قصة الارهاب

14

العدد 2 الصادر في نوفمبر 2005
قصة الارهاب


منذ أن أسقطت جماعة القاعدة الأبراج التجارية في ولاية نيويورك الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، والعالم يقوم وينام ويقوم على الحديث عن الإرهاب والإرهابيين وخطط القضاء على الإرهاب والإرهابيين، وأخبار العمليات الإرهابية في كل العالم. ويرى كثير من أبناء شرقنا العربي أننا لسنا إرهابيين، بل نحن مدافعون عن أرضنا وعرضنا وديننا، أو قل أدياننا، من عبث الغربيين الكفرة الذين نعيش على منتجاتهم واختراعاتهم وتكنولوجياتهم وأطعمتهم الفاسدة التي يرسلوها لنا لنأكلها ونرفض آراءهم ودينهم وأفكارهم. وإذا ما وضعتنا الظروف في لقاء أو تحد معهم في مجال طب أو علم أو هندسة أو تسليح تباهينا أننا المصريون أو البابليون أصحاب أقدم الحضارات، والأرض التي نزلت عليها الديانات، وأننا من دهنا الهوا دوكو وخرمنا التعريفة. وعلقنا كل فشلنا داخلياً وخارجياً على الغرب، والإمبريالية والرأسمالية والاستعمارية (وما إلى ذلك من ألفاظ حفظناها ورددناها حتى فقدت معناها) ومع ذلك واصلنا العيش على أطعمتهم الفاسدة التي استوردها لنا تجارنا. وأسمدتهم المحملة بمسببات السرطانات المختلفة، مساهمة منهم في إطعام شعوب المنطقة الفقيرة، وليس من المهم إذا أصابتهم هذه السرطانات فهم أيضاً أصحاب شركات الأدوية (منتهية المفعول) والأجهزة الحديثة التي يمكن من خلالها اكتشاف السرطانات مبكراً وعلاجها، وإذا تعذر على مستشفياتنا علاجها دفعت الدولة العملة الصعبة لترسل رعاياها لمستشفياتهم في الخارج التي اغتنت من العرب وخاصة أهل الخليج.  وإن لم تُعالج وقضى المريض نحبه فالأمر بسيط فالفقراء لا يجب أن يعيشوا فالبقاء للأغنى والأقوى في عالم الإرهاب الذي نعيش فيه.  وليس من المهم نوع المرض الذي أودى بحياة المتوفى ولا يفرق كثيراً من أي دين هو. فإن مات مسيحي ردد الكهنة ألحانهم وقالوا عنه: ” طوبى (يا لسعادة) للأموات الذين يموتون في الرب” ويطلبون من السماء أن تفتح له أحضان القديسين، وإن مات مسلماً قُرأ عليه: ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية”. ولو أعطيت هذه النفس الفرصة أن تعود مرة أخرى لصرخت: “أنا لم أمت في الرب، ولم تفتح لي أحضان القديسين، وأنا لست راضية مرضية ولم أكن في هذا العالم الإرهابي نفساً مطمئنة. بل أنا نفس بائسة يائسة عشت في الأرض بين وحوش الإرهاب. الذين أطعموني الخوف منذ طفولتي، الخوف من سلطة الأب والأم، الخوف من سلطة المدرس والناظر بعصاه الغليظة التي طالما مزقت يدي الصغيرتين، وكادت يده تخلع أذني من مكانها، الخوف من فراغ لانهائي ينتظرني بعد تخرجي من الكلية، الخوف من العسكر والحكومة والمخابرات وزائر الفجر والظهر والليل.

لا.. نفسي ليست راضية عن الإرهاب.  والقسر والقهر الديني الذي تمارسه علي الكنيسة والمسجد والجامعة والمدرسة. فأنا نفس خطاءة حكمت عليها الكنيسة أن تعترف بخطئها لنفس أخرى ربما كانت مثلها أو أسوأ منها، وإن لم تعترف وتحل من خطاياها فعليها أن تعيش في عذاب الضمير وعقدة الذنب المستمر إلى أن تنفجر تحت هذا الإرهاب الديني أو قل “الروحي” وترفض الاعتراف، أو تعترف بنصف ما فعلت وتخفي أثقله، وتخرج من حضرة ذلك الإرهابي صاحب الحلة السوداء أو الياقة البيضاء الذي يسلط على الرقاب سلطاناً من الحل والربط أو حتى الحرمان من الكنيسة والعقيدة، ثم الحرمان من الصلاة على تلك النفس المتمردة عند وفاتها، ورفض الطلب لأجلها أن تفتح لها أحضان القديسين، وبالتالي ستحيا هذه النفس وتموت غير راضية ولا مرضية.  تلك النفس التي إذا ما استخدمت العقل هبة الله العظمى للإنسانية في فهم أمور الدين والبحث عن حقائقه اتهموها بالفسق والزندقة والخروج عن وصايا المولى وأنبيائه ورسله وتوعدوها برصاص محمى لدرجة النار، يصب في آذانها فهي والعياذ بالله من الكافرين.  أليست هذه أمثلة للإرهاب الفكري الروحي الذي يقع تحته البشر عامة في كل مكان وزمان وخاصة في بلادنا العربية.

 فالإرهاب ليس رجلاً ملتحياً ولا امرأة محجبة تخفي تحت حجابها عبوة ناسفة محرقة أو ترهب بها عدو الله وعدوها فحسب، فهذا أقل الإرهاب ضرراً وتأثيراً على خلق الله. فالإرهاب الفكري والديني هو أقصى وأفظع. وهو في النهاية المسبب الأول لكل أنواع الإرهاب الأخرى.

لقد تعرضت وأنا طفل صغير، 7 سنوات فقط، لحادث إرهابي ديني فكري في مدرستي، مدرسة الأنصاري الابتدائية في مدينة السويس، هذا الحادث الذي ترك في نفسي شكاً وخوفاً من أساتذتي وزملائي لمدة طويلة، وكانت الإرهابية التي نفذت العملية، مدرستي التي كنت أحبها من كل قلبي. وكانت قنبلتها التي فجرتها في عقلي وقلبي هى سؤال سألتني إياه وهي تضحك، بل قل وهي تتهكم علي وعلى ديانتي، قالت هل تصدق يا ناجي أن المسيح عيسى بن مريم هو الله. قلت ببراءة الأطفال: نعم أؤمن بذلك فهذا ما علمه لي أبي وأمي وقسيسي وديانتي. قالت لو كان سيدنا عيسى هو الله فكيف كان يجوع ويتعب ويدخل إلى دورة المياه، هل يذهب المولى سبحانه وتعالى إلى دورة المياه؟ وضحكت وضحك كل من في الفصل إلا أنا الذي كدت أن أفقد الوعي وانعقد لساني فليس من جواب لدى صغير عمره 7سنوات ولو سألتني إياه اليوم، فأقل ما يقال، لفجرت في وجهها حقائق أعادتها إلى صوابها لتعرف بئس ما فعلت. وبالرغم من مرور 43 سنة على هذه الحادثة إلا أنني مازلت أتذكرها وأشعر بقشعريرة تمر على جسدي كلما تذكرتها وأطلب لها من المولى أن يفتح عينيها ويشرح لها وكل الباحثين عن الحق صدرها لتعرف أن جسد السيد المسيح هو الذي كان يتعب ويذهب إلى دورة المياه وليس جوهر الله سبحانه وتعالى هو الذي كان يفعل كل هذا. فالمولى قائم بذاته قادر على كل شيء.

ولدراسة ظاهرة الإرهاب الخطيرة المتفشية اليوم في عالمنا قررت أن أتتبع تاريخ الإرهاب في الأرض، ورجعت إلى أقدم الكتب المحفوظة لنا بأمر المولى سبحانه وتعالى وأصدقها على الإطلاق، كلمة الله، الكتاب المقدس. ووصلت إلى أقدم الإرهابيين، ودرست حالته فوجدت أن أنواع الإرهاب، ومسبباته، وطرقه، ونتائجه واحدة منذ العملية الإرهابية الأولى التي نفذها الإرهابي الأول حتى يومنا هذا. لم يكن في أرض الله الواسعة غيرهما مع أبويهما وربما بعض الأخوات الصغار. أخوان اختلفا في تفسير وصايا المولى سبحانه وتعالى. أراد كل منهما أن يقدم ذبيحة له جل شأنه ليرضيه. رأى الصغير أن ما علمه إياه أبوه آدم وأكدته له أمه حواء أن المولى لا يرضى عن الإنسان إلا بالفداء، بالذبيحة، بكبش قيل فيه ” وفديناه بذبح عظيم”. فقرر الصغير أن يرضي المولى تبارك اسمه وفقاً لوصايا القدير جل شأنه، بسفك دم حمل بريء بلا عيب ولا خطية، هذه وصية المولى، فلنتبع وصية المولى ونقبل فداءه وذبيحته وليكن ما يكون. أما أخوه الأكبر، الإرهابي الأول في التاريخ، فقرر أن يرضي المولى سبحانه بطريقته هو وليس بطريقة العليم بكل شيء.

ربما قال في قلبه إن أبي وأمي يقولان، وقد علمانا أن إرضاء المولى لا يكون إلا بالذبيحة، وأنا لا أوافق على ذلك. ألا يمكن أن يرضى المولى عندما أقدم له من أثمار الأرض، من عملي وتعب يدى. إن أخي لم يتعب في ذبح هذا الكبش للمولى تبارك اسمه، أما أنا فقد تعبت وزرعت وحصدت، لاشك أن المولى سيرضى عني كما رضى عن أخي.  وقدم الإرهابي الأول قربانه إلى المولى فلم ينظر المولى له ولا إلى قربانه، لأنها مقدمة بطريقة البشر، ومن نتاج الأرض الملعونة من قبل الرب.

اختلاف في طاعة الله وطريقة القرب منه، لكن الإرهابي الأول اغتاظ، وسقط وجهه، وأضمر بذار الحقد والشر والكراهية والانتقام والغدر والقتل داخله وتحين الفرصة التي كان فيها أخوه الصغير معه في الحقل، أعزل، آمن، فغدر به الإرهابي الأول وقام عليه وقتله. خلاف ديني بسيط حوْل وصايا وتعاليم المولى، كتبه ورسله، الحلال والحرام، المحرف وغير المحرف، الإيمان أم الأعمال، الفرائض والطقوس أم قبول فكرة الذبيحة بالإيمان. كان يمكن أن يظل كل منهما يعبد الله بطريقته، يفهم وصاياه وتعاليمه كما يريد، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر دون الغدر والقتل والإرهاب. ويتركان الحكم في النهاية للمولى سبحانه وتعالى ليعلن لهما ما هي العقيدة الصحيحة وما هو الدين عند الله. لكنها طبيعة الإنسان منذ أن خلق قايين الإرهابي الأول حتى اليوم وستظل إلى أن تقوم الساعة.

لقد حذر المولى سبحانه وتعالى في كتابه المبين الكتاب المقدس أن سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه، وأن جميع الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون. ونصح الناس أن أعطوا مكاناً للغضب، وأن لي النقمة أنا أجازي يقول الرب. أما البشر فقد صور الوسواس الخناس للعامة منهم أنهم خلفاء الله على الأرض وهم المكلفون بحماية دينه ومقدساته من عبث الخلق، وتمادى بهم الأمر حتى نصبوا أنفسهم وكلاء ليس على أرض الله فقط بل على سمائه أيضاً فباعوا صكوك الغفران لرعيتهم العمياء، وأجبروا الناس بالسيف والخنجر والرصاصة على الدخول فيما أسموه دين الله، ومزقوا أجساد الأبرياء ونفسيات ذويهم بحجة القضاء على الكفر والكفار.

وكما لم يفكر الإرهابي الأول قايين في أمه وأبيه والحزن والمرارة والألم اللذين كانا سيقاسيان منه، بل قام على أخيه هابيل وقتله، فالإرهابيون لا يفكرون في الأطفال اليتامى، والثكالى من الأمهات، والأرامل من الزوجات. ويظنون أنهم يرضون المولى فيعلوا صياحهم ” الله أكبر، الله أكبر” وهم يفصلون رأس ذبيحتهم عن جسده.

وكما لم يحسب الإرهابي الأول حساب النتائج والتبعيات لفعلته النكراء، لا يحسب الإرهابيون ما يترتب على أعمالهم، فكلمة مسلم، أو عربي، أو مصري، أو فلسطيني…الخ أصبحت مرادفة لكلمة إرهابي في كل أوروبا والغرب والدول المتقدمة. ويضطر الأحباء المسلمون الآن للدفاع عن أنفسهم، ومحاولة إظهار صورة إيجابية لهم وللإسلام في كل المحافل والمناسبات التي تعقد في البلاد الغربية، وكأنهم جميعاً متهمون بجريمة الاشتراك في الإرهاب ويدافعون عن أنفسهم. وكما ظن الإرهابي الأول قايين أنه سيفعل فعلته وسيدفن أخاه ولن يعرف أحد وسيستمر في حياته العادية، وأنه سيتخلص من هذا الأخ الذي يختلف معه في أمور الدين والدنيا إلى الأبد، هكذا يظن إرهابيو اليوم، لكن هيهات، فهناك المولى كلي العلم والمعرفة الذي قال لقايين: ماذا فعلت؟ سؤال استنكاري، يحمل في طياته عقابه.  فهو سبحانه القادر على كشف من عذب وقتل شعبه حتى لو اختبأ في حفرة أو كوخ، في مدينة أو صحراء.

وكما اعتقد الإرهابي الأول أنه سينفرد بحب والديه والمولى تبارك اسمه لأنه الأكبر والأقوى على الأرض ولم يعلم أن المولى سيلعنه – وبئس من يلعنه المولى جلت قدرته – وستلعنه الأرض التي فتحت فاهها وقبلت دم هابيل الصديق. وسيحكم عليه المولى بأنه سيصبح ” تائهاً وهارباً تكون في الأرض”. كان هذا عقاب الإرهابي الأول لأنه قتل نفساً واحدة “حرم الله قتلها”، فكم يكون عقاب أولئك الذين يقتلون الآلاف من الأبرياء في كل أنحاء العالم وخاصة في العراق اليوم، بدعوى أنهم يدافعون عن دين الله في الأرض ويقاتلون الكفار حيث وجدوهم حتى في الأشهر الحرم. أولئك يلعنهم المولى عز وجل إلى يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون، وستلعنهم الأرض وتلفظهم وسيكونون بأمره سبحانه تائهين وهاربين كل أيام حياتهم، وهذا ما تؤكده الأحداث اليوم. فمازال الرؤساء والحلفاء على كراسيهم وعروشهم ولازال الإرهابيون في مغاراتهم وخنادقهم وأكواخهم إلى أن يلقوا حتفهم في الأرض وعقابهم في الآخرة. أولئك سيختفون عن وجه المولى تبارك اسمه كما صرخ بذلك الإرهابي الأول (اقرأ القصة في تكوين 4) عندما قال لله سبحانه ” إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك أختفي وأكون تائهاً وهارباً في الأرض، فيكون كل من وجدني يقتلني. هذا مصير الإرهابيين الذين يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وهذا عقابهم من عند ربهم جزاءً لهم بما كانوا يعملون.

بقيت كلمة أخيرة، هل ستقضي أمريكا على الإرهاب في الشرق وفي الأرض، وهل سيقدر الحلفاء معاً أن يمنعوا الإرهابيين من ممارسة إرهابهم؟ لا وألف مرة لا. إن العلاج الوحيد للإرهاب على الأرض والذي لا بديل له هو أن يرجع الإنسان بالتوبة الصادقة للسيد الرب يسوع المسيح تبارك اسمه ويقبل تعاليمه ووصاياه حسب ما جاءت بالكتاب المقدس الكريم. إن علاج الإرهاب لخصه سيد كل الأرض في آية واحدة: ” أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم”. لم يرهب أو يجبر السيد المسيح عباده على قبول دينه، ولا الإيمان بعقيدته، لم يرهبهم بعذاب أعده الله للكافرين بل حذرهم بكل رحمة وحنان، وقال: تعالوا إلي يا جميع المتعبين وأنا أريحكم. عندما طلب منه تلاميذه وكانا يتكلمان بروح الإرهابيين أن يأذن لهم بأن يطلبوا ناراً من السماء لتحرق مدينة رفض سكانها استقبالهم، انتهرهم تبارك اسمه. وعندما ظن أتباعه أنه يمكنهم الدفاع عن دينه بالسيف، رفض تبارك اسمه منطقهم وقال قولته الشهيرة ” جميع الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون”. لقد قدم الإرهابيون أعظم خدمة لأمريكا وللحلفاء بأن يتغلغلوا في كافة البلاد العربية، يعزلون من يشاؤا وينصبون من يشاؤا، يهددون من يشاؤا ويمنعون من يشاؤا من التصرف في أراضيهم، وأموالهم، وعلمهم ومفاعلاتهم النووية وحتى كتبهم المدرسية ومناهجهم التعليمية.

وماذا لو لم يرتدع الإرهابيون وتمادوا في قتلهم وتدميرهم إذا أحببناهم، وباركناهم وأحسنا إليهم وصلينا لأجلهم؟ حينئذ سيتدخل المولى تبارك اسمه، رئيس السلام سيد كل الأرض والمتسلط في مملكة الناس لمقاومتهم، ولعنهم والقضاء عليهم وإخماد فتنتهم.

اللهم اكفنا شر الإرهابيين والإرهاب. وأنقذنا من أنفسنا ومن طباعنا إلى يوم الحساب، وقنا وخلصنا من عقابك فأنت شديد العقاب، واعف عنا وارحمنا من النار والعذاب. اللهم افتح عيون العميان ليعرفوا أنك أنت الله والأب والصديق والمحبة وليس آخر سواك وأنت القادر على كل شيء ولك العزة والجاه، وأن لا خلاص إلا بك، ولا رحمة إلا منك، ولا شفاعة أو وساطة إلا من خلالك يا رب العالمين.

آمين.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا