روح النوم العميق

10

العدد 170 الصادر في نوفمبر 2019

روح النوم العميق
The Spirit Of The Deep Sleep

واحدة من الأرواح التي تحدثت عنها في مؤتمر “تمييز الأرواح” الذي عقد في بيت “جبل الصلاة” التابع لكنيسة الإيمان بوادي النطرون بمصر،  في المدة من مساء الخميس ١٠ أكتوبر إلى ظهر السبت ١٢ أكتوبر الماضي ٢٠١٩، كان “روح النوم العميق”، أو كما جاء بالكثير من الترجمات الإنجليزية المختلفة  للكتاب المقدس  The Spirit Of The Deep Sleep. ذلك الروح الذي قال عنه – تبارك اسمه – في كتابه الكريم التوراة والإنجيل (إش 29: 10) “لأن الرب قد سكب عليكم روح سبات (روح النوم العميق) وأغمض عيونكم. الأنبياء ورؤساؤكم الناظرون غطاهم”. كذلك أيضًا كما جاء في (رو 11: 8) “كما هو مكتوب: أعطاهم الله روح سبات (روح النوم العميق)، وعيونًا حتى لا يبصروا، وأذانًا حتى لا يسمعوا إلى هذا اليوم”. والأمر ببساطة أن حالة “روح النوم العميق” يؤدي إلى التغييب الروحي الذي يصيب الأفراد والمجموعات والكنائس والقادة الروحيين في الكنيسة كانوا أم سياسيين للبلاد والشعوب، والذي يؤدي أيضًا بكل هؤلاء إلى رؤية الأشياء الكائنة بالفعل بالعيون المجردة، لكنهم في نفس الوقت لا يدركونها بعقولهم وحواسهم وتبدو وكأنها لا ترى بالفعل ولا وجود لها في عالم الواقع الملموس.

كانت المرة الأولى التي أتواجه فيها مباشرة مع هذا الروح الشرير، الذي لم أكن أتخيل أنه موجود من أصله، يوم قمت بزيارة أحد أصدقائي المقربين في بيته، وبعد أن فتح لي صاحب البيت باب بيته، ورحب بقدومي ودعاني للدخول، رأيت عددًا من قادة كنيستنا يجلسون معًا في غرفة استقبال الزائرين بالبيت، كان الحضور في الغرفة يتكون من مجموعة من أعضاء كنيستنا وبينهم إحدى أخوات الكنيسة وهي مسيحية الأصل والخلفية وزوجها الذي كان من خلفية أخرى غير مسيحية، كانت أختنا قد ارتبطت بزوجها غير المسيحي الأصل قبل أن يهديها المولى القدير إلى معرفة المسيح يسوع كالمخلص الوحيد والطريق الوحيد إلى السماء، كانت أختنا تسعى بكل قوتها لكي يتعرف زوجها على غفران الله في المسيح حتى يضمن حياته الأبدية في نعيم أعده الله للذين يقبلون المسيح يسوع كمخلص لهم من دينونتهم الأبدية، ذلك الغفران المقدم للجميع بغض النظر عن خلفياتهم أو أديانهم أو معتقداتهم، هذا كل ما كانت تريد أختنا لزوجها، ولم تكن تفكر أن يغير زوجها دينه أو أن يتحول من دين لآخر أو أن يغير نوع الديانة الخاصة به في بطاقته الشخصية. فقد كانت ناضجة في المسيح بكفاية حتى تدرك أن تغيير ديانة شخص في بطاقته لن يزيد دينًا معينًا واحدًا ولن ينقص من دين آخر فرد، وأن أمر اتباع شخص ما للمسيح لا يتوقف على ما هو مكتوب بالحبر في بطاقته الشخصية بيد موظف في السجل المدني، بل يتوقف على ما هو مكتوب بدم المسيح الكفاري على ألواح قلب لحمية بيد الروح القدس الذي يستطيع وحده تغيير الإنسان الداخلي لا الخارجي.

عند دخولي غرفة الاستقبال وبعد السلامات والتحيات لاحظت أن جو الغرفة كان متوترًا والأعصاب مشدودة وعرفت أن هناك مناقشة ساخنة بين الحضور في الغرفة وخلاف حول موضوع ديني كانوا يتناقشون فيه، عرفت في التو واللحظة أنهم كانوا يتناقشون عن موضوع الفداء، وهل يوجد فداء من أصله أم لا، ولماذا الفداء، وبدأ صاحبنا غير المسيحي موجهًا كلامه للحضور بما فيهم أنا قائلاً، إن كل ما تقولونه عن الفداء خطأ، غير صحيح، وكل ما ذكرتم لا يحرك لي شعرة واحدة من رأسي، فالله فعال لما يريد، يغفر لمن يشاء، والحسنات تذهبن السيئات، ولا يغفر لمن يشاء وهو على كل شيء قدير، والله لا يحتاج إلى المسيح ليفدي الناس، فهذه قصة من اختراعكم أنتم أيها المسيحيون المغيبون، ومبدأ الفداء لم يذكر قط في القرآن ولو كان هناك فداء لذكره الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه العزيز و، و، و، و.

كان صديقنا يتكلم بانفعال شديد لدرجة أن جسمه كله كان يهتز من الانفعال ووجهه أحمر مما يدل على ارتفاع ضغط دمه، وعروقه كادت تنفجر تحت جلده الأبيض ويخرج منها سيل من الدماء الحمراء، وصوته كان مرتفعًا جدًا وكأنه في معركة كلامية في شارع شديد الزحام، كانت عيناه جاحظتين تكادان تخرجان من وجهه، مما جعلنا جميعًا نحاول تهدئته بكل الطرق. أشرت له بيدي لكي يصمت ويهدأ قليلاً، قلت له: يا صديقي لا داعي للانفعال، فنحن في جلسة حبية كأصدقاء معًا ولسنا في مناظرة دينية، نحن نتناقش لا نتعارك، لكن بالمناسبة مبدأ الفداء مكتوب عنه في القرآن، قال هذا كذب بين وكلام غير صحيح، قلت إذن فما رأيك في القول “وفديناه بذبح عظيم”؟ وسألته: أليست كلمة “عظيم” هذه هي اسم من أسماء الله الحسنى؟، قال بانفعال نعم، قلت فما هو الشيء الذي يجعل الله سبحانه وتعالى يطلق على “كبش، خروف” اسم من أسمائه الحسنى؟، ولماذا قدم الله كبش فداء ليذبحه إبراهيم نيابة عن ابنه؟، أليس الله فعال لما يريد؟، فلماذا لم يقل لإبراهيم خليله: خذ ابنك وحيدك واذهب إلى بيتك، بل قال له أن يقدم ذبيحة عن ابنه وهذا ما تحتفلون به أنتم في عيد الضحية؟، هل تعلم أن الكتاب المقدس سبق وأعلن أن المسيح يسوع – تبارك اسمه – هو “حمل الله” أي خروف الله الذي سيقدم فداء عن البشر بمئات السنين قبل أن يحدث هذا حرفيًا مع المسيح – تبارك اسمه – في حياته على الأرض بجسده؟، لم تستغرق إجابتي هذه له أكثر من دقيقة واحدة، فجأة وعلى مسمع ومرأى منا جميعًا أغلق صديقي عينيه الواسعتين وسمعت صديقنا العزيز الذي كنت أظن أنني أتحدث إليه قد غط في نوم عميق وبدأ في الشخير بصوت عالٍ جدًا. الحالة التي ألزمت زوجته أن تهزه بعنف حتى يستيقظ ويوقف الشخير، ويرد على ملاحظاتي، نظرنا بعضنا لبعض وانفجرنا في الضحك بما فينا زوجته، كنا نتساءل: كيف يتحول شخص ما من حالة الهيجان والفوران والحديث بصوت عال والانفعال لدرجة احمرار الوجه وجحوظ العينين لحالة من النوم العميق المفاجئ في الحال!، فهذا مستحيل حتى علميًا بسبب إفراز مادة الأدرينالين في الجسم في حالة الغضب والانفعال، واستحالة النوم العميق المفاجئ مع وجود نسبة عالية من هذه المادة في الجسم.

عندما بدأ صديقنا في الشخير، وجه المولى انتباهي إلى وجود هذا الروح الشرير، روح النوم العميق. قال لي صوت داخلي، هذا هو تأثير روح النوم العميق الذي يدخل الناس في حالة من السبات العميق، فينفصلون تمامًا عن الواقع الذي يعيشون فيه.

بينما كنت أتفكر في كتابة هذا المقال عن “روح النوم العميق” وكنت أحاول أن أجد أمثلة عملية روحية ملموسة لا خلاف عليها من الغالبية العظمى من القراء، حيث أنني أعلم استحالة وجود مثال واحد لا يختلف عليه البعض، وهذا بالطبع من صلب عمل الأرواح الشريرة وخاصة “روح النوم العميق”، دعني أؤكد أن المثال التالي ليس إلا مثال عشوائي وليس القصد منه وضع شخص أو قسيس ما في أية صورة من الصور، حسنة كانت أم قبيحة، الأمر كله يتعلق بروح “النوم العميق” الذي أصاب الغالبية العظمى من أعضاء الكنائس حتى أنهم يسمعون الأمر وكأنهم لا يسمعونه، يرونه بعيونهم مجسمًا أمامهم وكأنهم لا يرونه، يعيشون أحداثه وينفعلون معها وحتى يدفعوا تكلفة ما من أوقاتهم وأعصابهم ونقودهم التي في جيوبهم وكأنهم في حلم لن يفيقوا منه إطلاقًا، وإن أفاقوا من هذا الحلم أو قل الكابوس المأساوي يحكونه للآخرين ليظهروا بطولاتهم وكيف أنهم تصرفوا مباشرة وبدون تفكير لسد الاحتياج عندما علموا بهذا الأمر.

الموضوع كما ذكرت سابقًا أنه في رحلة بحثي عن مثل عملي يبين ما لروح “النوم العميق” من خداع، وبالرغم من ندرة دخولي لتصفح ما على صفحتي في الفيس بوك من أخبار الناس، قمت بالصدفة البحتة بقراءة بوست وضعه أحد القسوس المرنمين المعروفين، إلى حد ما في الأوساط الإنجيلية، على صفحته على الفيس بوك، البوست الذي تفاعل معه أكثر من 288 (حتى كتابة هذا المقال) من أصدقائه معلقين له على ما كتب،  كما قام 4 من أصدقائه بعمل مشاركة لما كتب مع أصدقائهم على صفحاتهم، وضع القسيس، صورة لباب شقته المكسور وكتب تحته، ما نصه، (مع ملاحظة أن الأشكال المرسومة أمام الكلمات هي من وضعه هو وليست من إضافتي أنا كتلك التي وضعها بجوار العبارات والتي تعبر عن أنه حزين، ممتلئة عيناه بالدموع وهو يبكي معصور القلب، ولكنه ساخن القلب بمحبة يسوع، وكلها من وضعه هو وليس من إضافتي أنا كما ذكرت سابقًا)، أما نص كلمات ورسومات البوست كاملاً، فبدأ بثلاث أوجه باكية، ثم كتب يقول: ”  دي صورة لباب شقتي اتكسر في غيابي أمبارح بالليل بحكم طرد  وللأسف مكنتش موجود ساعتها، وحاجتي جوة ومش قادر أدخل، لكن شكرًا للرب لأني قادر أدخل محضره وأرتاح من غدر الأيام  وغدر العلاقات والكلمات. ده وقت صعب وقاسي عليّ حقيقي، لكن مصدق أنه ميعاد لبركة أعمق وأدسم بإيمان هنتظرها. المنظر ده كسر قلبي إمبارح بالليل، وطول الليل منمتش، ومكنتش عارف أشارك بيه وللا لا خوفًا من ردود الأفعال . حقيقي دموعي على خدي وقلبي معصور ، لكن مصدق أن الرب سيُخرجني للنور بمجد  . يمكن مش فاهم كل الأحداث. لكن مصدق في صلاح الرب وجوده. وعارف أنه موعد بركة جديدة على الأبواب. مش محتاج غير سندة القدير في الوقت ده، وصلواتكم لأجلي والرب يبارككم. مفيش قدامي حاليًا غير أني أعمل زي داود وأتشدد بالرب إلهي إلى أن تعبر المصائب بنعمته ورحمته ومحبته وسندته. بحبك يا يسوع يا سوسني  “. (إلى هنا ينتهي البوست).

وللأمانة الصحفية أقول، إن من حق أي شخص أن يكتب ما يريد أن يكتب، صدقًا كان أم كذبًا، وأن يلون كلماته بحقائق أو بأكاذيب، أو أشكال تدل على أنه يبكي أو على قلبه المكسور والمحصور على خسارته، لكن ليس من الأمانة المسيحية أن يكتب قسيس أو خادم أو حتى أخ أو أخت في الكنيسة ما هو ليس بدقيق، أو ما يوهم الناس بمعلومة ما مع عدم صدقها أو أن يحاول أحد أن يستدر عطف بعض أصدقائه على الفيس بوك الواقعين تحت تأثير “روح النوم العميق”. لقد هالني كمية المعلقين على البوست الخاص بهذا القسيس وسرعة استجابتهم  لما كتب، دون أن يستيقظ أحدهم من تأثير ”روح النوم العميق” ويسأل عن تفاصيل هذه الحادثة، ودون أن يعرف بالضبط الإجابة على بعض الأسئلة التالية، تلك التي سألتها أنا لنفسي لأعرف كيف أميز “بروح التمييز” خبايا هذه القصة حتى لا أنجرف في الوقوف ضدها ومقاومتها وفضح خباياها أو على الجانب الآخر في تأييدها والوقوف بجانب القسيس، أو قبل أن أضع يدي في جيبي لمساعدة زميلي القسيس المجرب، والذي بات يبكي طول الليل لطرده من الشقة وكسر بابها في غيابه، سألت نفسي عدة أسئلة غير مجاب عليها في محتوى البوست: ولعل أولها كيف كان يبكي هذا القسيس وتمتلئ عيونه بالدموع وفي الوقت نفسه يستخدم تليفونه أو الكمبيوتر الخاص به لوضع رسوم توضيحية لحالة مثل الحزن والبكاء الشديد والشكر والقلب المكسور المحصور والقلب الذي يتوقع أن يخرج من التجربة بمجد. وكيف يقارن هذا القسيس ما يمر به بما مر به داود النبي والملك من آلام وأن يستخدم عبارة “يتشدد بالرب إلهه”؟، ألم يقرأ جنابه أن هذه العبارة قد قيلت عن داود بعد أن أخطأ ونزل إلى ملك جت وأراد أن يشترك معه ومع جيشه الفلسطيني ضد شعب الله، شعب داود نفسه، الذي مسحه القدير ملكًا عليه؟، أليس هذا هو عين ما يعمله “روح النوم العميق”، إذ يحاول أن “يروحن” الأمور وأن يصبغ عليها صورة روحية مقنعة للمؤمنين المغيبين الواقعين تحت تأثير “روح النوم العميق”؟، تمامًا كما حدث مع غيره من المرنمين، فالمرنم الذي عاش لأكثر من عام في حالة من العزلة والاكتئاب النفسي ملازمًا الفراش بسبب وقوف المخلصين المكرسين من رجال الله ضده وضد أفكاره من خلط التبن مع الحنطة، الترانيم بالتواشيح، لاهوت المسيح بلاهوت المحبة الحر، روح المسيح بروح رابعة العدوية الصوفية، عندما أطل بطلعته علينا في أولى اجتماعاته الخاصة صور لنا من نفسه كبش فداء وضحية لإخوته وزملائه الذين ذبحوه، وشبه نفسه بالجروح التي جلبها على نفسه من تمسكه بأفكاره ومعاداته للجميع، شبه نفسه بالمسيح الذي لم يعمل خطية ولم يكن في فمه غش وشبه جروحه الشخصية بجروح المسيح التي جرح بها في بيت أحبائه، وبأنه غفر للمسيئين إليه كما غفر المسيح من قبل، بالرغم من أنه هو الذي أساء لهم جميعًا في محاضراته العشر، وعلى صفحته بالفيس بوك وتعليقاته عنهم، ووصفهم بالغباء والمرائين والكاذبين ونعتهم بأقذر الأوصاف ورسمهم كالحمير والبغال التي ترفس وخرج على قنواته الفضائية الليبرالية المشبوهة، ليصورهم للجميع بأنهم جهلة وأغبياء وغير دارسين وأنه سيأخذ من أيديهم، بعلمه ودراساته وكتاباته، سيأخذ من أيديهم الكتاب المقدس، وسيعلمنا جميعًا كيف نستخدم الآيات الكتابية في مكانها، وسيعلمنا أن أفكاره الصوفية هي أفكار كتابية من عهد ملكي صادق وأيوب ويثرون وغيرهم، والعجيب هو في التفاف من يسيطر عليهم “روح النوم العميق” الذين يمشون وهم نائمون، ويصفقون وهم لا يفهمون ما يلقى في آذانهم وعقولهم، ويخرجون كالمبارزين لمحاربة كل من يتكلم عنه وعن أفكاره وهم لا يعلمون ما هي حقيقة هذه الأفكار ومدى تأثيرها السيئ المدمر على شعب الله وكنيسة المسيح في الوقت الحالي ومستقبلاً، فكل ما يعلمه ويراه المغيبون الواقعون تحت سيطرة “روح النوم العميق” أننا في يوم من الأيام أحببناهم كمرنمين، استمتعنا بل قل تخدرنا بترانيمهم وموسيقاهم التي لا تصلح للاستخدام في كثير من الأحيان إلا في أفراح العامة من الشعب الفقير الساكن في أحياء شعبية في حواري مصر في عششها وخيامها، تلك الموسيقى التي تهز الجسد هزًا فيتمايل معها في حركات قد تثير الغرائز والأوتار الداخلية للقلب الذي هو أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه هو، أو بموسيقاهم التي تشبه موسيقى الزار التي تخرج النفس العابدة إلى جو مختلف من عالم الأرواح، وعلى قرعات طبول وكأننا في حضرة الصوفيين العابدين والمريدين وغيرهم، الذين خرجوا عن السيطرة على أنفسهم ودخلوا في عالم روحي آخر لا يعلمه إلا المقربون، ولقد أُعجبنا في وقت من الأوقات بكلماتهم وأشعارهم وطريقة إلقائهم ورددناها وراءهم، كلمات قالوا لنا إنها كلمات ترنيمات أعطاها لهم الروح القدس ولم ننتبه أنها خالية من اسم المسيح، ويا محلاه واحد واخد سابح رايح لله في مرآه، وكل هذا ولم ننتبه إلى وجود “روح النوم العميق” وسيطرته على أذهاننا.

عند التفكير في هذا البوست السابق الذي وضعه القسيس على صفحته في الفيس بوك الذي نحن بصدده، تولدت عندي عشرات الأسئلة الأخرى مثل: هل هذه الشقة تمليك أم إيجار؟، فأنا لا أعلم من الذي كسرها ومنع القسيس من دخولها، قلت لنفسي في الأغلب كانت إيجارًا، ولو كانت إيجارًا، فهل هذه هي شقة زميلي الذي تزوج وعاش فيها؟، أم هي شقة والده ووالدته التي عاشا فيها مدة من الزمن قبل رحيلهما إلى جوار من أحبوا في هذه الأرض؟. فإن كانت شقة والديه، فمن المؤكد بعد قوانين الإسكان الجديدة أنها لن تؤول له طوال الأعمار على الأرض، وهل كان صديقي حقًا يسكن ويعيش في هذه الشقة بعد زواجه من زوجته؟، أم أنه كان يمتلك شقة أخرى عاش فيها مع أسرته الصغيرة قبل أن ينتقل إلى هذه الشقة؟، وهل مازالت شقته التي كانت يسكن فيها مع زوجته في حوزته أم أنه طرد منها أيضًا لسبب أو آخر؟ هل من قام بتحطيم باب شقته هو من له الحق بحكم المحكمة لطرده والحصول على الشقة؟ أم أنه حرامي أراد أن يسرق شقته ولذلك حطم بابها بالقوة؟، أم ربما كان وراء كسر باب الشقة فاعل من جماعات إسلامية متطرفة نظرًا لكونه قسيسًا؟، وربما أحد أفراد الأسرة من أهل البيت حصل على أمر بطرد القسيس من الشقة بحكم محكمة؟، هل صاحب البيت هو الذي حطم الشقة وسطى عليها أم شخص آخر قريب أو نسيب؟، لماذا تم تحطيم الشقة؟، هل لأن القسيس لم يدفع إيجارها الشهري إن كانت شقة إيجار، أم لم يدفع قسط ثمنها إن كانت تمليكًا، أم أن الأمر لا علاقة له بالدفع، إيجارًا كان أم مقدمًا؟، ولكن هناك سبب آخر جعل صاحب الشقة أو صاحب البيت يحجز على الشقة؟

سألت نفسي من الواضح أن قرار الطرد الذي نفذ وتم كسر الباب فيه قد صدر عن محكمة وقاضٍ بعد جلسات ومداولات ومرافعات وشهود نفي وإثبات، فهل كان القسيس يعلم بصدور قرار الإخلاء ووجوب تسليمه للشقة أم لا؟، ولو كان يعلم، فهل استعد لإخلاء الشقة وتسليمها إلى من يهمه الأمر وفقًا لحكم المحكمة وبحث عن شقة أخرى يمكن أن يسكنها في حالة طرده من الشقة أم أصر على الاستمرار فيها برغم صدور الحكم؟، هل فكر صديقي في الأمر يوم كان لايزال يسكن الشقة واستعد له وقت المحاكمة أم أنه أخذ على حين غرة؟، هل كانت الشقة قبل كسرها مسجلة باسمه، أو اسم زوجته أم باسم أبويه، ثم ما هي حيثيات حكم الطرد، ومن رفع عليه حكم الطرد؟

وأخيرًا أخذت أفكر لماذا كتب هذا القسيس هذا البوست؟، هل ليصور نفسه أمام الناس أنه مظلوم يا بيه ولا ذنب له في القضية كلها وما الأمر كله إلا حرب روحية ومقاومة شيطانية له بسبب خدمته، أم كتبها ليستدر بها عطف الإخوة والأخوات الذين يسيطر عليهم “روح النوم العميق” للوقوف بجانبه، وتأييده معنويًا، وإثبات شر وإجرام الطرف الآخر الذي قام بمنعه من دخول الشقة وكسر بابها؟، هل كتبها ليسرع الإخوة والأخوات القادرين والقادرات ماديًا بتعضيده وشراء شقة بديلة له أو على الأقل استضافته لأسابيع أو شهور إلى أن يجدوا له شقة أخرى؟ الأمر الذي بدأ بالفعل في الحال وبدأ المخلصون والمغيبون والواقعون تحت تأثير “روح النوم العميق” في عمله بالمطالبة بمساعدته ماديًا، وترك البعض أرقام تليفوناتهم له ليتصل بهم على الخاص لمساعدته، والبعض تساءل علنًا: كيف يمكنه المساعدة وما خفي كان أعظم، لم أجد إلا شخصًا واحدًا فقط من ما يقارب من ٣٠٠ شخص كتبوا تعليقاتهم هو الذي سأل قائلاً: “وما هو سبب الطرد؟”.

لقد ذكرتني هذه القصة بقصة طلاق “بني هن”، الواعظ الشهير لزوجته ثم ردها مرة أخرى وقد استضافته محطة فضائية ناطقة بالعربية وهو يروى اختباره ومغزاه هو أن مسألة طلاقه من زوجته وردها مرة أخرى كلفه ٨٠٠ ألف دولار كأتعاب المحامين فقط وكيف أن الرب سدد هذا المبلغ بطريقة معجزية، وعندها امتلأ الاستوديو الذي كان يسجل فيه بالهتاف والتصفيق والهليلويات لأن الرب سدد ال٨٠٠ ألف دولار، سألت نفسي على ما يصفق هؤلاء المغيبون المخدرون بعمل “روح النوم العميق” لشخص طلق زوجته ثم استردها وأنفق من أموال الله والخدمة ٨٠٠ ألف دولار على خططه الشخصية الشيطانية للطلاق والاسترداد.

هناك عشرات الأمثلة الدالة على تغلغل عمل “روح النوم العميق” داخل الأفراد والكنائس والطوائف والقيادات والحكومات يمكن سردها والاستدلال بها على وجود وعمل “روح النوم العميق”.

فـ “روح النوم العميق” هو روح شرير يقصد أن يفصل بين تفكير الإنسان والواقع الذي يعيش فيه، وعندما ينتبه المرء للواقع الذي يعيش فيه لا يستوعب على الإطلاق ما يسمعه أو يراه، فيكون في حالة من النوم العميق بالنسبة للتفسير الصحيح لهذا الواقع، وكأنه يرى حلمًا، غير ملاحظ أنه في أرض الواقع وناسيًا أنه من الأحلام ما يتحقق، وعندما يستيقظ المرء لمدة قليلة، لا يذكر الأسباب الذي وضعته في مثل هذا الواقع أو الحلم، وعندما يستطيع أن يفسر بطريقة صحيحة ما يحدث معه يكون في حالة من النوم العميق بحيث يختلط عليه أن كان يستطيع أن يعمل شيئًا في عالم الواقع لتغيير الأمور التي تحيط به أم أنه نائم ومخدر، لذا ففي معظم الأوقات والمرات تكون ردود أفعاله عبارة عن الكلمات التي حفظها عن ظهر قلب قبل نومه العميق، أو ترديد آيات كتابية في غير موضعها، مثل “العدو تم خرابه إلى الأبد”، “أعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد”، “كل آلة صورت ضدك لا تنجح”، “الرب معك يا جبار البأس”، “الرب طيب وصالح وإلى الأبد رحمته”.. وغيرها الكثير والكثير من الآيات الكتابية أو المقاطع الروحية المحفوظة والمبسترة والمعدة من “روح النوم العميق” للاستخدام بواسطة المؤمنين في كل أحوالهم وظروفهم، فيختلط الأمر عليهم وعندها لا يعرف المصاب بروح “النوم العميق” إن كان ما حدث ويحدث له هو أمر ونتيجة طبيعية لأخطائه وشره وتهاونه واستخفافه بالأمور الروحية، أم أنه أمر طبيعي يمكن أن يحدث لأي شخص في المسير، مخلصًا كان أم شريرًا، أم أنه امتحان من القدير يريد أن يرفعه ويعليه بالمرور من خلاله، بالرغم من عدم تهديد الشخص الواقع تحت عمل “روح النوم العميق” لقوات الشر الروحية نظرًا لتحكمها فيه كشخص أو مرنم أو خادم أو قس، أو ربما حقد عليه من الشرير، أو أنه يسلك في طريق بركة إبراهيم، وكلها متضمنة في البوست الذي وضعه صاحبنا القسيس، الذي قال فيه “يمكن مش فاهم كل الأحداث. لكن مصدق أن الرب سيُخرجني للنور بمجد. مصدق في صلاح الرب وجوده. وعارف أنه موعد بركة جديدة على الأبواب. مش محتاج غير سندة القدير في الوقت ده، وصلواتكم لأجلي والرب يبارككم.

مفيش قدامي حاليًا غير أني أعمل زي داود وأتشدد بالرب إلهي إلى أن تعبر المصائب بنعمته ورحمته ومحبته وسندته. بحبك يا يسوع يا سوسني. (إلى هنا ينتهي كلمات البوست).

إن أولئك الذين يقعون تحت تأثير “روح النوم العميق” يصدرون أحكامًا ويصلون إلى نتائج لكل ما يدور حولهم دون رؤيته بصورة كاملة، بل هم يتأثرون ويثورون ويتفاعلون مع الجزء الذي يرونه في أحلامهم وهم نيام من الصورة المعنية. فكما قلت سابقًا إن هذا المقال والتحليل للبوست الذي وضعه القسيس لا علاقة له بالقسيس وما كتب، وليس هو المقصود بما كتبت أنا، لكن المقصود هو توضح لدور “روح النوم العميق” الذي أصاب الغالبية الساحقة من البشر في هذه الأيام.

لقد نجح “روح النوم العميق” أن يتمكن من أعضاء الكنائس حتى إنهم يسمعون قادتهم ومرنميهم وقسوسهم يفتون فيما ليس كتابيًا بالمرة كظهور العذراء مريم وطلب ظهورها فوق كل الكنائس الإنجيلية، أو ظهور القديسين في وقتنا الحالي كما ظهروا يوم تشققت الصخور وانفتحت القبور وخرج منها بعض القديسين الراقدين وظهروا لأناس في المدينة، أو ما يعرف بالقديس “شربل” الذي مازال جسده ينضح ماء ودمًا بعد موته بعشرات السنين للدلالة على أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد، وغيرها الكثير، أو يجرونهم إلى عالم الغيب والأرواح الشريرة لرابعة العدوية والصوفية وغيرها، دون أن يصحو المساكين من نومهم تحت تأثير وتخدير “روح النوم العميق” وكأن شيئًا لم يكن، ويستمر “روح النوم العميق” في تسلطه على القيادات الكنسية حتى يرفع الآذان في كنائسهم وقاعاتهم وصلى المسلمون على منابرهم والناس نيامًا حرفيًا ومعنويًا ولا يتحرك أحد، يخدعهم روح الغي والتشويش لخلط التبن مع الحنطة، فيخلطون “المولد بالميلاد”، الترانيم بالتواشيح التعاليم الطائفية البالية بالتعاليم الكتابية المتجددة بكينونة كاتبها تبارك اسمه.

لقد استطاع “روح النوم العميق” أن يوقع الجبار نذير المولى من بطن أمه شمشون، في نوم عميق على رجلي دليلة، فدعت حلاق وحلقت له ٧ خصل شعر رأسه وهو نائم ففارقته قوته وانتفض كعادته ولم يعلم أن الرب فارقه. وأنا أرى نفس الصورة والقصة تتكرر أمام عيني كل يوم، فقد نامت كنيسة المسيح النذيرة للرب من بطن الأم على رجلي العالم، فدعا حلاق الكذب والغش والخداع وقص لها سبع خصل رأسها، وهي تحاول أن تنتفض كعادتها لكنها لا تعلم أن روح الله فارقها، نعم الكنيسة هي جسد المسيح وستظل كذلك، لكنه جسد المسيح مقصوص الشعر والذي لا قوة لها وهي تطحن اليوم في بيت آلهة وأرواح ضد المسيح وتؤدي لهم كل ما يطلب منها بالإجبار والإكراه دون محاولة منها أن تقف وتطلب أن يذكرها القدير هذه المرة فقط حتى تنتقم من أعدائها لا كما انتقم شمشون من أعدائه، فأمات منهم ٣٠٠٠ شخص، بل كما انتقم رأسها المسيح من أعدائه في الصليب وأشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه، ففتح لنا طريقًا لأقداس السموات، حيث عرش الله تبارك اسمه، طريقًا حيًا حديثًا بدمه وموته وجسده ودفنه وقيامته وصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب في السماويات ليتراءى ويشفع فينا إلى يوم لقاه بالعيان.

لقد أصاب هذا الروح الشرير أوروبا وأستراليا وأمريكا بالنوم العميق حتى قبلت الملايين من المهاجرين المسلمين المتطرفين ولازالت أغلب البلاد في الثلاث قارات في حالة النوم العميق، حتى أصبح من العسير عليها أن تفيق من غيبوبتها، لقد سيطر “روح النوم العميق” على العالم وعلى الكنيسة أجمع وما أفاق من غفلته إلا بعد تمكن منه عالم المثليين والملحدين والسحرة والمنجمين.

لقد سيطر “روح النوم العميق” على ما يدرس في كليات اللاهوت بواسطة مدرسيها، فلم يستيقظ أحد عند بداية عمل مدرسة النقد الأعلى أو عندما دخلت الليبرالية، غير الكتابية، إلى فصولها وبالتالي إلى تلاميذها وطلابها الذين يتخرجون من تلك الكليات وقد امتلأت رؤوسهم وعقولهم بكل ما هو غير كتابي وصدقوها ونقلوها إلى كنائسهم وشبابهم، من عدم وجود شياطين، وجهنم النار ليست حرفية، وآدم قصة خيالية مع ما حدث في الـ١٢ أصحاح الأولى من سفر التكوين، وغيرها الكثير، ولم يفق المسؤولون عن الكنيسة ولم يصحوا من نومهم العميق إلى الآن وبعد حدوث ما هو واقع منذ سنين وما لا يمكن إخفاؤه أو التنصل منه.

إن العلاج الوحيد الأكيد ضد “روح النوم العميق” هو الامتلاء من روح الله القدوس، روح الصحو والحكمة والمحبة والقوة والعقل السليم. فهذا الروح القدس لا ينعس ولا ينام ولا يسمح لأتباعه أن يسيطر عليهم من “روح النوم العميق”.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا