حينما يحني الحرص أعناق الرجال

4

نشأت أبو الخير

تعمل الدولة على التعيين “الرمزي” للأقباط في المناصب العليا في الدولة ذرًا للرماد في العيون، وحتى لا تُتهم بالعنصرية. أما المناصب الرفيعة الغاية في الحساسية، كالأمن الوطني والمخابرات العامة والمخابرات الحربية والرقابة الإدارية وقيادات الجيش والشرطة والخارجية والعدل، فعلى الأقباط أن يمتنعوا. لماذا؟ لا نعرف. حتى أن تعداد الأقباط أصبح من الأسرار الحربية للدولة لا يجوز أن يبوح به المسئولون عن التعداد. لماذا؟ لا أعرف. فحين ننظر للتشكيل الوزاري والذي يقرب من حوالي 30 حقيبة وزارية نجد أنه لم تُسند فيه إلى الأقباط سوى حقيبة واحدة بعد أن كانت في السابق تتراوح بين حقيبتين وثلاثة. وأيضًا على الأقباط أن يمتنعوا عن تولي الحقائب الوزارية السيادية كالدفاع والداخلية والخارجية والعدل. لماذا؟ لا أعرف. وفي منصب المحافظ في 27 محافظة، هناك عدد 2 محافظ قبطي.

وفي السنوات الأخيرة، تفتق ذهن السياسيين والمستشارين والحكومة عن اختراع سياسة ضرب عصفورين بحجر واحد حين يختار لمنصب الوزير أو المحافظ من الأقباط بأن يكون المرشح لهذا المنصب سيدة فمنها تمثل الأقباط ومنها تمثل المرأة. تفكير جهنمي. وبالمناسبة نحن لسنا ضد تعيين المرأة في أعلى المناصب القيادية للدولة، ولنا في ذلك أسوة في الدكتورة منال عوض التي تولت منصب نائب محافظ الجيزة ثم محافظ دمياط ثم وزير التنمية المحلية وأثبتت جدارةً واستحقاقًا منقطعي النظير في كل المناصب التي تولتها، بل نحن في مقدمة المطالبين بالمساواة بين المرأة والرجل، ولكننا فقط نتحفظ على سياسة “ضرب عصفورين بحجر مع الأقباط”، كما أننا لا ننظر لتولي الأقباط منصب الوزير أو المحافظ من منظور طائفي ضيق ولا نسبة وتناسب بل من منظور وطني مصري أوسع، فالأقباط شريحة وطنية كبيرة من شرائح المجتمع يُقَدَّر عددهم ب 20 مليون نسمة، والكثيرون منهم أثبتوا جدارتهم واستحقاقهم وتفوقهم في كل ما أسند إليهم من مناصب أو مواقع فهم شركاء الوطن ووطنيون حتى النخاع، يعشقون بلادهم ويبذلون النفيس والرخيص في سبيل ازدهارها وتقدمها وحريتها. كل ما في الأمر أن يكونوا على قدم المساواة والعدل مع جميع أشقائهم المصريين، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم لجميع المصريين دون تمييز أو تفريق أو تفضيل.

ما سبق من سطور مجرد إشارة عابرة لا بد منها للفت النظر من أجل مجتمع صحيح معافى مترابط على قلب رجل واحد لكن لب المقال فيما هو آتٍ من سطور.

فنحن مقبلون على انتخابات برلمانية سعت خلالها الدولة لعلاج ثقافة مجتمعية بغيضة سائدة والتي كانت تنطوي على عدم انتخاب أقباط أعضاء للبرلمان، وإن اجتاز أحدهم العتبة البرلمانية فذلك يكون نادرًا. لذا رأت الدولة علاج ذلك من خلال نظام الكوتة، لكن نجد أنه حينما يقع الاختيار على أشخاص من الأقباط يجب أن يدينوا هؤلاء بالفضل والامتنان لمن اختارهم أو رشحهم أو عينهم من كبار المسئولين في الدولة. وحين يصبحون أعضاء في المجالس النيابية يكون كل همهم رضاء المسئولين عنهم لأنهم يعتبرونهم أصحاب الفضل. وحين يصبحون من خلال القائمة أو الفردي أعضاء في المجلس الموقر يكون هم الغالبية منهم، ولا أقول الكل، هو رضا المسئولين عنهم إذ يعتبرونهم أصحاب الفضل. ولا مانع أن يقوم البعض منهم بالنفاق والتملق من أجل المحافظة على المنصب أو الكرسي، ولا تشغل البعض منهم قضايا الأقباط بل يسارع البعض من هؤلاء النواب إلى حد مجاملة القيادات وإخوتنا في الوطن على حساب الأقباط الحلقة الأضعف والأقل عددًا. قد يقول قائل إن النائب يكون نائبًا عن الشعب كله. نعم، لكن ألم يكن الأقباط من الشعب لهم مشاغلهم وهمومهم؟ فلا مانع أن يتصدى النائب للدفاع عن أي شريحة من شرائح المجتمع مغبون حقها أو تعرضت لظلم بيّن. فحين يتعرض المسيحيون لفتنة طائفية أو عنف طائفي أو اعتداء على كنيسة أو كاهن أو اختفاء فتاة أو سيدة قبطية في ظروف غامضة أو تعرضها للاختطاف أو يحدث اعتداء على الأقباط أو بيوتهم أو محلاتهم، كما يحدث في الصعيد مثلًا خاصةً في المنيا، هنا يجب على سيادة النائب أن ينبري وينتفض ويمتلك من الجرأة والشجاعة ما يجعل له صوتًا مسموعًا في الدفاع عن المظلومين ورد الحقوق المسلوبة إحقاقًا للحق وعلى قدم المساواة، ولا يجد حرجًا وهو القبطي في الدفاع عن أقباط تم الاعتداء عليهم أو التنكيل بهم بدون ذنب أو يستنكر مجلسًا عرفيًا عُقد وأهدر حقوق طرف ليفلت المعتدي بجريمته بموجب صلح عرفي جائر مزيف بذريعة المحافظة على سلامة المجتمع القروي. لكن للأسف نجد بعض هؤلاء النواب إما يقفون موقفًا سلبيًا ابتغاءً لسلامتهم الشخصية أو يشتركون في جلد المعتدى عليه تحت أي تبرير حتى لا يُتهم بالانحياز إلى أبناء جلدته أو يهون من الأمر أو الحدث ليرضي قيادته والمسئولين ويعتبر ذلك نوعًا من الموقف الوطني على غير الحقيقة، بل نجد البعض يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك بأن ينافقوا الحكومة. وقد يصل الأمر إلى حالة التملق لدرجة أن القلم يعف عن أن أطلق عليهم المنبطحين أو السلبيين الذين يؤثرون السلامة وينأون بأنفسهم. لا تجد هذا من النواب فقط بل قس ذلك على بعض مَنْ يتولون مناصب في الإعلام والصحافة والرياضة والفن والسياسة، حيث ينعمون بالأضواء والشهرة. لكن هل يتصدون للاعتداءات التي يتعرض لها أقباط أم يعملون على التهوين منها؟ ناهيك عن الذين يتعرضون للتمييز كما يحدث في المجال الرياضي. لكن لا ننكر أن هناك أصحاب أقلام جريئة وشجاعة مدعاة للفخر تتصدى لذلك وأيضًا هناك بعض مقدمي البرامج في الإعلام الذين يتصفون بالموضوعية والحيادية وينصفون أصحاب الحق أو مَنْ وقع عليهم غبن أو ظلم.

* وإذا نظرنا إلى ما تسطره صفحات التواصل الاجتماعي، نجد بعض الأقباط للأسف منافقين ينطبق عليهم القول رضوا أن يكونوا ذميين، فنجد بعض الأقباط يبررون قرصنة الدولة على دير سانت كاترين التاريخي ويشيدون بموقف الحكومة ويفسرون الحكم بما يرضي الحكومة ويعتبرون هذا الموقف المخزي منهم بطولة أو وطنية يزايدون عليها. وحين تختفي  فتاة أو سيدة مسيحية يسارعون قبل أن يعرفوا حقائق الموضوع بإلقاء اللوم على الأسرة وعلى الضحية بالادعاء بأنه لا يوجد خطف بل هي هربت بمحض إرادتها نتيجة مشاكل أسرية أو قصص عاطفية ويجلدون الأسرة المكلومة ويتضح فيما بعد أن الفتاة تعرضت للتغرير والابتزاز والتهديد والوعيد أو أنها ضحية اختطاف من شخص متطرف. وفي قضية طفل البحيرة، أشاد البعض بالحكم وبرروا ذلك بأن القاضي الذي أصدر الحكم على الرجل البريء صبري كامل هو مسيحي مثل الجاني واتضح أن ذلك على خلاف الحقيقة. ولو تعرضت كنيسة لحريق يسارعون بالقول بأن السبب هو ماس كهربائي، ذلك المتهم الأساسي والرئيسي في كل الحرائق ويسبقون التحقيقات قبل أن تنجلي الحقيقة. وللأسف وصل النفاق والانبطاح لبعض الأقباط في الخارج، فالسيدة منال خيرت قبطية مصرية تعيش في نيويورك بأمريكا وقد كتبت على صفحتها عن اختفاء الفتيات تنفي خطفهن وتنكر ذلك وتدعي أنهن هربن نتيجة مشاكل أسرية أو زوجية دون أن تلم بالحقيقة كل ذلك من أجل أن يصفق لها أصدقاؤها من إخوتنا المسلمين إعجابًا وإشادةً على صفحتها.

وحين يخرج علينا أحد رجال الدين ليقول إنه ليس هناك خطف أو اختفاء للقبطيات واللي بتمشي بتمشي بمزاجها، وآخر يجامل دفاعًا عن التراث الإسلامي. والتاريخ ليس ببعيد، فعند إعداد الدستور وقف رجل الدين الممثل للكنيسة يرفض حذف المادة الثانية من الدستور إرضاءً لياسر البرهامي زعيم السلفيين، بل تردد عنه أنه رفض النص في قانون الأحوال الشخصية على فقرة إقرار التبني إرضاءً للدولة التي ترفض التبني.

يجب على الكنائس المسحية عامةً ألا تراهن على الحكام لأنها ستخسر، ولنا في ذلك مثال السادات، بل أن تلتصق بالمسيح وتهتم بالرعية وتبتعد عمن يتهمونهم بالسياسة ولكن لتصلِّ الكنيسة من أجل الوطن والقادة وكل مَنْ هم في منصب لنقضي أزمنة سالمة.

* أيها البعض من النواب الأقباط، يا مَنْ تنافقون الحكومة من أجل منصب زائل وعلى حساب الانتقاص من حقوق الأقباط: عفوًا أيها النواب، أنتم لا تمثلوننا. أيها الأقباط على منصات التواصل الاجتماعي، يا مَنْ تزايدون على المسيحيين: انتم لا تمثلوننا. أيها السادة، يا مَنْ تملكون الحرص الزائد أو تمسكون العصا من المنتصف ينطبق عليكم القول “حينما يحني الحرص أعناق الرجال”. ورغم ذلك يوجد نواب تفخر بهم مصر ونفخر نحن بهم أمثال عماد جاد ونادية هنري وآخرين، ويوجد أقباط شأنهم شأن الكثير من المصريين، سواء مسيحيين أو مسلمين، نفخر بكتاباتهم الموضوعية والنزيهة سواء على مواقع التواصل أو ما تخطه أقلامهم في الصحف أو ما يقولونه في برامجهم الإعلامية.

**وقفات في محطات – كلام لابد منه

وافقت لجنة الإسكان بمجلس النواب على مشروع قانون جديد مقدم من الحكومة بدلًا من القانون السابق المعروف بقانون الإيجار القديم. وذلك القانون الذي قدمته الحكومة ينص في إحدى مواده على طرد السكان من منازلهم وبيوتهم ومحل سكنهم بعد 7 سنوات من صدور القانون، فحكومتنا الرشيدة تريد أن تلقي بملايين الأسر في الشوارع دون أن تدرك ما يترتب على هذا القانون المشبوه المتسرع من معارك ضارية واشتباكات قتالية بين الملاك والمستأجرين ومنازعات قضائية بالملايين تتكدس بهم المحاكم فوق الأعباء من القضايا التي تمتلئ بها. إنهم بهذا القانون يهددون السلم المجتمعي ويشقون المجتمع إلى طرفين متنازعين يتقاتلان لتثبت الحكومة أنها عدوة الشعب وضد مصالحه. والأدهى والأغرب والأعجب أن مجلس النواب الموقر يوافق على القانون. النواب الذين يعتبرون أنفسهم ممثلي الشعب ويدافعون عن حقوقه يبرهنون أنهم ضد الشعب وأعداء الشعب، الشعب الذي له الفضل عليهم والذي أوصلهم إلى قبة البرلمان تنكروا له وخذلوه. والأعجب والأغرب أنهم مقبلون على انتخابات برلمانية جديدة بعد عدة أشهر، لكن الشعب لن يجدد الثقة بهم ولن يعيدهم إلى البرلمان مجددًا بعد أن خذلوه ولن ينتخبهم ولن يعطيهم أصواته. أما الحكومة الفاشلة التي استكثرت الستر على الشعب الذي تداريه الحيطان والله أعلم بأحواله ومعاناته مع المعيشة الصعبة ولقمة العيش وتأتي الحكومة وتريد أن تكشف الستر وتلقى به في الشوارع. فلترحل هذه الحكومة ولتحمل عصاها وترحل إلى غير رجعة ويرحل معها هذا المجلس الذي لا يمثل الشعب من قريب أو بعيد. ولكِ الله يا شعب مصر.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا