* تظل قضية الإبعاد أو الاستبعاد المتعمد والمقصود لأبناء الأقباط وإقصائهم بفعل فاعل من المجال الرياضي، قضية تؤرق ضمير المجتمع وتسبب جرحًا لا يندمل في صدور الأقباط وتؤثر على السلم المجتمعي، حيث إنها من قضايا الرأي العام وبالتالي تمس الأمن القومي للبلاد. ورغم أننا وبوازع وطني تناولناها بالكتابة مرات كثيرة وبالمداخلات التلفزيونية لعل الصوت الصارخ في برية الظلم يجد آذانًا صاغية بعد أن بح صوتنا، إلا أننا وجدنا آذانًا صماء لا تسمع وعقولاً أُغلقت قبل أن تُغلق العيون وضمائر تحجرت من كبار المسئولين، وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء من قريب أو من بعيد، رغم أن بعض الكُتَّاب والمفكرين والمثقفين المستنيرين وأصحاب الأقلام الحرة الجريئة والشجاعة من الأشقاء المسلمين تناولوا هذه القضية، وكتبوا فيها مستنكرين هذا الوضع المقيت والمشين في استبعاد أبناء الأقباط من قبل الأندية وضمهم لفرق كرة القدم. وأذكر منهم وحتى لا تخونني الذاكرة تحضرني الآن أسماء الأساتذة إبراهيم عيسي وأسامة غريب وطارق الشناوي وغيرهم، إلا إننا جميعًا فشلنا في إيجاد ثغرة في حائط السد وكأن لا حياة لمن تنادى. وأتذكر أنه بهذا الخصوص صدر كتاب عن مؤسسة “وطني” الصحفية بعنوان “الأقباط والرياضة – جووون في ملعب التعصب” من إعداد الناقد الرياضي والصحفي نور قلدس، وكان لي شرف المساهمة بجزء من الكتابة لهذا الكتاب، كما أنني مررتُ بتجربة شخصية مع أبنائي العاشقين لكرة القدم مثل باقي اقرأنهم من أبناء الوطن، بل سمعتُ ما يشيب له الولدان من تجارب أخرى لأبناء الأقرباء والزملاء والأصدقاء. الجميع يضجون بالشكوى من عنصرية مقيتة تمارس ضدهم لو تقدموا لاختبارات فرق الناشئين لكرة القدم بالأندية المصرية، تلك اللعبة الشعبية الأولى التي يعشقها الملايين بل قد يكون المليارات حول العالم، وأخذتُ على عاتقي التصدي لهذه الظاهرة ولهذه القضية مهما كلفني الأمر من مشقات. ومما دعاني مجددًا لتناول هذه القضية الآن ليتحرك قلمي ليجول بين السطور هو أن وقع بصري على فيديو عن حلقة مسجلة للإعلامي إبراهيم عبد الجواد، على ما أعتقد كانت في سنة 2018 على القناة الفضائية d m c sport، استضافه فيه نجم نادي الزمالك أحمد حسام ميدو فماذا قال؟ “بصراحة أنا رأيي للأسف إنه عندنا (يقصد في الأندية والملاعب المصرية) ناس كتيرة جدًا عنصريين، فيه ناس عنصريين جدًا ضد اللون والديانة والعرق وحاجات كثيرة جدًا. أنا بقول في مثل هذه المواقف لا بد من المواجهة ومندفنش رؤؤسنا في الرمال، فيه ناس عندهم عنصرية كبيرة جدًا ولا يخفوها في كرة القدم.” ويضيف ميدو: “هل يعقل في تاريخ كرة القدم المصرية أن يكون فيه خمسة لاعبين مسيحيين فقط في “التوب ليفيل”؟ فيه لاعبين كتير جدًا بيبطلوا في السن الصغيرة بسبب عنصرية بعض المدربين.” وما زال الحديث على لسان ميدو: وبصراحته الشديدة والمنقطعة النظير أضاف: لما كنت في اللجنة بتاعة إنشاء قانون الرياضة الجديد، في إحدى المرات اقترحت أن يكون فيه نسبة من المسيحيين، فالمسيحيين كانوا يمثلون 10 أو 15% يكون فيه على الأقل 10% في كل فرق الناشئين من المسيحيين علشان نواجه المشكلة دي، فالمشكلة موجودة ولا بد من تعليم وتثقيف الناس لازم نفهم هذه الأجيال بخطورة العنصرية.” وأضاف: “لما كنت في انجلترا كنا بنمر على المدارس ونفهمهم لأنه لا بد من اتخاذ خطوات للتوعية ولا ندفن رؤوسنا في الرمل، الأجيال اللي طالعة لا بد أن يفهموا بخطورة العنصرية، أسوأ شيء في العالم العنصرية، فالجميع لا بد أن يكونوا سواسية لابد من اتخاذ خطوات في ذلك.” أكتفي بهذا الحديث التلفزيوني لميدو.
ورغم إعجابي بصراحة هذا النجم الرياضي الكبير البارع، إلا أنني صُدمتُ ووقفتُ مذهولاً أمام عبارة في غاية الخطورة وردت في حديثه عندما قال: “لما كنت في اللجنة بتاعة إنشاء قانون الرياضة الجديد، اقترحت أن يكون فيه على الأقل 10 % في جميع فرق الناشئين من المسيحيين علشان نواجه المشكلة دي.” واضح وواضح جدًا أن اللجنة التي استأمنوها على مستقبل الرياضة والرياضيين والشباب والناشئين لم تأخذ باقتراحه، وواضح أن اللجنة رفضت هذا الاقتراح وبالتالي تمارس العنصرية جهارًا نهارًا وفي أبشع صورها ولا تبالي ولا تهتم بما يحيق بشركاء الوطن من ظلم كبير، حيث ضربت بالاقتراح عرض الحائط، فالقائمون عليها عنصريون متعصبون يرفضون الآخر، وكان يجب على الحكومة محاسبتهم ومحاكمتهم. ويحضرني أيضاً تصريح للمسئول الأول عن الرياضة والشباب في مصر في ذلك الوقت خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة حين أثيرت قضية استبعاد أبناء الأقباط في كرة القدم، حيث قال لا فض الله فوه ما معناه: “أصل أبناء الأقباط منكبين ومهتمين بالعلم فقط.” عايز يبرر ويقول ما معناه أصل ملهمش في الرياضة. يا للعجب من تصريح المسئول الأول عن الرياضة. والشيء بالشيء يُذكر حين وقف النائب الشجاع عماد جاد تحت قبة البرلمان وطرح قضية التعصب وما يعانيه أبناء الأقباط في الرياضة وخاصةً كرة القدم من تهميش واستبعاد، وبدلاً من أن يجد تأييدًا ودعمًا من زملائه النواب هاجموه بضراوة، رغم أن أصواتًا خرجت من هنا وهناك تحذر من خطورة هذه العنصرية في مجال الرياضة وخاصة كرة القدم، وأنها يمكن أن تؤدي إلى تجميد أو وقف النشاط الرياضي في مصر لو وصل الأمر للاتحاد الدولي لكرة القدم والفيفا ولو بحث وحقق ووجد أن هناك عنصرية تمارس في كرة القدم. ويا للعجب فكأن المسئولين لا يعنيهم الأمر من قريب أو بعيد. وبعد أن طفح الكيل خرج تصريح من رأس الكنيسة القبطية قداسة البابا تواضروس الثاني: “هو مفيش مسيحي واحد رجله عدلة يلعب كرة القدم؟” صدقت يا قداسة البابا، بل أقول لك: هل يعقل من بين 20 مليون مسيحي مفيش منهم واحد يصلح لأن يكون لاعب كرة قدم؟
تعال عزيزي القارئ نلقي نظرة على خريطة كرة القدم في مصر. إن الدوري المصري لكرة القدم مقسم لأربعة أقسام، وهي القسم الأول والذي يضم 18 ناديًا في الدوري الممتاز، بالإضافة إلى أندية الدرجة الثانية والثالثة والرابعة بخلاف فرق الناشئين في المراحل السنية المختلفة بجميع أندية مصر. كم عدد اللاعبين المسيحيين الموجودين والمقيدين؟ هل يستطيع أحد أن يخبرنا؟ ما الجواب باين من عنوانه، فنادرًا ما تجد لاعبًا من المسيحيين ولا حتى في الأجهزة الفنية والإدارية والطبية، ممنوع دخول المسيحيين. أزيدك من الشعر بيتًا ولا حتى حكم في الدوري الممتاز، وحين فرض الحكم وائل فرحان بكفاءته أن يكون في سلك التحكيم وقفوا في البداية ضده حينما اكتشفوا على معصمه الصليب وطلبوا أن يخفيه ورفض. ولما اكتشف عنصريتهم بطريقة فجة فلت منهم وأثبت كفاءة كبيرة في تحكيم مباريات الدوري الممتاز. والغريب والعجيب في بلدي بلد الغرائب والعجائب أن نجد أن أندية الدوري الممتاز على سبيل المثال تستعين بلاعبين أفارقة مسيحيين لتضمهم إلى صفوفها ولا تجد غضاضة في ذلك، بينما تجد غضاضة في أن تضم لاعبين من أبناء جلدتهم من الأقباط حتى لو كانت لديهم الموهبة والمهارة والكفاءة.
لماذا؟ إنها العنصرية المقيتة التي تُمارس ضدهم، على العكس ما يحدث في بلاد الغرب والدول الأوربية ذات الثقافة المسيحية، حيث يرحبون بانضمام اللاعبين المصريين والعرب المسلمين دون النظر إلى ديانتهم.
هل يعقل أن البعثة الأولمبية المصرية لم تضم لاعبًا أو رياضيًا واحدًا مسيحيًا ولا حتى إداريًا أو مدربًا أو طبيبًا، تلك البعثة التي سافرت إلى باريس للاشتراك في الدورة الأولمبية بفرنسا، بل وكذلك الدورات التي سبقتها بل منذ آخر لاعب اوليمبي مسيحي وهو ناجي أسعد في لعبة رمي الجلة، بل نجد أن العنصرية المقيتة امتدت إلى كل الأندية المصرية وربما إلى باقي الألعاب الرياضية وليس كرة القدم فحسب، بل لم تشمل اللاعبين فقط بل الأجهزة الفنية والإدارية والطبية أيضاً. ولم يتحرك مسئول واحد لعلاج هذا الخلل والإحباط الذي أصاب صبية وناشئين في عمر الزهور رغم موهبتهم وكفاءتهم لكن كل جريرتهم أنهم مسيحيون. فأين وزارة الشباب والرياضة؟ للأسف لم يتصد لعلاج هذه المعضلة وهذا الخلل لا وزير من الوزراء المتعاقبين على شئون الرياضة ولا رؤساء اللجنة الاولمبية ولا الاتحادات الرياضية ولا المحافظين ولا رئيس الوزراء والحكومة ولا مجلسي النواب والشيوخ ولا السادة النواب ممثلي الشعب ولا الإعلام بصفة عامة والإعلام بصفة خاصة.
الحل يا سادة يتطلب إرادة سياسية وقرارًا سياديًا. ومن هنا نتوجه بنداء إلى السيد رئيس الجمهورية شخصيًا بصفته رئيس كل المصريين والحارس على الدستور والقانون ورئيس الدولة والسلطة التنفيذية لكي يتدخل شخصيًا لإنصاف أبنائه من شباب الأقباط رياضيًا بقرار من سيادته له قوة القانون، أو أن يأمر الحكومة أن تتقدم بمشروع قانون لمجلس النواب وتتم الموافقة عليه لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة التي تهم 20 مليون مسيحي.
سيادة الرئيس، نحن في انتظار أن تلبي النداء وتستجيب.