ملوك إسرائيل في العهد القديم(31) (20) الملك فقَحيا

38

بقلم الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

   ترسم ريشة الوحي المقدس صورة للملك فقَحيا فمكتوب في (2مل15: 23-25) “في السنة الخمسين لعزريا ملك يهوذا، ملك فقحيا بن منحيم على إسرائيل في السامرة سنتين. وعمل الشر في عيني الرب. لم يحد عن خطايا يربعام بن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ. ففتن عليه فقح بن رمليا ثالثه، وضربه في السامرة في قصر بيت الملك مع أرجوب ومع أرية ومعه خمسون رجلاً من بني الجلعاديين. قتله وملك عوضًا عنه. وبقية أمور فقحيا وكل ما عمل، ها هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك إسرائيل”.

    عندما اعتلى العرش الملك فقَحيا كان محاطًا بالخطر الذي يصحب خليفة حاكم قوي بدرجة غير عادية.

أغلب الظن أن الملك فقَحيا فضل سياسية والده بالخضوع لسلطة أشور والتبعية لها على مقاومتها.

وفي السجل الموجز لمدة حكم فقَحيا القصيرة لا شيء يقال عن صفاته الشخصية سوى حقيقة أنه كالملوك الذين سبقوه، تمسك بنظام العبادة الزائفة التي أدخلها يربعام الأول.

وبالرغم أن ما ذكره الوحي عن الملك فقَحيا عبارة عن كلمات معدودة، وعبارات محدودة إلا أن قصته تقدم لنا العديد من الدروس الكتابية والمبادئ الروحية أذكر منها:

أولًا: الإنسان حر الإرادة

   اتخذ الملك فقَحيا نفس الخط الذي سلك فيه الملوك الذين سبقوه فمكتوب في (2مل15: 24) ” وعمل الشر في عيني الرب. لم يحد عن خطايا يربعام بن نباط الذي جعل إسرائيل يخطئ “.

كان يمكن للملك فقَحيا أن يعيش مختلفًا عن الملوك السابقين له، لكن هذه هي الحرية التي منحها الله للإنسان والتي تجعله يسلك كما يشاء، كما أن شعب إسرائيل انساق وراءه أيضًا.

نعم! لقد خلق الله الإنسان وأعطاه حرية وسلطان وإرادة، وتسطر ريشة الوحي المقدس على صفحات كلمة الله في مرات كثيرة أن الإنسان حر يستطيع أن يتخذ ما يشاء من قرارات، وله القدرة على الاختيار والتنفيذ، ويملك إرادة حرة، لذلك هو مسؤول مسؤولية أدبية كاملة عن أفعاله… مسؤول أمام الله، وأمام المجتمع، وأمام ضميره.

وما سقوط آدم في الخطية إلا دليل أكيد على حريته فكان يمكن لله أن يقيد حريته، أو يجعله عاجزًا عن الوصول إلى الشجرة فيحيطها بسور من نار، أو يجعله يصاب بشلل إذا اقترب منها، ولكن الله لم يفعل هذا ولا ذاك لأنه يتنافى مع كرامة الإنسان.

كما أن وجود يوم للدينونة والمجازاة هو أكبر دليل على حرية الإنسان؛ فكيف يحاسب الله الإنسان إن لم يكن حرًا، وكيف يقول الله للإنسان أعط حساب وكالتك، وقد كان مرغمًا على أفعاله؟ وكيف يجازي الإنسان عما يفعل سواء خيرًا أو شرًا وهو لم يكن سيد قراره، لأنه من أساسيات قواعد العدل أن لا يحاسب الإنسان على فعل لم يكن هو صاحب الإرادة فيه.

   وهل ننسى الصورة التي رسمتها ريشة الوحي المقدس للرب يسوع وهو ينادي في (مت23: 37) “يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا! “.

   والصورة التي رصدتها عدسة الوحي المقدس للرب يسوع وهو واقف على باب قلب كل واحد ويقرع ويقول: “هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي” (رؤ3: 20).

  نعم! إن الله يستطيع كل شيء… إلا إرغامنا على محبته وطاعته، فكل إنسان حر في أن يقبل أو يرفض، يؤمن أو لا يؤمن … فالله يريد أن يرى البشر يحبونه ويطيعونه بمحض إرادتهم.

أجل! لقد دبر الله في حكمته أن يخلق الإنسان حرًا يفكر ويقرر ويختار كما يشاء، ولذلك سيحاكم ويُجازي.

  هذا لا يعني أن البشر كالعرائس في يد الله يحركهم كيفما يشاء دون اعتبار لإرادتهم بل معناها أنه لا يستطيع أحد أن يقف أمام خطة الله ومقاصده العليا للعالم.

ثانيًا: ليس لدى الله محاباة

   من قصة الملك فقَحيا نستنتج أن الله كان يعاقب إسرائيل كما يعاقب الأمم، فليس لدى الله محاباة، فهو رب الخليقة وسيد التاريخ ولو كان الله متحيزًا لليهود ما كان قد أدبهم مرارًا وتكرارًا وما كان أدبهم بالحيات المحرقة، وما كان قد ترك الشعوب المحيطة بهم يستعبدونهم ويذلونهم، وما كان شتتهم في أرض السبي.

لقد قال الله لهم بوضوح على لسان عاموس “إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض، لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم”(عا3: 2).

والدارس المدقق لسفر القضاة يرى بوضوح كيف عندما أخطأ شعب الله وابتعدوا عن الرب، وعبدوا آلهة أخرى… سمح للشعوب المحيطة بهم بأن تنتقم منهم فمكتوب: “وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم. وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر، وساروا وراء آلهة أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم، وسجدوا لها وأغاظوا الرب. تركوا الرب وعبدوا البعل وعشتاروث. فحمي غضب الرب على إسرائيل، فدفعهم بأيدي ناهبين نهبوهم، وباعهم بيد أعدائهم حولهم، ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم. حيثما خرجوا كانت يد الرب عليهم للشر، كما تكلم الرب وكما أقسم الرب لهم. فضاق بهم الأمر جدًا” (قض2: 11- 15).

  ومكتوب أيضًا: “وعمل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب، فدفعهم الرب ليد مديان سبع سنين. فاعتزت يد مديان على إسرائيل. بسبب المديانيين عمل بنو إسرائيل لأنفسهم الكهوف التي في الجبال والمغاير والحصون. وإذا زرع إسرائيل، كان يصعد المديانيون والعمالقة وبنو المشرق، يصعدون عليهم، وينزلون عليهم ويتلفون غلة الأرض إلى مجيئك إلى غزة، ولا يتركون لإسرائيل قوت الحياة، ولا غنمًا ولا بقرًا ولا حميرًا” (قض6: 1-4).

  هذا وعندما تمادى شعب إسرائيل في عناده وفساده وعبدوا آلهة أخرى، وعملوا الشر أمورًا قبيحة لإغاظة الرب غضب الرب جدًا عليهم ورزلهم وأذلهم ودفعهم ليد ناهبيهم، وسمح الله لملك أشور أن يسبي مملكة إسرائيل سنة 722 ق.م (2مل17: 5، 6).

ثالثًا: الرؤوس التي تحمل التيجان تفتقد للأمان

   قام فقَح القائد العسكري لجيش الملك فقَحيا باغتياله وقتلوا حرسه الخصوصي (أرجوب وأربه) ثم ملك مكانه… هذا العمل الدال على الخيانة والعنف والوحشية يتفق تمامًا مع كل ما يخبرنا إياه هوشع النبي عن الحالة الداخلية في إسرائيل في ذلك الوقت “أكلوا قضاتهم. جميع ملوكهم سقطوا” (هو7: 7).

ياه! ففي خلال سنتين من اعتلاء الملك فقَحيا على العرش قُتل بطريقة بشعة على يد فرقة حربية، وهكذا فهو سابع ملك إسرائيلي يواجه الموت عن طريق العنف، والآخرون كانوا ناداب وإيله وتبنى ويهورام وزكريا وشلوم.

نعم! المركز والسلطة والمكانة المرموقة لا تمنح للإنسان الحصانة والأمان… ولا تمنع عنه المخاطر والمخاوف. إنما الإنسان يجد السلام والأمان الحقيقي في الرب كما يقول المرنم “الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت. أقول للرب: ملجإي وحصني. إلهي فأتكل عليه. لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبإ الخطر… لأنك قلت: أنت يارب ملجإي. جعلت العلي مسكنك، لا يلاقيك شر، ولا تدنو ضربة من خيمتك. لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك” (مز91).

كيف لا؟! ألم يختبر هذا الأمر الملك يهوشافاط، لقد أعطاه الله انتصارًا عظيمًا معجزيًا على الجيوش الثلاثة التي كانت ضده، فكيف ننسى صلاته العظيمة التي رفعها للرب قائلاً: “يارب إله آبائنا، أما أنت هو الله في السماء، وأنت المتسلط على جميع ممالك الأمم، وبيدك قوة وجبروت وليس من يقف معك؟… يا إلهنا أما تقضي عليهم! لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكثير الآتي علينا، ونحن لا نعلم ماذا نعمل، ولكن نحوك أعيننا”(2أخ20: 6، 12).

كيف لا؟! ألم يحدث هذا أيضًا مع الملك حزقيا الذي التصق بالرب واتكل عليه… لقد أخذ حزقيا رسائل التهديد التي جاءت إليه من سنحاريب ودخل بها إلى بيت الله ونشرها أمام الرب، وصلى قائلاً: “والآن أيها الرب إلهنا، خلصنا من يده، فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب الإله وحدك” (2مل19: 19).

ويذكر الوحي أن الرب أرسل ملاكه وقتل 185ألف من جيش سنحاريب، وهرب سنحاريب إلى نينوى بلده، وفيما هو ساجد أمام نسروخ إلهه قتله ابناه بالسيف ومات.

نعم! إن إلهنا لا يخزى منتظروه والمتكلون عليه مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع بل يسكن آمنًا إلى الدهر.

عبرة في عبارة

   ياه ! كم من إناس الظلم عندهم هواية، ولكن آه لو علم الظالم أن لكل ظالم نهاية ما فكر في ظلم أحد من البداية؛ فعدالة السماء لن تترك الظالم إلى ما لانهاية.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا