعرًا “.وعن رامي وأم كلثوم تتساءل المؤلفة: “كيف يترك الناس قصة حب بدون أن يبدوا رأيهم فيها ويطوف فضولهم بها؟ فهم مثًلا يتساءلون: مَنْ منهما رفع الآخر؟” وتجيب قائلة: “عندي إنهما متقاربان، الشاعر سما بفنها على جناحي خياله ومعانيه؛ رقرق لها اللفظ ووشّى لها القصيد… هو الذي هذب وصقل الأغاني، ولكنها أيضًا كانت وسيلته إلى الشهرة العريضة، لا سيما بعد أن أصبحت سيدة الغناء وزينة المحافل.”
ومن أقواله:
· لو خطر لي كتابة كتاب عن أم كلثوم قبل رحيلها لكان من الممكن أن أفعل.. الآن من الصعب علي والجرح ما زال ينزف أن أفعل!!
· اجتاحني إحساس غامر وأنا أتسلم من الرئيس شهادة الدكتوراه الفخرية التي قدمتها لي أكاديمية الفنون تقديرًا من الرئيس ومنها لمسيرة ممتدة منتجة في درب الشعر والفن بسعادة متناهية لدرجة أنني لم أستطع أن أكظم دموعي التي غالبتني فانفجرت.. لقد كرمتني الدولة من قبل بمنحي جائزة الدولة التقديرية .. وفي تقديري أن الرئيس كان يكرم في هذه المرة مسيرة نصف قرن مع أم كلثوم.
· وعند سؤاله: “شوقي وأنت أنقذتما فن الغناء العربي من الانحطاط الذي كان قد تردى فيه، هو بما كتبه لعبد الوهاب وأنت بما قدمته لثومة.. مَنْ كان أسبق منكما لأخذ زمام المبادرة؟”.. أجاب رامي: “شوقي شاعر عظيم تتألق شاعريته فوق قمة القمم.. ولكنه لم يقدم في مجال الأغنية غير عدد محدود قد لا يتجاوز أصابع اليدين.. ولكني قدمت مئات الأغنيات.”