ما من شك أن الكنيسة بمفومها الكتابي الصحيح هي جسد المسيح الحي إلى أبد الآبدين، حسب ما ورد ذكره في كتاب الله الوحيد الكتاب المقدس، وهي تتكون من كل من آمن بالرب يسوع المسيح – تبارك اسمه – مخلصًا وربًا وسيدًا وملكًا وحيدًا على حياته وسكن فيه روح الله القدوس، أولئك الذين أعطاهم المولى أن “يكونوا أولاد الله أي المؤمنون باسمه” وهؤلاء هم من قبلوه من كل دين وقبيلة وأمة وشعب ولسان. ولذا سميت الكنيسة التى تضم ما تنطبق عليهم الأوصاف سابقة الذكر بكنيسة الله.
وقد جاء تعبير “كنيسة الله” في تسعة أماكن في الكتاب المقدس كقوله تعالى في (أع 20: 28) “احترزوا إذًا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه”.
وأيضًا في قوله: “ولكن إِن كنت أبطئ؛ فلكي تعلم كيف يجب أن تتصرف في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته”.
ومع أنه من المفروض أن لا ينبغي أن تكون هناك إلا كنيسة واحدة جامعة مقدسة وهي “كنيسة الله”.
إلا أننا نقرأ في سفر الرؤيا عن كنيسة أخرى بجانب كنيسة الله، تلك التى تعرف بكنيسة اللاودوكيين، وهي آخر الكنائس التى دون الوحي الرسالة المرسلة لها من الله، سبحانه، بعد ما دون رسائله، تبارك اسمه، لست كنائس محلية مختلفة الموقع، لكنها كلها تشترك في أنها كنيسة الله، وهي الكنائس المسماة وفقًا للمكان المحلي الذي تتواجد فيه، كالكنيسة في أفسس، سميرنا، ثياتيرا، إلى آخره، تلك الكنائس التى اتفق جُل مفسرو الكتاب المقدس على أنها سبع حالات أو صفات أو أحوال متعاقبة مرت بها الكنيسة العامة، بعضها انتهى عصره والبعض مازالت صفاتها موجودة في الكنيسة المعاصرة حتى الآن، وذلك منذ تأسيس الكنيسة الأولى وهي كنيسة أفسس التى كانت معاصرة لحياة بعض الرسل على الأرض الذين منهم الرسول يوحنا الحبيب والرسول بولس وغيرهما، حتى الآن أي في زماننا المعاصر والذي ينطبق عليه كل ما لكنيسة اللاودوكيين من تعاليم وصفات وتصرفات وقناعات وإيمانيات وغيره.
ولعل أهم الأسباب الرئيسية في رأيي ورأي الكثيرين من دارسي الكتاب المقدس والتي جعلت المولى، سبحانه، يدون لنا ما دونه عن كنيسة الله وكنيسة اللاودوكيين هي:
أ- لكي يعرف الجميع، من المسيحيين الحقيقيين أو المسيحيين الاسميين، أي من لم يعرفوا المسيح يسوع مخلصًا شخصيًا لهم ولم يتخذوه ربًا وسيدًا على حياتهم، أو حتى من غير المسيحيين من بقية الأديان والشعوب والثقافات الأخرى، أن هناك نوعين من الكنائس موجودان اليوم، وهما كنيسة الله وكنيسة اللاودوكيين.
ب ـ لكي يعرف الجميع ما عليه كل من كنيسة الله وكنيسة اللاودوكيين من صفات وخصال وما فيها من مميزات وعيوب وحسنات وسيئات، حتى يسهل على العامة من شعب الله الحقيقي أن يفرق بوضوح بينهما.
ج ـ لكي يختار كل فرد ويقرر مَن مِن الكنيستين الاثنتين سيتبع ولمن سينتمي وفي أي واحدة منهما سيخدم وينفق بعض ما لديه من مال وقوة ووقت. فلا يكون في النهاية من الخاسرين.
د- لكي يتبرر الله، سبحانه، في قضائه الذي سيحكم به على كل إنسان على حده، حيث إنه – تبارك اسمه – قد أوضح للإنسان وأعطاه المعرفة الكاملة لفهم كل ما يتعلق بكنيسة الله وكنيسة اللاودوكيين وحتى يكون الإنسان بلا عذر أمام الله إذا اختار وفضَّل كنيسة اللاودوكيين على كنيسة الله.
ومما يعطي الأهمية القصوى لما دونه المولى عن كنيسة الله وكنيسة اللاودوكيين هو أن ما دونه شخص تلميذ المسيح يوحنا الحبيب عن كنيسة اللاودكيين لم يكن من عندياته هو، أو من استحسانه البشري أو مجرد وصف لحالة كنيسة اللاودوكيين كما يراها هو، حتى لو كانت رؤيته للأمور واقعية حقيقية سليمة، لكن ما دونه يوحنا في سفر الرؤيا كما جاء بحصر اللفظ أنه “إعلان يسوع المسيح، الذي أعطاه إياه الله، ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قَريب، وبينه مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحنا، الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه”.
وهناك عدة نقاط في غاية الأهمية ينبغي أن نلتفت إليها وندركها وندرسها في الرسالة إلى كنيسة اللاودوكيين والتى منها:
أ- الرسالة إلى كنيسة اللاودوكيين مكتوبة لملاكها، أي لقسيسها، أو المسؤول عنها أو من هو موكل من الله على رعايتها في الأرض، حسب ما أجمع عليه المفسرون والشراح. وكذلك الحال مع كل ما كتب للست الكنائس الأخرى جميعًا، فالرسالة موجهة إلى ملاك هذه الكنائس، والسبب في ذلك أن القسيس أو المسؤول الروحي أو الإداري في الكنيسة، والذي من المفروض أنه يكون هو الموكل والمكلف والممسوح، من الله نفسه، ليرعى ويقود الكنيسة الموكل عليها، وهذا المسؤول قد يكون فردًا واحدًا، بصرف النظر عن مسمى وظيفته، أو مجموعة أفراد يقومون بالخدمة في الكنيسة، إلا أن الله يخاطب الجماعة كلها في شخص هذا المسؤول الواحد أو الجماعة. وهذا واضح في تعامل الله مع البشر أجمعين، فالرجل الذي هو رأس المرأة في البيت وهو رب الأسرة هو المسؤول الأول أمام الله عن كل ما يحدث فيها، خيرًا كان أم شرًا. وعليه، فإن انحراف كنيسة ما عن الحق الكتابي بأي شكل من الأشكال أو لسبب من الأسباب يعتبر راعي الكنيسة أو القسيس الموكل من الله عليها هو المسؤول عنها أمام الله، وهو الذي سيسأله الله ويحاسبه عن كل ما يحدث في كنيسته وبين أعضائه إن أحسنوا أو أساءوا. نعم سيحاسب الله أيضًا كل فرد على حدة عن ما عمل، خيرًا كان أم شرًا، لكن عندما نأتي للكنيسة التى هي جسد المسيح، سيُسأل المسؤولون عنها أولاً وكأنهم هو الذين أحسنوا أو أساءوا. وهذا مبدأ ذُكر في الكتاب المقدس حتى في العهد القديم، فعندما قام حفني وفينحاس أولاد عالي الكاهن في القديم بعمل الشر في بيت الرب، اقتص منهما المولى بأن أماتهما الاثنين في يوم واحد، لكنه أيضًا كسر رقبة أبيهما وأماته وأنهى كهنوته هو أيضًا والسبب كما هو مكتوب: “فَقَال الرب لصموئيل: هوذا أنا فاعل أمرًا في إسرائيل كل من سمع بِه تطن أذناه. في ذلك اليوم أقيم على عالي كل ما تكلمت بِه على بيته. أبتدئ وأكمل. وقَد أخبرته بأني أقضي على بيته إلى الأبد من أجل الشر الذي يعلم أن بنيه قَد أوجبوا به اللعنة على أنفسهم، ولم يردعهما”. لذا كتب المولى في كلماته الأولى للسبع الكنائس مبتدأ: اكتب إلى ملاك كنيسة أفسس، اكتب إلى ملاك كنيسة سميرنا، اكتب إلى ملاك الكنيسة التي في برغامس.
ب ـ في الرسائل الست التي كتبت للكنائس الأخرى، عدا كنيسة لاودكية، لم ينسب المولى الكنيسة للناس المتواجدين بها، بل نسبها إلى الأماكن التي كانت الكنيسة تجتمع فيها، حيث يرى المولى أن الكنيسة المتواجدة في هذه الأماكن المختلفة هي تمثل كنيسته هو سبحانه، أي أنها هي “كنيسة الله” أما في رسالته لكنيسة لاودوكية فقد خاطبها المولى على أنها “كنيسة اللاودكيين”، لم يقل اكتب إلى الكنيسة التي في لاودكية أو اكتب إلى ملاك كنيسة لاودوكية بل قال لعبده يوحنا: “اكتب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين”، وكأنه يقول إن هذه الكنيسة التي في لاودكية هي ليست كنيستي أنا، بل هي كنيسة اللاودكيين، فلو كانت كنيستي أنا الله، لكنت أتواجد في وسطها وأدعوها كبقية إخوتها الكنائس في كل زمان ومكان، ولكنها تركتني، أنا الله، تركتني كنيسة اللاودكيين واقفًا خارجًا على بابها وأقرع في انتظار أن يسمع أحد من اللاودكيين وأن يفتح لي الباب، وعندها سأدخل إليه كفرد، وليس ككنيسة، وأتعشى معه وهو معي، كما جاء بالقول الإلهي: “هئنذا واقف على الباب وأَقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي”.
أما النص الكامل للرسالة إلى ملاك كنيسة اللاودكيين فهو:
(رؤ ٣: ١٥-٢٢) “واكتب إلى ملاَك كنيسة اللاودكيين: هذا يقوله الأمين، الشاهد الأمين الصادق، بداءة خليقة الله.أنا عارف أعمالك، أنك لست باردًا ولا حارًا. ليتك كنت باردًا أو حارًا. هكذا لأنك فاتر، ولست باردًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي. لأنك تقول: إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان. أشير عليك أن تشتري مني ذهبًا مصفى بالنار لكي تستغني، وثيابًا بيضًا لكي تلبس، فلا يظهر خزي عريتك. وكحل عينيك بكحل لكي تبصر. إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه. فكن غيورًا وتب. هئنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي. من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه. من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”.
ج ـ يصف المسيح نفسه في حديثه لهذه الكنيسة بالأمين، ثم الشاهد الأمين، ثم بالصادق، وكلها تحاول أن تيقظ ملاك كنيسة اللاودكيين وتنبهه بأن هذه الرسالة الخطيرة المرسلة له والتي لابد له أن ينتبه إلى مضمونها ويعمل بما يقترحه المولى عليه في هذه الرسالة من الأمين الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، وهو الذي يقول لك الحق الأمين والصادق، حتى لو كان بالنسبة لك يا ملاك كنيسة اللاودكيين صادمًا، وهو الحكيم قديم الأيام أي الموجود بذاته قبل بداءة خليقة الله كلها. ولا شك إنه على قدر أمانة وصدق وقِدم موجه الرسالة في الأيام، لابد أن تكون خطورتها وأهمية الانتباه والفحص والاستفادة منها بواسطة الإنسان.
د ـ ثم يبدأ صاحب الرسالة، سبحانه، وموجهها لملاك كنيسة اللاودكيين بحقيقة بسيطة معروفة عنه سبحانه، لكن كثيرًا ما غابت وتغيب عن إدراك وعقل ملاك الكنيسة، أي كنيسة، وعن عقولنا جميعًا وهي أن هناك في السماء إلهًا يعرف ويرى أعمال كل منا كبشر قبل أن نعملها، ويعرف حتى أفكارنا قبل أن نفكر فيها، فهو العليم بكل شيء.
والعجيب إن المولى يقول لملاك كنيسة اللاودكيين: أنا عارف أعمالك، أنك لست باردًا ولا حارًا. ليتك كنت باردًا أو حارًا. هكذا لأنك فاتر، ولست باردًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي .
ويبدو أن الله، سبحانه، يتكلم هنا عن الأعمال التى يعملها ملاك كنيسة اللاودكيين، فالأعمال التى تعمل هي أشياء مادية ملموسة لا درجة حرارة لها في ذاتها، ولا يمكن قياس درجة حرارتها إن كانت أعمالاً حارة أم باردة، فالحرارة الروحية الداخلية شيء والأعمال التي نراها نحن ويعرفها المولى شيء آخر، لكن الله، سبحانه، يتكلم عن أصل الأمور وبواطنها وليس خارجها وما يظهر منها للعين المجردة، فهناك الأعمال النابعة عن قلب شخص بارد وهي تضر أكثر مما تنفع، وهناك أعمال تعمل بقلب حار في الروح وهي ما يطلبه المولى منا، لكن سمة من أسوأ سمات كنيسة اللاودكيين التي نعيشها نحن اليوم في زمانها هي أنها ليست باردة ولا حارة، لكنها فاترة. والعجيب أيضًا في الأمر أن يطلب الله سبحانه من ملاك كنيسة اللاودكين أنه لا يعرج بين الفرقتين، فرقة الباردين وفرقة الحارين، فتحديد الهوية والتعاليم والاتجاهات في الحياة الشخصية هو أمر لا مفر منه عند التعامل مع المولى، تبارك اسمه، فإن تكون تابعًا لمذهب معين ومقدامًا فيه ولا تؤمن بما يؤمن به هذا المذهب وتجاهر بما هو غير ما يؤمن به مذهبك وتظل خادمًا أو قسًا أو معلمًا في مذهبك، فهذا أمر لا يتوافق مع كينونتك وانتمائك لهذا المذهب أو ذاك.
أن تحاول أن ترضي المسيحيين والمسلمين والإنجيليين وغير الإنجيليين على حساب الحق الكتابي، فأنت لست حارًا ولا باردًا، بل أنت فاتر تسير مع التيار وهذا الفتور يسبب القيء حتى لله نفسه، فيضطر -إن جاز التعبير- المولى الفعال لما يريد، أن يتقيأ ذلك القسيس أو ملاك الكنيسة أو المرنم أو قائد مجموعة درس الكتاب من فمه. وعندئذ لا يكون الشخص ملاكًا فيما بعد، بل قيء يداس بالأقدام ويكون سبب وجع في بطن ومعدة من يراه من غير المغيبين الذين يعشقون أن يسيروا على قيء الله للبعض، بل ويفتخرون بهذا القيء ويخالطونه طيلة أيام حياتهم.
ثم عدد المولى علامات الفتور التى تجعل الله – تبارك اسمه – يزمع أن يتقيأ ملاك كنيسة ما من فمه وهي:
١- الإحساس بالاستغناء عن المولى – تبارك اسمه – والظن أننا كملائكة الكنائس يمكن أن نعمل شيئًا بدون ذلك الذي قال عن نفسه: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا”. وقد نصل إلى حد أننا نقول للمولى إننا استغنينا حتى عنك، فلقد كثرت الهيئات والمؤسسات التى تمدنا بأكثر من احتياجاتنا من الدولارات ولسنا بحاجة إلى الصوم والصلاة والاتكال عليك في سد احتياجاتنا وما نريد، فلم تعد صلاتنا التى أسميناها الصلاة الربانية تصلح لنا في هذه الأيام، ولم نعد نحتاج أن نقول لك: “خبزنا كفافنا، أعطنا اليوم”، فنحن نرفض أن نعيش على ما يكفينا من خبز ترسله لنا كل يوم، نحن نريد وفرة من الخبز تكفينا وتزيد لمدة أعوام آتية.
وليس ذلك فقط بل لا حاجة لنا إلى شيء، فالأموال التى تمتلكها الكنيسة تكفي أن تسد عجز ميزانيات دول بأكملها، والمباني للكنائس والأديرة المغشاة بالرخام وحتى الذهب أصبحت شيئًا عاديًا موجودًا في كثير من الأماكن، حتى الصلوات المحفوظة والمكتوبة المبسترة لنتلوها أثناء الليل وأطراف النهار لدينا منها الكثير ما يزيد عن احتياجنا، والخدام والمرنمون أصبح عددهم بالآلاف، وبدل أن كنا لا نُعْطَى إلا نصف ساعة في الأسبوع من راديو صوت العرب لنستمع فيها للخدمات والعظات من الكنائس المختلفة، أصبحت لدينا عشرات الفضائيات المسيحيات التى تبث كل ما نريد أن تبثه، سواء من مواد روحية جادة مفيدة أو مما يطلبه المستمعون من مواد وبرامج وترانيم ليست روحية، بل جسدية وبعضها قد يكون شيطانيًا أيضًا، وبدل من أن كنا لا نستطيع أن نفكر بيننا وبين أنفسنا فيما يخالف تعاليمنا في الكتب الإسلامية والآيات القرآنية، أصبحنا نعبَّر عن رأينا بكل وضوح ونفتي فيما نعرف وما لا علم لنا به، وبعد أن كان لدينا العدد القليل جدًا من مدارس وكليات اللاهوت، أصبح لدينا العشرات منها عربية وأعجمية، وأصبحنا قادرين على الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراهات من كليات لاهوت محترمة أو مشبوهة بأقل مجهود وأقل تكلفة، ولدينا المئات ممن تسبق أسماءهم عبارات الدكتور، وبدل من أن كنا نحلم بزيارة المقطم وقليوب وإن تعاظمت الأمور معنا نحلم بأسبوع نقضيه في بيت مؤتمرات ببلطيم أو الإسكندرية، أصبحنا نعقد مؤتمراتنا في قبرص وإنجلترا وأمريكا وأستراليا وإلى أقصى الأرض، أما في مجال الترانيم والموسيقى والتكنولوجيا فحدث ولا حرج، فلدينا الكثير من الترانيم المصورة التى يلبس فيها المرنم أو تلبس فيها المرنمة كميات من الملابس التى تتغير مع كل عدد من الترنيمة، وموسيقى أقل ما يمكن أن توصف به هو موسيقى لا تصلح إلا لرقص البطالات أو دقات طبول الحضرات الصوفية أو لعمل زار لإخراج الأرواح الشريرة من على من تنطق عليهم الأرواح، وبدل من أن يكون أسماء العاملين بالطاقم المختص بإنتاج الترنيمة أو الحلقة التليفزيونية مرقس وجرجس، أصبح محمد الطبال ومحمود القانونجي، وأحمد العواد، وعلى الحجار ومصطفى الهلباوي وفاطمة التونسية وغيرهم!! فلدينا الكثير والكثير والكثير جدًا من كل ما سبق ذكره، لذا فنحن لسنا في حاجة إلى شيء، وبدلاً من تحني الكنيسة ركبها في شكر وحمد للواهب المعطي لها بسخاء وتستخدمه لمجد المسيح وامتداد ملكوته وخلاص النفوس، انشغلت بما عندها وقال ملاكها لنفسه نيابة عنها: “إني أنا غني وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء”!!
٢- كنيسة اللاودكيين لا تعرف إلا أن تقول، لكن لا تعمل شيئًا ذا قيمة على الإطلاق، ولا تفهم ما تقول من الأصل، فلسان حال ملاكها “إِني أنا” وكأن العالم يدور حوله هو وحده ولا سواه، فهو الفاهم الوحيد للكتاب المقدس، وهو الفاهم الوحيد لكل نظرية وفكرة جديدة كتابية كانت أم شريرة، وهو القادر على أخذ الكتاب المقدس من أيدي كل زملائه الخدام الذين يعارضونه ويخالفونه في الرأي، وهو الوحيد الذي يملأ الدنيا صراخًا وخدمة ووعظًا وتعليمًا أو ترنيمًا، فانظروا إليَّ فإني أنا القسيس الأشهر، والأعمق أفكار، والأقدر على شرح بواطن الأمور والمتمكن من اللغة العربية وطريقة الإلقاء، ويا للفرق بين كنيسة اللاودكيين التى يقول فيها اللاودكي “إني أنا” وكنيسة الله التى يقول فيها خدام الله “ينبغي أنه هو يزيد وأنا أنقص”، “أنا ما أنا لكن نعمته المعطاة لي لم تكن باطلة”!!
٣- أما المصيبة الكبرى التى تجعل الله، سبحانه، يزمع أن يتقيأ ملاك كنيسة اللاودكيين هو أنه لا يعلم حقيقة نفسه، وليس ذلك فقط بل على العكس، فهو يرى نفسه بعكس ما هي حقيقته ويرى أنه غني وقد استغنى ولا حاجة له إلى شيء، بينما هو “الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان”.
حقيقة نفسه وضعفها وعجزها عن السير بدون الخالق والاحتماء به، وما أبأس الإنسان الذي يعتمد على ما لديه ليجلب السعادة إلى نفسه، وما أفقر الغني الذي هو ليس غنيًا لله والذي لا يعرف أن الغنى والفقر لا يقاس بكمية ما يمتلكه المرء من مال وثروة، بل بمن يأخذه ، سبحانه، ربًا وسيدًا له فيغنيه، فيصبح أغنى من في الأرض بعلاقته بإلهه.
أما ما يبعث الرجاء والأمل في نفوسنا هو أنه بالرغم من كل كبرياء وغباء وحماقة ملاك كنيسة اللاودكيين في كل النقاط المذكورة عاليه، إلا أن الإله الأمين مازال يقدم الحلول والاستشارة الكتابية الحكيمة من صاحب الأمر والنهي والبركة، سبحانه، الذي بالرغم من أنه فعال لما يريد، إلا أنه يحترم إرادة الإنسان، ولا يريد أن يجبره على عمل شيء لا يريد الإنسان أن يعمله أو أن يقبل حلاً لا يريد قبوله، لذا فيعرض عليه، سبحانه، مشورته الأمينة الصادقة لحل مشكلات الإنسان، فيقول له: “أشير عليك أن تشتري مني ذهبًا مصفى بالنار لكي تستغني، وثيابًا بيضًا لكي تلبس، فلا يظهر خزي عريتك. وكحل عينيك بكحل لكي تبصر”.
يعرض، سبحانه، على الإنسان ثلاثة أشياء يجب أن يشتريها من المولى، ذهبًا مصفى بالنار، وثيابًا بيضًا، وكحلاً للعينين. أما الذهب فيشير إليه هو سبحانه، فإن لا غنى يحسب للإنسان إلا من يمتلك الذهب الحقيقي الذي هو المسيح، الذي صفي بنار العدالة الإلهية، حتى يستطيع أن يقدم نفسه لله كنائب عنا، فيجد لنا فداء أبديًا وغفرانًا لخطايانا. وهذا الذهب هو ما يمتلكه الشخص المسيحي الحقيقي من يصلح أن يدعى ملاكًا لكنيسة ما، ما يمتلكه لنفسه داخل قلبه، فلا يراه الناس، أما الثياب البيض فهي ثياب البر الإلهي الذي يراها الناس من خلال أعمالي الحسنة، فيمجدون أبي الذي في السموات، وكلامي المملح بملح لكي يعطي نعمة للسامعين، وتصرفاتي التى بعد أن كانت هي أعمال بري أنا فقادتني إلى العجز والفشل من نفسي أصبحت أعمال بر المسيح التى تقودني إلى سماء أعدها الله للأبرار. أما الكحل فيلزم لعيني لتريا الأمور على حقيقتها. فما أحوج كنيسة اللاودكيين إلى هذه الثلاثة أشياء مجتمعة معًا، تحتاج أن تعرف أن غناها سيكون بقدر ما تمتلك من الذهب، المسيح، وكمالاته وصفاته وأعماله ومحبته، وأن ستر عورتها لن يكون إلا ببر المسيح الممنوح لها، ولا بر آخر مهما كان يمكن أن يحسب للإنسان سوى بره هو، سبحانه، فما أحوج الكنيسة أن ترى الأمور على حقيقتها، بعد أن تكحِل عينيها بالكحل الممنوح لها من الله، لتميز الأمور المتخالفة وتكتشف خطط العدو التى من المفروض أنها لا تجهل أفكاره، فتستطيع أن تخضع لله وتقاوم إبليس، فيهرب منها.
ولعل ختام هذه الرسالة إلى كنيسة اللاودكيين يؤكد على أن محبة الله ثابتة تجاهها، فهو يعلن لملاكها سبب توبيخه لها، لا ليؤذيها ويميتها وينهي على حياتها بأن يتقيأها من فمه، بل ليؤدبها ويستثير غيرتها حتى تتوب. فكنيسة اللاودكيين تحتاج أن تتوب ثم تتوب ثم تتوب، لكي تتحول من كنيسة اللاودكيين إلى كنيسة الله، فتستطيع أن تقوم وتفتح له سبحانه وحده الباب، كأفراد كما سبق الذكر، لأنه يقول لكل منا متحدثًا بصيغة الفرد المخاطب: “إني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه. فكن غيورًا وتب. هئنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي. من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي، كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه. من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”.