15.4 C
Cairo
الإثنين, ديسمبر 23, 2024
الرئيسيةتحقيقاتمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ 55 يعتمد قرارًا...

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ 55 يعتمد قرارًا “التصدي للكراهية الدينية”

وسط أجواء من الكراهية والتحريض على العنف وقضايا التحول الديني وحرق الكتب المقدسة

مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ 55 يعتمد قرارًا “التصدي للكراهية الدينية”

المؤيديون: سيساهم القرار في لفت النظر عالميًا إلى حوادث العنف القائم على المعتقد الديني في كل دول العالم

المعارضون:  غير متوازن وحقوق الإنسان تحمي “الأشخاص وليس الأديان أو المذاهب أو المعتقدات أو رموزها

تحقيق: د. ماريانا يوسف

تزايد خطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم مع احتمال التحريض على العنف وتقويض التماسك الاجتماعي والتسامح والتسبب في أذى نفسي وعاطفي وجسدي للمتضررين. وبالطبع لا يؤثر خطاب الكراهية على الأفراد والجماعات المستهدفة فحسب، بل يؤثر أيضًا على المجتمعات ككل.

إن التأثير المدمر للكراهية ليس شيئًا جديدًا للأسف. ومع ذلك، فقد تم تضخيم حجمها وتأثيرها اليوم من خلال تقنيات الاتصال الجديدة، لدرجة أن خطاب الكراهية أصبح أحد أكثر الأساليب شيوعًا لنشر الخطاب والأيديولوجيات المثيرة للانقسام على نطاق عالمي. وإذا تُرك خطاب الكراهية دون رادع فيمكن أن يضر بالسلام والتنمية، لأنه يمهد للصراعات والتوترات وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع.

نظريًا، هناك المئات من القوانين والمواثيق والعهود والقرارات والتوصيات التي تطالب بالتعايش السلمي بين أتباع الأديان والمعتقدات، وتشدد على ضرورات التسامح وعلى تطوير المجتمعات لتكون مسالمة ومدافعة عن الحقوق الإنسانية ولا تتهاون مع التحريض على الكراهية والعنف.

مؤخرًا اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الـ 55 قرار “التصدي للكراهية الدينية”، إذ تُعد الكراهية الدينية مرتكزًا للتحريض والتمييز والعنف على أساس الاعتقاد الديني. وجاء التصويت بأغلبية دول المجلس البالغ إجمالي عددها 47 دولة، حيث وافقت على القرار 28 دولة مقابل اعتراض 12 دولة، وامتناع 7 دول عن التصويت.

ودعت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا الأمم المتحدة في وقت سابق إلى التصويت ضد مشروع القرار، وقال السفير البلجيكي، مارك بسكستين، المتحدث باسم الكتلة الأوروبية، إن “مسألة تحديد الخط الفاصل بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية معقدة.”

وناقش المجلس على مدار يومين، ضمن أعمال دورته الجديدة للمجلس، مظاهر الكراهية الدينية المتكررة، بما في ذلك الحادثة الأخيرة التي شهدتها السويد، والتي تُعد عنفًا على أساس المعتقد الديني، حيث قام لاجئ عراقي بحرق المصحف بموافقة من محكمة سويدية.

جلسة طارئة بناءً على طلب باكستان

تم إصدار القرار على إثر مناقشة طارئة طلبتها باكستان باسم عدد من دول منظمة التعاون الإسلامي بعد حرق مصحف في السويد. ووافق على القرار 28 عضوًا في المجلس من أصل 47، بينهم الصين وأوكرانيا ومعظم الدول الإفريقية، فيما امتنع سبعة أعضاء عن التصويت وصوَّت اثنا عشر ضده، من ضمنهم فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

 وينص القرار الأممي على إدانة “أية دعوة وإظهار للكراهية الدينية، ومنها الأنشطة الأخيرة، العلنية والمتعمدة، التي أدت إلى نزع صفة القداسة عن القرآن” ودعوة الدول إلى اعتماد قوانين تسمح لها بمحاسبة المسئولين عن هذه الأفعال.

 ويُطلب من الأمم المتحدة تحديد البلدان التي ليس لديها مثل هذا التشريع وتنظيم طاولة مستديرة للخبراء لبحث الموضوع. إلا أن عددًا من الدول الغربية أعربت خلال المناظرات عن معارضتها لقوانين مناهضة التجديف، ودعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى التصويت ضد القرار.

 وامتنعت بعض دول أمريكا اللاتينية، بينها المكسيك وهندوراس، عن التصويت، معتبرة، على غرار الدول الغربية، أن هناك حاجة إلى تخصيص مزيد من الوقت للتفاوض والتوصل لإجماع. وقبل التصويت، أكدت المكسيك أن “أي تعبير عن انتقاد الأديان لا يشكل في حد ذاته تحريضًا على العنف والتمييز”.

مفوض الأمم المتحدة: من الضروري أن يتمتع الجميع بالحق بأن يؤمنوا أو ألا يؤمنوا

وقال مفوَّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان “فولكر تورك” خلال أعمال الدورة: “قد تؤدي الإساءة لمظاهر معتقداتنا الراسخة أو تدميرها إلى استقطاب في المجتمعات وتفاقم التوترات.”

وأشار فولكر في خطابه إلى عدة نقاط منها: التأكيد على مبدأ القبول، وأن يتصرف الناس باحترام تجاه الآخرين، كل الآخرين، وأن الحوار هو السبيل الوحيد الذي يُمكّن من التصدي للتحديات. وأضاف فولكر أنه ولعقود طويلة تتم إهانة الناس بالخطابات والأعمال التحريضية الموجهة ضد المسلمين، وكراهية الإسلام، ومعاداة السامية، والخطابات التي تستهدف المسيحيين أو الأقليات.

وذكَّر بأهمية التنوع، وضرورة أن يتمتع جميع الناس على قدم المساواة بالحق في أن يؤمنوا أو ألا يؤمنوا، وهذه الحقيقة الأساسية مترسخة في صميم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك معالجة خطاب الكراهية.

توقيت القرار.. بالتزامن مع مرور 75عام من الإعلان العالمي

ويأتي القرار متزامنًا مع الاحتفال بمرور 75 عامًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو التوقيت الذي من شأنه أن يثير أسئلة عدة حول ما تحقق من مبادئ العدالة والمساواة ورفض التمييز على أي أساس، ومن بين ذلك الدين، حيث يرفض الإعلان يرفض أن يكون الدين أساسًا في التمييز، وذلك حسبما جاء في الإعلان بالمواد 2 و16 و18 و26.

ففي المادة الثانية، يقر الإعلان بحقوق الإنسان دون تمييز: “لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر.”

وكذلك المادة 18 تنص على أنه “لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد، وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.”.

توصيات المجلس وبحث الإجراءات

دعا القرار إلى اعتماد قوانين وسياسات وأطر وطنية لإنفاذ القانون تعالج وتمنع وتقاضي الأفعال والدعوة إلى الكراهية الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف وتتخذ خطوات فورية لضمان المساءلة.

كما أعرب المشاركون في الاجتماع عن قلقهم من عمليات التحريض والتمييز والعنف، وقال المجلس إن المشكلة ستكون قيد نظره، وستناقَش في دورة المجلس الخامسة والخمسين، بما في ذلك أولًا: بحث الفجوات التي قد تكون مقيدة لإنفاذ القوانين، وثانيًا: اقتراح تدابير الردع بما في ذلك المتعلقة بأعمال التحريض عبر الإنترنت.

أهمية القرار في الوقت الحالي

يتخذ القرار أهميته، لعدة أسباب منها ما يلي:

أولًا: ارتفاع موجة أعمال الكراهية على أساس المعتقد الديني، بما في ذلك التحريض والتمييز والعنف.

ثانيًا: أن رفض كافة أشكال التمييز يأتي ضمن أعمال المجلس واختصاصاته، لكن لم تكن أعمال التمييز على أساس الدين مطروحة بقوة كما أوجه التمييز الأخرى.

ثالثًا: يُعد القرار نجاحًا في التفريق بين حرية الاعتقاد وبين أعمال العنف على أساس الاعتقاد ذاته، إذ تُعد أعمال العنف على أساس الاعتقاد نقضًا للحق في الاعتقاد كأحد مرتكزات حقوق الإنسان.

رابعًا: سيساهم القرار في لفت النظر عالميًا إلى حوادث العنف القائم على المعتقد الديني في كل دول العالم.

خامسًا: يساهم القرار في تحقيق مبدأ “المساءلة والمشاركة، كركيزتين أساسيتين لبناء الثقة بين المجتمعات المحلية والدولة، والحفاظ عليها وإدامة السلام عند وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”، كما أنه يعبِّر عن التضامن الإنساني، وجهود منع أو توسع النزاعات والعنف.

أصداء القرار

رحبت عدة جهات دولية حقوقية بالقرار، كما أعلنت عدة منظمات وحكومات عن ترحيبها باعتماد مجلس حقوق الإنسان مشروع القرار، ما يساهم في التصدي لظاهرة الكراهية والتمييز على أساس الدين.

وقالت السفيرة الأمريكية ميشيل تايلور: “نأسف لاضطرارنا للتصويت ضد هذا النص غير المتوازن، لكنه يتعارض مع مواقف اتخذناها منذ فترة طويلة بشأن حرية التعبير.” أما نظيرها الفرنسي جيروم بونافون، فقد أشار إلى أن حقوق الإنسان تحمي “الأشخاص وليس الأديان أو المذاهب أو المعتقدات أو رموزها.”

 واعترف سفير بريطانيا سايمون مانلي، مثله مثل عدد من الدبلوماسيين الغربيين الآخرين والأمم المتحدة، بأن حرية التعبير يمكن تقييدها في حالات استثنائية. وقال: “نحن لا نقبل بالقول إن الهجمات على الدين (…) بحكم تعريفها تشكل دعوة إلى الكراهية.”

وقال السفير البلجيكي مارك بيكستين دو بويتسويرف، المتحدث باسم الكتلة الأوروبية، إن “مسألة تحديد الخط الفاصل بين حرية التعبير والتحريض على الكراهية معقدة.”

الموقف العربي من القرار

رحب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية بالقرار الصادر عن الدورة (53) لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتي عُقدت بجنيف بشأن «التصدي للكراهية الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف»، والذي يعيد التأكيد على المسئولية التي تقع على جميع الأطراف في التنديد علنًا بالدعوة إلى الكراهية الدينية، بما في ذلك تدنيس الكتب المقدسة وبحث سبل مقاضاة مرتكبيها.

ورحبت دولة الإمارات باعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مشروع قرار مكافحة الكراهية الدينية والتي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف، مشدّدة على ضرورة ترسيخ احترام الأديان والتسامح والتعايش السلمي، وهي المبادئ التي تبقى السبيل الأنجع نحو الازدهار والتقدم والعيش المشترك.

وأكدت الإمارات التزامها بـ”دعم التفاهم المشترك وتعزيز جسور التواصل والحوار بما يساهم في الاستقرار والازدهار إقليميًا ودوليًا، وأنها تسعى على الدوام إلى تجسيد الأخوة الإنسانية واحترام حرية المعتقد الديني، وستواصل كافة جهودها الداعمة للتسامح والاعتدال، والرافضة لكل الأعمال التي تسعى إلى نشر خطاب الكراهية والتطرف.”

كما رحبت وزارة الخارجية الأردنية بالقرار وأكدت ضرورة التصدي لـ”أفعال الكراهية بكل أشكالها، مشددة على أن التصدي لثقافة الكراهية والتمييز ورفض الآخر هو مسئولية مشتركة، وضرورة لتكريس ثقافة السلام والقيم الإنسانية المشتركة.”

الموقف العراقي… والكيل بمكيالين

رحبت وزارة الخارجية العراقية باعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مشروع قرار “التصدي للكراهية الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف.”

 وقالت الوزارة – في بيان – إن “مشروع القرار جاء بعد مطالبة العراق بعدم تكرار ظاهرة حرق وتدنيس القرآن الكريم”، أكدت أن هذه الأعمال تتنافى مع قيم التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي والقيم الديمقراطية، وتمثل تحريضًا على الكراهية والعنصرية، وتعيق الجهود الدولية الرامية لنشر قيم التسامح والاعتدال ونبذ التطرف والإرهاب وتقوض الاحترام المتبادل بين الشعوب والدول.

وعلى النقيض، أصدرت العراق قرارًا بسحب اعتماد بطريرك الكلدان في العراق، لويس روفائيل ساكو، وعزله بسبب تقدم ساكو بطلب لتعديل الدستور الحالي الذي قال إنه يميز ضد العراقيين ويمنع المساواة والعدالة أمام القانون ولا يمنح حق المواطنة الكاملة.

كان المسيحيون، ولا يزالون، قيمة سياسية واجتماعية وثقافية وتنموية وروحية مضافة للعراق، كل العراق. وبالتالي فإن كل مؤسسة أو سلطة عراقية، أيًا كان موقعها ومستوى نفوذها، من المفترض أن تحافظ على هذا الحضور المسيحي، لصالح المسيحيين وخدمة لهم أولًا، بوصفهم مواطنين عراقيين يملكون هذا الحق حسب الدستور، واعتبارًا لقيمتهم المضافة التي لم تكن يومًا إلا لصالح العراق.

فالمسيحيون العراقيون ليسوا مجرد رقم ديموغرافي أو أقلية سكانية يشغلون مساحة هامشية من الإنتاج والحياة العامة والحراك الكلي للشعب العراقي، بل كانوا الديناميكية الأكثر حيوية وقدرة على المبادرة والعطاء وإحداث التغيير والتراكم ضمن الفضاء العراقي ولصالحه.

وفي هذا المنحى، فإن اندفاع أي سلطة عراقية لإدخال المسيحيين ومؤسساتهم ونخبهم العليا في دوامة الصراعات البينية، حسب بعض الحسابات قصيرة النظر وضئيلة الحكمة، إنما سيؤدي في المحصلة إلى خسارة العراق لمزيد من ثروته المجتمعية وطاقته التنموية، من دون أي عائد ذي قيمة راهنًا ومستقبلًا.

فقد العراق خلال السنوات الماضية الكثير من مسيحييه بسبب موجة العنف الأهلي الداخلية، وفشل مؤسساتنا الأمنية والسيادية في حماية مواطنيها، وتركهم لبراثن الإرهاب الأرعن. وبذا صارت مهمة الإبقاء على ما بقي من المسيحيين وحضورهم الديموغرافي ودورهم المجتمعي والثقافي والاقتصادي والسياسي واجبًا وطنيًا أعلى، تقيس به وحسبه كل مؤسسات وسلطات البلاد سلوكياتها وإستراتيجيتها العليا.

حنان أبو سكين: خطاب الكراهية يتسبب في حدوث جرائم.

من جانبها، علقت د. حنان أبو سكين، أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بأن خطاب الكراهية وما قد يتسبب فيه من جرائم أصبح مصدر قلق متزايد في السنوات الأخيرة، خاصةً ضد الجماعات العرقية والمهاجرين. ومن جانب آخر، تُعد حرية التعبير من حقوق الإنسان الأساسية وتُعتبر عنصرًا أساسيًا لبناء مجتمعات مستقرة وآمنة وديمقراطية، إلا أن خطاب الكراهية على عكس ذلك يسيئ للأفراد والجماعات وينتقص من آدميتهم بالاستناد إلى القولبة النمطية وشيطنة الآخر وتعريضه للخطر والمفاهيم الخاطئة المتعلقة في أغلب الأحيان بالأصل العرقي أو الدين أو الانتماء السياسي بما يتعارض مع قيم الديمقراطية والتعددية الثقافية.

وأشارت إلى أنه لا يوجد تعريف محدد متفق عليه لخطاب الكراهية لذا فهو من أكثر الموضوعات إثارة للجدل والخلاف.

ووضعت أبو سكين تعريفًا لخطاب الكراهية بأنه خطاب يحفز على التحيز والعداء ويستهدف شخصًا أو مجموعة من الأشخاص بسبب بعض خصائصهم الفطرية الفعلية أو المتصورة. فهو يعبِّر عن مواقف تمييزية أو تخويفية أو مرفوضة أو معادية أو متحيزة تجاه تلك الخصائص والتي تشمل الجنس أو العرق أو الدين أو الإثنية أو اللون أو الأصل القومي أو الإعاقة، ويهدف إلى إلحاق الأذى بالمجموعات المستهدفة أو إزالتها ومضايقتها وترهيبها وإخضاعها للحط من قدرها وتهديدها وإحباطها وإثارة البغض والوحشية ضدها.

د. سامح فوزي: خطاب الكراهية يحدث أيضًا في دولنا العربية ولا بد من الالتفات إليه ووضع قوانين لردعه

من جانبه، يعلق الكاتب الصحفي سامح فوزي بأننا لا بد أن ننظر إلى القرار بميزان متكافئ، فكما سعت الدول العربية الى الترحيب بمثل هذا القرار لأنه جاء على أثر إشعال سويدي النار في المصحف الشريف، فيجب أن ندرك أيضًا أن أفعالًا مماثلة تحدث في دولنا العربية لا بد أيضًا من الالتفات إليها ووضع قوانين لردعها، مثلًا ما فعله البرنس المصري في فيديوهاته شبه اليومية التي قام فيها بحرق الكتاب المقدس وكسر الصليب والازدراء بالملابس الكهنوتية في عشرات الفيديوهات، حتى فطنت الدولة عندما علا صوت الأقباط فقامت بإلقاء القبض عيه في أواخر 2022. كذلك في الأعياد المسيحية يتلذذ البعض بتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تنضح كراهية، يُتهم فيها المسيحيين بالكفر، ويدعو المسلمين إلى رفض تهنئتهم بالعيد. ونجد شابًا آخر يسب الناس المختلفين معه على اليوتيوب، ويؤلب الناس في العالم العربي على دولهم، ويرتدي مسوح المعارضة السياسية، لكنه يدعو إلى قتل المعارضين والمختلفين معه، بدعوى أن ذلك من الجهاد في الإسلام.

كذلك يجب مواجهة الاعتقاد بأن أهل الدين يتقربون إلى الله بكراهية المختلفين معهم في المعتقد. ولكن ما يلفت الانتباه أن الكراهية مقصودة وتجري صناعتها بحرفية، بغية أهداف سياسية بعيدة. فقد لاحظتُ أن صعود وهبوط موجات السجال الديني والتحريض الطائفي ونشر الآراء السلبية في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر يرتبط في المقام الأول بتقلبات السياسة. فقد بلغ التسخين الطائفي ذروته قبل 25 يناير 2011، وذلك عبر جملة من أحداث التوتر الديني مثل أحداث العمرانية، ثم حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، ورافقت ذلك خطابات شديدة التعصب في المجال العام. بالتأكيد كان التيار الإسلامي وراء ذلك، لأنه يعرف أن جانبًا من جماهيريته تأتي من بوابة كراهية غير المسلمين، والتحريض على المسلمين المختلفين معه فكريًا وسياسيًا.

ولذلك يجب أن نكون أكثر وعيًا وحرصًا تجاه محاولات تسميم الأجواء سواء باستدعاء توترات خارجية إلى المجتمع المصري مثل الربط قسرًا بين مسيحيي مصر والإساءة إلى الإسلام في الخارج

وجيه جرجس: مشكلتنا الحقيقية أن البعض يطبق القوانين بشكل انتقائي لاعتبارات تتعلق بالدين

من جانبه، يقول وجيه جرجس، عضو اتحاد كتاب مصر، إن الكراهية الدينية من أشد أنماط الكراهية حساسية وخطورة، وهذا بصورة عامة هو من طبيعة كل أمر له علاقة بالدين أثرًا وتراثًا، تفسيرًا وتأويلًا، وذلك لأن الدين له علاقة ممتدة في التاريخ. والمقصود بالكراهية الدينية ذلك النمط من الكراهية الذي يتصل بالمجال الديني ويتحدد به، إما من جهة الباعث والمنطلق، أو من جهة المعنى والتفسير، أو من جهة الرؤية والموقف، والتي تنشأ متأثرة بالاختلافات التي لها علاقة بالدين. الكراهية الدينية يمكن أن تكون بين الأفراد الذين يتبعون دينًا واحدًا، وليس فقط بين أتباع الديانات المختلفة، وفي إطار الدين الواحد. وهذا النمط من الكراهية ظهر في جميع الديانات السماوية، التي حدثت في جميعها انقسامات وتعددات مذهبية.

مشكلتنا الحقيقية هي أن البعض يطبق القوانين بشكل انتقائي لاعتبارات تتعلق بالدين والطبقة الاجتماعية، إضافةً إلى التعصب والتطرف الفكري الذي يضرب نفوس وعقول قطاعات واسعة من المصريين، والأخطر تسلل هذا التعصب والتطرف إلى قلب مؤسسات الدولة المختلفة. وللأسف الشديد تظل الهوة كبيرة بين الادعاء والتطبيق في موضوع التسامح الديني.

عمرو الشوبكي: المساس بالمقدسات الدينية يُعتبر أمرًا صادمًا ومرفوضًا بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين

علق عمرو الشوبكي، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على ما جرى وقتها بقوله إن “الفارق بين مجتمعاتنا العربية والغربية أنه في الأخيرة هناك تسامح مع أي نقد لكل المقدسات الدينية، سواء كانت مسيحية أو إسلامية، وأن النقد الذي تعرض له الإسلام أخيرًا يأتي في مجتمعات انتقدت – وأحيانًا بصورة أكثر حدة – المسيحية، لأن المجتمع هناك لا يعتبر أن انتقاد المقدسات الدينية يمس قيمه وثوابته الأساسية، في حين أن بلدًا مثل مصر يعتبر المساس بالمقدسات الدينية، أي الإساءة للسيد المسيح أو شتم الإنجيل أو إهانة القرآن الكريم، أمرًا صادمًا ومرفوضًا بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين، وهي كلها أمور يجب أن تخضع للمحاسبة القانونية ما دامت انتقلت إلى العلن والمجال العام، فيصبح الأمر يخص المجتمع والنظام العام والقانون.”

وعلى الرغم من ذلك، تستمر الخلافات والاختلافات حول تعريف كراهية الأديان ومفهوم حرية الرأي والمقصود بحرية التعبير، كما يبقى سؤال بديهي عن المنطق أو الغاية أو المنفعة الكامنة وراء حرق كتاب مقدس أو توجيه السباب لما جاء فيه عبر مكبرات صوت بديلًا من النقاش أو الجدل أو الاختلاف وجميعها أمور لا تفسد للتعايش قضية.

 وأخيرًا.. فإن العالم أضحى على المحك، ودعاية المتطرفين من كل جانب أضحت تمثل خطورة بالغة على كافة المجتمعات، الأمر الذي يحتم على دعاة السلام والتعايش واحترام الأديان الاضطلاع بدورهم المهم والحيوي في الحفاظ على أمن المجتمع، وسن التشريعات والقوانين اللازمة لمنع التطرف بكافة أشكاله وصوره، وبناء جسور التعاون والسلام والاحترام المتبادل بين أبناء الوطن الواحد، حفاظًا على تماسك المجتمعات وقوة العلاقات بين الدول والشعوب، فلعل ذلك القرار الذي كان صدى مباشرًا لحرق المصحف يكون جرس إنذار كذلك للدول العربية لتضع عقوبات على خطابات الكراهية الدينية ضد الأقليات غير المسلمة على أراضيها.

لقد وضع القرار الأممي لمجلس حقوق الإنسان حدًا للتملّص الأوروبي الرسمي من تغذية موجة كراهية المسلمين. ومن شأن احترام القرار والعمل بمقتضاه وقف تلك اللعبة السمجة التي يخوض فيها هواة ومحترفون في ازدراء الرموز المقدسة، ليس للمسلمين حصرًا، بل لسائر أتباع الأديان، وهي رسالة تخاطب مجتمعات أوروبية وغربية، بيد أنها، في الوقت نفسه، تخاطبنا نحن أيضًا، دولًا ومجتمعات وجماعات وأفرادًا، فالتمييز الديني، مثل غيره من أشكال التمييز، أمر مذموم تُنكره الفطرة البشرية، وتحظُره هيئات دولية يُعتدّ بها، ونشارك في عضويتها وفي إصدار قراراتها.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا