تحقيق: إيهاب أدونيا
في تطوُّرٍ لافتٍ وخطيرٍ قد يهدد مستقبل الأمن المائي المصري، ومحاولة للمساس بحقوق مصر في مياه نهر النيل، قامت جنوب السودان بالمصادقة على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل، والمعروفة باسم “عنتيبي”، وتأسيس مفوضية حوض نهر النيل؛ وهو ما يُفضي إلى تجاهل الحقوق التاريخية المائية لمصر والسودان. والمثير للدهشة في هذا الإطار أن مصر لم تدخر جهْدًا في مساندة الدولة الجنوب سودانية، حيث تقوم بتقديم المساعدات الإنسانية وتدشين المشاريع التنموية، إلا أنه على ما يبدو أن نظرية المؤامرة ضد مصر باتت تُدفع بقوة من قِبَل بعض الأطراف، كإثيوبيا وغيرها، وهو ما يُثير التساؤل حول مستقبل أمن مصر المائي خلال المرحلة القادمة.
تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، وموقف مصر
أقدمت جنوب السودان على التصديق على اتفاقية عنتيبي، لتثير بذلك المخاوف بشأن دخول هذه الاتفاقية حيِّزَ التنفيذ، وتدشين مفوضية حوض النيل؛ والتي تتجاهل حقوق دولتيْ المصبِّ مصر والسودان في ماء نهر النيل. وتأتي هذه الخطوة تزامنًا مع اكتمال الملْء الرابع لسد النهضة، والشروع في الملْء الخامس، في إشارةٍ واضحةٍ إلى مساعي إثيوبية طامحة في التأثير على مصالح مصر المائية، ومواصلة استفزاز الجانب المصري. وقد جاء هذا التحرُّك في وقتٍ تتزايد فيه الضغوطات الإقليمية والدولية التي تستهدف ضرب المصالح المصرية، إلا أن مصر تحتفظ بحقِّ الرَّدِّ حال تعرُّضها لأيِّ ضررٍ، خاصَّةً أنها لم تُصدِّقْ على تلك الاتفاقية، كما أنها صرحت في عدد من المواقف أنها محتفظة بحق الرد، وهو ذكاء سياسي.
لم تصدر تصريحات رسمية من قِبَلِ الحكومة المصرية -حتى الآن- فيما يتعلق بقيام جنوب السودان بالمصادقة رسميًّا على اتفاقية عنتيبي الإطارية لدول حوض النيل، ولكن هذه الخطوة قد وقعت وقْع الصاعقة على مصر التي اعتادت على الوقوف بجانب دولة جنوب السودان، وإنشاء العديد من المشاريع مع تقديم حِزَمٍ من المساعدات لها. وبالنظر إلى الموقف المصري، فإنها أرادت التريُّث، حتى لا توصد الباب تمامًا مع جوبا، عبْر تصريحات قد تكون قاصمة، ربما تُنهي ما تبقَّى من العلاقات بينهما.
اتفاقيات تنظم علاقة دول المنبع والمصب
اتفاقية عنتيبي
في مايو 2010، تمَّ وضْع اللمسات الأولى لاتفاقية عنتيبي، بتوقيع 4 دول من حوض النيل (إثيوبيا، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا) بمدينة عنتيبي الأوغندية، وأعربت كينيا عن تأييدها لهذا الاتفاق، دون التوقيع عليه، إلا أنها انضمت لركب هذه الدول بعد ذلك، ليصبح عدد الدول مجتمعة بعد تصديقها 5 دول، ولم يحضر حينها مندوبو بوروندي والكونغو الديمقراطية، في الوقت الذي لم تنفصل فيه جنوب السودان عن شماله. وأثارت هذه الاتفاقية جدلًا في ظل غياب مصر والسودان، حيث تهدف إلى تقاسُم مياه نهر النيل، وبموجبها تنتهي الحصص المقررة لمصر والسودان (55.5 مليار مترٍ مكعبٍ للأولى، و18.5 مليار مترٍ مكعبٍ للأخيرة) وفْقًا لاتفاقيتيْ 1929 و1959، حيث تتم إعادة تقسيم حصص المياه بين دول الحوض، بما يراعي نسبة إسهام كُلٍّ منها “مبدأ الإنصاف”.
ويُشترط لنفاذ اتفاقية مفوضية حوض النيل تصديق ثلثيْ الأعضاء (7 دول) البالغ عددها 11 دولة بعد استقلال جنوب السودان، وبتصديق الأخيرة يصبح العدد الإجمالي 6 دول، إلا أن بنود الاتفاق تشير إلى دخولها حيِّزَ النَّفَاذ بعد 60 يومًا من مصادقة 6 من الدول الأعضاء، مما يعني أن الاتفاقية أصبحت واقعًا عمليًّا بعد تصديق جوبا عليها، ولكن هذه الخطوة لا تعني أن دول المنبع لهم الحق في اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى دول المصبِّ، وذلك وفْقًا لأحكام القوانين الدولية المعنية بإدارة المجاري المائية الدولية، وبالتالي فقد تحدث نزاعات قانونية وسياسية خلال الفترة المقبلة حول محاولات شرعنة الاتفاقية، واتخاذ خطوات أُحادية دون الرجوع إلى دولتي المصبِّ، ومن ثَمَّ الإضرار بمصالحهم، وهو وضْع لن تقبله مصر حال حدوثه.
والجدير بالذكر أن تلك الاتفاقية بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل أزمة سد النهضة، وقد كان الاتفاق القائم قبلها يقضي بتقاسُم مياه النيل بين مصر وبريطانيا، الذي وُقِّع عام 1959، وبمقتضاه تحصل مصر على حصة قدْرها 55.5 مليار مترٍ مكعبٍ سنويًّا، والسودان 18.5 مليار مترٍ مكعبٍ من مياه النيل، البالغة 84 مليار مترٍ مكعبٍ بشكلٍ سنويٍّ؛ وهو ما يعني أن البلديْن يحصلان على قرابة 87% من مياه النهر، وفي العام الذي تم فيه تدشين هذه الاتفاقية، قامت مصر بتجميد عضويتها في مبادرة حوض النيل.
مبادرة حوض النيل
تم تأسيس مبادرة حوض النيل عام 2000 بتنزانيا، وهدفت إلى دعم أُسُس التعاون الإقليمي بين دول الحوض من المنبع إلى المصبِّ (بوروندي، رواندا، تنزانيا، كينيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، أوغندا، إثيوبيا، إريتريا، السودان، مصر)، إضافةً إلى تنمية المصادر المائية لحوض النيل، وضمان إدارة المياه بكفاءةٍ وفاعليةٍ، مع الاستخدام الأمثل لمواردها، والسعي لتحقيق التكامل الاقتصادي والقضاء على الفقر.
وتستند الإستراتيجية العامة لتلك المبادرة على عنصريْن، أولهما: مشروعات الرُّؤْية المشتركة، وتضُمُّ حوض النيل بأكمله، وثانيهما: مشروعات الأحواض الفرعية، وتشمل مشروعات يتم تنفيذها بين مجموعة من الدول تنتمي إلى حوضٍ فرعيٍّ مثل (مصر، والسودان، وإثيوبيا) فيما يتعلق بالنيل الأزرق “النيل الشرقي”، ودول النيل الأبيض، ومعها مصر والسودان، فيما يخُصُّ البحيرات الاستوائية “النيل الأبيض”.
مبادئ حول مشروع سد النهضة
وقّعت كل من مصر والسودان وإثيوبيا في 23 مارس 2015 على إعلان مبادئ حول مشروع سد النهضة في العاصمة السودانية الخرطوم بحضور رؤساء الدول الثلاث، وتضمن الاتفاق 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة.
وأكدت مبادئ الاتفاقية على التعاون بين الأطراف الثلاثة على أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المشتركة، وحسن النوايا، والمكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولي، والتعاون في تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، مشيرةً إلى أن الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، والمساهمة في التنمية الاقتصادية، والترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الإقليمي من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها، وتوفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنيين، وذلك بروح حسن النية وفي التوقيت الملائم.
مظاهر الدعم المصري لجنوب السودان
تذخر العلاقات «المصرية – الجنوب سودانية» بسجالٍ تاريخيٍّ طويلٍ من التعاون والمساندة المصرية للأشقاء في جوبا، وحَظِيَت الأخيرة بدعمٍ مصريٍّ كبيرٍ، عبر تقديم حِزَمٍ من المساعدات الإنسانية الموجَّهة لجنوب السودان، وتأسيس العديد من المشروعات التي تُنفِّذُها الشركات المصرية هناك. ومن المفترض أن يتم افتتاح عددٍ من المشروعات التنموية العملاقة خلال الفترة القادمة، مثل فرع جامعة الإسكندرية في مدينة “تونج”، والمدرسة الفنية في مدينة “ورور”، بالإضافة إلى محطة الكهرباء الكبرى في مدينة “رومبيك”.
وكانت وزارة الري قد أنشأت 20 محطة مياه شرب جوفية مُزوَّدة بالطاقة الشمسية، و2 مرسى نهري لخدمة الملاحة النهرية، إلى جانب إنشاء معملٍ مركزيٍّ لتحليل نوعية المياه بمدينة جوبا، وتأهيل 3 محطات مياه في المدينة ذاتها، ومدينة “ملكال”، ومدينة “واو”، ناهيك عن إنشاء محطتيْ مياه شرب لخدمة المواطنين في مدينة “منجلا” ومدينة “نيمولي”، و3 محطات لمياه الشرب الجوفية تم تدشينها في يناير 2024، بحضور نائب رئيس الجمهورية في جنوب السودان، فضلًا عن تنفيذ مشروع تطهير المجاري المائية بحوض بحر الغزال بطول 11.8 كم، رغبةً في تحسين الخدمات المُقدَّمة للسكان وتحسين مستويات معيشتهم.
وفي أواخر يوليو الماضي، قامت مصر بإرسال 4 طائرات مساعدات إنسانية، حملت كميات كبيرة من الإمدادات الطبية والأدوية، والمِنَح الإغاثية، بهدف التخفيف من الصعوبات التي يواجهها مواطنو جمهورية جنوب السودان نتيجةً للتداعيات الناجمة عن الفيضانات التي تؤثر على عدة ولايات في جميع أنحاء جوبا. وفي عام 2017، تم إرسال طائرة عسكرية مصرية إلى مطار جوبا الدولي، مُحمَّلة بـ15 طنًا من المساعدات الطبية والإنسانية لشعب جنوب السودان، مما يعني أن مصر دوْمًا ما تسعى لمساندة أشقائها والوقوف بجانبهم في مِحَنِهم وأزماتهم المختلفة.
هل هناك مؤامرة تُحاك ضد مصر
مما لاشكَّ فيه أن التحرُّكات الاستفزازية الإثيوبية ضد مصر لا تقف بمعْزلٍ عن تحركات الأطراف الخارجية التي تحاول بشكلٍ أو بآخر المساس بالأمن القومي المصري، والتي لا تخفى هويتهم عن الجميع، وهو ما يتضح من الدعم الذي يُغدق على الجانب الإثيوبي، سواء في مساعدات تدشين سد النهضة، أو الخُطَى التي تتبعها أديس أبابا في المنطقة، حيث اتفاق أرض الصومال، الذي أقدمت على عقده مع إقليم “صومالي لاند”، مما يتيح لها إقامة قاعدة عسكرية بميناء بربرة للنَّفَاذ إلى البحر الأحمر وتطويق الجانب المصري، ومؤخرًا إقدام جنوب السودان على التصديق على اتفاقية عنتيبي، والذي ربما دعمته الحكومة الإثيوبية لتسريع هذه الخطوة، والتي جاءت مباشرةً بعد الإعلان مايو المنصرم عن مشروع للربط البري بين البلديْن، يتضمن بناء طريق عابر للحدود بطول 220 كيلومترًا بشكلٍ مبدئيٍّ، بتكلفة 738 مليون دولار، والذي ستُموِّلُه إثيوبيا بموجب قرْض يسدده جنوب السودان، حيث أُشير إلى أن الأهداف المرجوَّة من هذا المشروع تكْمُنُ في تعميق العلاقات الاقتصادية وتعزيز أُسُس التواصُل بين البلدين.
ولكن في حقيقة الأمر هذه الخطوة تأتي نكاية في مصر، وفي إطار مواءمات بين حكومتيْ جنوب السودان وإثيوبيا، فربما قامت الأخيرة بإقناع الحكومة في جوبا بالتصديق على الاتفاق مقابل دعم هذا المشروع، بالرغم من العلاقات التاريخية الممتدة والفعَّالة بين مصر ودولة الجنوب سودانية. وعلى ما يبدو أنه قد تكون هناك أطراف أخرى سواء إقليمية أو دولية دفعت هذا التحرُّك، فضلًا عن أن أديس أبابا تسعى على قدمٍ وساقٍ بدعم من حلفائها لتسريع تصديق دول الحوض على الاتفاقية، لكي تتمكن من شرْعنة سد النهضة لضرب الاعتراضات المصرية والسودانية على السد عرْض الحائط، ومن ثمَّ حشْد الرأي العام العالمي الداعم لحق إثيوبيا في بناء السدود على النهر، دون مراجعة الجانبيْن “المصري والسوداني”.
السيسي: “لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر وإلا ستشهد المنطقة عدم استقرار لا يتصوره أحد”
في تحذير سابق يرجع لعام 2021، حذَّر الرئيس عبد الفتاح السيسي من المساس بمياه مصر في تعليقه على تطورات مفاوضات سد النهضة الإثيوبي والذي تخشى القاهرة تأثيره على حصتها من مياه نهر النيل.
وقال: “نحن لا نهدد أحدًا ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد.” وأشار الرئيس بكل حسم إلى أنه “لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا… مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمرًا سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل.”
وقال: “التفاوض هو خيارنا الذي بدأنا به والعمل العدائي قبيح وله تأثيرات تمتد لسنوات طويلة لأن الشعوب لا تنسى ذلك.”
حلول مقترحة: ترشيد الاستهلاك وإدارة توظيف المياه… إطلاق أكبر نهر صناعي في العالم… ربْط نهر الكونغو بنهر النيل
قد يكون من الأحرى بمصر في ظل هذه التحديات الجسام أن تقوم بمراجعة سياستها الخارجية ثانيةً، وتكثيف جهودها في إفريقيا عبْر سياسة الاحتواء وتنويع مصادر المياه، وعدم الاعتماد على نهر النيل وحده، مثل مشروع ربْط نهر الكونغو بنهر النيل للتحكُّم في الموارد المائية بالدول المستفيدة والمتضررة من مشروع سد النهضة، مثل مصر والسودان، أيضًا يمكن إعادة البتِّ في مشروع قناة جونجلي بجنوب السودان، والتي بدأ العمل فيها من قِبَلِ مصر في سبعينيات القرن المنصرم، واستئناف أعمال الحفْر بها، إذا أُتِيحَتْ الفرصة لذلك.
على الجانب الآخر، يمكن لمصر أن تعمل على ترشيد استهلاك المياه عبْر استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة والري، واستنباط أصنافٍ زراعيةٍ جديدةٍ مُوفِّرة للمياه مع إنتاجيةٍ عاليةٍ وعائدٍ ماليٍّ أكبر، وترشيد استهلاك المياه الجوفية، والمزيد من حسن إدارة توظيف المياه في مجالات الزراعة والصناعة، وتكثيفُ مصر لجهودِها لإعادة استخدام مياه الصَّرْف الزراعي ومعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية المياه.
أكد الخبراء إن إنشاء نهر صناعي في مصر له أهمية بالغة في تحقيق الأمن المائي والغذائي على المستوي الداخلي ويساهم تحقيق الأمن المائي في تنويع مصادر المياه المتاحة للاستخدام، وذلك من خلال إعلان مصر عن بدء تنفيذ أكبر نهر صناعي في العالم يمتد بطول 114 كيلو مترًا بتكلفة تصل إلي 160 مليار جنيه، حيث يهدف المشروع إلي استغلال مياه الصرف الزراعي والجوفية والسطحية بعد معالجتها، ليصبح هذا النهر ركيزة أساسية في مشروع الدلتا الجديدة بالصحراء الغربية، فهذا المشروع سيعزز من قدرة مصر علي استغلال مواردها المائية بشكل أكبر كفاءة واستدامة.
ويهدف المشروع إلى استغلال مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية والسطحية بعد معالجتها ليصبح هذا النهر ركيزة أساسية في مشروع الدلتا الجديدة بالصحراء الغربية.
وتشير الأرقام إلى أن الموارد المائية المتجددة في مصر لا تزيد عن 62.3 مليار متر مكعب سنويًا، منها 55.5 مليار من نهر النيل تتحكم فيها إثيوبيا والسودان بدرجات متفاوتة مع ظهور معضلة سد النهضة ونحو 5.5 مليار مياه جوفية ونحو 1.3 مليار من الأمطار التي تسقط علي أراضي الدلتا ونستفيد منها في الري. وبالتالي بقسمة هذه الموارد المائية على عدد السكان يكون نصيب الفرد حاليًا من المياه المتجددة نحو 600 متر مكعب فقط ونقترب من حد الفقر المدقع أو المزمن والمقدر بأقل من 500 متر مكعب للفرد سنويًا. ولتقليل الفجوة المائية المصرية المقدرة بنحو 43 مليار متر مكعب سنويًا، تقوم مصر بإعادة استخدام نحو 20 مليار متر مكعب من مياه المخلفات المعالجة أو المخلوطة والمخففة مع مياه الترع لنقل الفجوة المائية.
عباس شراقي: تنويع مصادر المياه أمن قومي … أمطار إثيوبيا تقلل من أضرار الملء الخامس
من جانبه، أوضح الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة أن تنويع مصادر المياه هو أمن قومي والنهر الصناعي هو إحدى أفكار التنويع تلك والتي تمنع إلقاء المياه إلى البحر المتوسط، وهو عبارة عن قناة أو ترعة لنقل مياه الري لأحد أضخم المشروعات الزراعية المصرية في العصر الحديث لري حوالي 2.2 مليون فدان غرب دلتا النيل.
وأشار إلى أن التخزين الخامس يختلف عن التخزينات السابقة في التحكم في كمية التخزين عن طريق قنوات المفيض المختلفة، وليس بالضرورة انتظار انتهاء التخزين وعبور المياه أعلى الممر الأوسط كما كان يحدث سابقًا.
وتابع أن متوسط الإيراد اليومي عند سد النهضة يبلغ حاليًا حوالي 300 مليون متر مكعب، وسوف يزداد تدريجيًا حتى يصل إلى متوسط 600 مليون متر مكعب في أغسطس الحالي.
ونوه الدكتور عباس أن المنطقة الاستوائية (بحيرة فيكتوريا) قد شهدت موسمين للأمطار أعلى من المتوسط ووصل منسوب بحيرة فيكتوريا إلى أعلى مستوى له في التاريخ (1137 م) في 14 مايو 2024، محطمًا رقم الرقم السابق (1136.81 م) بتاريخ 17 مايو 2020، فرغم أن المنابع الاستوائية تشكل 15% فقط من إيراد نهر النيل، إلا أنها تنبئ عن حالة الأمطار في إثيوبيا صاحبة الإيراد الأعلى 85% التي تكون غالبًا مشابهة.
وأكد الدكتور عباس شراقي أنه حتى الآن أمطار يوليو أعلى من المتوسط كما كان الحال في الأمطار الخفيفة لشهري مايو ويونيو. وطبقًا للنماذج الرياضية، من المتوقع أن يستمر الموسم الحالي في أن يكون أعلى من المتوسط، ولكن يظل الإيراد الحقيقي هو الذي يسجل فعليًا على مدار العام زيادة الأمطار على إثيوبيا ليخفف بعض الشيء من أضرار التخزين الخامس.
اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال
وافقت الحكومة الصومالية في الآونة الأخيرة على اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال، وذلك بالتزامن مع الزيارة الأخيرة للرئيس الصومالي لمصر، وبالتزامن أيضًا مع إعلان جنوب السودان موافقتها على اتفاقية عنتيبي التي بدأت في 2010.
وموافقة الصومال على اتفاقية مصر لها ناتج هام للغاية، فهذا يعني تواجد الجيش المصري في الصومال التي هي بجانب إثيوبيا حيث سد النهضة، وتطل على خليج عدن حيث اليمن والحوثيين الذين يشنون ضربات في البحر الأحمر أثرت على إيرادات قناة السويس. ونتيجة لذلك أيضًا لن تستطيع إثيوبيا تنفيذ مشروع الميناء الخاص بها على سواحل الصومال.
وعلاوة على ذلك، هناك اتفاقية الدفاع العسكري المشترك بين مصر وكينيا، وكينيا ملاصقة لإثيوبيا، وأيضًا هناك اتفاقية تعاون استخباراتي بين مصر وأوغندا، حيث تحمل الاتفاقية المذكورة اسم إحدى مدنها “مدينة عنتيبي”.
ويتكهن البعض بأن تلك الاتفاقيات ستكون وسيلة ردع للحفاظ على الأمن المائي المصري في حال حاولت دول المنبع تهديده أو الإنقاص من حصة مصر المائية.
وعلى أية حال، مصر لن تتهاون في حصتها التاريخية من مياه النيل المقررة في الاتفاقيات الدولية للمياه. وللحفاظ على مستقبل أمن مصر المائي وعدم ترك الفرصة للمؤامرات والدسائس الموجهة ضد مصر لتجويع وتعطيش شعبها، قد تلجأ إلى القبول باتفاقية “عنتيبي”، حتى تتمكن من الاطلاع على ما يحدث وتأمين مصالحها وضمان عدم الإضرار بحقوقها المائية، ولكن على الأرجح لن تنصاع لمساعي لَيِّ الذِّراع المصرية، وإجبارها على خُطَى غير راغبة فيها؛ وعليه فقد تلجأ إلى المنظمات الدولية الفاعلة كالأمم المتحدة وبعض الجهات المانحة لمنْع تقديم أيِّ تمويل للمشروعات التابعة لمفوضية حوض النيل حال دخولها حيِّزَ التنفيذ.