طالعتنا الفضائيات منذ شهر تقريبًا على المسلسل (لام شمسية) الذي عُرض فيه مشكلة الاعتداء الجنسي على الطفل (يوسف) من أحد البالغين المقربين من أسرة الطفل، وقد سُمي المسلسل بهذا الاسم على اعتبار أن حرف (لام) الشمسية لا يذكر في النطق ويمكن تجاهله، وهكذا فإن ظاهرة العدوان الجنسي على الطفل أو ما يعرف علميًا باضطراب البيدوفيليا Pedophilia Disorder هي من الظواهر الموجودة، ولكن المجتمع يتغافل عن وجودها وينكر حدوثها نظرًا لاعتبارات متعددة، فالتحدث في هذه المنطقة من الأمور الشائكة والمحرمة عرفيًا لذا وجب عدم الإفصاح عنها لأنها لا تتناسب مع تقاليد وأعراف المجتمع، بالإضافة إلى الخوف من الفضيحة خاصة إذا كان المجني عليه أنثى وكان الجاني أحد أفراد العائلة أو المقربين لها.
ورغم أن هذه الظاهرة لا تعتبر حديثة، حيث كنت أقوم بتدريسها في أغلب كليات اللاهوت منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، إلا أنه من الملاحظ أنها بدأت تطفو على السطح حيث أصبحت ظاهرة متفشية علنًا في المجتمع حتى أن بلاغات التحرش الجنسي المقدمة لأقسام الشرطة قد ازدادت بشكل ملحوظ.
وتشير الإحصائيات طبقًا لمنظمة الصحة العالمية D.H.O أنا ما يزيد عن مليون ونصف طفلة أقل من 16 عامًا اعتدى عليهن جنسيًا، كما اعتدى جنسيًا على أكثر من 750 ألف طفل أقل من 13 عامًا..
والبيدوفيليا اضطراب نفسي عرف منذ القرن 19، وهو ينمو في السنوات الأولى للطفل ويصل إلى ذروته في سن مراهقته.. وتعني البيدوفيليا انجذاب الشخص إلى ممارسة الجنس مع الأطفال، فالشخص لا يشعر بالإثارة الجنسية إلا بالالتصاق بالأطفال دون سن 13 عامًا.
وأغلب البيدوفيليك Pedophilic من الرجال، أما المرأة فهي بنسبة أقل من الرجل وتستخدم المرأة في محاولاتها جذب الطفل أسلوب العواطف والمشاعر الرقيقة بينما الرجل يستخدم أسلوب التهديد والتخويف وأحيانًا العنف مع الضحية.
لقد قسم الباحثين البيدوفيليا إلى قسمين:
1- بيدوفيليك (خيالي) وهو الشخص الذي تسيطر عليه أفكار جنسية تجاه الأطفال دون أن يمارسها فعليًا.
2- بيدوفيليك (واقعي) وهو الشخص الذي تسيطر عليه الأفكار الجنسية فينجرف ورائها ويبدأ في ممارساتها فعليًا مع الأطفال.
أسباب البيدوفيليا:
1- العامل البيولوجي:
اعتقد بعض الباحثين أن أسباب البيدوفيليا هو خلل بيولوجي يولد به الطفل. هذا الخلل مرتبط ببعض الاضطرابات الأخرى كالتوحد والفصام، وقد أشار الباحث (كانتور) في جامعة تورنتو إلى أن معدل ذكاء البيدوفيليك يقل 10 مرات عن متوسط ذكاء سكان العالم، وقد أيد هذا الاتجاه الباحث (بيرلف) بجامعة جون هوبكنز بأمريكا، إلا أنه لم يثبت علميًا صحة هذه الأبحاث التي تشير إلى رجوع هذا الاضطراب إلى العامل البيولوجي.
2- العامل البيئي:
تؤكد الأبحاث الحديثة أن الشخص الذي يعاني من اضطراب البيدوفيليا هو نفسه ضحية، إذ أنه تعرض هو أيضًا في طفولته إلى شكل من أشكال التحرش الجنسي، والتي سببت له صدمة Trauma أدت إلى تشوه معرفي للجنس، حيث إن صورة الجنس لديه انطبعت في ذاكرته بهذا النمط من التشوه، وقد يصاب هذا الطفل في الكبر عن ضحية قابل لأن يخضع له دون مقاومة، وبذلك يتحقق له رمز القوة والسيطرة التي يريد أن يشعر بها الجاني تعويضًا عما حدث له من أذى نفسي.
3- العامل التربوي:
إن تعرض الطفل لأجواء العنف من قِبل السلطة الوالدية قد تصيبه باضطراب الهوية الجنسية، وخاصة إذا رأى أحد الوالدين يقوم بإيذاء شريك حياته وإيذاؤه هو شخصيًا.
4- الاضطرابات الشخصية:
أشار الكتالوج الأمريكي للطب النفسي D.S.M عام 1968، أن أغلب الشخصيات الحدية مثل النرجسية أو السيكوباتية لديهم الميل الجنسي للأطفال، لذلك فهم ليسوا بيدوفيليك ولكن لديهم اضطرابات شخصية تدفعهم إلى ممارسة الجنس مع الأطفال.
5- الوساوس القهرية O.C.D:
بعض الاضطرابات النفسية التي تصيب الأشخاص مثل الوسواس القهري قد تؤثر على أفكارهم وعلى الحكم على الأمور، فقد يصاب المريض بالوساوس الجنسية الحصول على متعته من خلال الالتصاق بالأطفال نظرًا لأنه مدفوع قهريًا بهذه الأفكار رغم أنها في أحيان كثيرة قد تكون غير محببة له.
6- الإصابة بالالزهايمر:
أشارت الأبحاث أن بعض مرضى الالزهايمر قد تدفعهم أفكارهم الجنسية إلى ممارسة الجنس مع الأطفال دون إدراكهم لهذه الأفعال، نظرًا لإصابة خلايا المخ بالتدهور، لذلك فمن الصعب الحكم على الأمور المتعلقة بالجنس.
7- الإصابة بالأورام المخية:
حيث يصاب المخ بالأورام في منطقة لها علاقة بالحكم على الأمور الخاصة بالرغبات الجنسية، وهي منطقة الفص الأمامي للقشرة المخية، مما يدفع المصاب إلى القيام بممارسة الجنس مع الأطفال.
علاج اضطراب البيدوفيليا:
للأسف الشديد، فإن أغلب مرضى البيدوفيليا يقع عليهم القصاص سواء كان قانوني أو اجتماعي إذ يتعاملون وكأنهم مجرمين، وليس معنى ذلك أنهم غير مسئولين عن أفعالهم السيئة، ولكن العقاب القانوني والاجتماعي لا يكفي لحل المشكلة أو لتخليص المجتمع من مثل هؤلاء المرضى. ولكن لابد من إيجاد حل جذري لهذه الظاهرة وهو العلاج النفسي، فالمريض في حاجة إلى تقديم علاج متكامل يضمن له الشفاء التام وذلك على النحو التالي:
الاعتراف بالمشكلة:
لابد أن يعترف المريض بأنه لديه مشكلة سواء على المستوى الفكري أو الفعلي حيث يتصور البعض منهم أن هذا السلوك يعتبر نمط عادي وطبيعي كي يمارسه العلاج المعرفي السلوكي.
على المريض أن يخضع للعلاج المعرفي والسلوكي، وذلك لتعديل التشوهات المعرفية التي انطبعت في ذهنه نتيجة تعرضه لخبرات طفولة سيئة، وذلك مثل الأذى الجنسي أو العنف الأسري. لذلك لابد من التعامل مع هذه الأفكار السلبية بحيث تساعده على تعديل مسار نموه النفسي الجنسي.
لابد من التعامل مع مشاعر المريض السلبية، فالبعض منهم يعاني من مشاعر الذنب والإحباط أو الكراهية والمرارة وكلها تؤثر على تصرفاته وانفعالاته وقراراته.
العلاج الجمعي:
لابد لمثل هؤلاء من وجود دعم نفسي لهم سواء من الأهل أو المجتمع خاصة الأطفال الذين تعرضوا للأذى الجنسي، فلابد من تصديق الطفل وعدم الإنكار أو الاستهانة بما يطرأ عليه من تغييرات سلوكية مثل العنف أو التأخر الدراسي أو التبول اللاإرادي إلى أخر هذه التغييرات. وهناك وسائل متعددة لعلاج مثل هذه الحالات وهو العلاج باللعب أو بالرسم أو بأي وسيلة للتعبير عن مشاعرهم المضطربة.
العلاج الدوائي:
في بعض الحالات يحتاج المريض إلى العلاج الدوائي الذي يساعد على تثبيط مادة التستستيرون التي تحفزه على الإثارة الجنسية، إلا أن العلاج الدوائي وحده لا يكفي لحل المشكلة.
وأخيرًا والأهم من كل ذلك، هو تدريب أطفالنا على أن يكون لهم علاقة حميمية مع الله الإله الحي شخص الرب يسوع المسيح، وذلك بالتحدث إليه إذ هو يسمع الصلاة فهي أفضل وسيلة للإفصاح عن مشاعرهم المكبوتة وهو القادر على أن يرثي لضعفاتهم وآلامهم ويضمد جراحاتهم ويحميهم من براثن الوقوع في يد عدو الخير، كما أنه يرشد طريقهم ويحفظ خطواتهم ويمنحهم الحرية والشفاء.
لابد أن يعترف المريض بأنه لديه مشكلة سواء على المستوى الفكري أو الفعلي حيث يتصور البعض منهم أن هذا السلوك يعتبر نمط عادي وطبيعي كي يمارسه العلاج المعرفي السلوكي.