المجاعة وكيف تنجو منها

3

العدد 155 الصادر في أغسطس 2018
المجاعة وكيف تنجو منها

واحدة من أكثر الإجابات التي اسمعها من المصريين عامة، على اختلاف مستوياتهم العلمية والاجتماعية والمادية، عند سؤالهم السؤال التقليدي: ”إيه الأخبار؟“، حتى لو لم أكن أقصد بالفعل سؤال مقابلي عن أخباره الشخصية، لكنه التعود!!، كما يحدث في بداية كل لقاء أو حديث بين شخصين، فيبدأ الحديث بسؤال تقليدي عن الأحوال والأخبار، وعادة ما تكون الإجابة الأولى عند الغالبية العظمى من العامة هي ”الحمد لله“ وعند المسيحيين الكنسيين، أي رواد الكنائس، حتى لو لم يكونوا مؤمنين حقيقيين بالمسيح، تبارك اسمه، عادة ما تكون الإجابة ”نشكر الله، أو نشكر ربنا“، أما المؤمنون الحقيقيون فعادة يجيبون: ”نشكر الرب، أو الرب طيب أو قولوا للصديق خير“ وغيرها من العبارات المحفوظة والمعدة مسبقًا كإجابة على السؤال حتى قبل أن تسأله والتي لا تدل في الغالبية العظمى منها على مدى روحانية الشخص مجيب السؤال أو حتى إذا كان حقًا يشكر الرب أم لا، والدليل على ذلك أن الإجابات السابقة على اختلافها يعقبها مباشرة في أغلب الأوقات القول، كل شيء أصبح غاليًا، والمقصود بغالٍ هو كثير الثمن أو المبالَغْ في ثمنه، أو “الأسعار بقيت نار”، أو “الناس مش لاقية تاكل”، وبعضهم يدخل في تفاصيل دقيقة عن أسماء وأسعار السلع الغذائية ويسرد لي أثمان الكثير منها وعلى رأسها بالطبع اللحمة، حيث أننا شعب يعشق أكل اللحوم، ويتعامل مع سعر اللحمة كما لو كان مستخدمًا ومعادلاً، في الأسواق العالمية، لسعر الذهب أو الدولار أو سعر البترول أو أسهم الشركات في البورصة، ثم يعقب سعر اللحمة مباشرة سعر السكر والشاي والأرز وغالبًا ما تختم القائمة بالقول: ”دا حتى سعر العدس والفول المدمس أصبح بكذا!“ بالطبع لأهمية العدس والفول القصوى لنا نحن المصريين الغلابة. وعند ذكر كل نوع من أنواع هذه المواد الغذائية دائمًا ما تسمع اسم السلعة يعقبها كلمة كان بكذا وبقي بكذا، مثال على ذلك أن يقال لك السكر كان بـ٤ جنيه وأصبح بـ١٦ جنيه وغالبًا ما يكمل المتحدث الصورة القاتمة بالقول: ”ويا ريت حد لاقيه في الأسواق“، وبالطبع لابد للسائل أن يتفاعل ويثبت للمتحدث أنه يفهمه جيدًا ويقدر معاناته ومعاناة المصريين من غلو الأسعار، حتى لو لم يكن يشعر بمعاناة الآخرين، لسبب أو لآخر، ثم يأتي السؤال التقليدي الثاني: ”أومال الناس إزاي عايشه وبتجيب فلوس منين تاكل؟“، فيبدأ المجيب بسلسلة من الإجابات تُدْخِل السائل في حالة من الإحباط والاكتئاب وتجهض الحديث وتنهي الحوار، ويخيم الوجوم على الوجوه، وتكون الإجابة: ”ومين قال لك إن الناس عايشة، دي عيشة دي، بتسمي دي عيشة؟!“ أو ”أهو ناس بتسرق علشان تعيش وناس بتاخذ رشاوي من ناس تانية، وناس بتاكل مرة واحدة لحمة في الشهر أو في السنة، أو ربنا يخلي لنا الفول المدمس والعدس حتى لو أسعارهم ارتفعت وولعت أهم في النهاية أرخص من غيرهم وما إلى ذلك من إجابات“.  فتضطر أنت أن تنهي هذا الحوار الكئيب بعبارة مثل: ”فين أيام زمان كانت البيضة بقرش وكيلو اللحمة بـ٥٦ قرش والعدس بـ٤ صاغ، هيه ربنا يتولانا جميعًا، دي آخر الأيام لما نشوف آخرتها!“.

ينتهي هذا الحوار المحزن الكئيب دون أن يفكر أحد في أسباب هذا الغلو في الأسعار أو قل هذه المجاعة وهذا القحط الذي نحن فيه مقيمون، وبالتالي لا يفكر أحد أن هذه المجاعة أو القحط يمكن أن يُعَاَلج أو ينتهي، وبالتالي أيضًا لا يفكر أحد باتخاذ أية خطوات عملية محددة لعلاج هذه الحالة، فتصبح التمنيات والتوقعات أو تصريحات المسؤولين عن البلاد، والذين عادة ما يستخدمون تعبيرات خطابية حماسية مثل ”أزمة وهتعدي”، أو “إحنا بنعمل اللي علينا وأنتم لازم تصبروا”، أو “لابد من أن يعمل كل منا دوره الشعب والحكومة”، أو “لابد من ربط الحزام في هذه الأيام حتى نحصل على القرض من البنك الدولي“، وغيرها من الأقوال المأثورة التي تعودنا على سماعها منذ عشرات السنين، وتصبح هذه الأقوال والشعارات كلها هي الأمل الوحيد في الإصلاح والخروج من هذه المجاعة.

وللتعامل مع قضية المجاعة أو القحط أو الغلاء الفاحش الذي أصاب ليس مصر وحدها، بل العالم أجمع، وبالتالي مصر كدولة، والمصريون كأسر وعائلات على اختلاف أديانهم وخلفياتهم وانتماءاتهم، لابد من إدراك أن وجود مجاعة في بلد ما لا يمكن دراسته وعلاجه كظاهرة أو حالة خاصة تمر بها بلد أو قارة أو حتى العالم كله بعيدًا عن ما للجانب الديني أو الروحي من تأثير، ولا ينفع في قليل أو كثير اعتبار أن ظاهرة المجاعة مجرد شيء مادي علمي بيئي لا علاقة له بالحالة الروحية للفرد أو الجماعة أو الدولة ككل، وحتى لو كان الأمر مجرد حدث طبيعي بيئي، فالتغلب عليه والخروج منه يمكن أن يحدث إذا ما صلى وطلب المؤمنون الحقيقيون بالمسيح أن ينهيه، بالطبع بعد دراسة علمية وروحية وتوبة وعمل ما يطلب منا القدير عمله لإنهائها، لأن المجاعة التي يرسلها سبحانه على الأرض هي عار على الدولة وسكانها وخاصة من شعب الله وفقًا لما دونه الوحي الكتابي الكريم: ”وأخلصكم من كل نجاساتكم وأدعو الحنطة وأكثرها ولا أضع عليكم جوعًا. وأكثر ثمر الشجر وغلة الحقل لكيلا تنالوا بعد عار الجوع بين الأمم. فتذكرون طرقكم الرديئة وأعمالكم غير الصالحة وتمقتون أنفسكم أمام وجوهكم من أجل آثامكم وعلى رجاساتكم“.

لذا فلابد من  دراسة عدة عناصر لعلاج المجاعة:

١- لابد من دراسة ما كانت فيه مصر بالذات من رخاء ومكانة دولية فيما يتعلق بالخير والعطاء وما أصبحت عليه اليوم من احتياج.

٢- لابد من تحليل الأسباب التي أدت إلى ما أصبحت عليه مصر اليوم وسط العالم ككل فيما يتعلق بالموارد والخير والرخاء.

٣- لابد من معرفة ما إذا كان هناك علاج لحالة المجاعة والقحط الذي تمر به مصر واكتشاف العلاج المناسب لها. ودراسة بعض الطرق التي استخدمها الأولون سواء أكانت طرقًا علمية أو كتابية سليمة لإنهاء المجاعة في أوقاتهم أم طرقًا إنسانية خاطئة زادت من جوعهم وعطشهم وأفقدتهم أو كادت تفقدهم هوياتهم وزوجاتهم وعائلاتهم وكل مقتنياتهم.

٤- لابد من دراسة الكلمة المقدسة ومعرفة إذا ما مرت مصر أو غيرها من البلاد من قبل بمثل ما نمر به اليوم ومعرفة الأسباب التي أدت بتلك الدول في القديم للدخول في مثل هذه المجاعة والطرق الإلهية الكتابية للخروج من حالة القحط والمجاعة والتي سبق القدير، تبارك اسمه، واستخدمها لإخراجهم منها.

وفي كل عنصر من العناصر الأربعة السابقة الذكر، هناك تفاصيل كثيرة ينبغي أن يلم بها الخلق إذا ما كانوا حقًا يبغون إنهاء مجاعتهم وهم جادين في سعيهم طلبًا للإصلاح وتغيير الأمور، فعلى سبيل المثال:

أولاً: بالنسبة لما كانت عليه مصر في القديم بين الدول، نرى أنه منذ أن خلق القدير مصر وكونها في مكانها حسب علمه السابق، أحاطها بكل أنواع الخيرات والثروات، سواء أكانت الثروات الزراعية، أو السمكية، أو المعدنية أو حتى الطبية والعلاجية والأمنية وأودع بها سبحانه ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ، تلك التي كانت تجذب سكان الأرض كلها إلى مصر، حتى إنها كانت الملجأ والملاذ لكل غريب ومحتاج باحث عن الأمن والأمان. مما جعل المولى يصفها في كتابه العزيز، الكتاب المقدس، بأنها كجنة الرب، في قوله تعالى وتنازل إلينا، في (تك  13: 10) ”فرفع لوط عينيه ورأى كل دائرة الأردن أن جميعها سقي، قبلما أخرب الرب سدوم وعمورة، كجنة الرب، كأرض مصر. حينما تجيء إلى صوغر“.

وجعل المولي أيضًا في حكمته المتناهية أن يرسل إليها الطفل يسوع المسيح تبارك اسمه، وأمه وزوجها يوسف إلى مصر لطلب الأمن والأمان والاحتماء بأرضها من بطش أعدائه.

كذلك لجأ إليها إبراهيم أبو المؤمنين ويعقوب والأسباط وغيرهم، حتى إن شعب إسرائيل بعد خروجهم من مصر، وبالرغم من كل ما عانوه فيها من اضطهاد وعذاب قالوا لكليم الله موسى: “ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزًا للشبع. فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع“. وبعد قرون هذه عددها، قال بنو إسرائيل لنبي المولى إرميا عندما طلب منهم، بأمر من الله، أن لا ينزلوا إلى مصر، بل أن يبقوا في أورشليم أو ينزلوا لملك بابل عندما حاصرهم، قالوا له في إرميا  42: 14 : ”لا بل إلى أرض مصر نذهب، حيث لا نرى حربًا ولا نسمع صوت بوق ولا نجوع للخبز وهناك نسكن“.

ثانيًا: أما الأسباب التي أدت إلى ما أصبحت عليه مصر اليوم وسط العالم ككل، فلابد من دارستها تاريخيًا وعلميًا ومنطقيًا والأهم من هذا كله ”روحيًا“، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

١- هل هذه المجاعة التي تمر بها مصر هي محلية مركزية خاصة بمصر وحدها أم هي مجاعة دولية عالمية؟، فمن الواضح أن الأمر ليس مصريًا فقط، بل ممتد إلى كثير من بلدان العالم.

٢- هل هي بسبب رخاوة المصريين وكسلهم وعدم تعودهم على العمل الشاق والسعي الدؤوب لتحسين أحوالهم المعيشية، ولعلهم مازالوا ينتظرون تعيين القوى العاملة، كما كان الحال في أيامنا الجميلة الخوالي، ومطالبة الحكومة بإيجاد فرص عمل لهم أو فتح باب العمالة في دول أخرى خارج مصر وما إلى ذلك من أسباب؟  فيعلمنا تنزيل الحكيم العليم في سفر الأمثال: ”الكسل يلقي في السبات والنفس المتراخية تجوع“

٣- هل هذه المجاعة وغلاء الأسعار بسبب عدم المعرفة المتفشي بين المصريين في كيفية زيادة دخولهم بطرق شرعية وتعلم مهارات خاصة أو حرف مختلفة أو دراسات تأهيلية لتغيير مستواهم المادي وروتين حياتهم؟  وفي هذا يقول الكتاب المقدس في( إش 5: 13) ”لذلك سبي شعبي لعدم المعرفة وتصير شرفاؤه رجال جوع وعامته يابسين من العطش“.  وبدلاً من كل هذا قد يصل بهم الأمر إلى أن تكون ردود أفعالهم أنهم يحنقون على المسؤولين ويسبون ليس فقط ملكهم أو رئيسهم، بل وإلههم أيضًا كمن قال عنهم الكتاب المقدس في (إش8: 21) ”فيعبرون فيها مضايقين وجائعين ويكون حينما يجوعون أنهم يحنقون ويسبون ملكهم وإلههم ويلتفتون إلى فوق.”

٤- هل هذه المجاعة بسبب خطية أو شر أو أخطاء وتصرفات وحماقات المسؤولين عنهم وعن بيوتهم وإدارة بلادهم؟، كما حدث مع داود الملك في القديم عندما أخطأ شاول ملك إسرائيل الأول وقتل الجبعونيين وهم أصحاب عهد معه، فعاقبه وعاقب بلاده الرب كما كتب في 2صم23: 1 “وكان جوع في أيام داود ثلاث سنين سنة بعد سنة فطلب داود وجه الرب. فقال الرب هو لأجل شاول ولأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين“. وهكذا كان الحال في المجاعة التي مر بها الشعب القديم أيام أخآب الملك الشرير وبسبب تصرفاته الشريرة مما اضطر إيليا النبي أن يصلى أن لا تمطر السماء، فلم تمطر ثلاث سنين وستة أشهر.

٥- هل هذه المجاعة بسبب خطية وشر المصريين أنفسهم عامة والمؤمنين بالمسيح تبارك اسمه، ربًا وإلهًا خاصة؟، ففي خطية عامة المصريين يقول تنزيل الحكيم العليم  في إر 44: 13: ”وأعاقب الذين يسكنون في أرض مصر كما عاقبت أورشليم بالسيف والجوع والوبأ.”.  وفي شعب الله النازل إلى مصر أو المقيم في مصر يقول إرميا42: 16

”يحدث أن السيف الذي أنتم خائفون منه يدرككم هناك في أرض مصر والجوع الذي أنتم خائفون منه يلحقكم هناك في مصر فتموتون هناك“.

٦- هل هذه المجاعة بسبب وجود شعب الرب في مصر في المكان الخطأ، سواء أكان حرفيًا أم معنويًا أو روحيًا أو عقائديًا وخلافه؟، كما جاء في القول الكتابي لحزقيال نبي القدير: ”وكانت إلي كلمة الرب قائلة. يا ابن آدم إن أخطأت إلي أرض وخانت خيانة فمددت يدي عليها وكسرت لها قوام الخبز وأرسلت عليها الجوع وقطعت منها الإنسان والحيوان وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة نوح ودانيآل وأيوب فإنهم إنما يخلصون أنفسهم ببرهم يقول السيد الرب” (حز 14: 12- 14).

٧- لابد أن يميز الأتقياء إن كانت المجاعة التي يمرون بها بسبب غضب الله على شعبه المسيحي المؤمن الحقيقي في مصر، وخلطهم التبن مع الحنطة، المسيح مع بليعال، الترانيم والتواشيح، التعاليم المسيحية مع الصوفية، الاحتفال بالمولد والميلاد، والتشكيك في الميلاد العذراوي للمسيح، والتشكيك في وحي وعصمة الكتاب المقدس، والتشكيك في الآيات والمعجزات، خلط مكانة المسيح، خالق النور، المساوي للآب في الجوهر ومكانته التي لا يدانيها أحد مع مكانة القديسين المخلوقين من تراب، أو بسبب انقسام الكنيسة بعضها ضد بعض وصراعها على من يكون الأول، أو بسبب ارتداد الكنيسة عن الحق الإلهي ودخول كثير من العبادات الوثنية وبالتالي الشيطانية بها، وربما تكون المجاعة لعدم تنفيذهم للوصية الكتابية ”إذا تواضع شعبي الذين دعي اسمي عليهم وصلوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فإني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم“،  أو عقابًا من  القدير لأرض مصر بسبب سحر الفراعنة الذي مازال يتوارثه البعض من المصريين وما زال يعلن عن نفسه في كثير من بيوت قرى الصعيد، أو بسبب قتلها للأبرياء منذ أن أعطى فرعون مصر أوامره للقابلتين اللتين كانتا تولدان العبرانيات،  أيام ميلاد نبي الله موسى، بأن يقتلا كل ابن ذكر تلده العبرانيات، أو إلقائه في النيل، وعدم التوبة المصرية الجماعية عن هذه الحادثة، مرورًا بدماء الأطفال الأبرياء الذين قتلوا ويقتلون والتي تسفك وسفكت دماؤهم إرضاء للآلة الغريبة الشريرة،  وشهداء الكنيسة الذين أعدموا في مصر على يد الأباطرة والقياصرة وصولاً لأيامنا هذه وسفكها للدماء البريئة من المصلين بالكنائس والمسالمين من العامة  كما جاء في قوله تعالى لبني إسرائيل محذرًا في تث 28: 48 ”تستعبد لأعدائك الذين يرسلهم الرب عليك في جوع وعطش وعري وعوز كل شيء. فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك“. وغيرها الكثير الكثير مما لا يتسع له المجال.

ومهما كان السبب أو الأسباب التي تؤدي إلى مجاعة الفرد أو الأسرة أو البلد أو حتى العالم، فالقول الفصل في هذا الأمر هو أنه لابد من سؤال الله بضمير صالح عن سبب المجاعة الحقيقي وليس ما يفتي فيه كل على هواه، أو يحاول أن يقنعنا به، من المسؤولين الحكوميين أو أولي الأمر من رجال الدين أو حتى العلماء المخلصين الذين يستخدمون الوسائل العلمية فقط في محاولات جادة لإيجاد أسباب وعلاج لهذه المجاعة بعيدًا عن الجانب الروحي في هذا الأمر.

ولكل من العامة من خلق الله تصرفه ورد فعله عندما يتعرض لنقص الموارد المادية أو يجوع أو يعطش:

ا- البعض يحلل لنفسه، بسبب الجوع والعطش والمجاعة، ما حرمه المولى تبارك اسمه، في كتابه الكتاب المقدس من حسد وغيرة لمن لديهم ما ليس لديه، ويحلل الرشوة والكذب والسرقة وما إلى ذلك ويتخيل أو يعتقد أن الضرورات يبحن المحظورات، لكن تعاليم المولى الصحيحة المدونة في كتابه التوراة والإنجيل تقول: ”لا يستخفون بالسارق ولو سرق ليشبع نفسه وهو جوعان. إن وجد يرد سبعة أضعاف ويعطي كل قنية بيته“.

٢- بعضهم ينزل إلى بلد غريب، غير بلده الذي وضعه المولى به، للبحث عن الطعام والماء والهروب السهل من المجاعة، وهذه النوعية تنقسم إلى:

أ- قسم يترك دياره ويرحل إلى بلد آخر دون أن يسأل المولى إذا ما كان موافقًا على هذا النزول أم لا، تمامًا كما نزل أبونا إبراهيم في القديم أو حسب التعبير الكتابي ”انحدر إبراهيم إلى مصر“ وهناك كاد يفقد حياته، وأخذت منه زوجته، ولولا تدخل القادر على كل شيء لوجدها بين أحضان رجل آخر وهو فرعون البلاد.

ب- أما القسم الثاني فهم أمثال إسحق بن إبراهيم الذي كاد أن ينزل إلى مصر كأبيه في وقت المجاعة التي حدثت في أيامه، لكنه سأل الرب وانتهى أن لا ينزل إلى مصر بأمره تعالى كما فعل والده.

ج- أما القسم الثالث فيكلمه الله، أمثال يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الله،  فمكتوب عنه: ”فكلم الله إسرائيل في رؤى الليل وقال: يعقوب، يعقوب!. فقال: هآنذا. فقال: أنا الله، إله أبيك. لا تخف من النزول إلى مصر، لأني أجعلك أمة عظيمة هناك. أنا أنزل معك إلى مصر، وأنا أصعدك أيضًا. ويضع يوسف يده على عينيك”.

٣- بعضهم ينزل إلى بلاد أعداء شعب الله بحثًا عن الخروج من المجاعة، وبالفعل تنفرج الأمور معه أو معها قليلاً، فيقيم في بلاد الأعداء ويزوج أولاده من بنات أولئك الذين حرم المولى التزاوج معهم بنصوص كتابية صريحة واضحة، كما حدث مع نعمي امرأة أبيمالك أم كليون ومحلون المذكورة في سفر راعوث. والتي عادت إلى موطنها من بلاد موآب بعد أن فقدت رجلها وولديها.

وفي النهاية أضع بعض التحذيرات والأشياء العملية التي تساعدك على عبور المجاعة:

١- إن كنت ابنًا لله واثقًا أنك عضو في جسد المسيح لا تستسلم للأمر الواقع وترضى بالمجاعة وتقبل العيش تحت عذابها للأسباب الآتية:

أ- في كل المجاعات التي مرت بمصر قديمًا لم يحتج الكهنة إلى الطعام لأنه كان لهم حصة من الفرعون ليحيوا بها حياة كريمة بعيدة عن الاحتياج، لا لشيء إلا لأنهم كهنة، وأنت وأنا ملوك وكهنة لله أبي ربنا يسوع المسيح تبارك اسمه، فإن كان كهنة الأوثان لهم حصة من الفرعون الظالم، فكم يكون كهنة الله العلي مالك السماء والأرض؟!  فهذه لك من وعود الله:

أي 5: 20 ”في الجوع يفديك من الموت وفي الحرب من حد السيف“. مز 37: 19 ”لا يخزون في زمن السوء وفي أيام الجوع يشبعون“. إش 49: 10 ”لا يجوعون ولا يعطشون ولا يضربهم حر ولا شمس لأن الذي يرحمهم يهديهم وإلى ينابيع المياه يوردهم“. لو12:29-31 “فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون ولا تقلقوا 30 فإن هذه كلها تطلبها أمم العالم. وأما أنتم فأبوكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه. 31 بل اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم”. يو 6: 35 فقال لهم يسوع: «أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا.

٢- ابحث أمر احتياجك مع الله واعلم ما هو سبب المجاعة التي تعيشها واجعل طريقك كاملاً في المسيح، اسمع لصوته ولا تنزل إلى أرض الأعداء كإبراهيم وسارة ونعمي وأليمالك.

٣- أخرج من صندوق حياتك كما تعودت أن تحيا فيه، ادرس وتعلم شيئًا جديدًا، تغير عن شكلك بتجديد ذهنك، واذهب ذهابًا، حتى بالبكاء، حاملاً مبذر الزرع لأنه مجيئًا ستجيئ بالترنم حاملاً حزمك.

٤- في يوم الخير كن بخير وفي يوم الشر اعتبر، ادخر في سني الإثمار لسني المجاعة، لكن لا تضع قلبك على أموالك، ولا تظن أن شبعك في مصر أو أنها ستحميك من الجوع، فمن يتكل على غير القدير وخاصة مصر كمن يتكأ على عكاز مكسور فسيخترق كتفه.

٥- شارك الآخرين بما أحسن به الله إليك مهما كان قليلاً، فسيزداد ما عندك ولن تحتاج أبدًا.

٦- تمسك بالوعود الكتابية فستتحقق وإن توانت فانتظرها لأنها تأتي إتيانًا ولا تتأخر.

٧- لا تسمح للجوع والعطش أن يفصلاك عن المسيح، فهو مصدر الشبع الحقيقي كما جاء في القول رو 8: 35: “من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟”.

٨- اجعل الرب وحده متكلك ”مبارك الرجل الذي يتكل على الرب وكان الرب متكله. فإنه يكون كشجرة مغروسة على مياه وعلى نهر تمد أصولها ولا ترى إذا جاء الحر ويكون ورقها أخضر وفي سنة القحط لا تخاف ولا تكف عن الإثمار“ (إر17: 8).

٩- اعلم أن المسيح يسوع هو الخبز الحقيقي، ليس روحيًا فقط، بل وزمنيًا أيضًا، فقد قال عن نفسه يو 6: 35: “فقال لهم يسوع: «أنا هو خبز الحياة. من يقبل إلي فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا“.

١٠- بعد أن تتمم كل ما سبق، عش منتظرًا تحقيق الوعد للسكنى مع القدير، حيث يقول الكتاب في رؤ 7: 16: ”لن يجوعوا بعد، ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر“.

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا