يا صديقي كلهم مرسي!

9

العدد 94 الصادر في يوليو 2013
يا صديقي كلهم مرسي!

    ما أعجب ما يحدث في مصر ولها في هذه الأيام، لم نر ولم نسمع، ولا في كتب التاريخ عبر عمرها الطويل، مثل ما تمر به الآن مصر العجوز التي شاخت قبل الآوان. وليس هناك كلمات يمكن أن تشخص حالتها والداء، فهل داؤها هو جفاف نيلها وقلة الماء، هذا الذي يجري في شرايينها فيمنحها خصبها والرخاء؟! أم إثيوبيا وسدها وخططها على شريان مصر الرئيسي النازل من العلياء؟ أم نزيف مواردها ومائها ودمائها المستمر من جرحها الغائر عبر الليالي الليلاء؟! أم في بنيها وبناتها وقادتها الذين سلبوها وسدوا شرايينها فباتت في شقاء؟! هل هناك عقاقير أو نوع من الرفادة ينفعها كدواء؟! أو لا يمكن أن يشفى جرحها العضال أم أنه عديم الشفاء؟! الإجابة لا. لا يستطيع إلا الرحمن في عليائه أن يخرجها من بؤسها وغيها والعناء، ذاك الذي قد تغلغل بها ويسرع بها وبأهلها إلى الفناء، فسبحان من أعطى لنا العقل والحكمة والذكاء، لنتدبر شئوننا وشئونها فنحيا في استقرار في رخاء، فاحفظ يا رب مصرنا واكفينا شر الأغبياء، وانصر يارب شعبنا وأعن يا سيدي الضعفاء، وازجر يا خالق الكون المتجبرين وشتت المفترين وارفع البؤساء، فأنت إلهنا وربنا، وأنت نصير الأمناء. وإني لأسطر هذه الكلمات قبل الثلاثين من يونيو 2013، وما قيل إنه سيحدث فيه من عظمائها وشرفائها وحكمائها والغوغاء، رجالها ونسائها وأطفالها فقرائها والأغنياء، أطياف شعبها  المصري العظيم الطيب وكارهيها والسفهاء، علمانيين، وسلفيين وإخوان واشتراكيين ومسيحيين وفلول رجال ونساء، وغيرهم ممن تضمهم بين جنباتها وفي قلبها الكبير والأحشاء.

    فمن مصمم على الإطاحة بالرئاسة، ومن فيها وما فيها على السواء، ومن داع لحمل السلاح والتصدي لأعداء الله والثورة والجبناء، الذين لا يعرف أحد بالضبط من هم، فالإخوان يرون أنهم كل من عاداهم وانتقد سياساتهم، وعلى رأسهم الليبراليين والفلول والعلمانيين. وحتى السلفيون اليوم يرونهم أصل لكل الشرور، والحمد لله تعالى أن هذه التقسيمة ليست مسيحيين ومسلمين في هذه المرة، وإلا لكان الأمر سهلاً، فالمسيحيون دائمًا هم كبش الفداء.

    أما عن نفسي، فلست بمتفائل بما سيحدث في 30 يونيو، وذلك للأسباب التالية:

    1- إن الإخوان الذين جاهدوا وصبروا واحتالوا وداسو على كل ما ومن في طريقهم للوصول للحكم لن يتركونه بسهولة.

    2- لا يمكن أن يكون هناك حل أو استقرار لمصر والشرق الأوسط دون وجود الإخوان في الصورة والمناقشات والاتفاقات، فهم قوة لا يستهان بها. وهذا ما يبدو أن الكثير من القوى الأخرى المؤثرة في مجري الأمور لا تفهمه فهمًا كافيًا، نعم فهي حقيقة لا يقبلها ولا يريد أن يعترف بها سوى الإخوان أنفسهم ، لكنها الحقيقة ولا مفر من التعامل معها كحقيقة واقعة، وكما قلت سابقاً،لا مفر منها. فالبعض من غير الإخوان يظن أنه لانكشاف حقيقتهم ومساويء حكمهم لا بد أن الكل يتطلعون للخلاص منهم، وأنه عند النزول للميدان سيدين المصريون جميعًا عن بكرة أبيهم تصرفات الإخوان، وسيطلبون من رئيس مصر الآن أن يرحل، فسيضطر إلى ذلك كما رحل من كان قبله، ألم تجبر الجماهير مبارك، الذي كان حاكمًا بأمره لمدة ثلاثين عامًا، على ترك الحكم، فماذا عساه مرسي وجماعته، الذين حكموا لأقل من سنتين أن يفعلوا، لكن هذه النظرة والقناعة، في رأيي، ليست صحيحة، فمبارك لم يكن له من أنصار في الشارع المصري، وتخلى عنه الأمريكان، وهم المؤثر الأكبر في الأحداث في العالم كله، وخاصة الشرق الأوسط، ولم تقف معه روسيا التي لولا وجودها مع بشار الأسد، أطال الله عمره ورئاسته، لكانت المعارضة الإخوانية السورية قد ابتلعته حيًا، فدفع مبارك وحده ثمن إلقاء نفسه وإيانا معه في وضع كل البيض في سلة واحدة، سلة الأمريكان، طوال مدة رئاسته. وحتى عساكر الأمن المركزي المساكين الذين عهدناهم منفذون للأوامر بدون تفكير تمردوا عليه وكانوا بيد يحملون الدروع ويلقون القنابل المسيلة للدموع خضوعًا للأوامر، وباليد الأخرى وبحناجرهم المبحوحة يقولون مع الجموع ارحل. أضف إلى ذلك الإخوان أنفسهم، بغض النظر عن عددهم إن كان كبيرًا أو صغيرًا، والأمريكان كما قلت سابقًا، والمستفيدون من حكم الإخوان لمصر من الشعوب والقبائل والفصائل والميلشيات والجماعات بالداخل والخارج سيساندونهم في البقاء أكبر وقت ممكن، مهما كلف هذا مصر من ضحايا وخسائر مادية ودولية ومعنوية وبشرية، ففي النهاية تبقى المقولة الشهيرة “طظ في مصر” هي مفتاح تعاملهم مع الأحداث، ولنا فيما يحدث في سوريا الآن موعظة وعبرة لمن يعتبر.

    3- لقد وطد الإخوان أرجلهم بما فيه الكفاية في الشهور الماضية في كل جوانب وأجهزة وفصائل الحكومة والشعب والجيش والبوليس والمخابرات ومخابز الخبز والتعليم والتخطيط والعلاقات الخارجية، والمحليات، والاقتصاد و..و..وما خفي كان أعظم. مما يستحيل معه أن يُمْسَحوا بأستيكة الزمن أو محاية مصر كما يظن الحالمون.

    4- إن الفارق العددي بين مجموع الإخوان بالإضافة إلى المؤيدين للإخوان من الداخل والخارج من المستفيدين منهم ومن بقائهم في الحكم، والمُسَيْطَر عليهم من خلالهم بالمساعدات والبطاطس والأرز والمواد التموينية، وأزد على أولئك الخائفين والمهددين، والمغيبين، والمحبطين واليائسين، الفارق العددي بين كل هؤلاء وبين الفاهمين، والمثقفين، والليبراليين إلى ما آخر القائمة فرق كبير لصالح الإخوان. مع أنني أؤكد على أن قوة إنسان حكيم فاهم مناضل حقيقي قوة لا يُستهان بها.

    5- عدم تنظيم الصفوف والاتفاق على شئ محدد من الجانب المناهض للإخوان، فكل ما هو مطروح على الساحة الآن لملء الفراغ الذي ستحدثه حكومة الإخوان إن اضطرت لترك الحكم، وأؤكد أنها لن تفعل، لا يرقى لمستوى أن يكون خطة سياسية دولية شعبية مدروسة ومتفق عليها بوسائل وطرق وأزمنة وأوقات محددة ذات معالم واضحة. وكقانون عام لا يمكن الإطاحة بحكومة دولة ما إلا بمساندة حكومة أو قل حكومات دول أخرى، فقد مضى عهد وزمن الضباط الأحرار وعهد الملوك الذين يمكن لانقلاب عسكري من فرقة من الجيش أن تطيح بهم وتنهي حكمهم، وإن صح هذا المبدأ الواقعي البسيط فيبقى السؤال، ما هي الحكومة التي يمكن أن تساعد المعارضة المصرية على استرداد حقوق شعبها؟ الإجابة على حد علمي لا توجد، بل على العكس فكل الحكومات سواء، أكانت عربية أم غير عربية، ترى في بقاء الإخوان في مصر ضمانًا لأمنها وسلامتها وازدهارًا لمصالحها، والحكومة الوحيدة التي يمكن أن تفعل هذا ملهية في حربها الداخلي، سواء سوريا أو حزب الله أو إيران، وثلاثتهم غير مرحب بهم في الشارع المصري الليبرالي، فلا يمكن التعامل معهم، ولذا فإن هذه الحكومات تمول وستمول الإخوان بكل ما تملك لبقاءهم في الحكم، لذا، فالحقيقة الثابتة التي لا مفر من الاعتراف بها كما جاء بعنوان المقال، “يا صديقي كلهم مرسي”. فمرسي قليل الخبرة في إدارة مصر وإعلاء شأنها، ومن من زعماء الأحزاب، ومرشحي الرئاسة السابقين واللاحقين يمكن أن يدعي أن لديه من الخبرة أكثر منه، فنتيجة لإصدار قانون استبعاد الفلول عن تولي السلطة أو المناصب الحساسة في الدولة أصبح الجميع متساوين في عدم الخبرة في إدارة البلاد، والسبب ببساطة كما قلت سابقًا أن مبارك خطط منذ سنين لاستبعاد وظهور الرجل القوي الذي يفهم في إدارة البلاد، فيصبح منافسًا لابنه جمال، وتقلب موازين القوى، فعندما نتكلم عن الخبرة والحنكة والمؤهلات الخاصة بقيادة عملاقة كمصر لا بد من الاعتراف أنه “يا صديقي كلهم مرسي”.

    وعندما نتكلم عن التوجهات السياسية أو الدينية أو العرقية فكل الثوار والمناضلين والعلماء والليبراليين لكل توجهه إما السياسي، أو الديني أو الاجتماعي، وكل يرى أن النصر والنجاح والقيادة لابد أن تكون وفقًا لتوجهه ولجماعته ولأيدلوجياته، وكل ما عدى ذلك فهو خطأ يضع أتباعه حول طائلة المسميات كالفلول، والليبراليين والمسيحيين وغيرها. إذًا، ففي هذه الجزئية أيضًا يصلح القول “يا صديقي كلهم مرسي”.

    وعندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين وعلاقاتهم بالمسيحيين يغلب المبدأ “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا” على كل ما عداه من إخوة في الإنسانية إلى إخوة في الوطن الواحد إلى إخوة في المصير الواحد، فالليبراليون والاشتراكيون يتحولون بقدرة القادر على كل شئ إلى إسلاميين ملتزمين إذا ما طالت أيديهم الحكم، سيرًا على مبدأ السادات الذي ما كان يصلي الفروض إلا حينما تتواجد عدسات التليفزيون برفقته، وقد أطلق على نفسه “الرئيس المؤمن” ورددتها وراءه الإذاعات والصحف والمجلات. وتفاخر بالقول “أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة” أي أنه في النهاية “يا صديقي كلهم مرسي”.  ويبقى السؤال، ترى ماذا يمكن أن يفعل الأقباط في يونيو 30؟ هل يخرجون للمظاهرات مع إخوانهم من كل أطياف الشعب المصري، والإجابة البسيطة الواضحة الصريحة تتلخص في، أولاً، لست أنا ولا غيري من القادة المسيحيين في وضع من يقرر أو يحفز أو يحث أو يمنع المسيحيين عن عمل شئ ما، فالمسيحيون مواطنون مصريون أولاً، ثم مسيحيون ثانيًا، والمسيح لم يدعنا لنكون قادة سياسيين نتحكم في عقول المسيحيين وردود أفعالهم، بل قد دعانا المسيح للتفكير واتخاذ القرارات المبنية على كلمته، سبحانه وتنازل إلينا، دون وصاية أو”نفذ وبعدين اتظلم” “أو لا تناقش ولا تجادل” ولا حتى المبدأ الكنسي الذي يساء استخدامه وتطبيقه في مرات كثيرة أن “ابن الطاعة تحل عليه البركة”.

    ثالثاً، لابد أن يكون لدى المسيحيين موقف واضح محدد من كل الأمور التي تمر بمصر اليوم، وليس فقط فيما يتعلق بمظاهرات يوم 30 يونيو 2013، وأن لا يستطيع أحد أن يشتت شملهم من التركيز على ما يطلبون وما يحلمون بتحقيقه، ليس لمصر فقط بل لقضيتهم الشخصية القبطية المصرية، ولست أظن أن لدى المسيحيين هذه الرؤيا والتوجه، ولا أعتقد أنها ستكون في يوم من الأيام، وهناك عشرات الأسباب، لا مجال لذكرها في هذا المقال، تدعوهم وتجبرهم على ذلك، وقد تخدعهم وتصور لهم أن مواقفهم السلبية من الأحداث الجارية هي صحيحة وفقًا للمبادئ المسيحية الكتابية السليمة. وكنت أتمنى أن يدرس مجلس الكنائس المسيحية المصرية الموقر هذا الأمر ويخرج لنا بتوصيات أو توضيحات أو إرشادات أو علامات على طريق التعامل مع الأزمة الراهنة في مصر. أعلم أن هذا الأمر شائك وحساس ومخيف في نفس الوقت، وأن المجلس قد أعلن عن أن لا علاقة له بالسياسة، لكنني أثق في حكمة القائمين على مجلس الكنائس الموحد، وأصلى إرشادًا من القدير لهم في كل ما يعملون في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المسيحية في مصر.

    رابعًا: إنه من الواضح أن المسيحيين المصريين، أصحاب مصر الأصليين، ليس لديهم أجندة ولا توجه خاص بالنسبة لما يسمى بثورة 30 يونيو، فالحقيقة هي “يا صديقي كلهم مرسي” لذا فلن نبكي اليوم على اللبن المسكوب، بل علينا كمسيحيين أن نوقف سكيب اللبن المتبقي في زقاقنا، ولنبدأ بكل جدية في التفكير في خطة تعبر عن رأي المسيحيين وموقفهم من كل ما يحدث في مصر، وكما يعمل رجال الأعمال وأصحاب السياسات والمشاريع الكبيرة جلسات تعرف بجلسة (العاصف الذهني) “Brain Storming”

    وأساسها هي ترك العنان لكل أفكار المفكرين، والعلماء لوضع حلول لمشاكل قائمة، وسياسات لمواقف قادمة، ووضع النقاط على الحروف في خلافات دائمة مزمنة، وإيجاد موقفًا موحدًا واضحًا وصريحًا، وخطة مدروسة محكمة لما يريده الأقباط المصريين ولما سيكون عليه مستقبل هذه البلد العريق مصر، فردود أفعال المسيحيين وأفعالهم، فيما يتعلق بمثل هذه الثورات أو المظاهرات، ليست إلا ردود أفعال عفوية فردية، تمليها على الجميع المواقف والظروف الراهنة، لذا فالقوة المسيحية التي تمثل 20% على الأقل من قوة الشارع المصري لا يعمل لها أي حساب في كل الخطط والأحداث، على اختلافها، مع أنها قادرة على تغيير موازين الأمور في مصر داخليًا وخارجيًا. وليكن من بين ما يناقشه المسيحيون اليوم فكرة إقامة دولة مصرية قبطية داخلية، يتولى الأقباط إرساء قواعدها وتأسيسها، وفي رأيي ستسارع الحكومات المختلفة في العالم أجمع للاعتراف بها وتأييدها وتمويلها. فأمريكا والدول الغربية تعلم جيدًا أن الحل هو في تقسيم الدول الإسلامية إلى دويلات وجماعات عرقية وسياسية حتى يظل الشرق الأوسط بالذات في حالة من الغليان، فتستطيع هذه الدول أن تسيطر على المنطقة بأكملها، وبالتالي تضمن سلامة إسرائيل، وعلى قدر كرهي أنا شخصيًا لهذه الفكرة، وعلى قدر ما كنت أتمنى أن لا تخطر هذه الفكرة ببالي، حتى لمجرد كونها فكرة، قد تكون في نظري غبية غير قابلة للتنفيذ، إلا أنني أجد نفسي مضطرًا لوضعها كأحد الحلول لما تمر به مصر اليوم، فلماذا ندفع نحن المسيحيون ثمن صراع بين جماعات إسلامية إخوانية وسلفية، وإسلامية علمانية، من استقرارنا وأمننا وأموالنا؟! ولماذا نبقى كأقباط على هامش الخريطة المصرية في كل شئ؟! ولماذا نعاني ونصارع في قضايا ليس لنا فيها ناقة أو جمل؟! فلربما قبلنا كل هذا إذا كانت قد توفرت لنا الحياة الكريمة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ليس حتى كأصحاب الأرض الأصليين، بل كمجرد مواطنين عاديين لا نريد ولا نطالب بشئ سوى الحياة الكريمة، لقد منحت أمريكا الهنود الحمر كل ما يريدون من أراضي، وأعفتهم من الضرائب، وأعطت لهم حقوقًا تفوق حقوق الشعب الأمريكي الوافد والمحتل لأرضهم، بالرغم من الفارق الكبير بين الاحتلال الإسلامي لمصر واستيطان الأوربيين للأراضي الأمريكية، فالمحتلون الأوربيون لكاليفورنيا مثلاً، لم يمحو لغة الهنود الحمر، ولم يحرقوا تراثهم وكتبهم وما هجروهم إلى أماكن لم يتربوا فيها، ولم يجعلوا الكل يعرفونهم بأصحاب العظمة الحمراء، كما هو الحال حتى الآن مع أقباط مصر، وما وضعوا لهم وثيقة عمرية للتفرقة بينهم وبين أصحاب الأرض المحتلة، بل على العكس، جلبوا معهم التكنولوجيا والعلم والرفاهية وأخرجوا الهنود الحمر من أكواخهم وأسكنوهم في قصور مشيدة، وعلموهم الحضارة، وأن هناك طرقًا أخرى غير أكل لحوم البشر، وطهي الطعام على الشمس، وغيرها مما يجعل الهنود الحمر مدينون للوافدين البيض بأشياء كثيرة، فبوضعها الحالي لم تعد مصر الكبيرة الموحدة هي أرضنا، وحتى لو كانت أرضنا فقد سُلبت منا، ولم نعد بقادرين على استردادها، أو حتى العيش فيها في سلام وأمان كما كنا، فلدينا كل مقومات القومية القبطية التي تكفي أن نقيم دولتنا الخاصة بنا من وحدة الأرض، وتاريخ، و قيم وأخلاق ودين ولغة وعادات وتقاليد وتراث وماضي وحاضر واضطهاد وصراع ومعاناة وتطلعات وثقافة، وكلها تميزنا عن الإخوة المسلمين في مصر مع الاعتراف باشتراكهم معنا في بعض هذه المقومات، لكن بمفاهيم وتطبيقات مختلفة تمامًا عما لدينا نحن الأقباط، والأقباط هم الشعب الوحيد في العالم الذي تتوفر فيه كل هذه المقومات الخاصة والعامة لإقامة دولته. فبقية الشعوب التي لها موقف مماثل من موقفنا لا تتجمع فيها كل هذه المقومات دفعة واحدة، وعادةً ما يكونون على الأقل متفرقين في أماكن كثيرة من العالم، كالشعب الأرميني، أو الكلداني أو الأشوري وغيرها. وإن كانت جنوب السودان، الدولة التي لا تقارن في نواحي كثيرة بالأقباط المصريين، قد تمكنت من إقامة دولتها الخاصة بها فلماذا لا تكون لنا دولتنا الخاصة بنا، ولتبقى المحبة والمودة المسيحية الأخوية بيننا وبين أهلنا وأصدقائنا وجيراننا الأقباط المسلمين (نعم أقصد الأقباط المسلمين)، ولنلتفت نحن إلى مصير أولادنا ومستقبلهم.

    وفي ختام مقالي هذا المطول، أقول للأقباط المصريين، حيث إننا كأقباط لا نمتلك، كعادتنا الدائمة، أية خطط مستقبلية، وأية تصورات لما ستكون عليه مصر في المستقبل، وليس لدينا القادة الذين يمكن أن يضحوا بكل ما يملكون ومن يملكون في سبيل قيادة الشعب القبطي لما فيه خيره وسلامه وأمانه واسترداد سيادتنا على أرضنا، إذًا، فليعمل كل قبطي الآن ما يمليه عليه دينه وضميره وقناعاته الشخصية في هذه الأحداث الجارية، ولو كنت في مصر اليوم لتقدمت المسيرة وأعلنت رفضي التام، ليس للإخوان فقط، بل لمعظم فصائل وكتائب وأحزاب المصريين، ولرفعت لافتات مصر القبطية وليكن ما يكون، لكنني أهيب بالشباب المسيحي الذي يعرف كيف يعبر عن رأيه، وكيف يبدأ ثورة كثورة يناير، وكيف يقود دفة الأمور، أن يضعوا نصب أعينهم القضية القبطية، وما يمكن أن يتم فيها في الأسابيع والشهور والسنين القادمة، ولا يخدعنك أحد أيها الشباب القبطي، بأن يحول نظرك عن قضيتك الأساسية إلى ما يسمى بالقضية المصرية، فالقضية القبطية هي جزء لا يتجزأ من القضية المصرية عامة، وإذا انتظرت لحل القضية المصرية أولا لتفكر في حل القضية القبطية ستنتظر كثيرًا، وعندها لن يسمع لك أحد في حل قضيتك، وما نيل المطالب بالتمني لكن تؤخذ الدنيا غلابا. ولا تصدق أنهم مختلفون بل تذكر دائمًا “يا صديقي كلهم مرسي”.

    اللهم احم مصر من كل خطة شيطانية، واعط شعبها الفهم والحكمة والبصيرة الروحية، ليتدبروا أمرها ويعطوك الفرصة لهدايتها يا خالق البرية، احمها من أولادها وأعدائها والمؤامرات الإخوانية، واسبغ عليها سلامك فأنت رب ومخلص البشرية.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا