أحلم، ومن حقي أني أحلم، ومن حق كل الناس أن تحلم، وأحلى ما في الحلم هو أنه حلم، فليس للإنسان دخل فيه، لا يمكن أن يُحدثَه ولا يتحكم في أحداثه ولا أشخاصه ولا تفاصيله، لا تعرف كيف ومتى يبدأ، ولا يمكن أن تتحكم في نهايته، وإن تحقق حلمك في أرض الواقع والحقيقة فأنت سعيد، بالطبع إن كان حلماً سعيداً، وإلا فأنت تعيس إن كان حلمك تعيساً، لكن في كل الأحوال فأنت لست مسئولا عن حلمك إذا تحقق أم لا، فهو مجرد حلم، ومن جمال الأحلام أنها لا تجامل أو تحابي كبيرًا أو عظيمًا، فقد يكون الحالم عسكريًا في الأمن المركزي لا يعرف القراءة والكتابة، ويحلم أنه بقدرة قادر أصبح هو سيادة اللواء قائد السلاح، وقد يكون شحاتاً لا يجد لقمة الخبز، ويحلم بأنه يأكل الكباب، فلقد قالوا في الأمثال “إن الجعان يحلم بالعيش”، ويكمن جمال الأحلام هنا في أن ما لا تستطيع حتى أن تفكر فيه وأنت يقظاً، يمكنك أن تعيشه ولو للحظات، أو دقائق في عالم الأحلام، و”اهي دقايق في حلم أحسن من مفيش في الواقع”. أما أجمل ما في الحلم أنه بالرغم من اشتراك شخص أو أكثر معك في أحداثه إلا أنه يظل في داخلك أنت وحدك، فكل من شاركوك هذا الحلم لا يعرفونه ولا يرونه، ففي زمن أغبر كهذا الذي نعيش فيه، زمن يُحرمُ التفكير والإبداع وأن تكون خلاقًا، زمن يُرشحُ فيه أكثر من 800 فرد نفسه لرئاسة جمهورية بلد واحد، في واقعة لم يسبق لها مثيل في أي مكان أو زمان من العالم، مما أضحك الدنيا كلها علينا كمصريين، في زمن يؤذنُ فيه عضو مجلس الشعب في داخل قاعة مجلس الشعب، وأثناء انعقاد الجلسة الرسمية للمجلس، في زمن التكفير وحد الحرابة، في زمن يرى فيه الشرع أن من يسرق لابد أن تقطع يده في بلد لا يعلم إلا الله وحده كم هي نسبة الحرامية واللصوص بالنسبة للشرفاء بها، وكم من هؤلاء الشرفاء لا يجدون الخبز اليومي لإشباع جوعهم وجوع أولادهم، في بلد يسرق فيه، بشكل أو آخر، جل المشرعين والمطالبين بتطبيق الحدود، يسرقون حتى مقاعدهم في البرلمان، تلك التي ستخول لهم إصدار القوانين لقطع يد السارق، وقتل الفاسد، في بلد كهذا تُصبِحُ الأحلام هي الملاذ الوحيد لمن يطفح عقله بالأفكار، لكنه لا يستطيع أن يخرجها من مخرجها الطبيعي من بين شفتيه ولسانه، ولذلك أنا أيضاً أحلم. ومع أن هناك الكثير الذي حَلمتُ ومازلت أحلم به، إلا أن أهمها في هذا الوقت الحرجْ الخطير هو حُلْمٌ عن البابا الجديد الذي سيعقب غبطة البابا شنودة الثالث ويجلس على كرسيه. وفي رأيي الخاص أنه برقاد البابا شنودة قد طُويتْ صفحة خطيرة من تاريخ مصر، وعلاقة المسيحيين بالمسلمين المصريين، وعلاقتهم بالحكومات المصرية، وفُتحتْ صفحة أكثر إثارة وخطورة وغموضاً وحساسية من كل ما سبقها من صفحات. ولست أشك لحظة أن توقيت وفاته كان محتوماً بحكمة فائقة من الإله الحكيم العليم، ليؤكد أنه تعالى لا يضع خمراً جديدة في زقاق عتيقة. ومع أنني أثق في قدرة الله على اختيار الأصلح لقيادة الكنيسة الأرثوذكسية، إلا أن مجرد حلمي وتفكيري في اختيار بابا جديد في هذه الفترة بالذات يجعل شعر بدني يقشعر، والسبب أن الفترة القادمة هي فترة ضيقة شديدة ومخاض على الكنيسة كلها في مصر، حتى لو قال الكل عكس ذلك، أو تمنى الجميع بما فيهم أنا، أن يأتي مشتهى الأمم ويرد المسلوب لأصحابه، ومها تنبأ رجالات الله الطيبين عن زمن افتقاد سيأتي على مصر وعلى الكنيسة المصرية، إلا أنني أرى وأؤكد أن الزمان القادم سيكون زمن النار، المُحرقة التي سيطلقها القدير على مصر فتلحس مياه النيل فتجف، فتبور الأرض ولا تعطي ثمرها، ويئن كل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس، ويختبأ فيها المسيحيون في المغاير وشقوق الأرض، فلا تصدقوا من يقول لكم سلام سلام، فترة سيظن فيها كل من يقتلكم أيها القطيع الصغير أنه يقدم خدمة لله. فترة ستقرر فيها الذقون مسار الأمور، ولا أقصد ذقون من نجحوا في اغتصاب مقاعد مجلس الشعب فحسب، بل ذقون الكنيسة أيضاً، بغض النظر عن نوعية هذه الذقون، ودينها وطوائفها، وأخلاقها وطهارتها ومعرفتها وإمكانياتها وحكمتها وصبرها، ومقدرتها على اتخاذ القرارات. وستصبح الحرب القادمة هي حرب ذقون وليست حرب تكنولوجيا، ومعرفة، وعلم، وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة. وإذا ما أصبحت الحرب القادمة حرب ذقون فقل على مصر كلها، مسيحيين ومسلمين، السلام. وليس أن الله سيقف مكتوف الأيدي وكأن لا دخل له بالأمور، لا بل سيدفع مصر لحكم من اختارت، وسيتركها بعدله تجني ثمار ما زرعت، وسيحفظ قطيعه الصغير كعادته فهو إله أمانة لا جور فيه. وما قلته سابقاً في عهده وهو حي يرزق، أقوله مرة ثانية بعد رقاده، أنه ستأتي أيام فيها يترحم المسيحيون على أيام البابا شنودة ويقولون “ياريتها دامت أيام”. أعلم أن كثيرين لا يريدون أن يسمعوا أو يقرأوا هذا الذي أكتبه، وكثيرون يريدون نظرة متفائلة للأمور، لكن الأمر ليس متروكًا لي ولنظراتي متفائلة كانت أم متشائمة، لكن لِما يراه القدير وأرجو أن أكون مخطئًا في هذه الجزئية عن عقاب القدير لمصر.
أما بعد فحلمي الذي أحلمه عن ما يخص البابا الجديد الذي سيخلف البابا شنودة، وأتمنى أن يتم اختياره وتنصيبه قبل اختيار وتنصيب الرئيس المصري الجديد. فهذا القانون الذي يرى أن رئيس الجمهورية لا بد له التصديق على تعيين أو اختيار البابا قبل تنصيبه لا موقع له من الإعراب. فمسألة انتخاب البابا وتنصيبه وتوليه مهام مناصبه لا دخل للحكومة أو الرئيس بها، فهذا إجراء كنسي روحي داخلي، وما المحاولة لإقحام رئيس الجمهورية في هذا الأمر إلا تأكيداً على البيروقراطية المصرية، وإعطاء الانطباع أن وضع البابا في منصبه مرهون بتصديق رئيس الجمهورية على اختياره، وليس أوضح على هذا مما ارتكبه السادات ونائبه مبارك من حماقة في أمر إلغاء قرار تعيين البابا شنودة يوم غضب عليه السادات، وحدد إقامته في الدير بسبب رفض البابا لتأييد سياساته تجاه إسرائيل، وكأنه بإلغاء التصديق على أنه البابا قد ألغى كونه البابا مدى الحياة، الأمر الذي لم يكن السادات يفهمه، ولم يدرك أن البابا هو البابا لأن الله انتخبه وليس بسبب تصديقه على المنصب، بل تصديق السادات على تولي البابا منصبه ما هو إلا تحصيلٌ حاصل، لا قيمة ولا داعٍ له، لأن البابا هو البابا، صدقَ الرئيس عليه أو لم يُصدقْ، والنتيجة الطبيعية، لفعلَةْ السادات الحمقاء، أن إزداد حب الجموع للبابا، ولم يزده تحديد إقامته إلا كرامة ورفعة، وقد أطال الله عمره ليرى السادات وقد مات مُخرماً برصاصات من أراد أن يخطب ودهم، ومبارك وقد أُتي به على سرير ليطلَ على العالم أجمع من وراء القضبان (اللهم لا شماتة)، أما البابا فعاش ومات مكرماً بين أهله وأبنائه ومحبيه ودُفنَ كأعظم الملوك في المكان الذي اختاره لنفسه قبل موته. وسيظل قبره مزاراً يحج إليه كل من أراد أن يكرمه في سيرته وأعماله ومثواه الأرضي الأخير إلى مجيء المسيح. فالأبرار يضيئون كالشمس في ملكوت أبيهم أما الأشرار فيكتَبون في التراب، وهم كالعصافة التي تزريها الريح، فلا يعرفهم موضعهم بعد.
أما حلمي بالبابا الجديد فيتلخص في ثلاث محاور رئيسية وهي:
1- البابا وموقفه من المسيحيين في الطوائف غير الأرثوذكسية.
2- البابا وموقفه من الحكومة المصرية ورئيس الجمهورية الجديد.
3- البابا وموقفه من الإخوان المسلمين والسلفيين.
وبالرغم من ثقتي أن هذه المحاور الثلاث هي على مستوى واحد من الأهمية لمصر وللكنيسة العامة فيها، إلا أنني أرى أن أهمها على الإطلاق، إن كان لابد أن أختار أهمها، هو محور البابا وعلاقته بالمسيحيين من الطوائف الأخرى غير الأرثوذكسية وخاصة الطائفة الإنجيلية. فأنا أحلم ببابا يكون بالفعل بابا لكل المسيحيين المصريين والأقباط على مستوى العالم، نعم كل المسيحيين، الأرثوذكس وغير الأرثوذكس، الذين يؤمنون بمنصبه كبابا أو الذين لا يؤمنون حتى بوجود منصب كنسي يدعي البابا، أو راعي الرعاة، أو سيدنا، أو أن لأحد من البشر، مهما كانت قداسته في ذاته حتى يُلَقّب بقداسة البابا، بل يؤمنون بما جاء في إنجيل متي الأصحاح الثالث والعشرين والأعداد 8 إلى11 على لسان سيد الخلق كلهم الرب يسوع المسيح “وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن سيدكم واحد المسيح وأنتم جميعاً إخوة، ولا تَدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السموات، ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح”.
أحلم بأن يكون البابا الجديد عالماً ومُقراً أن هناك كنيسة إنجيلية مصرية وطنية، لا تقل مصرية ووطنية وروحانية عن الكنيسة الأرثوذكسية، وأن وجود الكنيسة الإنجيلية ليس بديلاً أو مهدداً لكيان الكنيسة الأرثوذكسية، فها هي الكنيسة الإنجيلية في مصر منذ مئات السنين ولم تزل الكنيسة الأرثوذكسية هي الأكثر عددا، والأعظم نفوذاً، والأعلى صوتاً بين مسيحي مصر. أعلم أن الكنيسة الإنجيلية تستحق كل ما هي عليه اليوم في مصر وتستحق كل ما حدث، ويحدث، وسيحدث لها في القريب العاجل إن سلباً او إيجاباً، وأنها في غيبوبة لن ينقذها منها إلا الله سبحانه وتعالى. لكنها بالرغم من كل هذا فهي حقيقة واقعة، وشريك كامل في المسيحية في مصر. لذا فإني أحلم ببابا يعرف أن الكنيسة المصرية على اختلاف طوائفها، وخاصة في هذه المرحلة الجديدة من عمر بلادنا، تحتاج إلى قيادة موحدة من كافة الطوائف المسيحية، فلتَدر كل طائفة مسيحية مصرية كنائسها بنفسها، ولتولي رئاستها لمن تشاء، ولتعلم تعليمها، ولتحافظ على شعبها ونظامها، لكن عندما تتعلق الأمور بمصير المسيحيين المصريين ككل أو في القضايا المسيحية العامة فلتعلم الكنيسة أنها مطالبة بالتعامل مع هذه القضايا كوحدة واحدة تجمع بين ضفتيها كل الطوائف المسيحية المصرية المتعددة الهوية، مهما كانت حقيقة هذه الطوائف أنها في معظم الوقت مختلفة في فهم ومعالجة الأمور، بل ومتناحرة أيضاً، فلم تعد طائفة واحدة بقادرة على قيادة الشعب المسيحي المصري، وإدارة المسيحية في مصر لا يمكن أن تنفرد بها طائفة واحدة مهما كان تنظيمها، وعظمة إمكانياتها، وكثرة كنائسها، وازدياد اتباعها، وقوة تأثيرها، فالمسيحيون جميعاً على اختلاف طوائفهم هم في قارب واحد، ما يواجه هذا القارب سيؤثر عليهم جميعاً في نفس الوقت وبنفس الكيفية والمقدار، فعدونا واحد، ومصيرنا واحد، وبلدنا واحدة، وكتابنا واحد، وإلهنا واحد ومسيحنا واحد، هذا الذي صلى للجالس على العرش، قبل صلبه، طالباً أن يكون أتباعه المسيحيين واحد كما أنه هو والآب واحد. فلا بد من لجنة كَنسية لقيادة الكنيسة المصرية، تجلس هذه اللجنة حول مائدة مستديرة، ينسى فيها الكل طائفته، ومعتقده وخلفيته، واضعين نصب أعينهم المصلحة العامة للكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية. لذا، فأنا أحلم ببابا يكون منهجه في الحياة أن “من ليس علينا فهو معنا” هذا هو منطق سيدي المسيح، وما أبعد هذا المنطق الإلهي السماوي عن المنطق الأرضي الجسدي الشيطاني “من ليس معنا فهو علينا”. وبالتالي كما يقبل البابا أن يصلي المسلمون لإلههم، الذي لا يؤمن بإلوهية المسيح، ولا بموته وقيامته، في الكاتدرائية إذا حان وقت الصلاة وهم في ضيافته على إفطار رمضان، لا بد أن يقبل أيضاً أن يصلي الإنجيليون في كنائسه لأنهم في النهاية مسيحيون يؤمنون بكل ما تقدم. أحلم ببابا يذيب الخلافات بين الطوائف المسيحية فلا يمنع الخدام الإنجليين من اعتلاء المنابر الأرثوذكسية والعكس، ولا يمنع الخدام والقسوس الإنجيليين من مشاركة كلمة الله مع المعزيين في جنازات القرى الأرثوذكسية، لا لشئ إلا لكونهم إنجيليين، مع أن هذه القرى يحيا شعبها الأرثوذكسيين والإنجيليين في نسيج قروي واحد، وفي وحدة وتماسك ومحبة ومجاملة بعضهم لبعض، بسبب صغر عددهم، ولا يعكر هذا الصفو والانسجام في كثير من الأحيان سوى البعض من رجال الدين. أحلم ببابا يؤمن أن الزواج الإنجيلي ليس باطلاً والمتزوجين على الطريقة الإنجيلية وفي الكنيسة الإنجيلية لا يعيشون في زنى، بل هو زواج روحي مسيحي مقدس، يُقره المسيح ولا يحقره ولا يطلب من عاقديه أن يعيدوه في أية طائفة أخرى، فالمسيح لا يعرف طوائف بل يعرف جسدا واحدا وكنيسة واحدة له، يعمل لكي يحضرها لله عذراء عفيفة بلا دنس ولا عيب، أحلم ببابا إذا ما سألته فتاة عن فتى أحلامها، الكامل من كل النواحي، (على حد قولها وحسب ما جاء بسؤالها) إلا انه “للأسف إنجيلي” لا ينصحها بأن تذهب وتتزوج بمسلم أفضل من التزوج بإنجيلي، غير عابيء بعواطف هذه الفتاة أو ما يترتب عليه رفضها لهذا الشاب من تغذية روح الانقسام، وروح الفشل، وحالة الشاب المرفوض نفسياً وإيمانياً وغيرها، ومدى تأثير مثل هذه النصائح على سامعيها من المسيحيين أجمعين، لا يَهمْ كل هذا، المهم أن لا تتزوج الفتاة الأرثوذكسية بشاب إنجيلي.
أحلم ببابا يوقف تيار الإرهاب الديني المسيحي الذي يقع على المخالفين للرعاة والكهنة في أي أمر، وتسلط قرارات الحل والربط على رقاب العباد، فلا اعتراف، ولا تناول ولا معمودية ولا حِلْ ولا بركة ولا حتى صلاة دفن على الموتى المغضوب عليهم بسبب أو أخر، أحلم ببابا لا يطلب من مشيعيه وأبنائه أن يصلوا لأجله بعد موته لكي يغفر له الله خطاياه التي ارتكبها بقصد أو غير قصد وأن يسمح له بالدخول إلى فردوس النعيم، بل يكون واثقًا عند موته كما قال الكتاب أن “الصديق واثق عند موته” وأنه “إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي” ويكون مؤمناً بالحقيقة التي نادى بها بولس الرسول حين قال “لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي، فلنا في السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيدٍ أبدي”.
إن في القلب الكثير والكثير الذي أحلم به وأود أن أكتبه بل وأصرخ به في هذا المقام وهذا المحور الأول في حلمي بالبابا الجديد، لكن ما باليد حيلة إلا الصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتي لدي الله، وليت سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلبي وفكري في المسيح يسوع.
ثانياً: البابا الجديد وموقفه من الدستور والحكومة المصرية، فلم يعد سراً ولا يحتاج إلى محلل سياسي ضليع أو صاحب رؤية وتخمين أن يحاول أن يكتشف ما نحن متجهون إليه في مصر من مواد دستورية ملزمة للكل، فالدستور هو فوق الجميع، والدستور هو حَجرُ الأساس وحَجرُ الزاوية الذي يُبنى عليه كيان أية دولة متحضرة. والواضح أن حَجرَ الأساس هذا ليس هو المسيح وتعاليمه وشريعته، كما ينبغي أن يكون، “لأن ليس أحد يضع حَجرًا آخر غير الذي وضع، الذي هو المسيح”، لكن هذا الحجر الكريم قد رفضه البناؤون، في معظم بلاد العالم، ولم يكن في يوم من الأيام، ولن يكون في مصر، بل ما وضع واختير هو حجر روح ضد المسيح. ومن الواضح أن المسيحيين لن يُمثلوا بالقدر الكافي في لجنة الدستور، القدر الذي يسمح لهم بترجيح الكفة المعتدلة إذا ما احتاج الأمر، من الأصل، إلى تصويت، وقد يقول قائل وماذا يستطيع البابا الجديد أن يفعل في هذه الحالة المعقدة، وللإجابة أقول، أحلم ببابا يعطي هذ الأمر أهمية قصوى، ويُكَون لجنة من الثلاث طوائف الكبرى، تضم من السياسيين والقانونيين والمفكرين والعلماء الكثير، ولتسمى لجنة الكنيسة لإعداد الدستور، وليبحث هؤلاء كل ما تتفق عليه اللجنة الحكومية للدستور، ولتَرفَع هذه اللجنة توصياتها ومطاليبها لِلّجنة الحكومية في تقرير تحمل فيه رأي المسيحيين في كل المواد الدستورية، ومقترحاتنا بالموافقة أو بالإضافة والحذف والتعديل في مواده، لأن ما سنجبرُ على قبوله في مواد الدستور الجديد كثير، وليس أقل من أننا نسجل للتاريخ ولأولادنا من بعدنا أننا ناقشنا، واعترضنا، وكتبنا، وطلبنا، وحاربنا ضد هذه المواد الدستورية المجحفة ولم يؤخذ برأينا. أما إذا لم نفعل هذا فسيذكر لنا التاريخ تخازلنا و تقصيرنا في الدفاع عن آرائنا بحجة أننا كنا نحافظ على الوحدة الوطنية، غير الموجودة في الحقيقة ولا في الأحلام، أو إذا استخدمنا أية حجة أخرى مهما كانت، سيلعننا أولادنا من بعدنا وسنتحمل وزر كل ما سكتنا عليه، إن برضانا أو رغماً عن أنوفنا. أما موقفه من الحكومة المصرية فأحلم ببابا يعرف أننا لا نستجدي من الحكومة عندما نطالب بحقوقنا، فالأرض أرضنا، والبلاد بلادنا قبل أن تكون بلادهم، والبقاء اليوم ليس للأقوى ولا الأكثر عدداً وعدة، صدقوني البقاء لن يكون إلا لمن يختار أن يعمل مع الله وبجانب المسيح. ربما لن تأتي الحلول سريعة أو كما نريدها نحن، لكن الله أمين، فحاشا له، فهو يكرم الذين يكرمونه والذين يحتقرونه يصغرون، فالبر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية، وليس هناك بِرٌّ إلا ما يمنحه المسيح القادر على كل شيء، وليست هناك خطية مميتة أكثر من عدم الإيمان بقدرته وسلطانه وتَحكمه في الأزمنة والأوقات. أحلم ببابا لا يقبل أنصاف الحلول من الحكومة، لا يقبل أن تمن علينا حكومتنا، التي نحن قد اخترناها لتحكمنا، وعلى أرضنا، بترخيص كنيسة هنا أو كنيسة هناك، ولا حتى بإصدار قانون العبادة الموحد، فما قبول قانون دور العبادة الموحد سوى القبول بأنصاف الحلول، فلنطالب بفتح باب بناء دور العبادة دون قيد أو شرط، ولنرفض أن نَرضَ بأقل من ذلك بديلاً، ولتعطى الحرية الكاملة كلٌ للتبشير بدينه وليهدي الله من يشاء. أحلم ببابا لا يخاف من وزير الداخلية، بل من الله فقط، فليرفض البابا الجديد أن يكون المسئولون عن شئون الكنائس في مباحث الأمن من المسلمين، فشئون الكنائس لا بد أن يعتني بها ضباط مسيحيين. أحلم ببابا لا يوافق على أي نوع من الكوتة للمسيحيين في الكليات العسكرية والبوليسية وغيرها. أحلم ببابا يتبنى مشروع الجامعة المسيحية القبطية التي لا تقبل إلا المسيحيين فقط على غرار جامعة الأزهر، فمن حقنا أن نُعلمَ أولادنا ما شئنا، وإذا لم يكن لدينا المساواة في التعليم الجامعي بسبب التمييز الديني الذي نعيشه منذ إنشاء جامعة الأزهر، فلتكن لنا جامعاتنا، وأساتذتنا، وطلابنا وخاصة بعد أن تسيطر جماعة الإخوان المسلمين على وزارة التعليم. “بحلم وبحلم وهفضل احلم”.
ثالثاً: وأخيراً، فيما يتعلق بالتعامل مع الإخوان المسلمين والسلفيين، أحلم ببابا يرفض أن يرتمي في أحضان الإخوان المسلمين، فلن يأخذ أحد النار في حضنه ولا يحترق، ولن يمشي أحد على النار ولا تكتوي رجلاه. بابا لا ينقض عهده ولا يغير ما خرج من شفتيه، مسئول عن تصريحاته، لا يتراجع فيها ولا يجملها ولا يعتذر عنها وبالأولى لا يقولها إن لم تكن في محلها. أحلم ببابا لا يقول عن الإخوان المسلمين إنهم الإخوان المصريين، فإن كان مؤمناً بذلك فكيف وأين كان غبطته في كل ما عمله الإخوان المسلمين بمصر وبالمسيحيين المصريين، أين كان ولماذا لم يتكلم عندما قال مرشد الإخوان المسلمين أنه على استعداد أن يحكمه ماليزي مسلم، “وطظ في مصر”، لماذا صمت ولم يتكلم يومها، ولماذا قامت ضده الدنيا ولم تقعد عندما أدلى بأحد تصريحاته الواقعية الصحيحة بأن المسلمين ضيوف على مصر، وإن لم يكن مؤمناً بما قاله إذاَ، فهذا رياء ونفاق ومظهر من مظاهر الخوف والرعب من الحاكم الجديد، وكلها لا تليق بقائد سيوضعُ على كتفيه قيادة أكثر من خمسة عشر مليون مسيحي مصري. لماذا تُسرع الكنيسة اليوم الخطى للارتماء في أحضان الإخوان، أليس لأنها لا تؤمن بأنها بإلهها أقوى منهم، وأن لها إلهًا ينجي من أتون النار وجب الأسود، فيا غبطة البطريرك الجديد، لا تخف منهم يقول الرب لئلا أريعك أمامهم، إن سرت معي وحفظت وصاياي وكلمة صبري فسأحفظك أنا أيضاً من ساعة التجربة التي ستأتي على الساكنين على الأرض. وفي النهاية أقول أن القادر على أن يقيم من الحجارة أولادا لإبراهيم لهو قادر على أن يملأ الفراغ الذي تركه البابا شنودة، ويختار من يقود الكنيسة. أما أنا فمازلت أحلم ولا أريد أن يوقظني من هذا الحلم أحد.
اللهم نشكرك لإعطائنا الفرصة للتوبة والرجوع إليك، اللهم نشكرك لأنك تبني كنيستك وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، فأصلح أمرنا، واختر لنا من يصلح لقيادتنا ويمشي أمامنا، سر بوجهك أمامه وقده فيقودنا، اللهم حقق أحلامنا، وافتح عيوننا وآذاننا، وأيقظنا من غفلتنا ورقادنا، اللهم انقذ مصر من سفهائنا وولي عليها شرفاءنا فأنت شفيعنا وإلهنا وربنا.