في الكتاب المقدس، في سفر القضاة، قصة رجل، اشتهر بجبار البأس، اسمه “جدعون بن يوآش الأبيعزري”. هدم جدعون مذبح البعل الذي لأبيه، وقطع السارية التي عنده، وبنى مذبحًا لله. فإذا بأهل المدينة يأتون بزمجرة غاضبة وثائرة، طالبين من يواش أن يُخرِج ابنه، لكي يموت، عقابًا له على ما فعله بإلههم!
فقال الأب لهم: “أنتم تقاتلون للبعل، أم أنتم تخلصونه؟! إن كان إلهًا فليقاتل لنفسه؛ لأن مذبحه قد هُدم!”
هي قصة قد تكون جزءًا من الماضي، ولكنها لا تزال كما في كتاب خالد، لتصبح كلًا في حاضرنا!
فباسم “الحسبة”، كأحد أسماء محاكم التفتيش، ظهرت تجمعات من قبيل: “حماة الله”، “حرّاس العقيدة”، “شبكة الدفاع عن السنة”، تفرض فروضًا “مفتوحة الطرفين”، وتتحول إلى “قطع من الجمر”، يحرق أعضاؤها بها أفكار الناس، ولا يدركون أنهم بذلك يفترون الكذب على الله ويجعلونه -في ظلام عقلهم الحالك السواد- إلهًا ضعيفًا غير قادر على أي شيء حتى حماية نفسه!
وهل ننسى الحكم الذي صدر بوقف منح الشاعر “حلمي سالم” جائزة التفوق، بناءً على الدعوى التي تقدَّم بها أحد الشيوخ الذين يشاركون في حملة للدفاع عن الله وحمايته من بيت في قصيدة، أو كلمة في كتاب، أو تعبير في صورة يتهمه فيها بالتطاول على الذات الإلهية في قصيدة: “شرفة ليلى مراد”، وغيرها من الأحكام الجائرة ضد الكثيرين من رموز الأدب والفن، والتي تؤكد على أن القصة بشقها الجدعوني لا تزال تعيش في تراثنا اليومي، ولم نسبر بعد غور حكمة يوآش رغم وثنيته!
فأي إله هذا الذي يحتاج لنصرة البشر؟!
أي إله هذا الذي تهز مشاعره وتضايقه ضيقًا بالغًا فكرة في عقل إنسان؟!
أي إله هذا الذي يجن جنونه مجرد سماع خبر بناء كنيسة، ويعتبر أن تابعيه في خطر؟!
على هؤلاء الذين يبسطون ضلالتهم الخاصة، وهم يعيشون في وهم أو خدعة “مؤازرة الله”، أن يدركوا يقينًا أن الله فوق حدّ التصور، وأن لديه القدرة على إتمام حمايته لكلمته وللمؤمنين به. إن عظمته لا تترك مبررًا لأن يتحول البشر إلى حيوانات متوحشة مفترسة باسمه!
فهل يدركون ذلك، أم يظلون في فهمهم الخاطئ الذي يوجه الفكر إلى عدد من المزالق الرملية؟