تعظيم سلام لعادل إمام

7

العدد 22 الصادر في يوليه 2007
تعظيم سلام لعادل إمام

مع أنني لست من هواة الجلوس أمام الـtv  ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، وخاصة الناطقة باللغة العربية منها، ففي معظم المرات التي شاهدت فيها فيلماً أو مسلسلاً أو مسرحية ناطقة باللغة العربية أصابني اكتئاب قد يصل إلى حالة من القرف والسخط، فنحن شعب عربي تربى على الحزن والاكتئاب والقلق وحمل الهموم فإذا ضحكنا قلنا “خير اللهم اجعله خير” كما لو كان مكتوباً علينا أن لا نرى خيراً ولا نضحك ولا نفرح طوال أعمارنا. نعيش في المجهول لأننا نؤمن بالقضاء والقدر، وإذا دخلنا في مصيبة قلنا “قدر أخف من قدر” فنحن دائماً نتوقع الأسوأ ونحمد الله على مصائبنا حتى تلك التي نجلبها على أنفسنا ونشكره لأننا لسنا في مصيبة أعظم. إلا أنني شاهدت بعض الأعمال الفنية للفنان عادل إمام، حفظه الله ورعاه وجعله بوقاً لإيقاظ الغافلين وسوطاً يلهب ظهور الخبثاء المخادعين ونوراً أرضياً يضيء طريق العميان  المخدوعين.

أعلم أن هذا الثناء لفنان عالمي مسلم أي غير مسيحي ولا كنسي قد يثير سخط بعض المؤمنين المغيبين الذين وضعهم المولى في الأرض ليكونوا نوراً للعالم وملحاً للأرض، نوراً إلهياً سماوياً يدافع عن الحق ويزهق الباطل ويتحدى ويكشف كل ما لا يوافق تعاليم المعلم الأعظم سيدنا المسيح، إلا أننا جميعاً نمنا وتركنا مصابيحنا بعد أن جف زيتها وعلاها التراب والرماد والهباب، وخرسنا حيث كان لابد لنا أن نتكلم، ومثلنا دور (العبيط) حيث كان ينبغي لنا أن نستخدم حكمة السماء في معالجة أمور أرضنا وتخالفنا، وتحاربنا ونسينا أن نتحد في مواجهة أعدائنا ففقدنا حريتنا ولغتنا وأرضنا. لكن هذا الثناء واجب لكل من أحسن عملاً حتى ولو خالفنا في الدين والعقيدة وغيرها.

أما تعظيم السلام الذي يستحقه عادل إمام وفرقته فليس فقط بسبب موهبته المتميزة وقدرته على إضحاك الناس من قلوبهم وتخفيف الضغوط عنهم في زمن “عز فيه الضحك” كهذا الذي نعيش فيه، بل سببه أن عادل إمام أصبح رمزاً للمناضلين الذين اختاروا الطريق الصعب والشائك والخطير للتعبير عن آرائهم وعرض مشاكل المجتمع في صورة فكاهية أو درامية تصل إلى وجدان المشاهد وقلبه وتصور له الحقيقة المرة للعالم الذي نعيش فيه خاصة في بلادنا العربية، وتضع له الحلول والطرق للخروج من مآزقها وويلاتها. ليس ذلك فقط بل يستحق عادل إمام تعظيم السلام لأنه ابتدأ بنقد المجتمع في زمان لم يكن غيره يجرؤ على ذلك، فاليوم وفي ظل الحرية المزعومة المقننة التي نعيشها في البلاد العربية كثر الجبناء الذين ظهروا في صورة الشجعان الذين يمثلون أدوار البطولة في أفلام ومسلسلات وضعت لهم ليلعبوها، فلقد رفض عادل إمام التوقف عن مواصلة تمثيله لكل الأدوار التي تكشف الإرهابيين والإرهاب وتنتقد الزعماء والوزراء والأغنياء بالرغم من كل ما لاقاه من تهديد ووعيد، ولا أدل على ذلك من زيارته لمدينة أسيوط رغم أنف الرافضين والمتربصين، نعم كانت مسرحية هو بطلها وكان لها تأثيرها على الرأي العام ولم يعبها، إلا أن الغالبية العظمى من المشاهين والمشجعين والهاتفين باسمه كانوا من المخبرين والمتطوعين المجندين الذين احتشدوا على رصيف القطار في مدينة أسيوط، ولو واصل رجال الأمن هذه المسرحية لحماية آخرين من الفنانين والكتاب والمؤلفين كسيد القمني وغيره، لربما كنا قد أوقفنا بعض المشاهد العنيفة السخيفة التي نراها على المسرح المصري في هذه الأيام.

في مسرحيته مدرسة المشاغبين صور لنا عادل إمام نوعيات من الطلبة والمدرسين وناظر المدرسة المسكين المغلوب على أمره. ولست أظن أن وزارة التربية والتعليم قد استفادت من هذه المسرحية شيئاً. زمان في عصر بقايا الضمير الإنساني عندما كانت الدروس الخصوصية شيئاً يعطي فقط للطلبة قليلي الحظ والإمكانيات فى الاستيعاب في حصص الفصل المدرسي، التي كان المدرسون يعملون فيها بكل أمانة وإخلاص لتوصيل المعلومات للطلبة لاستيعابها، كانت كلية التربية والمدارس والمعاهد فوق المتوسطة لإعداد المدرسين تقبل الطلبة بأقل الدرجات الدراسية، فضعفاء القدرة على الاستيعاب ومن لم يحالفهم الحظ للحصول على مجموع درجات تكفي لدخولهم التعليم الثانوي العام، كانوا يلتحقون بمعهد المعلمات أو المعلمين المتوسط ويتخرجون مدرسين ابتدائي، ومن يحصل على كلية التجارة والعلوم والآداب وغيرها يعين بالإجبار وأمام إلحاح الحاجة مدرساً دون الحصول على دراسات نفسية أو تربوية تؤهله لهذا العمل الخطير، وما أقل حظ المدرسين في المرتبات والعلاوات، فالمدرس زهقان من حياته والطالب مغلوب على أمره وولي الأمر غائب في أعماله ليقدر على دفع تكاليف الدروس الخصوصية، وهكذا أفرخت لنا المدراس والمعاهد والكليات أجيالاً من المتخلفين العميان الذين يحاولون ان يقودوا عمياناً آخرين، فسقط التعليم والأخلاق والأدب في حفرة عميقة وكثر الأصوليون في كل شيء والإرهابيون المغيبون الباحثون عن هوية أو معنى لحياتهم وأدى هذا إلى تراجع في الأمانة واستخدام الضمير وقرر الكثير من المدرسين أن يزيدوا من دخولهم فتقاعسوا عن تعليم الطلاب في المدارس وأجبروا الطلبة على الدخول في المجموعات الدراسية والدروس الخصوصية، وتسابقوا في رفع أسعار حصصهم فصاروا أغنى من الأطباء والمهندسين وأصبحت كلية التربية من كليات الدرجة الأولى يتكالب عليها الراغبون في الحصول على أعلى الدخول (ولا ألومهم على ذلك) فزاد هذا الفعل العملية التعليمية سوءاً وانحنى ظهر الآباء تحت حمل مصاريف الدروس الخصوصية، وظهر من الطلبة من يتعاطون المخدرات,  ومن يدخنون السجائر, والشمامين، ومن يحملون في حقائبهم الصور الجنسية الخليعة والمجلات الصفراء البذيئة مما تطن له الآذان تماماً كما صورها كاتب مسرحية المشاغبين ومثلها عادل إمام من عشرات السنين مع فرق واحد أن المسرحية كانت تصور طلبة مشاغبين في مدرسة ثانوية واحدة، أما اليوم فنحن أمام مدراس للمشاغبين ابتدائي وإعدادي وثانوي وناهيك عن الجامعة. ولولا أن هناك بقية قليلة من المدرسين الأمناء الأجلاء والطلبة الجادين الذين يراعون الله في أعمالهم ودراساتهم لقلنا على الدنيا السلام. أولئك الذين نحني لهم الجباه احتراماً وإعزازاً وإجلالاً ونطلب لهم دوام الصحة والوجود والتأثير على مجتمعاتنا إلى أن ينقذنا المولى من مصير محتوم.

وتعظيم السلام الذي لعادل إمام أرى أيضاً أنه يستحقه كمناضل بالفن التمثيلي اقترب من المحظورات والمحرمات التي عشنا طوال أعمارنا نخاف الاقتراب منها، أو التفكير فيها وبالتالي الكلام عنها وعن نقدها. وهذه المحظورات شملت الزعماء والسياسات والثورات وحتى الدين نفسه والمتدينين وهذا أشد المحظورات رعباً في الاقتراب إليه، ففي مسرحيته “الزعيم” جسد عدة حقائق عن الزعماء والرؤساء، حقائق يعرفها الناس ولكن يخافون حتى من التفكير فيها ومشاركتها مع نفوسهم، فكم وكم مع غيرهم. قال عادل إمام إن الزعماء لا يموتون، وانتقد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بوش الأب على أنه انهزم في الانتخابات وخرج من رئاسة الجمهورية ووجه له اللوم لأنه لم يستطع الاستفادة من خبرة عادل إمام كزعيم في الجلوس على كرسي الرئاسة إلى الأبد. صور عادل إمام في مشهد من أروع مشاهده على الإطلاق كيف أن الناس، كل الناس في كل البلاد التي أطلق عليها “بلاد السهلبيسة” وكلمة “السهلبيسة” لا معنى لها في القاموس على حد علمي، طلب الزعيم عادل إمام من وزير داخليته أن يكررها وراءه عدة مرات، كيف أن الناس تعبت من رؤية الزعماء وسئمت أخبارهم وتكرارهم لنفس الجمل والمعاني، ولست ألوم كاتبى ومخرجى الأخبار في أي بلد عربي فقد علمونا في كلية الإعلام وقسم الصحافة أنه ينبغي علينا عندما نكتب عن أي خبر للقبض على أمير عصابة أو حتى راقصة من الدرجة الثالثة أن نقول الصيغة التالية معدلة أو محورة أو معادة الترتيب في كل خبر، المهم أن يذكر المضمون وهو “بناء على توجيهات السيد الرئيس للسيد الوزير الفلاني والذي بدوره شدد تعليماته للسيد اللواء علان الذي قاد بنفسه الإشراف على اللجنة المكونة من سيادة العميد ترتان والسادة المقدم… رئيس قسم المباحث العامة في حي بولاق مثلاً، قامت قوة بقيادة الرائد س وص بمداهمة بيت الراقصة… ” وأتذكر أنني اعترضت وقلت للدكتور ما دخل سيادة الرئيس والسادة الوزراء واللواءات، بعملية القبض على عصابة المخدرات أو الراقصات أو تصليح الشوارع والحارات، يومها نظر إلى الدكتور بتعجب واستغباء وقال هكذا تنشر الأخبار، واللهم لا اعتراض.

صور أيضاً الزعيم في دولة السهلبيسة أنه ليس الحاكم الفعلي للبلاد فالحاكم الفعلي في دولة السهلبيسة هو جهاز المخابرات والأمن والأمن القومي والأمن العام فليس هناك طريق آخر أمام أي زعيم إلا أن يثق في جهاز أمنه ومخابراته، فهم حماته وعينه التي يرى بها المجتمع الذي حوله، فالزعيم، أي زعيم، مكتوب عليه أن يبقى خلف الأسوار، لا يستطيع أن يسير في الشارع ولا يسمح لرجل الشارع أن يتكلم معه، ولا لأصوات الضعفاء والغلابة المشردين في الأرض أن تصل إليه إلا من خلال الأجهزة سابقة الذكر، فعلى سبيل المثال إذا صدر قرار جمهوري ببناء كنيسة أو الترخيص لها يحال الملف إلى أجهزة الأمن، وما يقوله الأمن هو الذي ينفذ. لقد علق جهاز المخابرات وقائده السيد نعيم (اسمه في المسرحية) الواد زينهم على خشبة كالمصلوب لا لشيء إلا لأن زينهم كان يشبه الزعيم في شكله وملامحه، ولسوء حظه أنه لعب دور حرامي في فيلم من الأفلام، وطالب السيد نعيم زينهم بالاعتراف بجرائم لم يرتكبها فاعترف المسكين حتى بأن خروج السعودية من كأس العالم كان هو السبب فيه، ناهيك عن إلقاء الضوء على بعض الأقسام التي هدد السيد نعيم الولد زينهم بزيارتها إن لم يعترف بالجرائم المجهزة له والتي كان من بينها قسم نزع الأظافر وسلخ الجلد من اللحم، وبالطبع السلخ لابد أن يسبقه نفخ إلى آخره، والحمد الله لأن زينهم لم يسمع من السيد نعيم عن أحدث تكنولوجيا التعذيب التي وصل إليها العالم في هذه الأيام وإلا لما أكمل المسرحية، وربما أصيب بسكته قلبية. أما أشد المواقف عنفاً فهو ذلك المشهد الذي قتل فيه الزعيم وزيره المخلص الذي كان يعترض على مسألة دفن النفايات النووية في مقبرة في البلاد، ففي دولة السهلبيسة تكون مكافأة الأمانة وقول الحق والإخلاص والتفاني في العمل القتل وإهدار الدم والسمعة والشرف والمنع من السير في الشوارع والتعبير بالقلم أو الفرشاة أو العود أو الجسد.

أما نقد الفنان عادل إمام للموروثات الدينية، الصحيح منها والخاطيء، فبدا واضحاً في مسرحيته “الواد سيد الشغال” وقد صور رجال الدين التقليديين بصورة الحافظين غير الفاهمين لما يقولون أو يعملون، أو يطبقون مما تسلموا من موروثات.

ففي الإجراءات الدينية للزواج الإسلامي كما جاء بالمسرحية شيء بسيط وجميل وهو أن يضع العريس يده في يد والد العروس وأن تلف اليدان بمنديل. وهنا طلب المأذون المنديل ولم يجد، حيث أننا الآن في عصر “الكلينيكس” أي المناديل الورقية فرفضه المأذون لأنه في رأيه لابد أن يكون منديلاً من القماش، وتساءل الواد سيد الشغال لماذا لا يصلح الكيلينيكس على حد تعبيره، أهو رجس من الشيطان!! وتعطل الزواج حتى جاءوا للمأذون بالمنديل القماش، وضحكت وأنا أشاهد هذا المشهد وقلت إن كثيراً من رجال الدين, في كل دين,لا يزالون يعيشون في عصر المناديل القماش التي لا أتذكر أنني رأيت أحدها في الخمسة عشر سنة الماضية على الأقل، فأفكارهم وعاداتهم ومورثاتهم التي عفى عليها الدهر وما صارت تصلح لهذا العصر ومازالت تستعبدهم وتسيرهم وهم يتبعونها بلا تفكير، فلقد سارت سنة لابد من تطبيقها، فالعصابة البيضاء أو العمامة السوداء أو الزبيبة الزرقاء مازالت رمزاً للتقوى والورع والتدين وهي ما تميز المرء بأنه من رجال الله الصالحين.

لقد دارت جل هذه المسرحية حول تعليم المحلل في الإسلام وكيف أن “الواد سيد الشغال” عندما وجد نفسه زوجاً لابنة سيدة القصر الذي كان يخدم فيه رفض أن يطلقها، وكيف أصر المأذون على أن الواد سيد الشغال ينبغي أن يدخل بهذه المرأة الجميلة التي طلقها زوجها ثلاث مرات ثم أراد ردها، وإن لم يدخل بها صار الزواج باطلاً فكأنها لم تتزوجه، وبالتالي لا يمكن أن ترجع إلى زوجها الأول، وحيث أنني لست بمسلم فلن أبدي حتي برأيي في هذا الموضوع الشائك، لكنني أعطي تعظيم سلام لعادل إمام لأنه اقترب من هذه المحظورات والموروثات وانتقدها، والعجيب أنه على نفس المنوال يريد البعض تطبيق الشروط  العمرية بشكل أو بآخر على المسيحيين في البلاد العربية، ومازال الخط الهمايوني الذي وضعه الشيطان يوماً ما ليمنع بناء الكنائس.. وترميمها مستخدماً في مصر حتى الآن، ومازال الجهاد في سبيل الله يفهم على أنه إخضاع البشر أجمعين إن لم يكن بالموعظة الحسنة فبالسيف والخنجر والسكين للدخول في دين الله.

حتى الزبيبة التي تشبه النسر على جباه بعض الإخوة المسلمين (على حد تعبير عادل إمام) لم تنج من تعليقاته وقفشاته الساخنة، فذلك الرجل الذي كان يصلي والزبيبة كالنسر على جبهته عندما أصر الواد سيد أن يسأله عن مبلغ المال الذي أخذه منه لتأجير شقة يسكن فيها المسكين قال: “والنسر طار من وشه يا خال” وذلك الملتحي الذي كان يصلي باستمرار في أوقات الصلاة الشرعية والمصطنعة ويرفض تأدية عمله أو إجابة أسئلة عادل إمام كما جاء بفيلمه “الإرهاب والكباب” ورفض أن يساعد المسكين في مسألة نقل أولاده من إحدى المدارس البعيدة عن سكنه إلى أخرى قريبة، عندما حان أذان الظهر وهو يأكل الكباب رفض أن يصلي ويترك أكلة الكباب، مما دعى عادل إمام أن  ينبهه إلى تلك الواقعة. والحقيقة أنا لا ألوم هذا الملتحي المصري وهو في مصر من أن يتوقف عن العمل لأداء الصلاة في مكتبه، تلك المكاتب التي تحولت الى أماكن للعبادة والصلاة وتلاوة الأدعية والترويحات، مادام الملتحون المصريون في السفارة المصرية في واشنطن وكاليفورنيا يعملون بنفس العقلية هذا الأمر. فإذا اتصلت بالسفارة المصرية هناك ما بين الثانية عشر والواحدة ظهراً قالت لك السكرتيرة الأستاذ المسئول عن هذا الموضوع بيصلي، وليس من المهم من هو الأستاذ أو ما هو نوع طلبك، المهم أن موضوعك مع الأستاذ الذي يصلي.

والعجيب أن هذا الأستاذ وأمثاله من الأساتذة الذين في مصر هم أنفسهم الذين يدمرون بيوت الله في الأرض الكنائس ويمنعون من فيها من الصلاة وذكر اسم الله تبارك اسمه. ترى ماذا يكون رد فعل رئيس العمل المسلم إذا قال له موظف مسيحي عنده بعد إذنك أنا رايح أصلي، أو فرد حصيرة صغيرة في ركن من أركان المكتب أو في طرقة من الطرقات، ورفع يديه وبدأ يصلي، ماذا يمكن أن يعمل مواطن مسلم إذا سأل عن موظف مسيحي وقيل له تعالى “بكره” الأستاذ جرجس بيصلي دلوقت، الصلاة يا سادة هي صلة بين الإنسان الجاهل الحاقد الكاره وبين الله المحبة ومن قال إنه يحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب وهو لا يعرف الله كما علمنا تنزيل الحكيم العليم.

لقد صور وجسم لنا عادل إمام في فيلمه الإرهابي كمية الكره والبغضة تلك التي يمارسها البعض باسم الدين ضد المسيحيين وكيف أن تعليم الأصوليين أن مال النصارى ونساءهم غنيمة للمسلمين، وليس النصارى فقط، بل المسلمين الذين لا يقبلون تعاليمهم كفرهم الإرهابيون ودعوا لسرقة أموالهم وهتك أعراضهم. كيف يحرض بشر ما الآخرين باسم الدين على السرقة والنهب والسلب وهتك العرض، كيف يفسر أولئك الإرهابيون تعاليمهم ونصوصهم فيدفعون الناس لارتكاب الجرائم باسم الدين، لقد قال سيد كل الأرض أنه تأتي ساعة حين يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله.

من أين جاءت تعاليم الحسد والغيرة والبغضة والكراهية ضد المسيحيين، لقد ظهرت هذه كلها في ذلك المشهد الذي عرف فيه عادل إمام أن الطفلة الصغيرة التي تأتي إلى ذلك البيت الذي كان يقيم فيه مسيحية، وكيف كان إشمئزازه من رؤية الصليب على صدرها، طفلة برئية لم تختر أن تكون مسيحية أو مسلمة كما لم يختر أحدنا دينه وهو طفل، طفلة لا تعرف الحقد والكراهية، يكرهها هذا الإرهابي لا لشيء إلا لأنها مسيحية.

إن تعظيم السلام يستحقه عادل إمام لأنه نقد نفسه ومجتمعه ودينه بنفسه وكان منصفاً في فيلمه الإرهابي مؤكداً لحقيقة يتمتع بها جل المسيحيين الذين يعيشون في بلاد إسلامية وهم أنهم أمناء وليسوا خونة ولا غادرين، فعندما اختبأ هذا الإرهابي في بيت المسيحي وجاء البوليس ليبحث عنه لم يسلمه لهم، وعندما أصابته نوبة المغص الكلوي التي كادت أن تودى بحياته تطوع هذا المسيحي بأن يحقنه بالمسكن الذي كان لديه في البيت، وعندما نظر إليه عادل إمام نظرة شك طمأنه وقال له ماتخفش وأنقذه من آلامه مع أنه كان بإمكانه أن يتركه يتألم حتى الموت، ذكرني هذا المشهد بحديث أجريته مع إحدى ضحايا أحداث الكشح وهي ترقد مصابة بطلق ناري في ظهرها أدى إلى أعراض الشلل على كلتا رجليها، قلت لها يا مريم هل تكرهين المسلمين الذين قتلوا أمك وحرقوا بيتكم وقد كانوا السبب في شلل رجليك، يومها كنت أنا وأخواها وهي في حجرة مغلقة فكان بإمكانها التعبير عن نفسها حتى ولو كان سلبياً وغاضباً دون خوف، ابتسمت وقالت لي: “لا” لقد علمنا المسيح أن لا نكره بل أن نحب حتى أعداءنا ومضطهدينا زي ما هو محب علمنا أن نحب، قلت وقد أصابتني غصة في حلقي وكدت أبكي، لو قلت لك وجهي كلمة لأولئك الذين حرقوا بيتك وقتلوا أمك وأصابوك بالشلل فماذا تقولين؟ لم تتردد لحظة وقالت بكل بساطة أقول لهم: “يا ريت تعرفوا المحبة الموجودة في شخص المسيح وتتعرفوا عليه” ولم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء، وقلت بأعلى صوتي آمين.

إن آخر ما أقول في هذا المقام أن عادل إمام يستحق تعظيم سلام لأنه حذر وجسم الحقيقة الثابتة أن كثرة الاضطهاد والمعاناة ستحول الحملان إلى أسود والبسطاء إلى حيات تلدغ كالأفعوان وستجبر اولئك الذين يحتمون بمناصبهم وكراسيهم وأموالهم أن ينزلوا للشارع ويواجهوا حالة الفوضى والإرهاب التي تتفاقم في بلادنا العربية، فماسح الأحذية الذي هرب من كلام الناس بسبب علاقة أخته المذمومة بشاب في قريته في فيلم الإرهاب والكباب، وعسكري المراسلة الذي كان سيادة اللواء يضربه ويسبه بأمه، وعادل إمام الذي تعب من محاولاته الفاشلة في حل موضوعه في مكاتب مجمع التحرير، كلهم اتحدوا معاً، ليقولوا كلمتهم وليسمعوا الإذاعات والفضائيات والحكومات أصواتهم ويصفوا الاضطهاد الذي يعانون منه وأجبروا سيادة الوزير على أن يأتي لهم بكفتة وكباب، وربنا يستر فهو الخالق الوهاب، حقيقي حقيقي تعظيم سلام لعادل إمام.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا