العدد 88 الصادر في يناير 2013 الشعب يريد تغيير النظام
لا شك أن شعار “الشعب يريد تغيير النظام” كان ولا يزال هو الشعار الأشهر الذي استخدمه الثوار في الانفجار الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق مبارك، وليس في مصر وحدها، بل في كل الدول العربية التي مرت أو لا تزال تمر لتغيير قادتها وأنظمتها. فملايين من الناس كانت ولا تزال تهتف في بقاع كثيرة من الوطن العربي “الشعب يريد تغيير النظام”. وحيث إننا شعب عربي قد اعتاد أن لا يستخدم عقله في مرات كثيرة، فهو يقول الشيء دون وعي أو تفكير، وكأنه في غيبوبة دماغية، ولا يبدأ التفكير فيما قال إلا بعد وقوعه في مشاكل لا حل لها قد تفيقه من غيبوبته، وعندها فقط قد يسعدنا الحظ بأن نبدأ في التفكير لنعرف معنى وصحة ما قلنا أو طلبنا أو عملنا، وقد لا يسعدنا الحظ لقرون طويلة فلا نفكر ولا نناقش ولا نجادل. ففي رأينا المفكرون هم المناقشون والمجادلون وبالتالي فهم المعترضون والرافضون، إذاً فهم أعداء الدين والأمير والرئيس، وبالتالي فهم الفلول وهم المغضوب عليهم والضالون.
وأمام كل ما يحدث مجدداً في مصر وخاصة بعد الخطوة الأخيرة التي قيل فيها أن الشعب اختار أن يقول نعم للدستور، وحيث إنني أحاول التفكير فيما يحدث حولي واستخدام هذا العضو، الصغير الحجم والكبير في الفعل، الذي منحني إياه تبارك اسمه في جسدي وهو المخ، تفكرت في هذا الشعار الأشهر “الشعب يريد تغيير النظام” ورأيت أن أحلله وأتأمل في مكوناته، وأرى ما هي الوصفة السحرية في هذا الشعار، الذي كان سبباً في تجمع والتصاق الناس بعضها ببعض في ميدان التحرير حتى أطاح الشعب بمبارك وحكومته.
وما أن بدأت التفكير في هذا الشعار إلا وطفت على سطح عقلي عشرات الأسئلة التي تتعلق بتعريف كل كلمة في هذا الشعار، وإذا كانت قد فُهمَتْ من جميع الذين كانوا يستخدمونها، والنتائج المترتبة على استخدامها. ووجدتني أفكر في كلمة الشعب، وهي أولى كلمات الشعار، وتساءلت، من هو الشعب الذي كان يريد تغيير النظام، وما تعريف كلمة الشعب، فهل من خرجوا في ثورة 25 يناير كانوا هم الشعب المصري حقيقة، فالشعب في أية أمة هو مجموع الأفراد المنتمين لهذه الأمة، سواء أكانوا مولودين فيها أو المتجنسين بجنسيتها، مع اختلاف خلفياتهم وأديانهم وأصولهم العرقية أما المستعمرين لأي بلد، حتى ولو تم هذا الاستعمار من أكثر من أربعة عشرة قرن، فهم لا يمكن عدهم من أصل الشعب لهذه الأمة، مها طال زمان استيطانهم للأراضي المحتلة، فمع أن إسرائيل تتواجد في أراضي، كانت منذ البدء أراضي الفلسطينيين، ومهما طال زمان بقاءها، فستظل كلمة الشعب الفلسطيني كلمة لم ولن تشمل الإسرائيليين، والعكس صحيح، فما يعرفونهم بعرب 48 أي الفلسطينيين الذين قبلوا الحصول على الجنسية الإسرائيلية سنة 1948 لا يمكن القول إنهم يعدون من الشعب الإسرائيلي. وبالتالي فمن هو الشعب الذي أراد تغيير النظام، هل هم المسيحيون أصحاب مصر قبل الاحتلال الإسلامي لها، أم هم المسلمون الذين احتل أجدادهم مصر، وإن قلنا إن المسلمين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الشعب المصري، فيبقى السؤال من هو الشعب الذي أراد تغيير النظام، هل هم الإخوان المسلمون الذين ما انضموا إلى الثورة إلا بعد تأكدهم من عدم إمكانية مبارك ورجالاته من الصمود ضد إرادة المتظاهرين، أم السلفيين الذين لم يكن صوتهم يسمع إلا عند ممارسات العنف والقتل والإرهاب وأدوار يطلب منهم القيام بها من مباحث أمن دولة مبارك، كالهتاف ضد المتنيح البابا شنودة، أو على أختهم كاميليا وغيرها، أم أن الشعب هم الفقراء والمحتاجين المغيبين الذين لم يكن لديهم ما يخسرون إن هم أقاموا في ميدان التحرير لعدة أسابيع، فهم في النهاية لا يجدون عملا صالحا يضمن لهم مدخول يمكنهم من تربية أولادهم والعناية بهم، بل وهم جياع حتى إلى الخبز الذي شح ولم يعد في متناول الفقراء بينما الأغنياء يستخدمونه في إطعام مواشيهم وأغنامهم وغيرها. وإن قلنا أن الشعب الذي أراد تغيير النظام هم الإخوان والسلفيون والعامة والمفكرون والمسيحيون والمسلمين، وكل من يعيش على تراب مصر ويحبها لكان ذلك جميلاً حقاً أن يجتمع كل هؤلاء على مطلب واحد مهما كان هذا المطلب. أما الحقيقة الواقعة فإن كل فئة من الفئات التي ذكرتها سابقاً ترى أنها هي الشعب، وما عداها فلا، والدليل على ذلك فإن ما يقال اليوم عن نتيجة الاستفتاء على الدستور، وبالرغم من كل التزوير الذي لا يختلف عليه اثنان، حتى المزورين أنفسهم الذين يعلمون علم اليقين في دواخلهم أنه لولا تزويرهم لما كانت هذه النتيجة، يظل القول بأن الشعب قال نعم للدستور، تماماً كما قال الشعب نعم للاستفتاء على الدستور المؤقت، وكما قال نعم على سيادة الرئيس، وكما سيقول نعم على كل ما يريده النظام الحاكم في هذه الأيام إلى أن يقضي ربك أمراً كان مقضياً. إذًا فليس هناك تعريف واحد متفق عليه لكلمة الشعب، وهي الكلمة الأولى في شعار “الشعب يريد تغيير النظام”.
أما عن كلمة “يريد” وهي الكلمة الثانية في هذا الشعار السحري، فهل يعرف حقاً الشعب المصري، بفرض إننا قد اتفقنا على من هو الشعب المصري، الأمر الذي لن يحدث إلى قيام الساعة، هل يعرف حقاً ماذا يريد، هل كان الشعب يعرف بالضبط ماذا يريد عندما قام بما سمي بثورة 25 يناير. هل كانت هناك تصورات واضحة لما يطلبونه ومتى وكيف يمكن تحقيقه، هل كان الشعب يريد أن يطيح بنظام مبارك ويولوا عليهم النظام الإخواني، هل ما كان يريده الشعب ما هو حادث الآن في مصر، هل كان الشعب يريد دستوراً كهذا الذي يتهمونه بالموافقة عليه في الاستفتاء الأخير، هل كان الشعب يريد أن يعطي الدستور الجديد لرئيس الجمهورية صلاحيات أكثر مما كانت لمبارك في أيام كبريائه، بغض النظر عن من هو الرئيس ومن أية جماعة أو حزب هو. ما الذي كان يريده الشعب حقاً عندما قام بالتمرد الشعبي في 25 يناير، هل هذه التي تعيشها مصر الآن هي الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية التي كانت تهتف بها الجموع في كل ميادين مصر، والحقيقة أن من الواضح أن الكلمة الثانية من الشعار ليست ذات دلالة على الإطلاق، فما دمنا لا نعرف من هم الشعب فيصبح تحصيل حاصل أن لا يعرف هذا الموصوف بالشعب ماذا يريد وهذه حقيقة واقعة. ولنأتي الآن إلى الكلمة الثالثة في هذا الشعار “الشعب يريد تغيير النظام” وهي كلمة تغيير.
والتغيير كلمة يستخدمها كل من يقوم بحركة ثورية في أي مجال من مجالات الحياة، وخاصة في مجال الانتخابات والاستفتاءات وما يتعلق بالسياسة الدولية، فشعار الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما كان “نحتاج إلى تغيير” واستطاع أن يكسب معركتين انتخابيتين بهذه الكلمة، بغض النظر عن فوائد وأهمية هذا التغيير، المهم عند الشعوب أن يكون هناك تغيير، وأنا أدعو كل مصري اليوم أن يفكر بهدوء بينه وبين نفسه دون عصبية أو تحزب أو أنانية، ترى هل هذا الذي تعيشه عزيزي المصري الآن، هل هذا ما كنت تصبوا إليه من تغيير، وسؤال جرئ آخر، وبالرغم من كل ما كان لمبارك وحكومته من مساوئ لكن دعني أسألك، أيهما كان الأحسن في نظرك، هل ما كنت عليه في عصر مبارك أم ما أنت عليه اليوم من تغيير، وهل هذا هو التغيير الذي مات لأجله الشهداء وضحى المساكين بدمائهم في سبيله، وهل مازلت تتوقع تغييراً في مصر للأحسن، وإذا قلنا عفى الله عما سلف، فهل تعلم اليوم أنك في حاجة إلى تغيير ما هو قائم في مصر أم لازلت أيها الشعب المسكين ترى أنك قمت بتغيير الأوضاع، وهذا يكفي، وهل تعلم يا شعبي ما هو التغيير الذي تريد أن تحصل عليه، وهل لديك خطة واضحة للإعلان عنه والنضال في سبيل تحقيقه، وإن كنت حقاً تريد التغيير فماذا يمنعك عن تحقيق التغيير الذي تريد، هل تعبت من النضال لمدة سنتين، أم أنك تفتقد الآن إلى الحماسة والإصرار على التغيير، هل اكتفيت بتغيير القشور من الخارج، وأقنعت نفسك أنك قد غيرت الأمور. نعم يا شعبي لقد غيرت الواقع المصري للأسوأ، فلقد غيرت حكم العائلة الواحدة إلى حكم قبائل وعشائر وأحزاب، ولم تتحقق لك الحرية والعدالة الاجتماعية، غيرت حكم أهل الثقة العارفون في الإدارة والاقتصاد والسياسة وأمور الدنيا إلى حكم العارفون في أمور الآخرة، مع أنهم في غير اتفاق لما يعرفون وما يجهلون من أمور الآخرة، ولا يعلمون من أمور الدنيا إلا قليلاً، لقد غيرت حالة الاستقرار النسبي التي كانت مصر تعيشها في عصر مبارك داخلياً وخارجياً، حتى لو كانت قائمة على التخويف والتعذيب إلى حالة من الفوضى العارمة في الداخل والخارج، والحمد لله إنني قاومت مبارك وعائلته على صفحات هذه الجريدة حين كان رئيساً حتى لا يتهمني أحد أنني من الفلول، فما أنا إلا بمحاول لإيقاظ بني شعبي من المصريين المغيبين كصوت مبحوح صارخ في البرية، لقد غيرت يا شعب مصر العظيم علاقاتك الخارجية مع دول جوارك فأصبحت حماس هي شقيقتك التي لم تلدها أمك مصر لك، وأصبحت أختك غير الشرعية، هي أهم منك في العائلة، ولقد أصبحت شعباً سهلاً للالتهام لضعف قادتك وانصرافهم لتوطيد أقدامهم في الحكم إلى أبد الآبدين. ومما تقدم أنا أرى أن الشعب غير المعروف الهوية، يريد شيئاً لا يعرف ما هو بالضبط، وتغييراً لا يعرف معالمه.
أما الكلمة الرابعة في شعار “الشعب يريد تغيير النظام” وهي كلمة النظام، فلا تختلف عن سابقاتها في عدم فهمها وتحديد معالمها. فما هو النظام الذي قامت الثورة لتغييره، فالغالبية العظمى ممن يوصفون بالشعب في هذا الشعار يرون أن المقصود بالنظام هو حكم مبارك وعائلته وحكومته، لذلك رقص الناس في شوارع مصر لعدة ساعات عندما تخلى مبارك عن حكم البلاد، ظانين أنهم حققوا مطلبهم، ولذلك فلم يكن هناك في أذهانهم ما هو النظام البديل الذي كانوا يحلمون بأن يحل محل مبارك ونظامه، فهل كان الشعب يريد أن يحل نظام الإخوان محل نظام مبارك، وبذلك يكون قد تغير النظام، هل كان الشعب يريد تغيير نظام التعامل معهم من قبل مباحث أمن دولة مبارك والتعذيب المستمر بسبب وبدون سبب، هل كان الشعب يريد أن يغير نظام الحكم الليبرالي إلى النظام الديني، هل كان الشعب يريد تغيير نظام التعامل مع حماس وشركائهم، فما هو النظام بالضبط الذي قامت الثورة لتغييره، ومن الواضح أن هذا النظام الذي يذكره شعار “الشعب يريد تغيير النظام” شئ غير مفهوم في أذهان أولئك الذين رفعوه منذ أن رفع هذا الشعار.
أما إذا كان الشعب لا يعرف ما يريد من تغيير ولا يعرف ما هو النظام الواجب تغييره، لذا فعلى المثقفين والمفكرين وأهل الخبرة من المخلصين غير المغيبين من هذا الشعب المصري أن يعلموه ما هو النظام الذي ينبغي أن يريد، وأن يصر على تغييره. وهنا لابد أن يعرف الشعب أنه ينبغي أن يعرف ما يحتاجه لا ما يريده، فما يريده الشعب قد يكون أبعد ما يكون عن احتياجه الحقيقي فهناك فرق كبير بين ما يريده الشعب وما يحتاجه بالحقيقة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهل يحتاج الشعب إلى حكم الشريعة، إسلامية كانت أو غير إسلامية في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها مصر، فقد يكون ما يريده الشعب، بفرض أننا قد اتفقنا على من هو الشعب كما قلت سابقاً، هو تطبيق الشريعة الدينية، لكن هل يحتاج الشعب حقاً لتطبيقها حتى ينسى المغيبون كل ما تمر به مصر ويرفعون شعارات “الشعب يريد تطبيق شرع الله”. وماذا عن المسيحيين الذين يرون أن الشريعة الإسلامية من عند غير الله، وأن شريعتهم هي الإلهية السماوية، تماماً كما يرى المسلمون أن شريعتهم وحدها هي الشريعة الإلهية السماوية، وكل ما عداها فلا. وماذا عن العلمانيين المسلمين الذين يرون أن لا وجود لما يعرف بدين الدولة، ويجاهدون لكي لا تختلط الدولة بالدين، فيصبح الجميع من الخاسرين. إذًا، ففي رأيي أن النظام الذي يحتاجه هذا الشعب، حتى لو كان يريده أو لا يريده، هو النظام المدني لا الديني الذي يضمن التساوي والعدالة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع المصري، ولا يفرق بين رجل وامرأة، مسيحي أو مسلم، فقير أو غني، إلخ.
الشعب أيضاً يحتاج إلى تغيير النظام الديمقراطي الذي يعتمد فقط على صندوق الانتخابات، سواء أكان يريد ذلك أم لا، فكما قلت في كتابات عدة في الماضي أن هذا النظام الديمقراطي في بلد يكون فيها الأغلبية الساحقة من دين واحد، أو أنهم من الرجال الذين يؤمنون أنهم قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض درجات، وأن النساء ناقصات عقل ودين، وأن للذكر مثل حظ الأنثيين، يؤمنون بذلك دون المراعاة لحقوق الإنسان، ورأي الأقلية وشريعتهم وإيمانهم لن يكون بكافياً لتحقيق ما يريده الشعب، ولابد من أن يتغير هذا النظام إلى نظام يضمن حق الأقليات العرقية والدينية في هذا الشعب.
هل يريد الشعب تغيير النظام الجمهوري إلى نظام البيعة والخلافة؟
الشعب يحتاج إلى تغيير نظام تفكيره، إن أراد أو لم يرد، فنظام التفكير المصري يحتاج إلى تغيير جذري شامل، فلقد تم تغييب الشعب المصري منذ قديم الزمان، فعندما دخل الإسلام إلى مصر وبدأ في قمع كل العقول المفكرة بالإكراه والاضطهاد، وهذا تاريخ معروف من خلال كتابات المسلمين أنفسهم، استسلم الضعفاء والفقراء من المصريين لعنف وأفكار وأغراض الفاتحين، ومنهم من قبل الدين الجديد للخلاص من العذاب اليومي الذي مارسه الحكام عليهم. أما الأقوياء والأغنياء والمؤمنين الحقيقيين فقد رفضوا الاستسلام لواقعهم المرير، ومازالوا عبر كل هذه القرون يدافعون عن إيمانهم. وتكاثر المسلمون وأقنعوا أنفسهم أن مصر إسلامية، وأنها بلادهم ومن حقهم وحدهم إدارتها والتحكم فيها، وإن لم يعجب الأقباط الكفرة الحال فليغادروها إلى غير رجعة، وحتى الجماعة التي تحكم مصر هذه الأيام، كما جاء بجريدتهم “الدعوة” على لسان مفتي الجماعة، الذي لم يردعه أحد من الجماعة أو يوقف نشر هذه الفتوى، ترى أن الكنائس التي في مدن استسلمت لهم عند الفتح الإسلامي دون مقاومة تترك على حالها حتى تتهدم ولا يجوز ترميمها أو إعادة بنائها إن هي تهدمت من تلقاء نفسها، أما الكنائس التي في مدن لم تستسلم لهم فيجوز هدمها. والمناطق التي استحدثها المسلمون كالعاشر من رمضان وغيرها لا يسمح فيها ببناء الكنائس من أصله، وما دام هذا النظام الفكري قائم في مصر فلن تتقدم مصر إلى الأمام بل ستواصل تقهقرها في مواجهة التقدم العالمي. ويعوزني الوقت ومساحة النشر إذا تحدثت عن القليل من النظام الفكري الذي ينبغي أن يتغير في مصر، فالبلد التي تنفق من ميزانيتها على وزارة الداخلية والحربية أكثر مما تنفق على وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي لا يمكن أن تتقدم أبداً، ففي أيامي عندما كنت في الثانوية العامة كان أكثر الطلبة فشلاً في الحصول على مجموع درجات في الامتحان هم الذين يُقْبَلون في كليات التربية والمعاهد المؤهلة لإعداد المدرسين، ولم ترتفع درجات الداخلين إلى هذه الكليات إلا بعد أن توحش المدرسين في الحصول على المبالغ الخيالية لإعطاء الطلبة الدروس الخصوصية، وبالتالي فإن أجشع الناس وأفشلهم هم الذين وكلوا للقيام على تعليم الصغار في مصر، مع أن المدرس والمدرسة لابد أن يعطى لهم كل اهتمام واحترام وتسهيل وعناية وتدريب في آداء وظائفهم العظيمة، ولا عجب أن هذا ما نحصده اليوم من تخلف حضاري وعلمي وأخلاقي من شباب راح ضحية نظام تفكيرى عقيم.
وللإنصاف أقول إن الشعب المسيحي الكنسي يحتاج إلى تغيير نظام تفكيره أيضاً. فكما ننادي أن لا يكون هناك خلط بين الدين والدولة في النظام الحكومي الإسلامي لا بد أن لا يكون هناك تداخل بين النظام الكنسي الروحي وبين السياسة والدولة، فليس هناك ما يعرف بموقف الكنيسة من الانتخابات، أو هذه الجماعة أو تلك، فالكنيسة ليست، ولا ينبغي أن تكون، كياناً أو حزباً سياسياً أو جماعة منفصلة عن المجتمع ذات صبغة سياسية، ولا ينبغي أن يؤخذ رأي قادتها على أنه رأي الكنيسة ككل، تلك اللعبة الشيطانية والهوة العميقة التي أراد الوسواس الخناس أن يجر الكنيسة لها، والتي استخدمتها القوى المتصارعة لتحقيق مآربها الشخصية، فما أسهل أن تتهم الكنيسة بأنها وراء الثورات والمظاهرات والفتن والقلاقل والاضطرابات، وما أسهل أن يصور الاقتراع على الدستور بنعم هو للوقوف في وجه الكنيسة التي تريد أن يقول الناس لا، حتى قيل أن الإخوان اتهموا المسيحيين بالوجود داخل جامع الإسكندرية، وهم الذين بدأوا بمحاصرته، فيا سبحان الواحد القهار.
والكنيسة لابد لها أن تغير من نظام مخاطبتها لجمهورها، فما أسمعه وأشاهده اليوم من عظات واجتماعات تبث بثاً مباشراً على القنوات الفضائية التليفزيونية المسيحية يدل على مدى التغييب الذي تحيا فيه الكنيسة، وأن رسائل خدامها، الذين لا أشك في إخلاصهم لمسيحهم وكنائسهم، لشعب كنائسهم تزيد من حالة تغيبهم، ويمكن للمشاهد المدقق الواعي أن يرى أن معظم الآيات والمقاطع الكتابية التي يستخدمها هؤلاء الخدام إنما هي من العهد القديم، ولا اعتراض على ذلك، لكن الاعتراض هو أن آخذ آية أو مقطع من العهد القديم يتكلم عن إسرائيل، وبركة الله لإسرائيل، ووعد الله للوقوف بجانب إسرائيل ومحاربة أعدائهم، وإخراجهم من مآزقهم وأطبقها على الحالة في مصر، وكأن هذه الوعود تنطبق على مصر وحالها في هذه الأيام. وعندما نؤكد للناس بنص كتابي أن الله يقول لمصر “من هذا اليوم أبارك” وأتوقع بإخلاص بركة لمصر يكون هذا خروجاً على الحقيقة الكتابية ومساهمة في انتشار حالة التغييب التي تعم الكنيسة في هذه الأيام، وإذا كنت أصر على أن مشتهى الأمم سيأتي إلى مصر ليباركها، فهذا أيضاً مقطعاً كتابياً لا علاقة له بما يحدث في مصر اليوم، فلو تراءى الرب في مصر اليوم سيأتي ليهز ويسحق أوثان مصر، والعبادات الوثنية في مصر، والإعلانات اليومية المضادة لملكوته السماوي على الأرض، فمصر اليوم تسير في طريق مخالف لطريق المسيح، وروح ضد المسيح هو العامل المتسلط فيها، وكل ما يحدث مع شعبه المسيحي يدعوه أن يأتي ويضرب مصر بضربات تفوق ضرباته التي ضربها بها في القديم، حتى يصرخوا إليه ويرجعوا فيشفيهم.
وفي رأيي الشخصي، واتمنى من كل قلبي أن لا يحدث، أن الله سيأتي ليضرب مصر ضربات مصيرية تفوق كل ما ضربها به في القديم والحديث، وسيبدأ هذا من بعد الانتخابات القادمة لمجلسي الشعب والشورى، وسيبدأ المولى القاسي يشمر عن ساعديه ويظهر أنيابه من ذلك الحين، فبنهاية انتخابات مجلسي الشعب والشورى تكون التيتانك المصرية قد استقرت في أعماق المحيط، وستبدأ الثعابين والوحوش البحرية عملية التهام الهابطين معها إلى الجب. (اقرأ مقال “التيتانك والحكاية المصرية” على موقع الجريدة www.eltareeq.com )
وفي النهاية أقول “إن شعباً غير معروف الهوية، يريد شيئاً لا يعرفه ما هو بالضبط، فقط يتحدث عن تغيير وهو لا يعرف ماذا يريد أن يتغير بالضبط، ونظام غير واضح المعالم يحتاج أن يتغير لكن لا يعرف كيف” لا يظن هذا الشعب أنه ينال شيئاً من قبل الرب، “فرجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه ولا يظن أنه ينال شيئاً من قبل الرب”.
فالشعب يحتاج إلى معرفة نفسه من هو، وماذا يريد بالضبط، وما هو نوع التغيير الذي يريد وما هو النظام الذي يحتاج أن يغيره، والله على كل شيء قدير.