20.4 C
Cairo
الإثنين, ديسمبر 23, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيهل قال المسيح: أنا هو الله فاعبدوني؟

هل قال المسيح: أنا هو الله فاعبدوني؟

ق. رأفت رؤوف الجاولي

إذا كنت تريد أن ترى المسيح يقف فجأة في الكتاب المقدس أمام الناس وتظهر البروق والرعود من السماء معلنة عن عظمته وإذا به يقول: “أنا هو الله فاعبدوني”، فإن هذا ما هو إلا توقع ساذج. هذا أشبه بصور القوى الخارقة لشخصيات في الأفلام مثل: باتمان وسوبرمان وسبايدرمان.

أيضًا قصة بروعة وجمال قصة العهد الجديد لا يمكن أن يتماشى هذا المشهد الإعلاني مع محتواها العميق.

إن شخصًا بحكمة وعمق شخص المسيح لا يفعل هذا أبدًا، فهو المكتوب عنه بالنبوة:

لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارعِ صوته..” (إش42: 2-4)

ويمكن دراسة هذا الموضوع الهام في ضوء النقطتين التاليتين:

أولًا: حوار المسيح مع السامرية في (يو4: 7-29)

وقبل شرح هذا الحوار تفصيلًا، لا بد من فهم بعض الأمور: إن المسيح قصد أن يجعل الناس يفكرون ويبحثون ليعرفوا ليس فقط من هو؟ بل أيضًا لفهم كل الحقائق والمعلنات الإلهية الثمينة. لذا عندما سال تلاميذه: من يقول الناس إني أنا؟ دعم إجابة أحد تلاميذه، سمعان بطرس، بالقول: “طوبى لك”، أي ما أسعدك، فأنت محق فيما أُعلن لك بشكل روحي خاص، وذلك كما نقرأ في (مت16: 16 و17) “فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي، فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا”

ويُعد هذا الحوار من أبدع الحوارات في الكتاب المقدس، فنرى فيه تدرج الفهم من خلال مراحل ثلاث:

1- مستهل الحوار: (ع 7-10) (معرفة عامة عنه)

ونرى اعتقاد امرأة سامرية عنه في بداية الحوار، فالمسيح أثار فيها السؤال: مَنْ أنا؟

“فقال لها يسوع: أعطيني لأشرب، فقالت له المرأة السامرية: كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ أجاب يسوع وقال لها: لو كنت تعلمين عطية الله، ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فاعطاك ماء حيًا”

“لو كنت تعلمين”: تساؤل المسيح كان لكي يثير التفكير لديها والبحث. المسيح يريدها أن تكتشف شخصه الذي يعطي بسخاء ولا يعير فتطلب هي منه، لا تراه مسافرًا في عطش بل إلهًا يعطي حياة، لأنه هو العطية العظمى! هو كنز الحب الإلهي الفائق المروي ظمأ النفس.

هي لم تكن تدرك أنه هو عطية الله الذي بذل نفسه ليعطي حياة لكل الذين قبلوه (يو3: 16). إن عطية الله لا تجعل الإنسان مكتفيًا به فقط، بل يصير نبعًا يروي احتياجات الآخرين.

2- منتصف الحوار: (ع16-19) (معرفة أعمق نسبيًا)

“قالت له المرأة: يا سيد، أرى أنك نبي!” ماذا فعل المسيح في ضوء إجابتها هذه؟

لم ينتهرها لاعتقادها بأنه نبي مع أنه ليس كذلك بل ساعدها كما سنرى لتدخل عمق أفضل.

أما المفاجأة التي أذهلها بها المسيح فهي إعلانه عن معرفة كل ماضيها، بل والحاضر الذي تعيشه أيضًا، فقالت: “يا سيد”، بعد أن كانت ترفض التحدث معه أولًا لأنه يهودي، ثم شهدت أيضًا أنه “نبي” بعد أن كانت تسخر وتقول: “ألعلك أعظم من أبينا يعقوب؟ لكن عندما أفرغت المرأة خطاياها استضاءت عينها ورأت المسيح كنبي ومع أنه فهم باهت للغاية إلا أنه يُعتبر خطوة على الطريق حتى تصل للفهم الأعمق فيما بعد.

3- ختام الحوار: (ع20-29) (إدراك تام لمن هو):

“قالت له المرأة: أنا أعلم أن مسيا، الذي يقال له المسيح، يأتي.. ألعل هذا هو المسيح؟”وتعليقًا على الآيات السابقة:

لقد تدرج المسيح معها خطوة خطوة حتى عرفته، فالمسيح لم يقل لها: أنا لستُ نبيُا، فهو لا يهدف لأن ينتزع اعترافًا من شخص حتى يصل الشخص نفسه إليه في ثقة وفهم عميق .وكلما بدأت تقترب من المسيح تنفتح بصيرتها وتدخل في المجال الروحي للمسيح، فلاحظت أن الذي أمامها هو أكثر من نبي فهو يتكلم بسلطان، إذًا فهو المسيا (المسيح المنتظر).

آية (26): “قال لها يسوع: «أَنا الذي أكلمك هو”

توقع المرأة لهذه الحقيقة هو الذي دفع المسيح لإعلانها أنا هو الذي أكلمك و(أنا هو) هو اسم يهوه (الله) الشخصي. هذا قمة استعلان المسيح لنفسه. وإذ وصلت إلى هذه المرحلة التي تحمل فيها رجاءها بانتظار المخلّص -رجاء اليهود والسامريين- أجابها المسيح معلنًا عن ذاته وكاشفًا عن نفسه: “أنا… هو”. بالحقيقة لم يعطِ إجابة واضحة لليهود الذين كانوا يقولون باستمرار: “إلى متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرًا” (يو10: 24)، أما لها فأخبرها بوضوح إذ رأى أن شغف قلبها أن تكتشفه وأن تفهم ما يقول.

.

ثانيًا: منطقية التجسد الإلهي (الله المتكلم):

1- مفهوم “الكلمة” بحسب اللغة العربية:

في إنجيل يوحنا: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله” (يو1: 1(

المسيح هو كلمة الله يعني أنه المعبِّر عن الله تمامًا. فهل يمكن فصل الكلام عن قائله؟ فكلمة فلان تعني أن فلان شخصيًا هو المتكلم. إذًا كلمة الله تعني أن الله شخصيًا هو المتكلم. فإذا قلنا إن المسيح هو كلمة الله فإن هذا يعني أن المسيح هو المتكلم والمعبِّر عن الله.

2- الله المتكلم في الجبل:

ونسرد هنا ما حدث مع نبي الله “موسى”: “.. وأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله.. فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا، وموسى يتكلم والله يجيبه بصوت” (خر 19: 16-19). هذه صورة معروفة جيدًا توضح كيف أتى الله برعود وبشكل مخيف. ويستسيغ الإنسان تمامًا أن الله يأتي في جبل يدخن فهو الله العظيم الإله القدوس المهوب.

لكن، هل يمكن لأي أحد أن يتعامل معه أو يتكلم إليه بخلاف موسى؟ الإجابة بكل تأكيد: لا يمكن هذا على الإطلاق. وأيضًا تكلم الله مع موسى مرة أخرى في الجبل، لكن موسى لم يستطع رؤيته على الإطلاق. (خر 33: 18-23)

3- الله المتكلم في الشجرة:

وهذا أيضًا مستساغ جدًا

“أما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب. وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار، والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى: أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم. لماذا لا تحترق العليقة؟ فلما رأى الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى، موسى! فقال: هأنذا. فقال: لا تقترب إلى ههنا. اخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة» (خر3: 1-5) بالطبع ظهور الله بهذا الشكل يؤكد هيبته وسموه وعلوه فوق البشر.

4- الله المتكلم في الإنسان:

“مَنْ صار له مشيرًا؟” (رو11: 33-36) “يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء! «لأن من عرف فكر الرب؟ أو من صار له مشيرًا؟ أو من سبق فأعطاه فيكافأ؟» لأن منه وبه وله كل الأشياء. له المجد إلى الأبد. آمين.”

ومَنْ ذا الذي يستطيع أن يدَّعي المعرفة فيقول: أنا أستطيع أن أفحص أحكام الله، وكأنه أعظم من الله؟ أو مَنْ يقدر أن يحقق ويفحص طرق الله وأساليبه؟ وكأن خطط الله تنقصها الدقة أو الحكمة. مَنْ يستطيع أن يقول: أنا أعرف كيف يفكر الله أو أنا مستشار الله؟ مَنْ أعطى الله شيئًا من عنده كإنسان، فاستحق مكافأة على عطائه لله؟

والتساؤل الهام بناءً على منطقية الأسئلة السابقة هو: هل هناك ما يمنع الله من أن يفعل ما يشاء بأي أسلوب يراه؟

هل يمكن منع إرادة الله في فعل أي أمر إذا كان هذا الأمر غير مستساغ لدى الإنسان؟ وإذا قال البعض إن الجسد الإنساني قد يحمل الخطية فهل الخالق القدوس البار يسمح لنفسه بان يكون في موضع خطية؟ وقف المسيح مجاهرًا وقائلًا: “من منكم يبكتني على خطية؟”(يو8: 46)

أمر آخر شديد الأهمية: هو أن الله الكلمة (المسيح) في تجسده حمل الطبيعتين البشرية والإلهية دون أي خلط او امتزاج، وهو الوحيد من دون الجميع الحامل للطبيعتين وهو القادر على الفصل التام بينهما دون إضعاف للطبيعة الإلهية ودون إعلاء خاص للطبيعة البشرية سوى عدم الخطية على الإطلاق.

5- لماذا الله يأخذ جسدًا إنسانيًا؟ روعة التجسد الإلهي

مفهوم “الكلمة” بحسب الفكر الكتابي: المسيح الكلمة الأزلي (يو 1)

“في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله” (ع 1) جاءت هذه العبارة في ثلاثة مقاطع تحتوي كل من: كلمة “الكلمة” والفعل “كان”. هنا الفعل يدل على الكينونة الدائمة القائمة في البدء لا على الزمن. في هذه المقاطع: كان الكلمة في البدء، وكان مع الله، وكان هو الله. و”الكلمة” في اللغة اليونانية هي اللوجوس وهي مأخوذة من الفعل اليوناني(I say) ، ومعناه ينطق أي النطق المعقول أو العقل المنطوق به. وهي لا تعني مجرد كلام.

ومن هنا كانت “الكلمة”: تعني عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل. فهي تعني العقل والنطق معًا.

في البدء: هو ما قبل الخلق والزمن والتاريخ، حيث لم يوجد سوى الله الكائن بذاته. يبدأ ببداية الكينونة.

“في البدء كان الكلمة” أي أن الكلمة أزلي هو بدأ بما لا بداية له. ونرى المسيح يقول: “أنا من البدء ما أكلمكم أيضًا به” (يو8: 25)، أي أنا الكائن المتكلم في الأصل أو منذ الأزل. وأيضًا: “الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا” (1 يو 1: 1). وقال: “أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح… قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”(يو8: 56 و58)

– يوحنا يؤكد أن الكلمة هو “في البدء”

هو ليس فقط قبل التجسد بل قبل كل الأزمنة. فالكلمة (أي شخص المسيح) كان موجودًا في البدء، أي قبل الأزمنة. الكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده، مجدًا … مملوءا نعمة وحقًا” (يو1: 14).

“الكلمة” إذ صار جسدًا، دخل إلى عالم البشر، لا خلال رؤية أو حلم أو كضيف غريب، وإنما كإنسانٍ حقيقيٍ كاملٍ.

أخيرًا:

أمام روعة هذا الإعلان العظيم هل يمكن عزيزي القارئ أن تجلس فترة من السكون والصمت مفكرًا ورافعًا قلبك إلى الله لكي يرشد خطواتك. المسيح الكلمة لا يزال متكلمًا ولم ولن يصمت أبدًا بل على الدوام يتكلم مريحًا ومرشدًا ومشجعًا وشافيًا ومرويًا لكل عطش النفوس. وهو يقولك لك: “لو كنت تعلمين عطية الله… لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيًا” (يو4: 10). هذه الهدية السماوية السعيدة والعظيمة ليس الكل يستمتعون بها أو يقتربون إليها.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا