قبل وصول الرئيس الأعظم لمملكة الشياطين الأبالسة ودخوله إلى قاعة الاجتماعات الكبرى لقيادة الجلسة الخاصة بالاستعدادات التي تم اتخاذها من قِبل رؤساء الأقسام المختلفة للمملكة الشيطانية بمناسبة احتفال المسيحيين بعيد القيامة، دخل إلى القاعة روح ضد المسيح، وروح الخوف، وروح الكذب، وروح الضلال، وروح الغي، وروح رئيس مملكة فارس، فهؤلاء هم رؤساء قوات الشر الروحية في السماويات. جلسوا كلٌ في مكانه في حالة من القلق والتوتر الشديد وتوقع أن تكون جلستهم هذه مليئة بالتقريع والإهانات والتحديات من الرئيس الأعظم إبليس حيث إنه دائم الرفض والاعتراض وتقريع كل واحد من رؤساء الأقسام الشيطانية المختلفة على كل ما يعملون، فهو لا يشبع ولا يمل ولا يكتفي بكل الحيل والألاعيب والمؤامرات والمعارك التي يعدها الرؤساء والسلاطين وولاة العالم وينفذها أجناد الشر الروحية الشيطانية في السماويات ضد الساكنين على الأرض، فكلما رأى هؤلاء الشياطين الناس في عداوة وخصام ورأى الرئيس دماء الأصدقاء الذين حَوَّلَهم هو وفريقه إلى أعداء تعطش أكثر لرؤية المزيد من الدماء والقتل والخراب والدمار. وهو لا يكترث إن كانت هذه الدماء المراقة هي دماء أطفال صغار لا ذنب لهم فيما يخططه هو للحدوث على الأرض، أو كبار وشيوخ يجرهم هو أيضًا إلى حروب وكروب لا طاقة لدى ساكني الأرض على الاشتراك فيها وتحمل أهوالها.
في انتظار قدوم الشيطان الرئيس، قال روح الخوف: “أنا خائف، خائف جدًا ومرتعد.” ضحكت بقية الأرواح الشريرة على روح الخوف وقالوا له: “أأنت روح الخوف مَنْ تقول: “أنا خائف”، وأنت مَنْ تخيف البشر جميعًا من الإصابة بالأمراض التي لا علاج لها، والاحتياجات التي لا يمكن تسديدها، والحروب والخلافات التي لا يمكن السيطرة عليها، ومن الملوك والحكام، وتخيفهم من كل شيء وحتى من اللاشيء واللاموجود؟ أفأنت الذي يصح أن تقول الآن إنك خائف؟ إذًا فماذا يمكننا نحن أن نقول أو نفعل؟” سأل روح الضلال روح الخوف: “قل لي يا روح الخوف، ممن ومما تخاف أنت يا صاحب ويا صديق العمر؟” قال روح الخوف: “الحقيقة أنا خائف من الرئيس الأعظم لمملكتنا عند مجيئه إلى هذا الاجتماع، فأنتم تعرفون أن هذا الاجتماع بالنسبة له هو أهم اجتماعات العام كله لأنه يذكِّره ويذكِّرنا جميعًا بيوم انتصار عدونا المسيح عليه وعلينا جميعًا في الصليب.” قال روح ضد المسيح: “معك حق يا روح الخوف، فأنا أتذكر الثورة العارمة التي كان عليها رئيسنا الأعظم إبليس يوم اجتمعنا لبحث الإعدادات والاستعدادات التي كان علينا اتخاذها في ذكرى عيد ميلاد عدونا المسيح، وكيف كانت النيران تخرج من عينيه وفمه وأنفه لمجرد مجيء يوم ذكرى ميلاد المسيح وتجسده. فكم وكم سيكون حاله في يوم احتفال المسيحيين بموته وقيامته من الأموات؟
ففي ذكرى ميلاد المسيح لم نكن نتكلم عن معركة الصليب، ولا مَنْ هو الذي انتصر أو انهزم فيها، الأمر الذي نكره جميعنا ذكره والكلام عنه، وكانت تلك حالته وثورته يومها، فماذا سيفعل عندما نتكلم اليوم عن الصليب وذكرى انتصار عدونا علينا وإشهاره لنا جهارًا والظفر بنا فيه إلى الأبد؟” قال روح الكذب: “لا تخافوا يا إخوان، لأننا بكذبات قليلة يمكن أن ندخل السرور إلى قلب رئيسنا المفدى إبليس، وبكلمات قليلة من التملق والتعظيم والتفخيم فيه وفي مملكته وجعله يشعر أنه أهم مَنْ في العالم وأهم من عدونا المسيح في الأرض، يمكن تهدئته حتى لو كان مثارًا غاضبًا، فنحن يمكننا أن نكذب عليه ونقول له إن عدد أتباعه من الملحدين واللادينيين واللاأدريين والأشرار والمغضوب عليهم والضالين من البشر يفوق أضعاف أضعاف عدد أتباع المسيح، وولاء وإخلاص هؤلاء الأتباع له كشيطان أكثر كثيرًا جدًا من ولاء وإخلاص أتباع عدوه المسيح بن مريم، وعندها سيهدأ رئيسنا وسينتهي الاجتماع على خير وبسلام.” قال روح ضد المسيح: أنا أثق أن رئيسنا الأعظم سيطلب مني أنا اليوم أن أقود هذه الجلسة العاصفة حيث إن عملي وصميم اختصاصي كروح ضد المسيح هو حجر الزاوية في كل ما يحدث ضد المسيح في الأرض وضد الذين يؤمنون به كالمخلص، بالاشتراك بالطبع معكم جميعًا كرؤساء للأقسام الشيطانية المختلفة، لذا سأضع لكم الآن، وقبل مجيء رئيسنا الأعظم، بعض الشروط والأمور الواجب عليكم اتباعها بكل دقة ووضعها نصب أعينكم فلا تحيدوا عنها يمينًا أو يسارًا تحت أي بند من البنود أو ظرف من الظروف حتى نكون على استعداد لأن نعطي صورة مشرفة لعملنا في عالم الأحياء والأموات وحتى لا نجلب غضب الشيطان الرئيس علينا وصراخه في آذاننا، وهذه الشروط والواجبات هي:
أ- لا تكثروا من استخدام كلمة “الصليب” أمام رئيسنا، فأنتم تعلمون أنها ثاني أخطر وأكثر كلمة في كل أبجديات لغات العالم بعد كلمة القيامة تثير سخطه وغضبه وتخرجه عن صوابه لأنها تذكره وتذكرنا جميعًا بيوم هزيمتنا الكبرى والنهائية يوم صلبه، وإن اضطررنا جميعًا إلى استخدام كلمة “الصليب” مرة أو مرتين على الأكثر في هذه الجلسة فحذاري أن ينطق أحدكم بكلمة القيامة وإلا عليكم تحمُّل ما سيعمله معكم ولكم رئيسنا الأعظم.
ب- لا مانع من الكذب على رئيسنا الشيطان الأعظم في بعض دقائق الأمور الصغيرة وإخباره بعكس الحقيقة لكن بطريقة لا تثيره أو تغضبه، وعلينا أن نتظاهر دائمًا أننا نعلم أن رئيسنا يعلم أننا نكذب عليه، فلا يشعر أن أحدنا يستغفله ويظن أنه أحكم من رئيسنا، فكلنا يعلم أنه هو الكذاب وأبو كل كذاب، فحتى لو علم بفطنته أن أحدكم يكذب عليه، ويقول ويتصرف بهذه الطريقة الكاذبة خوفًا منه، فهذا يغذي كبرياءه وغروره وإحساسه بأنه الرئيس الحاكم بأمره، فلن يعاقب الكذاب في هذه الحالة عقابًا شديدًا، فهو يعلم أننا كأرواح شيطانية لا نستطيع إلا أن نكذب، فالكذب جزء من تكويننا الروحي والنفسي والوظيفي الذي جلبناه على أنفسنا وتسببنا في الحصول عليه بعد طردنا من محضره وسقوطنا من سماء إلوهيم.
ج- احذروا من أن يتكلم أحدكم في السلبيات مع الرئيس الأعظم؛ لا تتكلموا إلا في الإيجابيات فقط، بالطبع السلبيات والإيجابيات من وجهة نظرنا وكما نعرفها نحن في مملكتنا العظيمة وليس كما تعرف في مملكة عدونا المسيح.
قال روح الضلال: “أعط لنا أمثلة عن السلبيات والإيجابيات حسب تعريف مملكتنا العظيمة لها.”
أجاب روح ضد المسيح وقال: “من الإيجابيات التي لابد أن تذكروها لرئيسنا الأعظم أن الحروب التي أعلناها وأشعلناها وقدناها في الأرض في الفترة الأخيرة القليلة الماضية فاقت في وصفها وضراوتها وتعداد القتلى فيها الكثير من المعارك السابقة مجتمعة، وهو بلا شك سعيد جدًا بضرب شعب الله إسرائيل بواسطة حماس الفلسطينية وأسر بعض من أعداء حماس الأمريكان والإسرائيليين في الاحتفال الموسيقي الكبير، لكنه بالطبع محبط ومتضايق أيضًا من هزيمة حماس في غزة وتدمير إسرائيل لمبانيها وبنيتها التحتية وتشتيت وقتل الكثير من أهلها بواسطة الجيش الإسرائيلي.”
نظر روح ضد المسيح إلى روح رئيس مملكة فارس وقال له: “أعتقد أن رئيسنا الشيطان الأعظم سيحاسبك أنت يا روح رئيس مملكة فارس عند مجيئه عن أمر إخفاقك في تدمير إسرائيل بواسطة الصواريخ والطيارات المسيرة التي ألقتها إيران من منطقة رئاستك في بلاد فارس، فاستعد للحساب العسير، ولولا أن رئيسنا الشيطان يحب أن تزداد أعداد القتلى من الطرفين لكان قد فقد صوابه لهزيمة حماس.”
أكمل روح ضد المسيح إعطاء أوامره لرؤساء الأقسام الشيطانية قائلًا: “وإذا رأيتموه ما زال غاضبًا ينفث تهددًا وقتلًا اذكروا له كم عدد المسيحيين الذين تركوا ديانتهم المسيحية واعتنقوا أديانًا أخرى وفي وجه المسيح جدفوا عليه وأنكروه. ولا بد أن تحرصوا على تضخيم الأرقام، فإذا كان عدد الذين ارتدوا عن المسيحية، حتى مع أنهم بالطبع لم يكونوا أصلًا من المسيحيين الحقيقيين المؤمنين بعمل المسيح يسوع الفدائي على الصليب، بالعشرات، فلا بد أن نقنع الرئيس أن عددهم بالملايين، والعكس صحيح. لو كان عدد المؤمنين الحقيقيين المولودين ثانيةً المنضمين إلى مملكة المسيح من كل الشعوب والأجناس والأديان بالملايين فلا بد أن نقول له إنهم بالمئات وليسوا بالملايين، حتى يظل في اعتقاده ومخيلته، أن كفة الذاهبين معنا إلى جهنم النار هي الأثقل وهي الكفة الرابحة.”
قال روح الكذب: “الحقيقة هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لنا، لأن رئيسنا الأعظم يعلم الأعداد ويعلم ما هو حادث على الأرض بالتفصيل وبكل دقة، إذ له أجناد شر روحية في السماويات وأيضًا في كل شبر من الأرض، للدرجة التي معها حتى أنا، روح الكذب، أجد صعوبة في الكذب عليه وخاصةً فيما يعرفه من المعلنات على الأرض.”
أجاب روح ضد المسيح: “نعم، جميعنا يعلم ذلك، لكني كما قلتُ لكم وكما تعلمون جميعًا أن مملكتنا مبنية على الكذب، الكذب على بعضنا البعض، والكذب على الناس، والكذب حتى على الرئيس الأعظم، والكل خاضع للكذب والضلال، نحن والعامة من الناس، بالرغم من معرفتنا التامة بالحقائق المعلنة، لأنه بدون الكذب والخداع والتملق لن يمكننا أن نتمم عملنا على الأرض، ولن نستطيع أن نضم إلى معسكرنا الكثير من البشر، بالرغم من أن الحقيقة المؤكدة والتي تعلمونها جميعًا، والتي أكره أنا أن أقولها أو أرددها هي أن الوحيد الذي لا يأتيه الباطل والكذب من بين يديه ولا من خلفه هو عدونا إلوهيم، فالكذب ليس من طباعه وخصاله، إلى جانب أنه لا يحتاج ولا يمكن أن يكذب عليه أحد، لأنه الوحيد الذي يعلم الغيب، فهو العليم بكل شيء في ذاته دون أن يخبره أحد، وهو ليس مثلنا ولا مثل رئيسنا الأعظم الذي لا يعلم الغيب لأنه مخلوق وهو ليس كلي العلم أو كلي الوجود.”
سأل روح الغي روح ضد المسيح قائلًا: “وماذا نعمل لو قلنا له كل ما تقدم وكل ما ذكرته أنت من نقاط سابقة وظل هائجًا، عكر المزاج، صارخًا فينا بسبب حديثنا عن عيد القيامة.”
انتهر روح ضد المسيح روح الغي وقال له: “قلتُ لكم إياك أنت او أي منكم أن يذكر كلمة “القيامة” أمام الشيطان زعيمنا الأعظم، فإذا اضطر أحدكم أن يذكر كلمة “الصليب”، فعليه أن يذكرها فقط في مكانها الصحيح بالطريقة الصحيحة. وكما قلتُ لكم سابقًا، لا تذكروها ولا تكرروها كثيرًا أمام الزعيم، أما كلمة “القيامة” فينبغي ألا ينطق أحدكم بها بتاتًا أمام الرئيس الشيطان وإلا فسندفع جميعنا ثمنًا غاليًا لمجرد ذكرها، فليست لدينا مشكلة أن يؤمن الناس أن المسيح قد صُلب ومات ودُفن، فهذه حقائق يعرفها كل الناس وقد عاينوها بأنفسهم عند الصليب، لكن المشكلة الحقيقية وغير القابلة للحل لدينا هي أمر قيامته من الأموات، ولذا ففي هذه الحالة يمكننا أن نبعد تركيز وانتباه زعيمنا عن أمر القيامة وأن نقوم بتهدئته تمامًا بالحديث عن الموضوعات والأخبار المُسرة والمحببة له والمتعلقة بتصرفات بعض المسيحيين والقسوس والكهنة ورؤساء الطوائف المسيحية. والحمد والشكر لشيطاننا الأعظم أن توقيت الصوم الكبير للمسيحيين جاء بالتزامن مع صوم شهر رمضان المبارك كما تعود المسلمون أن يطلقوا عليه ويردده وراءهم المسيحيون كالببغاوات دون أن يسألوا أنفسهم من وجهة نظر المسيحية إن كان رمضان شهرًا مباركًا أم لا، وإن كان مباركًا فمن هو الذي باركه، ومَنْ هو صاحب البركة التي يمكن أن يبارك بها شهر رمضان، وغيرها من الأسئلة التي أعمينا عيون حتى القادة والمسئولين الكبار في وظائفهم وتعييناتهم من المسيحيين عن رؤيتها وفحصها واستخدامها، فحفظوها ورددوها وكرروها في كل مناسبة وحديث ولقاء. نعم، لقد نجحنا في أن نربط بين ما يحدث الآن مع الكنيسة والصوم والاحتفال بعيد القيامة وبين ما حدث بالفعل في شهر رمضان هذا العام.”
أكمل روح ضد المسيح كلامه وقال لرؤساء الأقسام الشيطانية: “إذا رأيتم الرئيس الأعظم بدأ في الثورة والهيجان والنيران تخرج من فمه وأنفه فأسرع أنت يا روح التدين وقل له إن الكنائس ما زالت تقوم بعمل موائد الرحمن لإفطار الصائمين من المسلمين في رمضان، وقل له إن مجهودات بعض الخدام الأمناء للرسالة الروحية المسيحية الحقيقية التي ائتمنهم عليها عدونا المسيح والتي حُذروا فيها من عواقب عملهم لموائد الرحمن عليهم وعلى عائلاتهم وكنائسهم فشلت، لأن الكثير من الخدام والقادة والقسوس والكهنة قسّوا قلوبهم وصلُّبوا رقابهم وسدوا آذانهم وأغلقوا عقولهم عن فهم ما تم تحذيرهم منه وتحدوا الجميع وقاموا بعمل موائد الرحمن للصائمين، وبالتالي فهم عملوها لي أنا لأنني أنا روح ضد المسيح. وقد باءت بالفشل كل المحاولات لإفهامهم خطورة ما يعملون، حيث إن عدد القسوس الذين اشتركوا وعملوا موائد الرحمن هذا العام يفوق عددهم مجتمعين في السنوات السابقة جميعها، وقد نجحنا في أن نجعل المشاهير من الخدام المشيخيين وغير المشيخيين ورؤساء سنودساتهم ورؤساء الطائفتين الإنجيلية والأرثوذكسية يكونون السباقين في عمل هذه الموائد دون التفكير في هذا العمل المشين من الناحية الروحية، بل ركزوا فقط على الناحية المنطقية، العقلانية، والدينية والاجتماعية والسياسية ليس إلا. قولوا له إننا نجحنا في أن نلتقط الصور لكبير العائلة المسيحية في مصر وهو يشترك في تجهيز وجبات الطعام والهدايا للأطفال المسلمين بمناسبة عيد الفطر. قولوا له إننا أقنعنا بعض الكهنة أن يوزعوا فوانيس رمضان على الأطفال المسلمين في الشوارع واستخدمنا بعض المسيحيين كمسحراتية ليوقظوا في الفجر النائمين من المسلمين لتناول طعام السحور. قولوا لرئيسنا إننا جعلنا بعض المشاهير من الخدام، وخاصةً المرنمين المعروفين بميولهم الإسلامية، يقدمون مائدة الرحمن في بيوتهم للخاصة من أصحابهم بعيدًا عن أعين الناس والمنتقدين وأصحاب البصيرة الروحية الإلهية الحقيقية، وكأن الأمر ليس إلا عزومة حبية للمسلم من أخيه المسيحي، ولا علاقة لهذا بالروحيات وعالم الروح والعبادة التي طالما علمونا عنها في ترانيمهم وتعليقاتهم على الترانيم وخدماتهم الوعظية. قولوا للشيطان الرئيس إننا نجحنا في تشويش أذهان بعض المخلصين من الخدام الإنجيليين المؤثرين المشاهير وجعلنا أحد الرجال أصحاب القنوات على اليوتيوب يستضيف أحد المشاهير المخلصين للرب ولكلمته ويصفه بالمفكر، يستضيفه في شهر رمضان. وبعد إنهاء الحديث معه ومع غيره، يصر هذا الرجل المذيع المستضيف أن ينهي حديثه لكل من ضيوفه الذين يعلم أنهم مسيحيون ولا علاقة لهم برمضان أو بشعبان، كل مرة بعبارة “رمضان كريم” ويكررها أكثر من مرة حتى يضطر الضيف إلى الرد على هذه العبارة بالرد التقليدي، وهكذا حدث مع خادمنا المفوه المفكر الذي أجاب بتسرع ودون تفكير كما جاوب غيره من غير المفكرين قائلًا: “الله أكرم”، تلك الإجابة التقليدية لعبارة رمضان كريم. ولم يسأل المفكر نفسه لماذا يصر هذا الرجل على أن ينهي التسجيل مع كل مسيحي بعبارة “رمضان كريم”، وما علاقة رمضان إن كان كريمًا أم لا بما تم تسجيله في الحلقة مما حدث بحياة الخادم المفكر، ولماذا الإصرار على استخدام هذه العبارة مع مفكر مسيحي لا يؤمن بالصوم في شهر رمضان من أصله، ولا يؤمن بشهر رمضان نفسه أو بسنته الهجرية ولا بسبب وجودها وبدايتها. فهل فكر المفكر في هذه الجزئية حين سماعها أم لم يفكر المفكر وأجاب دون تفكير؟”
بينما كان رؤساء الأقسام الشيطانية يتباحثون فيما عساهم أن يقولوا للرئيس الأعظم الشيطان الرئيس عند مجيئه ليضمنوا عدم ثورته ونتائج غضبه عليهم، دخل فجأة الرئيس الأعلى لمجلس الأرواح الشريرة إلى قاعة الاجتماعات الكبرى بالكرسي الشيطاني في الهواء فسكت الجميع عن الحديث في التو واللحظة وقاموا على أرجلهم احترامًا وخوفًا منه. دخل إلى قاعة الاجتماعات حزينًا هائجًا والنيران تخرج من عينيه وفمه، ورفع الشيطان يده اليمنى وافتتح الرئيس الجلسة بالقول: “باسمي أنا الشيطان الأعظم، رئيس سلطان الهواء، الحية القديمة، إبليس، أفتتح هذه الجلسة.”
جلس فجلسوا جميعًا من بعده، قال والغضب يملأ عينيه: “مرة أخرى جاءت علينا ذكرى صلب عدونا الأعظم المسيح وقيامته، وكم أكره أنا وبالطبع أنتم احتفال الناس على الأرض بهذه الذكرى، فهذه الاحتفالات تذكِّرني كل عام باليوم المشئوم الذي انتصر فيه عدونا بموته على الصليب ظافرًا بنا، والأسوأ من ذلك اليوم هو يوم قيامته من الأموات.”
نظر الحضور من رؤساء الأقسام لبعضهم البعض مرتعبين ومتوقعين أن رئيسهم الشيطان الأعظم سوف يروي لهم ما تعود أن يرويه كل مرة في مثل هذه المناسبة المؤلمة بالنسبة لهم. سيروي لهم قصة خداعه لآدم وحواء في الجنة ووعد إلوهيم لهم بأنه سيضع عداوة بين نسل المرأة ونسل الحية، وطردهم من الجنة وغيرها، إلا أنه لم يفعل في هذه المرة بل قال للحضور: “ليس لدينا وقت طويل للكلام، فلدينا أعمال عنف وقتل وسفك دم وإشعال حرائق وقصف قنابل وأعمال كره وحروب دينية كثيرة جدًا على الأرض بين الناس في هذه الأيام والأسابيع القليلة الماضية. ولا تنسوا أن شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر والفصح اليهودي جاءا متزامنين مع صوم الأقباط المسيحيين في مصر واحتفالاتهم بعيد الصلب.”
لم يشأ الشيطان الرئيس أن يقول عيد القيامة بل اكتفى بقوله عيد الصلب لكرهه لكلمة “قيامة”. أكمل الشيطان الرئيس: “كل هذا ضاعف من مسئولياتنا ومشغولياتنا، ولذا سأطلب من روح ضد عدونا المسيح أن يقود هذه الجلسة بدلًا مني فهي من صميم عمله لنقف معًا على آخر الاستعدادات والخطط الشيطانية التي وضعها كل منكم بهذه المناسبة.”
قبل أن يسلم الشيطان الرئيس الجلسة إلى روح ضد المسيح قال: “لكن قبل تسليم الحديث في الجلسة لروح ضد المسيح، لا بد من مساءلتك يا روح رئيس مملكة فارس، الروح العجوز الفاشل. ألست أنت المسئول عن منطقة فارس وملوكها ورؤسائها، فكيف لم تتمكنوا من تدمير إسرائيل، شعب يهوه، وقد ألقيتم عليهم أكثر من ثلاثمائة من الصواريخ المسيرة والطائرات الموجهة بدون طيار والعشرات من المدمرات اللاتي كان يمكن لواحدة منها فقط أن تدمر نصف إسرائيل؟ هل لديك إجابة على هذا السؤال؟ ثم كيف أرسلت إسرائيل إليكم ثلاثة صواريخ فقط في بلاد فارس ولم تستطيعوا أن تصدوا واحد منها وهي في الهواء وقبل انفجارها على الأرض وإشعال النار في الناس والمباني في مكان أقرب ما يكون لأحد المفاعلات النووية الإيرانية؟ ألا يفتخر زعماء بلادكم من البشر بأن لديهم قوة ردع يمكنها أن تدمر إسرائيل في دقائق معدودات؟ هل لديك جواب لهذا السؤال أم تريدنا أن نهملك ونستكمل حديثنا عن عيد الصلب؟
أجاب روح رئيس مملكة فارس الشيطان الرئيس بالقول: “سيدي الرئيس، لقد حضرتُ أنا جلسة مع القادة العسكريين الإيرانيين ولم أحتج إلى وقت طويل لإقناعهم بأنه بإمكانهم ضرب قلب إسرائيل وتل أبيب، وبأن هذه الضربة ستكون بمثابة درس قاس لإسرائيل وجنودها، وحتى لو مات أربعة منهم فقط في الغارة الإيرانية ستعلم إسرائيل ويعلم العالم كله أن إيران قادرة على ضرب إسرائيل في عقر دارها والانتقام للقضاء على بعض قادتها بدولة العراق. أقنعتهم أن يستخدموا كل ما لديهم من أسلحة متطورة وأن يمطروا سماء إسرائيل كلها بما لديهم من صواريخ ومُسَيَّرات، وبالفعل عملوا كل ما قلته لهم وأكثر.”
قال الشيطان الرئيس: “إذًا، فلماذا لم يمت في هذه الضربة إلا فتاة واحدة صغيرة من المدنيين؟ كيف استطاعت إسرائيل أن تصد كل هذه الصواريخ والمسيرات وتفجرها في الهواء قبل أن تلمس الأرض؟”
أجاب روح رئيس مملكة فارس وقال: “لستُ أدري يا سيدي. يبدو أن هناك قوة سحرية أو إلهية وراء هذا الأمر. العالم كله سمع ذلك القائد العسكري الإسرائيلي وهو يجيب عن هذا السؤال الذي وجهته إحدى مقدمات البرامج في التليفزيون سائلة القائد: “كيف استطعتم صد كل هذه الصواريخ الموجهة وتحطيم المُسَيَّرات وغيرها؟ هل هذا بسبب القبة الحديدية الأمريكية التي استخدمتموها في صد الصواريخ؟”
سأل الرئيس الشيطان: “وماذا كانت إجابته؟”
أجاب روح رئيس مملكة فارس: “قال القائد: “إننا في إسرائيل، عسكريين ومدنيين، تأكدنا أن يهوه هو الذي يدافع عنا وهو الذي قام بعمل قبة إلهية سماوية فوق تل أبيب وأورشليم القدس لذا لم تستطع الصواريخ اختراقها.” وقال القائد أيضًا: “إن إمكانيات القبة الحديدة التي لدينا لا تمكِّنها من تفجير هذا الكم الهائل من الصواريخ وتدمير المُسَيَّرات بهذا العدد وهذه السرعة.”
صرخ الشيطان الرئيس في روح رئيس مملكة فارس قائلًا: “وهل اقتنعت أنت وأعوانك بهذا الكلام بأن يهوه هو الذي صد عن إسرائيل الهجوم الإيراني؟”
أجاب روح رئيس مملكة فارس بالقول: “نعم، أنا لستُ فقط مقتنعًا بهذا الكلام بل متأكد منه. ولستُ أظن أنه يخفى عليك أنت أن هذه هي الحقيقة وهذا ما حدث.”
قال الشيطان الرئيس: “إياك أن تترك الناس في إيران أو أي مكان يصدقون هذه الحقيقة. قولوا لهم إن يهوه لا دخل له بهذه الحرب. قولوا لهم إن يهوه رفض شعب إسرائيل منذ أن قال لهم: هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا، وأنا شخصيًا سأصدِر هذه الإجابة للقسوس والكهنة والخدام في مصر على اختلاف طوائفهم. المهم أن يعلموا وينشروا أن يهوه هو ضد إسرائيل وليس في صفها.”
قال رئيس مملكة فارس: “سمعًا وطاعة يا سيدي الشيطان الرئيس.”
نظر الشيطان الرئيس للأرواح المجتمعين في جلسة المجلس الأعلى وقال: “اتركونا من هذه القصة السخيفة.” ثم أشار إلى روح ضد المسيح وقال له: “هات ما عندك.”
بدأ روح ضد المسيح بشكر الشيطان الأعظم على ثقته به ليقود هذه الجلسة الخطيرة ثم قال: “قبل أن أطلب من كل منكم أن يشرح لنا ما أعده مع فريقه من استعدادات لهذه المناسبة الحزينة علينا، سأبدأ أنا بالكلام عن استعدادات قسمنا، فكما تعلمون جميعًا ويعلم رئيسنا إبليس المعظم أن قسم أعمال روح ضد المسيح هو مَنْ يعمل وينسق بين كل ما تعملونه في سائر أقسامكم الشيطانية، متذكرين دائمًا أن البداية لا بد أن تأتي من روح ضد المسيح، فنحن، أي روح ضد المسيح، نحن مَنْ نعمي أذهان الناس جميعًا لكي لا يعترفوا بأن المسيح قد جاء من الأصل في الجسد. أقنعنا بعضهم أن الجسد شر فلا يصح أن يأتي المسيح الطاهر في جسد إنسان، وللتمكن من هذا الأمر أقنعنا الناس أن المسيح الذي جاء في جسد إنسان ما هو إلا بشر مثلهم، ومثله كمثل آدم، وجعلنا من أمر موت المسيح مصلوبًا ليس أكثر من نكتة سخيفة يستخدمها غير العارفين الجهلاء في سب وإهانة المسيح نفسه حيث أن مَنْ لا يصدق أن المسيح جاء في الجسد وصُلب وقبر وقام في اليوم الثالث يجعل المسيح كاذبًا وليس الحق فيه. ونجحنا في اتهام المسيحيين بأنهم مجانين ومغيبون ومشركون بالله عدونا، ورسخنا هذا المفهوم في أذهان الناس، حيث إن المسيحيين يقولون عن المسيح إنه إلههم وفي الوقت نفسه يقولون إنه صُلب ومات، فكيف يصلب الإله؟ وكيف يُضرب الله ويهان من العبيد والجواري؟ وكيف يموت الله ويُدفن؟ وزودنا غير الفاهمين والجهلاء بالمحير من الأسئلة المنطقية التي يصعب على أي أحد في الأرض الإجابة عليها بحسب منطقه البشري، إلا من كان من أتباع عدونا المخلصين ممن يسكن فيهم روح إلوهيم. جعلناهم يسألون ويتعجبون ويتحيرون في أمر تجسد الإله، وفي أمر تسمية المسيح يسوع بابن الله، وسألناهم: هل تصدقون أن يكون لله ولد؟ وأقنعناهم أنه “أنَّى يكون لله ولد وهو الذي يقول للشيء كن فيكون.” ثم إن كان المسيح هو الله الظاهر في جسد إنسان فمن كان يحكم العالم عندما عُلق الإله على الصليب؟ وهل خلت السماء من الإله عندما تجسد الله وعندما عُلق على الصليب وكان في القبر لمدة ثلاثة أيام؟ ومَنْ أقامه من الأموات؟ وأخفينا عن السائلين أن مَنْ أُهين وصُلب ومات ودُفن وقام هو الجسد الإنساني الذي اتخذه المسيح يسوع تبارك اسمه عندما تجسد في رحم القديسة العذراء مريم المطوبة، وليس جوهر الله، فهذا لا يمكن لهم كبشر إيذائه ولا حتى لنا نحن الأرواح الشريرة في السماويات.”
أكمل روح ضد المسيح قيادته للجلسة طالبًا من روح الضلال أن يلتقط الخيط ويكمل حديثه شارحًا ما عملوه للاستعداد لعيد الصليب في أقسامهم. قال روح الضلال: “إن مهمتنا أن نستخدم أنبياء كذبة كثيرين ليضلوا الناس الساكنين على الأرض. هم يضلونهم بإلقاء الشكوك على كل ما يقبله الآخر من حقائق إيمانية مسيحية كتابية. يضلونهم بإلقاء العديد من الأسئلة التي لا إجابة لها في عالم الأحياء إن لم يكن المجيب ممتلئًا من روح عدونا المسيح. يضلونهم بأن يحولوا عيونهم إلى المنظور ويبعدوهم عن كل ما هو روحي حقيقي إيماني. لقد نجحنا في أن نشير إلى أن هناك في أورشليم القدس قبرين للمسيح، وكنيستين للقيامة، وأدخلنا بعض التخيلات العقلية الإنسانية في أذهان الناس وجعلناهم يصدقون أن عدونا المسيح قد وقع على الأرض سبع مرات وهو في طريقه لمكان صلبه، ودفعناهم إلى تخيل أماكن وقوعه على الأرض وبناء كنيسة في كل مكان يظنون أن المسيح وقع فيه. والعجيب أن البشر صدقونا وبنوا الكنائس وباعوا هذه الأفكار السخيفة للناس فاشتروها بأغلى الأثمان.”
أشار روح ضد المسيح إلى روح التدين وأذن له بالكلام فقال: “سيدي الرئيس، إن واحدًا من أهم أرواحنا التي تعمل في مناسبة الاحتفال بصلب المسيح وقيامته هو روح التدين.”
صرخ الشيطان الأعظم في روح ضد المسيح وقال له: “لا تذكر أمامي هذه الكلمة البغيضة مرة أخرى. لا تنطق بكلمة “القيامة” أو “قيامته”، فأنا لا أكترث كثيرًا إذا قلت صلبه أو موته أو حتى قبره لكن لا تتكلم عن قيامته أبدًا.”
أجاب روح ضد المسيح: “آسف يا سيدي الشيطان الرئيس. أنا وكل زملائي أيضًا نبغض هذه الكلمة من كل قلوبنا.”
سكت روح ضد المسيح حتى لا ينطق بكلمة “قيامته”، وقال الشيطان الرئيس: “مفهوم مفهوم. أكمل دون ذكر الكلمة البغيضة.”
قال روح ضد المسيح: “سمعًا وطاعة”، ثم نظر إلى روح التدين وأذن له بالكلام، فقال روح التدين: “نظرًا لضيق وقتكم وكثرة ما نقوم به من نشاطات في مثل هذه الأوقات مع المسلمين والمسيحيين سألخص لكم دورنا في مسألة صلب المسيح فيما يلي:
أ- أولًا نجحنا في أن نجعل الصليب وما حدث مع المسيح في اليوم الثالث، ولا أريد أن أنطق بالكلمة البغيضة المعبرة عن ما حدث للمسيح في اليوم الثالث، مجرد يوم للعيد والاحتفال وعمل الكعك والبسكويت والغريبة والزيارات واللقاءات ليس إلا.
ب- فرضنا على المسيحيين من خلال قياداتهم الكنسية الصوم لمدة خمسة وخمسين يوم وأن يمتنعوا عن أكلات بعينها ويتناولوا أكلات أخرى. وكل مَنْ لم يستطع الصوم ألهبنا ظهره بعقدة الذنب والتقصير وكسر الصوم الكبير وأقنعناه أن مسيحهم غير راض عن تقصيرهم في الصوم فأصيبوا بالاكتئاب والإحباط من إصلاح أنفسهم ومن قرع صدورهم وهم يقولون: “اللهم ارحمني أنا الخاطئ”، وكفوا عن محاولة إرضائه والصوم له، ومنهم مَنْ ترك مسيحه ومسيحيته بالكامل وانضم إلى صفوفنا.”
ضحك الشيطان الأعظم فضحك معه كل رؤساء أقسامه الشيطانية، وقال الشيطان الكبير: “لقد ذكَّرتني يا روح التدين بقصة ظريفة حدثت معي أنا شخصيًا فيما يتعلق بصوم رجال الدين قبل عيد القيامة.”
قال روح التدين: “اروِ لنا يا سيادة الرئيس من فضلك ما حدث معك بهذا الشأن.”
قال الشيطان الأعظم: “قمتُ بزيارة لأحد الأديرة في الأسبوع الأخير للصوم الكبير ورأيت هناك من خلال شباك في ممر طويل لغرفة راهب حديث العهد بالرهبنة، وقد أعياه الصوم جدًا وكان كل مشتهاه أن يأكل بيضة مسلوقة. جعلتُ الراهب يفكر في البيض المسلوق والكمية الكبيرة التي كان يلتهمها دفعة واحدة عندما يشتهي البيض المسلوق في غير أيام الصوم، فتدفق لعابه في فمه وكأنه يمضغ بالفعل البيضة المسلوقة. سمعتُ الراهب يقول لنفسه: “أتمنى أن آكل ولو بيضة واحدة مسلوقة، لكنه الصوم.” تدخلتُ أنا في المشهد بسرعة وقلتُ له: “لماذا لا تأكل بيضة بدلًا من أن تتحرق لأكلها؟” أجابني وهو لا يعلم أنني أنا الذي أكلمه وقال متحدثًا إلى نفسه: “لا أستطيع أن آكل بيضة مسلوقة لأن هذا الصيام ممنوع فيه أكل البيض.” أسرعتُ أنا وقلتُ له: “أنت لست الوحيد الذي يكسر الصوم ويأكل مما هو محرم فيه، فزملاؤك كلهم يأكلون ما لا يحل أكله في الصيام، ثم مَنْ سيعرف أنك أكلت بيضة مسلوقة لو سلقتها وأكلتها في حجرتك بعيدًا عن أعين بقية زملائك الرهبان؟ وفي النهاية فهي بيضة وليست خطية أن تأكلها إذا اشتهيتها.” فهم الراهب أنني أنا الذي أكلمه وعمل تمامًا كما عمل آدم وحواء في الجنة يوم عصيانهما لإلوهيم وأكلهما من الشجرة المحرمة عليهما الأكل منها. رد علي الراهب وقال: “كيف يمكنني أن أسلق بيضة في غرفتي بعيدًا عن أعين الرهبان؟” ضحكتُ في داخلي وقلتُ لنفسي: “لقد نجحت أيها الشيطان الأعظم. الآن سيفعل الراهب أي شيء ليطفئ شهوته لأكل البيضة المسلوقة.” فقلتُ له: “فكر واعمل وكل ولا تبق في نفسك شهوة للأكل.” أخذ الراهب يفكر ويفكر واهتدى إلى فكرة حتى أنا الشيطان الأعظم لم يكن في إمكاني أن أتخيلها أو أفكر فيها. ذهب الراهب إلى المطبخ في وقت الصلاة، وكان المطبخ خاليًا من الناس، وأخذ بيضة وشمعة وأعواد كبريت واحضرها إلى غرفته. أشعل الراهب الشمعة وأمسك البيضة بين مسمارين ووضع الشمعة المشتعلة تحت البيضة وأخذ يحرك البيضة عن طريق المسمارين ببطء شديد حتى يشوي البيضة ليأكلها. كنتُ أنا واقفًا أراقبه وأقول لنفسي: “كيف أتى هذا الراهب بهذه الفكرة الشيطانية؟” ظل الراهب يشوي في البيضة بهذه الطريقة حتى قارب على الانتهاء من شيها ممنيًا نفسه بالاستمتاع بأكلها دون أن يعرف أحد من زملائه في الدير بجريمته. وفجأة ظهر أمامه رئيس الدير ورأى ما كان يفعله الراهب فقال له: “ليه يا ابني كده، دا احنا في الصوم الكبير، وما ينفعش ناكل بيض.” قال الراهب: “سامحني وحاللني يا أبانا، أنا أخطأت، لكن صدقني الشيطان هو اللي أغراني وخدعني وجعلني أشتهي أن آكل بيض في هذا الصيام.” سأل الحضور: “وماذا قلت أو فعلت أنت عندئذٍ؟” قال الشيطان الأعظم: “كشفتُ أنا عن ذاتي وقلتُ لرئيس الدير: “ما تصدقوش يا سيدهم، دا كذاب، دانا الشيطان شخصيًا لا أعرف كيف أشوي البيض على شمعة، وأنا بتعلم منه كيف أشوي البيض على الشمعة أنا كمان.”
ضحك كل الحاضرين مرة أخرى، فقال الشيطان الرئيس لروح التدين: “أكمل أنت حديثك.” قال روح التدين:
ج- في الأسبوع الأخير من الصوم والسابق ليوم العيد، جعلنا الكنائس تطلق عليه “أسبوع الآلام” بدلًا من أن يطلقوا عليه الاسم الذي يعبِّر عن حقيقته بالنسبة لهم كأن يطلقوا عليه “أسبوع الانتصار” أو “أسبوع التحرير” أو “الخلاص” وغيرها من الأسماء المعبِّرة عن حقيقة ما حدث لنا ولهم. حوَّلنا كل مظاهر العيد والفرح التي كتب عنها عدونا بولس الرسول: “لأن فصحنا المسيح قد ذُبح إذًا لنعيد” إلى حزن وبكاء وقرع الصدر، وأطلقنا على كل ذلك لفظة “التوبة”، وجعلنا الكنائس تنشر الستائر السوداء على حوائطها وممراتها وقاعاتها، ومنعنا الاحتفالات المبهجة بكافة أشكالها وأنواعها في أيام الصوم وخاصةً في أسبوع الآلام، وحرَّمنا على الناس الفرح والفرحة في أيام الصوم، فلا زواج يمكن أن يتم في أيام الصيام، والمتزوجون حرَّمنا عليهم ممارسة العلاقة الزوجية الحميمة في أيام الصوم. وجعلنا البعض يشرب الخل في يوم الجمعة التي أسموها بالكبيرة أو العظيمة أو الحزينة، وهم مقتنعون أنهم يشربونه كما شربه مسيحهم على الصليب، مع أن إنجيلهم قال عن عدونا المسيح إن العسكر “أعطوه خلًا ممزوجًا بمرارة ليشرب. ولما ذاق لم يرد أن يشرب”.”
أشار روح ضد المسيح إلى روح الضلال وقال: “وأنت ماذا أعددت لهذه المناسبة؟”
قال روح الضلال: “عملنا كما نعمل في كل مناسباتهم كمسيحيين ومسلمين، جعلناهم يزورون بعضهم البعض في احتفالات رسمية حكومية وغير حكومية، وجعلناهم يلهبون ظهور الناس بشعاراتهم، فمن هاتف يقول: “عاش الصليب مع الهلال”، لمتحدث عن الوحدة الوطنية والنسيج الواحد، والمصير المشترك، وجعلنا المسئولين الكبار يذهبون لزيارة كنائسهم وكاتدرائياتهم ويقسمون لهم: “والله العظيم إننا بنحبكم وإن مفيش حاجة اسمها مسيحي ومسلم في حاجة اسمها مصري”، فتلتهب أيدي الحاضرين المغيبين بالتصفيق الطويل. وفي النهاية، نهنئ أنا وروح الغي بعضنا البعض على ما وصلنا إليه بفضل إرشاداتكم لنا ومجهوداتكم الكبيرة في نشر أفكار مملكتنا الشيطانية العظيمة.”
أشار روح ضد المسيح وقال لروح الكذب: “وأنت ماذا أعددت لهذه المناسبة؟”
قال روح الكذب: “عندما فشلنا في أن نجعل الناس يقتنعون أن نجعل الناس يقتنعون أن اليهود ما قتلوه وما صلبوه لكن شبه لهم، حيث إن حادثة الصلب كانت علنية ورآها الجميع وكتب عنها كتابُ المسيحيين غير المقدس، وتلاميذ عدونا المسيح وآباء الكنيسة الأولين على اختلاف طوائفهم والمؤرخون لمدة ستة قرون، قلنا لهم كذبًا إن من صُلب كان يهوذا الإسخريوطي أو أحد حواري المسيح، أو شخص آخر صلب بدل منه بعد أن ألقى الله بشبه المسيح عليه، لكن كل أكاذيبنا باءت بالفشل إذ لم نستطع أن نقول لهم من هو الذي صلب بدل المسيح ولماذا لم يصرخ ويقول إنه ليس هو المسيح، والناس تتساءل كيف أن أمه العذراء مريم هي الأخرى خدعت في ابنها المصلوب ولم تكتشف أنه ليس ابنها مما جعلها تذهب باكرًا عند القبر يوم الأحد هي وأخريات من المريمات. لكن الضربة القاضية لنا، التي فضحت كذبنا في هذا الأمر هو ما كتبه الإمام الرازي عن استحالة أن يكون من صُلب هو شخص آخر غير المسيح وبعد أن ذكر الرازي عدة حقائق لا تقاوم ولا تدحض عن حقيقة صلب المسيح، روجنا للكذبة القائلة إن تلاميذه جاءوا ليلًا وسرقوه، وجعلنا الناس يصدقونها وينشرونها بينهم، ويؤمنون إيمانًا قويًا راسخًا بأنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم. وبالتالي فليست هناك قيامة لعدونا المسيح حيث لم يكن هناك صلب له من الأصل.
أنهى الشيطان الأعظم الجلسة قائلًا: “بالرغم من حزني وغضبي الشديد الذي ينتابني كلما تذكرت انتصار عدونا علينا في الصليب، إلا انه عندما ألتقي بكم وأعرف منكم أخبار وأعداد أولئك الذين استطعنا أن نضلهم وأنهم أكبر عددًا وأكثر غيرةً ونشاطًا من المؤمنين الحقيقيين بعدونا، أجدد العهد والعزم مع نفسي ومعكم على إكمال المسيرة حتى نذهب إلى مصيرنا المحتوم في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت مع كل مَنْ استطعنا إضلالهم. لذا فشكرًا لكم جميعا على مجهوداتكم الشيطانية الكبيرة لبناء مملكتنا العظيمة. وإلى اللقاء في وقت قريب ومناسبة أخرى تحتاج إلى الإعداد الدقيق لها.”
وقف الشيطان الأعظم فوقف معه الجميع، ورفع يده اليمنى فرفع الجميع أيديهم وقال فرددوا وراءه:
“أقسم بالشيطان العظيم، رئيس سلطان الهواء، الحية القديمة، أن أكون مخلصًا في بناء والحفاظ على مملكتنا الشيطانية، وأن أضل عباد عدونا إلوهيم الصالحين، وأضل لو أمكن المختارين، أمين.”
أصدر الشيطان الرئيس أوامره بالانصراف وممارسة كل لمهامه الشيطانية لحين عقد اجتماع آخر.