36.4 C
Cairo
الإثنين, يوليو 7, 2025
الرئيسيةفكر مسيحي"الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه"

“الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه”

هل كان يوحنا المعمدان عظيمًا؟ ومن الأصغر الأعظم منه في ملكوت السماوات؟

ق. عزت شاكر

سألني أحدهم قائلًا: عندما شهد الرب يسوع عن المعمدان وقال: “الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه” (مت 11: 11)، ماذا يعني بعبارة: “الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه”؟ وكيف يكون المعمدان أعظم المولودين من النساء وفي نفس الوقت الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه؟ وفي أي شيء أعظم؟

للإجابة على هذا السؤال أقول:

كان يوحنا المعمدان عظيمًا بكل معنى الكلمة، فقد قال الملاك لزكريا أبوه أثناء البشارة بولادته: “لأنه يكون عظيمًا أمام الرب..” (لو 1: 15). وها المسيح يشهد عنه: “لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان…”.

وإليك بعض جوانب العظمة في شخصية المعمدان:

– أحد أسرار عظمة المعمدان يعود إلى والديه، زكريا وأليصابات، ويكفي أن نقرأ عنهما: “وكانا كلاهما بارين أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم” (لو1: 6).

– وقد وُلِدَ بمعجزة، فالأم كانت عاقرًا، وكانا كلاهما متقدمين في الأيام. “فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الله… ظهر له ملاك الرب واقفًا عن يمين مذبح البخور.. فقال له الملاك: «لا تخف يا زكريا، لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنًا وتسميه يوحنا” (لو1: 8-13).

– وهو ابن الصلاة، فيقول له الملاك: “لأن طلبتك قد سُمعت” (مت11: 13).

– وكان ممتلئًا من الروح القدس من بطن أمه (لو1: 15).

– وكان المعمدان عظيمًا في تواضعه: “حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه: «مَنْ أنت؟»… «مَنْ أنت، لنعطي جوابًا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟» قال: «أنا صوت صارخ في البرية.. «أنا أعمد بماء، ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه»” (يو1: 19-28).

وعندما جاء إليه تلاميذه ذات يوم بغيرة وقالوا له: “«يا معلم، هوذا الذي كان معك في عبر الأردن، الذي أنت قد شهدت له، هو يعمد، والجميع يأتون إليه» أجاب يوحنا وقال: «لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئًا إن لم يكن قد أعطي من السماء. أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلتُ: لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه… ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص” (يو3: 26-30).

– وكان عظيمًا في قول الحق: عندما كان الملك هيرودس يريد أن يتزوج هيروديا زوجة أخيه فيلبس – والمشكلة أن أخاه كان على قيد الحياة، وهيروديا كانت في نفس الوقت ابنة أخيه الأكبر أرستوبولس – وقف المعمدان بكل شجاعة وقال له: “لا يحل لك” (مر6: 18)، فألقاه هيرودس في السجن في قلعة مكاريوس على الساحل الشرقي للبحر الميت، ثم قطع رأسه بعد ذلك. ولكن بالرغم من ذلك نجد الرب يسوع يقول: “الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه”.

فما المقصود بعبارة: الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه؟ هناك رأيان:

1- أصغر مؤمن في الملكوت أعظم منه:

يقول كامبل مورجان (Campbell Morgan): إن عبارة ملكوت الله باليونانية هي: “باسيليا تو ثيؤ” وتعني حكم الله وسلطانه. وبالطبع نحن لا نقصد الملكوت بمعناه العام، والذي يعني سلطان الله على التاريخ والأحداث والكون، بل الملكوت بمعناه الخاص، وليس المقصود بالملكوت هنا الملكوت في وجهته المستقبلية، عندما يكتمل بمجيء المسيح الثاني، بل الملكوت في وجهته الحاضرة. فالملكوت ليس فقط أملًا نترقبه في المستقبل، بل حياة نعيشها في الحاضر. فلقد بدأ مُلك المسيح بموته وقيامته وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي، فلقد كان المعمدان ينادي قائلًا: “توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السماوات” (مت3: 2). ونادى المسيح قائلًا: “قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل” (مر1: 15). “ولما سأله الفريسيون: «متى يأتي ملكوت الله؟» أجابهم وقال: «لا يأتي ملكوت الله بمراقبة، ولا يقولون: هوذا ههنا، أو: هوذا هناك! لأن ها ملكوت الله داخلكم»” (لو17: 20-21).

وقد أعلن المسيح بوضوح أن الملكوت بدأ فقال: “ولكن إن كنت أنا بروح الله أخرج الشياطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله!” (مت12: 28). وقد أعلن المسيح أن هذا الملكوت مفتوح لكل البشر وليس لليهود فقط (مت8: 11-12)، وأن الطريق الوحيد له هو الولادة الجديدة، فقال: “الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله” (يو3: 5).

وقد كان يوبخ الكتبة والفريسيين قائلًا: “لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون! لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون” (مت23: 13).

ويؤكد بولس على أن كل مَنْ يقبل المسيح يدخل الملكوت، ولذلك عندما ذهب إلى أفسس كان الملكوت هو محور عظاته. “ثم دخل المجمع، وكان يجاهر مدة ثلاثة أشهر محاجًا ومقنعًا في ما يختص بملكوت الله” (أع19: 8). وعندما ذهب إلى لسترة وإيقونية وأنطاكية مع برنابا كانا “يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الإيمان، وأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله” (أع14: 22). ويقول إلى أهل تسالونيكي: “نشهدكم لكي تسلكوا كما يحق لله الذي دعاكم إلى ملكوته ومجده” (1تس2: 12). ويقول لأهل كورنثوس: “شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته” (كو1: 12 و13).

وعندما كان يوحنا منفيًا في بطمس أيام الإمبراطور العنيف دومتيان كتب قائلًا: “أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره..” (رؤ1: 9).

بهذا المعنى الواضح للملكوت نقول إن أصغر مؤمن في الملكوت الذي بدأ بصليب المسيح وموته وقيامته، أعظم من يوحنا المعمدان، بل وأعظم من كل أنبياء العهد القديم، ليس أعظم من الناحية الأخلاقية، أو السلوكية، أو الخدمة، أو الإيمان، بل بما يتمتع به في حياته من امتيازات عملها الرب من أجله بموته على الصليب وقيامته ما بين الأموات.

وليس أفضل أو أعظم منه بما عمل من أجل الله، بل بما عمله الله من أجله.

فالمعمدان يشبه موسى الذي شاهد أرض الموعد لكنه لم يدخلها. لقد رأى المعمدان المسيح لكنه لم يرَ صليبه، ولم يتمتع بقيامته، ولم يشاهد صعوده، ولم يسمع عن يوم الخمسين.

لم يتمتع أعظم نبي في العهد القديم بعمل الله الكفاري على الصليب، فقد اشتهوا أن يروا ما نرى، وأن يسمعوا ما نسمع ولم يسمعوا، لم يسمع إيليا أو أليشع أو إرميا أو دانيال… الخ، عن تعاليم المسيح ولا معجزاته ولا عن حبه وغفرانه وصليبه وقيامته وصعوده ومجيئه الثاني. لذلك قال المسيح لتلاميذه في (لو10: 23، 24): “طوبى للعيون التي تنظر ما تنظرونه! لأني أقول لكم: إن أنبياء كثيرين وملوكًا أرادوا أن ينظروا ما أنتم تنظرون ولم ينظروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا”. وبالطبع ليس المقصود إطلاقًا أن أصغر مؤمن في العهد الجديد أعظم في الأبدية من يوحنا المعمدان، الرجل العظيم المُرسل من الله، الذي أعد الطريق أمام الرب، الذي وقف بقوة وشجاعة في وجه الشر، الذي قُطعت رأسه من أجل الحق. وهل من العدل أو المنطق أن يكون أصغر أو أضعف مؤمن في العهد الجديد أعظم في الأبدية من يوحنا المعمدان؟! أو أعظم من إبراهيم أبو المؤمنين جميعًا، أو داود الذي قاله عنه الرب: “وجدتُ داود بن يسى رجلًا حسب قلبي، الذي سيصنع كل مشيئتي” (أع 13: 22)، أو إيليا النبي الناري الذي صعد في مركبة نارية للسماء، أو إرميا أو دانيال.. الخ.

2- الأصغر تعود على المسيح:

لا أنسى يوم أن كنتُ طالبًا بكلية اللاهوت عام 1983 وسألت د. القس حنا جرجس الخضري الذي كان يدرِّسنا تاريخ الفكر المسيحي: مَنْ المقصود بالأصغر هنا؟ فقال: الرب يسوع، فهو الأصغر من يوحنا المعمدان بستة شهور، وهو الأعظم منه في ملكوت السماوات، بل هو أعظم الكل. وبهذا تكون الآية كالآتي: “الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر (أي المسيح) في ملكوت السماوات أعظم منه”.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا