“قُمْ” – كلمة قليلة في عدد حروفها لكنها كبيرة جداً في تأثيرها، وواسعة جداً في انتشارها، وعظيمة جداً في إنجازاتها. تواردت هذه الكلمة إلى ذهني وأنا أفكر فيما تحتاجه الكنيسة في هذه الأيام والظروف التي تمر بها في مصر ليتغير حالها، ويتبدل ضعفها، وتتجدد قواها، ولتخرج من دوامة المحاكم والقضايا والمنافسة بين قسوسها وقادتها، واليأس والخوف والخنوع والاستسلام للعالم ولمن هم في العالم من المحيطين بها. وقد شدني التفكير في كلمة “قُمْ” وهي من أصغر كلمات اللغة العربية، حيث إنها تتكون فقط من حرفين، لذا قمتُ بالبحث عنها في كتاب الله الوحيد – التوراة والإنجيل – ودراسة استخداماتها في كلمة الله في المواقف والأحداث التي أمر بها الله سبحانه وتعالى أحد خلائقه أو شعبه لتنفيذها، أو تلك المواقف التي فيها قالها الإنسان لله على سبيل الرجاء والطلبة والدعاء له لإظهار عظمته.
كما اعتاد موسى نبيه وكليمه أن يخاطبه: “عند ارتحال التابوت كان موسى يقول: «قُمْ يا رب فلتتبدد أعداؤك ويهرب مبغضوك من أمامك»”، أو تلك المواقف والأحداث التي قالها إنسان فيها مخلوق من طين لغيره من بني البشر أمثاله.
وردت كلمة “قُمْ” في ترجمة ڤانديك للكتاب المقدس 128 مرة، وسأذكر منها مرات قليلة جداً تحتاجها الكنيسة اليوم لتقوم وتصحو وتفيق من غيبتها، وتنسى ما هو وراء وتمتد إلى ما هو قدام.
وإليك ما تيسر من استخدامات لكلمة “قُمْ” عندما قالها الله الخالق القادر على كل شيء لخلائقه:
أ- قُمْ امشِ في الأرض لنوال البركة:
لقد كان أول أمر من الله للإنسان، إبراهيم خليله، استخدم فيه المولى كلمة “قُمْ” هو قوله: “قم امش في الأرض طولها وعرضها، لأني لك أعطيها”. وكان أمراً بالقيام لنوال الوعد بالبركة، بأن يعطيه القدير أرض الموعد طولها وعرضها. وما أحوج الكنيسة في مصر لأن تسمع هذا الوعد من القدير: “قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك. لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم. أما عليكِ فيشرق الرب ومجده عليك يُرى.” قومي امشي في أرض مصر، طولها وعرضها، لأن الرب لكِ يعطيها، فهو القادر على كل شيء مَنْ لا يعسر عليه أمر، حتى لو لم يكن العيان أو المنظور يبشِّر بذلك.
ومن الملاحظ أن الرب لم يكتفِ بأن يعد إبراهيم بإعطائه الأرض طولها وعرضها لكنه وضع له شرطاً وهو أن يقوم ويمشي في الأرض طولها وعرضها، أي عندما يترك خيمته ومناطق راحته وانشغاله وعلاقاته وثروته ويخرج ليمشي في الأرض فحينئذٍ فقط يحصل على الوعد من الله بامتلاك الأرض، فلا يهب الله الإنسان الفرد أو الكنيسة جمعاء امتيازات وعطايا ووعوداً دون مسئوليات والتزامات، وحينها فقط تستطيع الكنيسة أن تمتلك ما وعدها به القدير، حيث قال: “أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.”
ب- قُمْ اخرج من بين الأشرار:
كانت المرة الثانية التي ذُكر فيها الأمر “قُمْ” للإنسان بفم الله هي عندما أمر بها ملاكا العلي لوطاً لتوانيه وبطئه في الخروج من سدوم، فيقول الكتاب: “ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلان لوطاً قائلين: «”قم” خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة.»
وما أحوج الكنيسة لسماع هذا التحذير لكي تقوم وتخرج من وسط ما اختارت أن تكون فيه وبينه وتشابهه من أعمال الأشرار الذين يشابهون ما كان عليه رجال سدوم وعمورة في القديم، ولكي يتطهر رجالها بدم المسيح الكريم ثم يخرجوا من بيوتهم التي بنوها في مصر بأنفسهم ولأنفسهم ولا يلتفتوا إلى الوراء. وليتنا نرى مَنْ يصرون على الالتفات إلى الوراء واشتهاء العيش مع الأشرار والاختلاط بالشر حتى داخل الكنيسة، جماعة الله، عمود الحق وقاعدته، يصيرون أعمدة ملح حرفياً بعد أن صاروا أعمدة ملح فاسد روحياً، ولذا لم يعودوا يصلحوا لشيء إلا لأن يُطرحوا خارجاً ويداسوا بالأقدام. فلا يمكن تمليح الملح الفاسد كما تساءل العالم بكل شيء: “لكن إن فسد الملح فبماذا يُملَّح؟”
ج- قُمْ اخرج من الأرض الغريبة إلى أرض ميلادك:
قال الرب ليعقوب بعد أن تغرب لمدة طويلة بعيداً عن أرض ميلاده: “أنا إله بيت إيل حيث مسحت عموداً حيث نذرت لي نذراً. الآن “قم” اخرج من هذه الأرض وارجع إلى أرض ميلادك.” ويا ليتنا كخدام للرب وقادة للكنيسة ونحن لا زلنا نعيش على الأرض نتذكر أن هذه الأرض الحرفية التي نعيش فيها، مصر، ليست أرضنا، ولا آخر مستقرنا، بل نتذكر أن جنسيتنا سماوية؛ “فإن سيرتنا (أي جنسيتنا) نحن هي في السماوات، التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح”، وأرضنا الدائمة هي في سماء أعدها الله للمولودين منه بالإيمان بيسوع المسيح، وفي النهاية نثق فيه “لأننا نعلم أنه إن نُقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماوات بناء من الله، بيت غير مصنوع بيد، أبدي.” فلنكف عن خداع أنفسنا ومن حولنا، ونعلم أننا لسنا من هذا العالم، لأننا لم ندخل العالم بشيء، وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. لذا أمرنا القدير: “لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد.” وواضح أنه “لا بد أننا جميعا نظهر أمام كرسي المسيح، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع، خيراً كان أم شراً”، “لأنه قد تناهى الليل وتقارب النهار لذا فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور.”
د- قُمْ واخرج من سجنك:
ما أحوجنا لأن تقوم الكنيسة معاً وتصلي لإلهنا القدير لكي يفتح أبواب السجون سواء – أكانت سجوناً مادية ملقىً بها الكثير من المظلومين والمبشرين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومحاولي مقاومة الشر والتمييز العنصري أو كانت سجون الخطية والعادات الشريرة أو الإدمان وغيرها من أمور – ويطلق كل مَنْ أمسكه هيرودس الممثل للشر في القديم أو حكام العهد الجديد والقادة والمسئولين مثلما حدث مع بطرس الرسول كما قال الكتاب: “ولما أمسكه (هيرودس) وضعه (أي وضع بطرس) في السجن مُسَلِّماً إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه ناوياً أن يقدمه بعد الفصح إلى الشعب. فكان بطرس محروساً في السجن، وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من أجله. ولما كان هيرودس مزمعاً أن يقدمه كان بطرس في تلك الليلة نائماً بين عسكريين مربوطاً بسلسلتين وكان قدام الباب حراس يحرسون السجن. وإذا ملاك الرب أقبل ونور أضاء في البيت فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلا: «قُمْ عاجلاً.» فسقطت السلسلتان من يديه.
هـ – قُمْ وكُلْ:
كلمات قالها القدير لخادم ناري معجزي استطاع أن ينتقم نقمة عظيمة للرب في القديم من أنبياء البعل وأنبياء السواري الذين اندسوا وتملَّكوا ووطدوا علاقاتهم مع الملوك والرؤساء ورجال الأمن والمخابرات وشئون الكنائس، وظنوا أنه لا أحد يستطيع أن يقترب منهم أو يكشف تزويرهم وكذبهم أو ينتصر عليهم أو يقتلهم بسبب مراكزهم وعلاقاتهم وأموالهم والقضاء المرتشي المتحيز في المملكة التي يعيشون بها، لكن بسبب طبيعة إيليا البشرية الضعيفة خاف وهرب لأجل نفسه وطلب الموت من القدير الذي معه آجالنا جميعاً.
يقول الكتاب عن إيليا التشبي: “ثم سار في البرية مسيرة يوم، حتى أتى وجلس تحت رتمة وطلب الموت لنفسه، وقال: «قد كفى الآن يا رب! خذ نفسي لأني لستُ خيراً من آبائي!» واضطجع ونام تحت الرتمة. وإذا بملاك قد مسه وقال: «”قُمْ” وكُلْ.» فتطلع وإذا كعكة رضف وكوز ماء عند رأسه، فأكل وشرب ثم رجع فاضطجع. ثم عاد ملاك الرب ثانيةً فمسه وقال: «”قُمْ” وكُلْ لأن المسافة كثيرة عليك.» فقام وأكل وشرب، وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب.”
فإلى كل خادم أمين يصارع في مجال خدمته مع قوات الشر الروحية في السماويات ووصل في صراعه إلى النقطة التي خاطب فيها القدير قائلاً: “قد كفى الآن يا رب! خذ نفسي لأني لستُ خيراً من آبائي”، والى كل خادم أكل وشرب يوماً من يد القدير ثم رجع فاضطجع، أقول له بالروح القدس كما قال ملاك الرب لإيليا في القديم: «”قُمْ” وكُلْ لأن المسافة كثيرة عليك”، لأن مقصدنا جميعاً كخدام العلي، إن كنا أمناء، هو جبل الله حوريب السماوي، ولذا ستسير بقوة تلك الأكلة، ليس أربعين نهاراً وأربعين ليلة، فقط، إلى جبل الله حوريب، بل إلى يوم لقاه القريب عند ظهوره ومجيئه على السحاب ليخطف كنيسته كي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب.
وـ “قُمْ” اصعد إلى بيت الفخاري:
اعلم أيها الخادم أنك إن أفسدت خطة الرب في حياتك فالفخاري الأعظم على استعداد لأن يضعك مرة أخرى على الدولاب ويعود ويصنع منك إناء أعظم مما كنت عليه، فلقد قال الله لإرميا نبيه: “«”قُمْ انزل إلى بيت الفخاري وهناك أسمعك كلامي.» فنزلتُ إلى بيت الفخاري وإذا هو يصنع عملاً على الدولاب. ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد وعمله وعاءً آخر كما حسن في عيني الفخاري أن يصنعه. فصار إليَّ كلام الرب: «أما أستطيع أن أصنع بكم كهذا الفخاري يا بيت إسرائيل يقول الرب؟ هوذا كالطين بيد الفخاري أنتم هكذا بيدي يا بيت إسرائيل.»”
ز ـ قُمْ لأني أنا انتخبتك خادماً وشاهداً:
ما أحوج الكنيسة الآن لأن تعلم وتدقق فيمن يمكن أن تضع عليه الأيادي لتطلق عليه صفة، ويقبل بشكر وفهم وإخلاص أن يكون خادماً للمسيح كما حدث مع بولس الرسول في مقابلته معه، تبارك اسمه، إذ سمع الصوت: “ولكن قُمْ وقف على رجليك لأني لهذا ظهرتُ لك لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين.”
ح- قُمْ استخدم مواهبك واشفِ مرضى واخرِج شياطين:
ليت خدام المسيح الأمناء يسمعون ويقبلون من الرب الأمر والتكليف باستخدام مواهبهم فيقولون للمفلوج كما قال بطرس: “«يا إينياس يشفيك يسوع المسيح. قُمْ وافرش لنفسك». فقام للوقت. ورآه جميع الساكنين في لدة وسارون الذين رجعوا إلى الرب”، أو كما قال بولس بصوت عظيم للمُقعَد: “«قُمْ على رجليك منتصباً.» فوثب وصار يمشي. فالجموع لما رأوا ما فعل بولس رفعوا صوتهم بلغة ليكأونية قائلين: «إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا.»”
ط- أخيراً أقول ليتنا كخدام ومخدومين وشعب مسيحي نسمع القول: “استيقظ أيها النائم وقُمْ من الأموات فيضيء لك المسيح”، “فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب.”
فلنستيقظ من نومنا، ونسلك بالتدقيق، ونفتدي الوقت لأن الأيام شريرة.
مقال رائع . رجل الله المُبارك. ما أحوجنا في هذا الزمان الي أن نقوم من غفلتنا وغفوتنا ونومنا العميق .
مقال رائع . رجل الله المُبارك. ما أحوجنا في هذا الزمان الي أن نقوم من غفلتنا وغفوتنا ونومنا العميق .