ما حدث في كاليفورنيا ظواهر طبيعية وليس غضبة إلهية

0

نشأت أبو الخير

اندلعت منذ السابع من يناير في مقاطعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا سلسلة هائلة من الحرائق في الغابات بسبب شدة الرياح التي تجاوزت سرعتها 100 ميل في الساعة. وتُعرف هذه الرياح المسببة لهذه الحرائق باسم “سانتا آن”، وهي مألوفة في فصلي الخريف والشتاء، ولكنها لم تكن بهذه الشدة والضراوة، ثم أتت الحرائق على البيوت والمباني فاحترقت كنائس ومساجد ومعبد يهودي ومدارس ومكتبات ومتاجر ومطاعم وبنوك ومحلات وغيرها، ولقي عشرات الأشخاص مصرعهم هذه الكارثة التي حصدت تعاطفًا وتضامنًا ودعمًا إنسانيًا من أنحاء العالم.

لكن ما أذهل العقول هو ما حدث من رد فعل في منطقتنا العربية والشرق أوسطية، حيث سادت حالة من الفرح والشماتة فيما أصاب الآخرين من كارثة بفعل الطبيعة، برغم أن الحرائق والكوارث الطبيعية التي حلت بهذه البلاد هي ظواهر مرتبطة بالطبيعة ومن فعل الطبيعة وليست عقابًا إلهيًا أو غضبة سماوية، فحين تحدث كوارث طبيعية في أي مكان في العالم فإن الطبيعة لا تفرق بين دولة وأخرى أو شعب وآخر أو دين وآخر أو جنسية وأخرى. وقد عاصرنا كوارث طبيعية من براكين وزلازل وحرائق في الغابات وتسونامي في بلدان مختلفة من العالم في الصين والهند واليابان وتركيا وحتى في بلدان عربية كالجزائر ومصر ولبنان قوبلت بتضامن وتعاطف عالميين.

إذن لماذا امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي وحتى كتابات بعض الكتاب بالفرحة والتهليل وبث الكراهية والتشفي والشماتة فيما أصاب شعب كاليفورنيا وأي مصيبة تحل بالغرب “الكافر” في نظرهم.

إن مظاهر التعبير هذه بالشماتة فيما أصاب الآخرين لا تعكس إلا خللًا في النفس البشرية وغيابًا للإنسانية وانفصامًا في الشخصية. لقد نسينا أن ملايين من العرب والشرق أوسطيين يعيشون هناك والأضرار لحقت بالجميع ولم تفرق بين شخص وآخر أو مكان وآخر، كما أن هناك أيضًا الملايين في منطقتنا من الشامتين فيما حل من مصائب بالغرب ممن يقفون على أبواب سفارات هذا الغرب في أوروبا وأمريكا وأستراليا يمنون النفس بالسفر إلى هذه البلاد والعيش في نعيمها وحريتها هربًا من العوز والاحتياج وضيق العيش والتضييق الذي يعانونه في بلدانهم الأصلية. لماذا إذن تكرهون هذه المجتمعات التي أوت الكثيرين منكم وسمحت لهم قوانينها ودساتيرها بالبقاء والعيش فيه بل وحملوا جنسية هذا المجتمع وتمتعوا بحقوق المواطنين أصحاب هذه البلاد؟ فبلاد الحضارة والحداثة والرقي تتيح الحقوق والحريات العامة وحرية الاعتقاد وإقامة دور العبادة والتعبير عن الفكر، بدلًا من أن يبدي هؤلاء الوافدون الشكر والامتنان للمجتمع الجديد لما وفره لهم من حياة راقية ومعيشة رغدة وعمل محترم وحريات، وهم الذين جاءوا من مجتمعاتهم الأصلية التي لفظتهم وعانوا الأمرين هربًا من ضيق العيش وصعوبة الحياة. وأيضًا الشامتون الجدد يقفون على أبواب هذه السفارات يمنون النفس بالعيش فيها لينضموا إلى إخوانهم الذين ينعمون بالعيش في هذه البلاد؟ فلماذا تريدون السفر إلى هذه البلاد التي تكرهونها وتشمتون فيما أصابها من كوارث؟

لماذا لا نكون في مجتمعاتنا الشرقية مثل المجتمعات الغربية؟ هل هم أكثر حضارة ومدنية ورقيًا وتحضرًا منا؟

لماذا لا نكون متحضرين ومتسلحين بالقيم الإنسانية ونكون لإخوتنا في الإنسانية عونًا ونقدم لهم الدعم الإنساني والدعاء لرب الكون أن يفك كربتهم؟ ألسنا جميعنا شركاء في الإنسانية على هذا الكوكب؟ لماذا لا نكون أكثر وعيًا وإنسانية وتحضرًا؟

** وقفات في محطات

* تابعتُ زيارة السيد الرئيس إلى كاتدرائية المسيح للتهنئة بعيد الميلاد المجيد، وللأسف ما حدث أثناء الاستقبال لا يليق بدار العبادة. ألم يقل الكتاب: “ببيتك يا رب تليق القداسة”، “اعبدوا الرب بزينة مقدسة”، “بيتي بيت الصلاة يُدعى”؟ لكن تحولت قداسة المكان وجلالة المناسبة الدينية إلى مظاهرة، فيقف بعض من الشعب فوق الكراسي والبعض الآخر على الكراسي يتزاحمون مع بعضهم البعض وتتعالى الهتافات والزغاريد وترتفع الأعلام والصور واللافتات وتتبارى الموبايلات في التصوير في اختلاط وفوضى، إلى جانب ما حدث أيضًا من مقاطعة السيد الرئيس أثناء إلقاء كلمته، حيث جرت مقاطعته أكثر من عشر مرات وكان يطلب من الحاضرين الصمت حتى يلقي كلمته، لكن لا حياة لمن تنادي. وهذا أيضًا لا يليق بمقام الرئاسة الرفيع.

* بعد أن سطرت محكمة جنايات الإسكندرية حكمًا تاريخيًا في 11/6/2022 بإعدام الإرهابي نهرو عبد المنعم قاتل القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة العذراء وبولس الرسول بكرموز، تعود محكمة النقض بالقاهرة وتسطر حكمًا تاريخيًا في 13/1/2025 برفض الطعن المقدم من الإرهابي المنتمي للجماعة الإسلامية وتأييد حكم الإعدام شنقًا. ونحن في انتظار تحديد ميعاد تنفيذ حكم الإعدام.

* فرحتي كانت كبيرة بانتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للبنان بعد أن ظل المنصب الرئاسي شاغرًا لأكثر من سنتين بعد أن عانى هذا البلد الجميل الملقب بسويسرا الشرق من تجاذب وتصارع القوى والأحزاب والكتل النيابية والمحاصصة مما أدى إلى انهيار الأوضاع اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. وكان الخطاب العهد رائعًا وقويًا وشاملًا لبدء عهد جديد للجمهورية اللبنانية يكون أمرها مرهونًا بيد الدولة اللبنانية وحدها وجيشها وشعبها دون إملاءات داخلية أو خارجية، كما جرت تسمية رئيس الوزراء من قِبل أغلب الكتل اللبنانية للقاضي الدولي نواف سلام، وكان الاختيار الأفضل والأصح لصالح الدولة اللبنانية وشعبها. فكفى ما عاناه لبنان بعد الاستقلال عام 1943 وانتخاب الرئيس بشارة الخوري، فبعد هذه الفترة. ففي الخمسينيات والستينيات، كان اختيار رئيس لبنان لا بد أن يتم برضا جمال عبد الناصر . وفي السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، كان المتحكم فيمن يتولى الرئاسة هو حافظ الأسد، باستثناء الرئيس بشير الجميل الذي تم اغتياله قبل أن يتولى السلطة. وبعد ذلك، استمر التدخل والاحتلال السوري ممثلًا في بشار الأسد وأجهزته المخابراتية، وصودرت استقلالية القرار اللبناني إلى أن اضطر الجيش السوري بضغط من المجتمع الدولي لأن يخرج من لبنان سنة 2005 إثر اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني. ثم بعد ذلك، جاءت السيطرة الإيرانية على القرار اللبناني من خلال ذراعه القوى ممثلًا في حزب الله الذي كان بمثابة دولة داخل دولة. فالثنائي الشيعي ممثلًا في حزب الله وحركة أمل اعتاد فرض خيارته السياسية لمدة تقارب العقدين من الزمان، بالإضافة لما عاناه لبنان من التدخل الإيراني والسوري ومن قبلهم الفلسطيني من خلال المخيمات التي أنشئت لهم، حيث تعاملوا وكأنهم أصحاب البلد. لذا، نشيد بخطاب العهد الذي أعلن حصر السلاح بيد الدولة، والسيطرة على المخيمات الفلسطينية والتي يوجد فيها انفلات في السلاح، والتوافق مع الإدارة الجديدة في سوريا لعودة النازحين السوريين الذين زاد عددهم على نصف عدد الشعب اللبناني، وعدم توطين الفلسطينيين، وعدم السماح بالتدخل الخارجي في الشأن اللبناني.  لقد تغيرت معادلات القوة بعد الهزيمة الساحقة التي لحقت بحزب الله ليبدأ لبنان المستقل عهدًا جديدًا برئاسة جديدة وحكومة جديدة ودعم دولي، ليعود لبنان مرة أخرى بلدًا من أجمل بلدان الشرق، وواحة الحرية والديمقراطية والثقافة والتحضر والعيش المشترك، وشعبًا جميلًا عاشقًا للحياة ومحبًا لها، فمن حقه أن يفرح أخيرًا.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا