قانون ازدراء الأديان… هل يُطرح على منصة الحوار الوطني؟

21

نشأت أبو الخير

سبق لي أن كتبتُ مقالًا عن قانون ازدراء الأديان تحت عنوان “الغوا قانون ازدراء الأديان وللأديان رب يحميها”، وأعود للكتابة عنه مرة أخرى بمناسبة ما يُطرح على منصة الحوار الوطني بتكليف من رئيس الجمهورية للتنسيق مع كافة التيارات وفئات المجتمع لإدارة حوار وطني حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة من خلال الجلسات النقاشية العامة والتخصصية للمحاور الرئيسية الثلاثة: السياسية والاقتصادية والمجتمعية لعدد من القضايا. والتساؤل هنا عن قانون ازدراء الأديان: هل يُطرح على منصة الحوار الوطني؟ وللتذكرة دعونا نعود إلى الوراء قليلًا للحديث عن تاريخ هذا القانون البغيض.

يعود تاريخ هذا القانون المادة 98 من قانون العقوبات الخاصة بازدراء الأديان إلى عصر رئيس الجمهورية المتعصب أنور السادات حين تم وضع المادة 98 (و) للحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع التطرف (كما قيل وقتها) عقب أحداث الزاوية الحمراء في يونيو 1981 حين وقعت اشتباكات عنيفة واعتداءات على المسيحيين راح ضحيتها كثيرون وأُحرقت بعض ممتلكاتهم مما حدا بنظام السادات صاحب المقولة الشهيرة: “أنا رئيس مسلم لدولة إسلامية” لسن القانون وتطبيقه. وتم تعديل قانون العقوبات لحظر إهانة الأديان بإضافة الفقرة “و” إلى القانون 98، وكان المفترض أن تشريعه جاء من أجل حماية الأقليات الدينية لا الترصد والتنكيل بهم. وأصبح هذا القانون يساء استخدامه، وتكشف الممارسة العملية للقانون أن أكثر مَنْ يقعون ضحية له هم نشطاء حقوق الإنسان والليبراليون والمعارضون والمسيحيون والمتحولون للمسيحية. وهناك الكثير من الأشخاص الذين يتعرضون لهذه التهمة الفضفاضة وبعضهم يقضون عقوبة السجن أو يُفصلون من عملهم أو يتم إرغامهم على ترك سكنهم. وقد استُخدمت هذه المادة كمقصلة حول رقاب المسيحيين وأصحاب الفكر المستنير. وبمناسبة الحوار الوطني المطروح، نتساءل ومعنا الكثيرون: هل يُطرح هذا القانون على منصة الحوار الوطني للنظر في العوار التشريعي الذي نحن بصدده منذ عقود، حيث تتم إساءة استخدام المادة للتنكيل بالبعض؟ وكثيرًا ما تم تجاهلها في وقائع ازدراء المسيحية بظهور منصات إليكترونية تسيء للمسيحية وتحض على الكراهية. ورغم تقديم بلاغات عدة ضد أولئك المسيئين لم يُطبَّق عليهم القانون، والقضية الوحيدة التي تم تحريك الدعوى فيها كانت قضية الشيخ مبروك عطية الذي أساء للمسيحية ولشخص المسيح علانيةً وعلى الهواء مباشرةً وبعد محاكمته صدر الحكم ضده بغرامة ألف جنيه بينما في قضية الأطفال الأربعة بالمنيا صدر الحكم في 2016 ضدهم لمدة 5 سنوات لقيامهم بتمثيل مقطع فيديو ينتقدون فيه تنظيم داعش الإرهابي بعد واقعة ذبح أقباط ليبيا. وهناك أيضًا الشاب كيرلس بمركز أرمنت والذي حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لقيامة بوضع علامة إعجاب على منشور في إحدى صفحات التواصل الاجتماعي والتي وُصِفت بأنها مسيئة رغم أنه لا يعرف القراءة والكتابة ومصاب بضعف النظر. وفي ديسمبر 2022، قضت محكمة في الإسماعيلية بحبس يوسف هاني سنة مع الشغل بتهمة ازدراء الدين الإسلامي على خلفية سجال مع إحدى المواطنات على مواقع التواصل. وهناك ماركو جرجس صليب مركز قوص بقنا والذي حُكم عليه بالحبس 5 سنوات بتهمة ازدراء الدين، والطالب أبانوب عماد (بكلية طب الأسنان بالزقازيق) والذي دخل معه في حوار شخص وجَّه الشتائم للمسيحيين فرد عليه أبانوب بالمثل (فسجَّل شتائم أبانوب ومسح شتائمه هو وتقدم ضده ببلاغ فغادرت الأسرة منزلها مما دفع بالكنيسة لبث رسالة لأبنائها لعدم الدخول في سجال أو الرد على الإساءة للمسيحيين بمواقع التواصل.

أما بالنسبة لليبراليين والمستنيرين والمثقفين، فحدَّث ولا حرج، ومن ذلك الحكم بحبس الباحث إسلام البحيري والاتهام الموجه لفاطمة ناعوت بازدراء الأديان، كما وُجِّهت نفس التهمة للمفكر نصر حامد أبو زيد وتم الفصل بينه وبين زوجته، وأيضًا الكاتبة نوال السعداوي والكاتب سيد القمني والإعلامي إبراهيم عيسى والمخرجة إيناس الدغيدي، ومن قبلهم الشيخ محمد عبد الله نصر والمستشار محمد عبده ماهر وفرج فودة ونجيب محفوظ.

حاول مجلس النواب في دورته من خلال اللجنة التشريعية إلغاء المادة 98 وذلك من خلال مشروعين لقانونين مقدمين من النائب محمد زكريا محيي الدين والأستاذة آمنة نصير بالإضافة إلى عدد آخر من الأعضاء. ورغم المطالبات المجتمعية بإلغاء مادة الازدراء إلا أن الحكومة رفضت مشروعي القانون مع أن المادة “و” أضيفت للقانون وليست مادة أساسية،  فهذه المادة فضفاضة والتطبيق فيها انتقائي على الأقليات الدينية كالمسيحيين والشيعة والقرآنيين والمستنيرين من المسلمين. وهذه المادة لم تأتِ بالهدف المرجو من وضعها فهي لم تنقذ المسيحيين فلجأوا إلى الله ليدافع عنهم. وفي هذا السياق تقول الشاعرة فاطمة ناعوت: “من عجب العجاب المادة التي أضيفت في القانون لحماية المسيحيين أصبحت سيفًا مسلطًا على رقابهم، حيث استغلها المتطرفون في رفع الدعاوى ضد المسيحيين وضد المسلمين المستنيرين والمدافعين عن حقوق المواطنة وحقوق المسيحيين وحقوق المرأة.” فهل تتصدى منصة الحوار الوطني لهذا القانون الجائر والبغيض؟ مرة أخرى أيها السادة المسئولون عن البلاد والعباد والسلام الاجتماعي: الغوا قانون ازدراء الأديان وللأديان رب يحميها.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا