كان حلم إنشاء مفوضية مناهضة التمييز أمل المصريين الذي طال انتظاره وقد لاح حلم تحقيقه عندما صدر الدستور الجيد 2014 بعد ثورة 30 يونيو 2013 والذي حمل أملًا جديدًا في علاج العديد من القضايا خاصة بعد السنة السوداء في تاريخ مصر والتي قفز فيها الإخوان المؤلمين – أقصد المسلمين – إلى مقاعد الحكم وصدور دستور الإخوان في سنة 2012 ثم كانت ثورة الثلاثين من يونيو والتي استرد فيها الشعب الوطن المغتصب.
وحين صدر دستور 2014 انتظر المصريون بكل الشغف إصدار القانون المكمل للدستور ليتحقق بعده حلم إنشاء المفوضية المصرية لمناهضة التمييز، وعلى الرغم من تقديم عدة مشاريع للقانون إلا أنه لم يكتمل حتى الآن بعد مرور 10 سنوات على إصدار الدستور، والذي نص في المادة “53” على ما يلي: “المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو لأي سبب آخر.”
وأيضًا “أن تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.” وبالرغم من هذا الاستحقاق الدستوري إلا أنه لم يتحقق حتى الآن رغم مرور 10 سنوات على إصدار الدستور وعلى الرغم من صدور الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021 /2026 إلا أن الوفاء بالاستحقاق الدستوري لم يتحقق حتى الآن، فمفوضية مكافحة التمييز هي أحد أهم الاستحقاقات الدستورية التي من المفترض الوفاء بها من قِبل السلطة التنفيذية والدولة المصرية. وقد كان هناك مشروع صدر عن الحوار الوطني بكل ما يتعلق بمفوضية مكافحة التمييز وكانت هناك مشروعات أخرى عملت عليها منظمات المجتمع المدني وعدد من البرلمانيين وكان هناك أيضًا المشروع التي تقدمت به النائبة مها عبد الناصر وللأسف لم يتم عرضه على المجلس لتتم إحالته للجنة المختصة للنظر في إصداره، انتظارًا لتقديم الحكومة لمشروعها. والجدير بالذكر أن رئيس الجمهورية أعلن في 16 أغسطس 2023 أنه أحال إلى السلطة التنفيذية تنفيذ توصيات الحوار الوطني بما تضمنه من حديث عن المفوضية، مع العلم أن مصر من أولى الدول التي انضمت إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وصدقت علية مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعددة اللاحقة له والتي تجرم جميعها التمييز.
لا يستطيع أي منصف أن ينكر أن المجتمع يعج بالتمييز بسبب الجنس “ضد المرأة” واللون واللغة والمستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي، فحزب مستقبل وطن على سبيل المثال غير باقي الأحزاب، أو الجغرافي، فالحضر غير الريف. أما بالنسبة للتمييز على أساس الدين أو العقيدة فواضح وضوح الشمس في كبد السماء خاصةً التعصب والعنصرية ورفض الآخر، أي التمييز ضد الأقباط، ورأينا من حين لآخر الاعتداء على الكنائس ، ومنها كنائس حاصلة على تصريح يقف الرعاع أمام استكمال بنائها، وحرق بيوت الأقباط ومحلاتهم والاعتداءات المتكررة عليهم خاصةً في الصعيد وعلى وجه الخصوص المنيا أو المنياستان مركز الدواعش والسلفيين والإخوان ومَنْ هم على شاكلتهم ثم يضغطون على الأقباط المسالمين المعتدى عليهم للقبول بالصلح العرفي في جلسات العار والتي تُعرف بجلسات الصلح العرفية، وأيضًا اختطاف أو اختفاء البنات المسيحيات والتضييق على الأقباط في مجالات العمل وغيرها. والتمييز واضح في الوظائف المحظور على المسيحيين دخولها أو تولى مناصب فيها، بل الأمر وصل إلى التعليم والدراسة فمن النادر أن تجدهم في أقسام النساء والولادة في كليات الطب أيضًا في أقسام اللغة العربية بكليات الآداب والتربية في الجامعات المصرية لا يلتحقون بها.
أيضًا في الرياضة، البعثة المصرية المشاركة في أوليمبياد باريس 2024 لم تضم مسيحيًا واحدًا، ودوري كرة القدم بأقسامه ومختلف فرقه بكل الأندية هل يوجد مسيحي واحد؟ ألا يوجد لاعب واحد من 20 مليون مسيحي لا يصلح أن يكون لاعب كرة القدم؟
إن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: متى تخرج تلك المفوضية إلى النور وقد مر على ما جاء بالدستور عنها عشر سنوات؟ ويجب لو قدر الله وخرجت للنور يجب أن تكون مستقلة في مواردها وأن تكون وسيلة لإنصاف المواطنين حال تعرضهم للتمييز وأن تكون مستقلة عن السلطة التنفيذية ويكون لها دور رقابي إلزامي على المؤسسات.