أثارت فكرة حرق القرآن في يوم الذكرى التاسعة للاعتداء الإسلامي على برجي التجارة العالمي في 11سبتمبر 2001، الحادث الذي أودى بحياة أكثر من ثلاثة آلاف نفس بريئة حرم الله قتلها، أثارت ردود أفعال على مستوى العالم أجمع، تراوحت بين معارض وساخط، وموافق في السر لكنه شاجب في العلن، وموافق وفرح في السر والعلن. تماماً كما كانت ردود الفعل على حادث الاعتداء نفسه في 11/ 9، فكانت هناك فئة حزينة معارضة، وفئة ساخطة على كل ما هو إسلامي دون تفرقة بين المجرمين المخططين والمنفذين لهذه العملية الإجرامية والمسلمين المغيبين الذين لا حول لهم ولا قوة، وفئة قليلة من المسلمين كانت تخرج على الإذاعات والتليفزيونات لتدين الحادث وما نتج عنه وهم يكبرون في قلوبهم “الله أكبر” وفي جلساتهم الخاصة يهنئون بعضهم البعض على ذلك الفتح العظيم والانتصار الإسلامي على أمريكا دولة الكفر والإلحاد وحليفة إسرائيل وسند وعضد المسيحيين (كما يظنون)، ومنهم- وهم الأغلبية العظمى- من كانوا سعداء فرحين في السر والعلن، وقد رأى هؤلاء في أسامة بن لادن زعيمهم الروحي والديني الصاعد الواعد الذي استطاع أن يركع أمريكا على ركبتيها أمام هجماته المنظمة التي حالفها النصر في تلك الحادثة النكراء.
وبادئ ذي بدء، أريد أن أوضح موقفي من فكرة حرق القرآن في كلمات بسيطة واضحة دون هجوم أو مجاملة: “أنا لم أكن- ومازلت- غير موافق على حرق القرآن بتاتاً تحت أية أسباب ولا مبررات ساقها ذلك القس الذي أطلق هذه الفكرة، لدرجة أنني قمت بكتابة خطاب له لعقد جلسة مفاوضات، هو وأنا، لإقناعه بالعدول عن هذه الفكرة. وللأمانة الصحفية والضميرية أقول إننى قلبت هذه الفكرة في عقلي وقلبي وعواطفي حتى أتمكن من اتخاذ موقف محدد من هذه القضية، ففي مثل هذه الأحداث وخاصة المتعلقة بالشرق الأوسط ومصر بالذات، فإن عشرات التليفونات من القسوس والكنائس ومقدمي البرامج الدينية والسياسية ومحطات الإذاعة والتليفزيون يوجهون لي ولمن هم في وضعي عدة أسئلة للإجابة عليها في بث مباشر أو غير مباشر، وكنت أعلم بمجرد الإعلان عن هذه الفكرة أن علي أن أستعد للإجابة على هذه الأسئلة: ما رأيك في مسألة حرق القرآن؟ هل توافق أنت شخصياً على حرق القرآن؟ ما هي الحقائق التي بنيت عليها موقفك من هذه القضية؟ ماذا سينتج عن حرق القرآن من نتائج في الشرق الأوسط وفي أمريكا؟ ما هي الأسباب التي تستند عليها في موقفك؟… وغيرها من الأسئلة التي أعددت نفسي للإجابة عنها، والتي رأيت أنه من واجبي أن أشاركك بها عزيزي القارئ.
والحقيقة أنني رفضت وبشدة فكرة حرق القرآن ليس لإيماني بأن القرآن كتاب موحى به من الله، أي على نحو ما مقدس ككتابنا المقدس مثلاً، وهذه القناعة هى نظرة مسيحية لا يمكن إخفاؤها وليست سراً يخفى على المسلمين، والإفصاح عنها لا يعد إساءة لا للقرآن ولا للمؤمنين بأنه منزل من عند الله، فالمؤكد وغير القابل للنقاش أنه لا يوجد مسيحي واحد يؤمن بوحي القرآن، تماماً كما أنه لا يوجد يهودي واحد يؤمن لا بوحي الإنجيل ولا القرآن على السواء، كما أنه لا يوجد مسلم واحد يؤمن بعدم تحريف الإنجيل والتوراة أى بأن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا قد لعبت به يد البشر بالزيادة والحذف فلم يعد مقدساً بل مكدساً كما عبر عن ذلك أحد علمائهم جهراً، ويتفق معه جميع المسلمين سراً. وبالتالي فكل منا يرى أن كتاب الآخرين غير منزل من عند الله وأنه يستحق الحرق، ومنهم من يحرقه حرفياً عدة مرات في اليوم الواحد في أماكن ومناسبات عديدة. فمن في جيلنا (جيل الثورة المباركة) من الشباب المسيحي لم يسمع عن محرقة مسطرد التي كانت تحرق الكتب الدينية والكتب المقدسة المرسلة بالبريد من الهيئات الدينية المسيحية بالخارج للمسيحيين داخل مصر، دون أن يعرفوا، المرسل إليهم، عن إرسالها شيئاً، اللهم إلا من التليفونات والمقابلات الشخصية مع القادة المسيحيين الذين أرسلوا هذه الكتب؟ ومن من مصر لم يستلم خطاباً تم فتحه ووضعت عليه عبارة “تم فتحه بواسطة الرقابة” وكل ما لا يروق للرقابة من مطبوعات وكتب وجرائد ومجلات زج بها في محرقة مسطرد بما فيها الآلاف من نسخ الكتاب المقدس؟
ولم أرفض فكرة حرق القرآن لخوفي من ردود أفعال المسلمين، وهو السبب الذي أرعب الأمريكان واتخذه البعض حجة للضغط على القس صاحب هذه الفكرة للتنازل عنها، فردود أفعال المسلمين أصبحت معروفة لا تتعدى الشجب والمظاهرات وتكسير المحلات وحرق السيارات وحرق العلم الأمريكي والدمية الورقية أو القماشية التي تمثل الحدث أو رئيس الجمهورية كجورج بوش أو في قليل من الأحيان باراك حسين أوباما، وهذه كلها تتم خارج أمريكا، أما بداخلها فالكل يحترم القوانين إما طوعاً واختياراً وإما خوفاً وإجباراً.
أما تخطيطهم لمهاجمة المصالح الأمريكية داخل أمريكا وخارجها فهو أمر مستمر لا يحتاج لأفكار جديدة كفكرة حرق القرآن وغيرها، بل هي عملية قائمة ومتطورة ومتزايدة سواء حرق القرآن أم لم يحرق. وبالتالي فلقد كانت إجابتي على السؤال: “هل تظن أن فكرة حرق القرآن ستزيد من كراهية الشرق أوسطيين للأمريكان وستزيد من مهاجمة الجيوش الأمريكية في أفغانستان؟” بالنفي الأكيد، فالكراهية لأمريكا شيء قد ترسب وازداد منذ عشرات السنين وبدأ الإفصاح عنه منذ قيام جماعة “الإخوان المسلمون”، وعبر عنه بأكثر وضوح قادة ثورتنا المباركة سنة 52، وقد وصل إلى ثمالته بعد حرب 67، ثم معاهدة السلام مع إسرائيل وبدء الحركات الإسلامية الجديدة في الثلاثين سنة الماضية. فمهما عمل الأمريكان وقدموا من خدمات أو معونات أو جاء رئيسهم ليخطب ود الشعب الإسلامي في الشرق الأوسط وانحنى أمام خادم الحرمين أو أعلن عن أصوله الإسلامية وكرر أن الدين الإسلامي دين سلام وأن القرآن كتاب مقدس وغير ذلك، لن يغير كل هذا من كراهية المسلمين للأمريكان وتربصهم لاقتناص أي فرصة للاعتداء عليهم والتنكيل بهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
والحقيقة أنني لم أرفض فكرة حرق القرآن حتى احتراماً لمشاعر المسلمين، فتنزيل الحكيم العليم يقول في الكتاب المقدس: “بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم، وبالدينونة التي بها تدينون تدانون” فكم من آلاف الكتب المقدسة تحرق كل يوم في مختلف الدول الإسلامية (كما ذكرت سابقاً) وعلى مسمع ومرأى من الناس جميعاً دون التفكير في مشاعر المسيحيين، كم من الكنائس تحرق بما فيها، ليس فقط من الكتب المقدسة بل ومن أثاث حتى وبشر.. في باكستان وأفغانستان وماليزيا والهند والعراق وغيرها على يد مسلمين دون مراعاة لمشاعر المسيحيين، كم من فتاة خطفت، كم من تلميذ مسيحى ظلم واضطر لمغادرة مصر ليشق طريقه فى بلاد تحترم مشاعر الجميع وكم من بلاد عربية تمنع إقامة الكنائس وتحرم استيراد الكتاب المقدس ودخوله إلى أراضيها، في الوقت الذي تطالب فيه ببناء مسجد لها في كل مدينة أمريكية وعلى بعد أمتار من موقع المذبحة الإسلامية للأمريكان دون الاكتراث بمشاعرهم، وإذا اعترض الأمريكان اشتكى المسلمون من جرح مشاعرهم وكأنهم هم فقط أصحاب المشاعر الرقيقة الحساسة التي تجرح لمجرد كلمة أو فكرة حرق القرآن، أو لعدم الموافقة على استخدام الميكرفونات أو بناء مآذن فوق جوامع سمح لها بأن تبني في أكثر بلاد العالم سكوناً وهدوءاً كسويسرا، أو لعدم الموافقة على دخول تلميذة إلى المدرسة وقد ارتدت النقاب كما في فرنسا، أو لرسوم كاريكاتيرية يعبر فيها الراسم عن رأيه حتى لو كان خطأ كما في الدانمارك، فتلتهب المشاعر وتجرح وتثور مع أنها نفس المشاعر التي تتحجر ولا تكترث بميكرفونات تلقي على المسيحيين كل أنواع الشتائم والبذاءات، وتسجيلات وبرامج إذاعية وتليفزيونية ولقاءات واحتفالات يهان فيها المسيحيون دون مراعاة مشاعرهم، مشاعر تتحجر بل وتهتف فرحة منتصرة عندما تحرق طائرة بمن فيها، أو تسقط أبراج على روادها أو تشتعل الناس بالنيران أو يلقى حذاء في وجه رئيس دولة عظمى دون أدنى اكتراث بمشاعر الآخرين، فأي الاثنين أكثر تأثيراً وايذاء وإيلاماً لمن لديهم من الإحساس البشري أقله، أحرق نسخ ورقية من القرآن أم حرق قلوب صغيرة لأطفال باتت تحلم بعودة الأب من عمله يحمل ابتسامة على شفتيه ولعبة صغيرة فى يديه ولم يعد؟ أحرق نسخ من كتاب مهما كانت مكانة هذا الكتاب، أم حرق قلب أم عاشت طيلة العام تدخر القروش القليلة حتى تكسو أولادها حللاً يوم العيد، فألبستهم وقبلتهم واستودعتهم في سلام الله ليذهبوا ويلتقوا مع ربهم في الكنيسة، فتلطخت الحلل الجديدة بالدم ولم يعد الصغار إلى البيت؟ أحرق القرآن هو ما يجرح المشاعر أم حرق قلوب الآباء والأزواج والإخوة والأخوات على زوج خرج ولم يعد وحبيب سكت صوته إلى الأبد وخواتم للزواج طارت في اعتداءات غاشمة من أصابع الرجال والنساء في أيديهم اليمنى ولم تصل إلى اليسرى لتحقق الأحلام لقلوب حرقت قبل أن تبتهج بيوم الزفاف؟
فالحقيقة، لم يعد لاحترام المشاعر لدى الفريقين مكانة ووجود، اللهم إلا إذا مورست بدافع الخوف لا الاحترام، وتجنب المشاكل بدلاً من تبادل المحبة والسلام، والخوف من السلطة لا الخوف من المولى تبارك اسمه الذي علمنا “أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم”.
إن ما جعلني أرفض وبشدة فكرة حرق القرآن، أولاً: لأنها فكرة لا تتماشى مع تعاليم الكتاب المقدس، ولا روح الإنجيل وسنة المولى تبارك اسمه التي أظهرها لنا في المسيح يسوع، فاستخدام الحرق والنار والتعبير عن الآراء والأفكار بإشعال النار أمر ليس بكتابي قاومه السيد تبارك اسمه منذ وجوده بالجسد على الأرض، فعندما فكر تلميذاه يعقوب ويوحنا أن يطلبا ناراً من السماء لتنزل وتحرق مدينة السامريين الذين لم يريدوا استقبال الرب يسوع لكونه يهودي المولد انتهرهما- له المجد- وقال لهما لستما تعلمان من أي روح أنتما. وكان يقصد أن مجرد التفكير في الحرق باستخدام النار لابد أن يكون وراءه روح شيطاني ذاك الذي كان من البدء قتالاً للناس، فكل من يشعل بالنار أو يهاجم بالنار أو يحرق بالنار ما للآخرين لابد وأنه مساق بروح شرير شيطاني، وهذا ليس من روح المسيح في شيء.
ثانياً: لأن الكتاب المقدس يقول: أسلحة محاربتنا ليست جسدية بل روحية قادرة بالله على هدم حصون. فالكنيسة اليوم، ونتيجة للضغوط الواقعة عليها من كل جهة، قد نسيت أو تناست هذه الحقيقة، أنها تمتلك أسلحة روحية قادرة على هدم كل حصون الأعداء مهما كانت قوتهم، واتجهت إلى وسائل جسدية كفكرة الحرق والاعتصامات والمظاهرات وقذف الحجارة، وربنا يستر لئلا يخرج منها بن لادن من نوع مسيحي.
ثالثاً: إن مسألة حرق القرآن لو كانت قد تمت بالفعل لكانت قد حرقت حبراً مكتوباً على ورق ليس إلا، وسرعان ما تطبع ملايين أخرى من نفس القرآن المحروق، وهذا أمر ليس بجديد، ألم يحرق عثمان بن عفان الخليفة الرابع كل نسخ القرآن التي كانت تخالف النسخة التي أرادها والتي هي بين أيدينا، وهي من قال عنها كثير من أئمة المسلمين أنها مفصلة على ما فيه خير الدولة الأموية وفقاً لهوى عثمان بن عفان نفسه، فحرق كتب الآخرين لا يكون بالنار بل بالحجة والمنطق ومواجهة الروح بالروح والحق بالحق، فلو قال لنا هذا القس ما لا يقبله من تعاليم القرآن وقارنه بما دونه الحق سبحانه وتعالى في التوراة والإنجيل لكان خيراً له ولنا ولترك الأمر للمولى تبارك اسمه ليحكم بيننا ويهدي من يشاء للكتاب الحق الذي سيثبت إلى مدى الدهر والذي تزول السموات والأرض قبل أن يزول حرف واحد أو نقطة واحدة منه قبل أن يكون الكل، فهو العليم الحكيم القدير الذي يعرف وحده ما يبقى وما لابد أن يحرق.
رابعاً: إن مواجهة الفكر الإرهابي الوهابي الإسلامي المتضمن في القرآن (كما عبر عنه هذا القس من وجهة نظره) ومدى خطورته على أمريكا والأمريكان لا يكون بحرق القرآن بل بفهم ودراسة وتحليل ومقارنة هذا الفكر بالأحداث العالمية وإيقاظ الأمريكان من غيبوبتهم وتحذيرهم من المد الإسلامي والفكر الوهابي والوصول إلى نتائج معينة وخطوات عملية محددة لصد هذا كله.
سألني أحدهم وهو رجل أمريكي مرموق المكان ومؤثر في الآلاف فى ولاية كاليفورنيا وغيرها من الولايات الأمريكية قائلاً: ما الذي أراد هذا القس عمله أو الحصول عليه من وراء هذه الضجة العالمية التي أحدثها ثم تنازل في النهاية عن مخططه؟ وما هي النتائج الإيجابية والسلبية لفعلته هذه؟ وهل نجح هذا القس في تحقيق هدفه؟
قلت في إجابتي: لقد عبر هذا القس عما كان يريده من هذه الفعلة عندما قال للصحافة: “إن مهمتنا أن نوقظ أمريكا لخطر الإسلام القادم إليها، وأن نرسل رسالة إلى المسلمين أننا في أمريكا لا نوافق على مخططاتهم وأنه بإمكاننا أن نقوم بردود أفعال مماثلة لما تعملونه في الشرق الأوسط وغيره من البلاد الإسلامية مع المسيحيين، وأن “كفاية تعني كفاية” Enough is enough لما تعملونه في أمريكا”. وقد نجح هذا القس في حملته إلى حد ما، بالطبع ليس بالقدر الذي كان يظنه. أما سلبيات وإيجابيات هذه الفعلة فهي تختلف من حيث العيون التي تنظر إليها، فما تراه العيون الأمريكية سلبياً تراه العيون العربية والإسلامية إيجابياً والعكس صحيح.
فمن سلبيات هذه الفعلة التي تراها العيون الأمريكية:
أولاً: أن اتخاذ 11سبتمبر “يوماً لحرق القرآن قد شتت انتباه العالم وأبعده عن التركيز فيما هو 11سبتمبر والحديث عن الجماعة التي نفذت هجماتها في هذا اليوم وتحذير العالم من الفكر الإسلامي المتطرف الذي تعتنقه الأغلبية وعن كيفية الاتحاد للوقوف ضد هذا الفكر الوهابي والقضاء على هذه الجماعات المتطرفة.
ثانياً: بفعلته هذه اتحد معظم الأمريكان (ولو بالكلام فقط) ضد فكر هذا القس فأصبح هو المتطرف والحاقد والكاره للإسلام والمسلمين ومن يخالفونه في العقيدة والدين، وقد لعبت محطات التليفزيون مع حكومة أوباما دوراً أساسياً في تلوينه بهذا اللون عندما وجه له أوباما نداء بالعدول عن فكرته وعندما أعلن قائد الجيش الأمريكي في أفغانستان أن هذا العمل سيزيد من العداء للقوات الأمريكية، فظهر هذا القس وكأنه لا يكترث لأمان وسلامة القوات الأمريكية، وفي نظر الأمريكان هذه خيانة عظمى لأمريكا.
ثالثاً: استغلت واحدة من المؤسسات الإسلامية الأمريكية الفرصة وأعلنت عن بدء توزيعها لعدد مليون قرآن على الأمريكان في حملة أطلقت عليها “لا تحرقه، اقرأه”. فبدلاً من حرق بضعة نسخ من القرآن يتم الآن توزيعه في كل مكان في أمريكا.
رابعاً: رسخت هذه الواقعة الفكر الإسلامي لبعض الجماعات المتطرفة بأنهم قادرون من خلال تهديداتهم وتوعداتهم بالانتقام والمظاهرات وحرق الأعلام للدول المختلفة على إخضاع أي دولة لمطالبهم حتى لو كانت أمريكا العظمى التي صورتها وسائل الإعلام أنها خائفة مرتعبة من ردود أفعال المسلمين في العالم أجمع ضد الأمريكان وخاصة في أفغانستان وباكستان.
أما إيجابيات هذه الواقعة كما تراها الغالبية العظمى من الأمريكان:
أولاً: نبهت هذه الفعلة كثيراً من الكنائس والهيئات والمعاهد التعليمية والجامعات لخطر الفكر الإسلامي المتطرف وتغلغله في البيئة الأمريكية. وخاصة في إظهار المسلمين أنهم يزنون بميزانين، فهم من ناحية يثورون في كل العالم ضد فكرة حرق القرآن وهم يحرقون الإنجيل والكنائس ويطالبون ببناء مسجد في أرض 11 سبتمبر كما ذكرت سابقاً.
ثانياً: أظهرت مدى احترام أمريكا للقيم الإنسانية من حرية وديمقراطية واحترام للدستور مهما كان الثمن، فهي أمة ذات مبادئ حقيقية تطبق في كل وقت وعلى كل مواطنيها بالتساوي، فمن حق أي مواطن أن يعبر عن رأيه حتى بحرقه كتب الأديان، ولا يستطيع حتى السيد أوباما رئيس الجمهورية شخصياً أن يمنع أحداً عن ممارسة حقه في التعبير عن رأيه؟ فالدستور فوق الجميع، فوق الحكومة ورئيس الحكومة. سألت نفسي ماذا كان سيكون مصير هذا القس لو كان مواطناً عربياً أو مصرياً وأراد أن يفعل فعلة غبية كفكرة حرق القرآن؟ هل كان سيصل لوسائل الإعلام لتناقشه وتسمع وجهة نظره؟ هل كان أحد سيعيره التفاتاً ويتوسلون إليه كما حدث مع هذا القس، أغلب الظن كان البيه مأمور القسم التابع له هذا المواطن قد أرسل إليه الملازم أول النوبتجي مع اثنين من المخبرين وضربوه على قفاه قلمين ووضعوه في التخشيبة وعرضوه على النيابة في صباح اليوم التالي بتهمة ازدراء الأديان، وزعزعة الأمن العام، وحيازة منشورات تحرض على قلب نظام الحكم، والتخابر مع هيئات أجنبية وخاصة إسرائيل، يرافقه تقرير طبي من المستشفى العام التابع له سكنه بأن الكدمات التي تظهر في جسده (من التعذيب طبعاً) هي بسبب اعتدائه على موظف عام في قسم البوليس وفي النهاية يعدل المسكين عن فكرته ويستبدلها بفكرة حرق نفسه بدلاً من نسخة من كتاب الدين.
ثالثاً: نجح هذا القس في إرسال رسالة لأوباما أن صورتك التي تحاول أن تجملها في أعين المسلمين الذين تحمل معالمهم وتعاليمهم وروحهم داخلك يمكن لفرد أمريكاني واحد أن يشوهها للأبد وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً ضده، وأنه إن كنت يا سيادة الرئيس قد انحنيت بالفعل والقول والفكر والروح أمام ملك الإسلام إلا أن الأمريكان لن ينحنوا أبداً، فأنت لن تبقى على كرسيك أكثر من 8 سنوات إن اختارك الأمريكان رئيساً لفترة ثانية، لكن الشعب الأمريكاني سيبقى إلى قيام الساعة مرفوع الرأس شامخاً له رقبة أطول من كل رقاب العالم كما عبرت “مارجريت أولبرت” وزير الخارجية الأسبق في حديثها للحكام العرب.
رابعاً: لقد فتح هذا القس الباب للأمريكان بأن ينتقدوا الإسلام والمسلمين علانية بعد أن استبد بهم الخوف في الماضي في هذا الشأن، فإن مجرد الكلام السلبي على الإسلام والمسلمين الأمريكان كان يؤدي إلى اتهام قائله بتهمة التمييز العنصري وهي تهمة خطيرة فى أمريكا، أما الآن فالأمر اختلف.. الإذاعات والتليفزيونات تتساءل عن حقيقة التطرف في الإسلام. لقد أظهر القس مدى غوغائية ردود الأفعال الإسلامية على مستوى العالم، الأمر الذي لا يفهمه الأمريكي العادي، فهو يعتبر أحداث الشغب والحرق والتكسير ضد شخص يعبر عن رأيه، يعتبرها رجعية وغوغائية ينبغي أن تقاوم في أمريكا وخارج أمريكا، وأن يهدر دم كاتب لمجرد كتابة أفكاره في كتاب مهما كان نوع هذا الكتاب وما صدر عنه فهذه همجية وتقييد للحريات، وأن تمنع النساء من قيادة السيارات أو أن يجبرن على لبس حجاب أو نقاب فهذه رجعية لابد للبلاد من التخلي عنها.
أخيراً، أصلي أن تفهم الكنيسة دورها ولا تنزلق في ما لا تحمد عقباه، وأن يكون لها من التمييز الذي يجعلها قائدة المسيرة الروحية، التي تحترم الآخر لا خوفاً منه ولا تملقاً له بل بمحبة إلهية حتى يتصور المسيح فينا ويرى الناس أعمالنا الحسنة ويمجدوا أبانا الذي في السموات.