خروج بني إسرائيل من مصر

4

الخروج من مصر هو قصة الفداء في العهد القديم

“فقال الرب (لموسى): إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم. إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنًا وعسلًا.. والآن هوذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إليَّ ورأيت أيضًا الضيقة التي يضايقهم بها المصريون، فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر” (خر3: 7-10، وانظر خر3: 16 و17؛ خر4: 31؛ خر6: 2-8).

في بداية سفر الخروج نرى بني إسرائيل عبيدًا أذلاء، ويوضح لنا السفر كيف أن الله أعد لهم مخلصًا، كما يبين لنا مواجهة هذا المخلص (المنقذ) لفرعون. وعلى الرغم من تنوع أعمال الله في الخلاص، فلقد كان الخروج من مصر هو النموذج الأعظم والأسمى للخلاص، ولذلك أنه أمر طبيعي أن يفسر الخروج من مصر -حسب معتقدات بني إسرائيل- على أنه النموذج الأسمى لنعمة الرب وأمانته وسلطانه.. وإذا كان علينا أن نختار لحظة حاسمة واحدة من هذا العمل العظيم لكانت هي لحظة عبور البحر (خر14: 30، 31)، لأن شعب إسرائيل عرف حينئذ أنه قد عبر من الموت إلى حياة جديدة.

وفي قصة خروج بني إسرائيل من مصر نرى:

1- الخلاص من العبودية:

إن ما كان يعاني منه العبرانيون لم يكن مجرد سلطة سياسية، بل العبودية القاسية (خر5: 6-18) ولم يكن شعب الله في صراع فقط مع المصريين، لقد كان هناك آلهة المصريين في مجال هذا الصراع، ولذلك كان للضربات التي حلت بالمصريين مغزاها في علاقتها بآلهة المصريين. إن الخروج من مصر معناها الخلاص من العبودية القاسية.

2- الخلاص من الخطية: إن العبرانيين لم يخلصوا من العبودية القاسية فحسب، بل خلصوا أيضًا من الخطية ومن الانحلال الروحي. وهناك نظريتان عن حالة الشعب الدينية في تلك الحقبة، النظرية الأولى هي أنهم فقدوا كل معرفة بالإله الحي الحقيقي وانغمسوا في عبادة آلهة المصريين والممارسات الوثنية.. والنظرية الثانية، فهي تذهب إلى أقصى الطرف الآخر، إنها تفترض أن الإسرائيليين في أرض مصر قد حفظوا أنفسهم من التدنس بأصنام مصر. والنظريتان في تطرفهما مرفوضتان، فالديانة الحقيقية لم تكن قد انمحت بالكلية من إسرائيل، فقد كانت ما تزال لهم بقية باقية من معرفة إن يهوه هو إله آبائهم، فقد أرسل موسى باسم إله آبائهم إبراهيم وإسحق ويعقوب. ومن الجانب الآخر، لا نستطيع أن نخلع هذه الصورة الطيبة على الشعب ككل، فمن سفر (يش24: 14)، ومن (حز23: 8 و19 و29) نعلم أن الإسرائيليين عبدوا آلهة غريبة، وأصدق دليل على ذلك، إن تاريخ رحلاتهم في برية التيه وارتدادهم عن الرب مرارًا، مما يدل على أن الشعب قد غادر مصر في حالة روحية متدهورة، وربما كانت عبادتهم للعجل الذهبي في البرية، وعبادة الشياطين المشار إليها في (لا17: 7) يمكن تفسيرها على أنها من أصل مصري.. وينبغي أن نتذكر أنه في تاريخ شعب الله كان الاستعباد ملازمًا لعدم الأمانة للرب وعقابًا عليها.

3- إظهار القدرة الإلهية: الله هو القدير، وعندما ظهر لأبرام قال له: “أنا الله القدير، سر أمامي وكن كاملًا” (تك17: 1)، وفي حادثة الخروج نرى قدرة الله في الطريقة التي أخرج بها الشعب من مصر (خر 15). هذا الاعتقاد هو الذي جعل العبرانيين، يرون في الخروج الحقيقة العظمى للتاريخ كله، فهم يرون فيه عمل الله لخلاص إسرائيل، وأن قوة الله هذه، والتي تتحكم في التاريخ لا تمارس عشوائيًا أو دون هدف. ولكن الله يهيمن على الأحداث من أجل خير شعبه.

4- إعلان نعمة الله المطلقة: إن الخلاص من مصر، كان إعلاءً وإعلانًا لنعمة الله العظمى، لقد كان قضاء الله على المصريين بسبب وثنيتهم، أما بنو إسرائيل فقد شملتهم النعمة الإلهية، على الرغم من تلوثهم إلى حد ما بدنس العبادة الوثنية ولا تفسير نستطيع أن نفسر به هذا إلا على أساس نعمة الله “إني أميز بين الإسرائيليين والمصريين” (خر8: 23؛ 11: 7).

الإعلان الإلهي عن الخروج

لقد كانت البداية عندما دعا الله أبرام وقال له: “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. فذهب أبرام كما قال له الرب” (تك12: 1-4).

ويتكرر هذا “لما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لأبرام (تك17: 1-8).

ويتكرر هذا الوعد لإسحق (تك26: 3 و4)، ثم ليعقوب (تك28: 13 و14)

إن الفكر الذي يسود العهد القديم بخصوص الأرض هو أن الأرض ملك لله “هوذا للرب إلهك السماوات وسماء السماوات والأرض وكل ما فيها” (تث10: 14)، وأن الله في محبته ونعمته يعطي الأرض لمن يشاء “لأن الأرض لي، وأنتم غرباء ونزلاء عندي” (لا25: 23)، وأن هذه المنحة والعطية مشروطة بطاعة الله وحفظ وصاياه “إذا.. فسدتم وصنعتم تمثالًا منحوتًا.. وفعلتم الشر في عيني الرب لإغاظته، أُشهد عليكم اليوم السماء والأرض، أنكم تبيدون سريعًا عن الأرض التي أنتم عابرون الأردن لتمتلكوها. لا تطيلون الأيام عليها، بل تهلكون لا محالة ويبددكم الرب في الشعوب” (تث4: 25-27). وعندما أعطى الله الأرض لبني إسرائيل، فهذا لا يعني أنهم أفضل من الشعوب الأخرى “لا تقل في قلبك حين ينفيهم الرب إلهك من أمامك قائلًا: لأجل بري أدخلني الرب لأمتلك هذه الأرض. ولأجل إثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب من أمامك. ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم، بل لأجل إثم أولئك الشعوب يطردهم الرب إلهك من أمامك. ولكي يفي بالكلام الذي أقسم الرب عليه لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب. فاعلم أنه ليس لأجل برك يعطيك الرب إلهك هذه الأرض الجيدة لتمتلكها، لأنك شعب صلب الرقبة” (تث9: 4-6).

ولهذا تأخر إتمام الوعد لإبراهيم بامتلاك الأرض “لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملًا” (تك15: 16).

بداية الرحلة

إن خطة الله في النزول إلى مصر والخروج منها بدأت بيوسف ثم يعقوب والعائلة كما يلي:

أ- يوسف والنزول إلى مصر

نقرأ قصة يوسف في سفر التكوين (تك37: 39-50)، وباختصار شديد “سكن يعقوب في أرض غربة أبيه في أرض كنعان” (تك37: 1)، وأنجب أبناءه الاثني عشر “وأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته، فصنع له قميصًا ملونًا. فلما رأى إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته أبغضوه.. وحلم يوسف حلمًا وأخبر إخوته فازدادوا أيضًا بغضًا له” (تك37: 3-5). ثم بعد ذلك باعوه إلى قافلة مقبلة من جلعاد ونازلة إلى مصر، “وأما المديانيون فباعوه في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط” (تك37: 36).

وفي بيت فوطيفار “كان الرب مع يوسف فكان رجلًا ناجحًا” (تك39: 3)، وعندما أغرته امرأة فوطيفار ورفض ذلك قائلًا: ” كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله” (تك39: 9). أتهمته زوجة فوطيفار بمحاولة الاعتداء عليها، ووُضع في السجن، وعندما حلم فرعون حلمًا لم يستطع حكماء مصر تفسيره، استدعى فرعون يوسف الذي فسر الحلم “فقال فرعون لعبيده هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله.. ثم قال فرعون ليوسف انظر، قد جعلتك على كل أرض مصر” (تك41: 38 و41). وأثمرت الأرض جيدًا لمدة سبع سنوات، وقام يوسف بتخزين قمحًا كثيرًا، ثم حدثت المجاعات. “وولد ليوسف ابنان قبل أن تأتي سنة الجوع، ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون ودعا يوسف اسم البكر منسى قائلًا: لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي، ودعا اسم الثاني أفرايم قائلًا: لأن الله جعلني مثمرًا في أرض مذلتي” (تك41: 50-52).

ب- نزول يعقوب إلى أرض مصر

اشتد الجوع “فلما رأى يعقوب أنه يوجد قمح في مصر، قال يعقوب لبنيه: لماذا تنظرون بعضكم إلى بعض. وقال إني قد سمعت أنه يوجد قمح في مصر، انزلوا إلى هناك واشتروا لنا من هناك لنحيا ولا نموت. فنزل عشرة من إخوة يوسف ليشتروا قمحًا من مصر” (تك42: 1-3). وفي نهاية الحديث قال لإخوته: “أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر. والآن لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتموني إلى هنا. لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم. لأن للجوع في الأرض الآن سنتين، وخمس سنين أيضًا لا تكون فيها فلاحة ولا حصاد. فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض وليستبقى لكم نجاة عظيمة. فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هنا بل الله. وهو قد جعلني أبًا لفرعون وسيدًا لكل بيته ومتسلطًا على كل أرض مصر. أسرعوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له هكذا يقول ابنك يوسف. قد جعلني الله سيدًا لكل مصر. انزل إليَّ ولا تقف فتسكن في أرض جاسان وتكون قريبًا مني أنت وبنوك وبنو بنيك، وغنمك وبقرك وكل ما لك” (تك45: 4-10).

ذهب إخوة يوسف وأخبروا أباهم بذلك (تك45: 25)، ثم جاء “يعقوب وكل نسله معه بنوه وبنو بنيه معه وبناته وبنات بنيه وكل نسله جاء بهم معه إلى مصر” (تك46: 7). “جميع النفوس ليعقوب التي أتت إلى مصر الخارجة من صُلبه ما عدا نساء بني يعقوب جميع النفوس ست وستون نفسًا. وابنا يوسف اللذان وُلدا له في مصر نفسان. جميع نفوس بيت يعقوب التي جاء إلى مصر سبعون” (تك46: 26 و27؛ خر1: 1-5). واستقروا في أرض جاسان (تك46: 28، 34؛ 47: 1، 4، 5، 27). وبعد موت يعقوب (تك49: 33). ثم تحنيطه ثم نقله ودفنه في أرض كنعان حسب وصيته (تك49: 28-32؛ تك50: 7-13).

ج- العبودية القاسية في مصر

“مات يوسف وهو ابن مئة وعشر سنين، فحنطوه ووضع في تابوت في مصر” (تك50: 26). “ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف. فقال لشعبه هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا. هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض. فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم. فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس، ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وامتدوا. فاختشوا من بني إسرائيل. فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف، ومرروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل الحقل” (خر1: 8-14).

د- الخروج من مصر

أعد الله موسى ليقود شعب بني إسرائيل في رحلة الخروج من مصر إلى كنعان، وكانت الرسالة التي حملها موسى إلى فرعون: “أطلق شعبي” (خر4: 23)، وبعد صراع طويل وضربات عديدة ضرب بها الرب المصريين (خر6-11)، خرج شعب بني إسرائيل من مصر (خر 11). (لدراسة إشكاليات الرحلة، يمكن الرجوع إلى كتاب رحلة خروج بني إسرائيل.. حقيقة تاريخية أم وهم للكتاب)

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا