كريستيان جيفارا
الشيطان يحوم في الجنة.. يوسوس ويغري حواء وآدم..
كل هذا تم تحت عين الإله التي ترى كل شيء
وملائكته التي تسمع دبة النملة..
لم يمنع ولم يُقصِ الشيطان بعيدًا عن الجنة.. ولم يصدر أمرًا باعتقاله
لم يبعث قناصة ملائكته لتغتاله أمام أعين الجميع ليصبح لوسيفر عبرة لمن يعتبر
رغم أنه يخرب بكل عفوية.. يوسوس بدم بارد
لأن الإله الحر يخلق لوسيفر حرًا وملائكته أحرارًا، ويخلق آدم وحواء حرين
لم يكن الإله جل جلاله الجبار المهوب.. كلي العلم والقدرة
وصيًا على آدم وحواء مكتملي الأهلية المخلوقين حرين
الله الحر.. لا يخلق إلا الأحرار
تركهما يخوضان تجربتهما بكل حرية..
حرية اختيارهما حتى لو كان خاطئًا
ما يزرعه الملاك إياه يحصد
“ما يزرعه الإنسان إياه يحصد”
شوكًا كان.. أو ياسمينًا
خبزًا كان.. أم أفعىً
قنبلة أو غصن زيتون
قربانًا أو قوس قزح
عداءًا.. أم حـبًا
وها كل الوحي من ألفه ليائه يحمل اختيارات وحوارات ومجادلات
تعلن بوضوح أن الله الحقيقي حر.. والشيطان حر.. والإنسان حر
لا وصاية من أحد على أحد
ولا قهر يمارسه جبار على ضعيف
ولا ديكتاتور على عبد
مَنْ لديه كل المَلَكات والإمكانيات لم يوظف كل هذا ضد الآخر
منطقي جدًا ومتاح له أن يصنع بعض التعديات واحد مثل إبليس
“فغايته تبرر كل الوسائل” وأنانيته أعمته إلى حد الظلام
ومنطقي أيضًا أن بعض البشر عندما يجلسون على كرسي يحمل بعض الجاه والقدرة والكاريزما والسـُلطات..
يظلمون.. يقهرون.. ينتهكون.. يقسون.. يحتقرون
“فالأنانية والسـُلطة تعميان كثيرًا من البصائر”
ومَنْ مات ضميره وتصلبت شرايين روحه
كيف تنتظر منه عدالة أو حرية أو مساواة؟
لا تنتظر.. أرجوك لا تنتظر
ولكن من غير المنطقي.. وغير المقبول
أن الله العادل.. يظلم
الله الحر.. يقهر
الله المـُحـب.. يكره
هذا هو المستحيل بعينه
لأنه لو حدث هذا.. فاعلم أنك في قلب الطوفان بلا سفينة خلاص
في جـُب الهاوية.. بلا أدنى رجاء للقيامة
في غياهب الوحدة والغربة تغرق.. بلا وعد هبوب ريح طوق النجاة
أعلم أنك تدور في دوامات العبث
حيث الكوميديا السوداء.. لرواية لم يكتبها حتى مجنون
وأقولها بدون توبة مخبأة أسفل جلدي أحملها لوقت الحاجة:
إذا كان الإله بهذا الشكل السلبي المرضي فأنا أكفر به دون تردد لحظة أو طرفة عين
وها الإنسان في تاريخه الذي له بدء
يحوِّل هيكل الله إلى هيكل إنسان
معبد الله المعروف إلى معبد إله مجهول
الله العاطي.. يصبح يأخذ.. يسلب وكأنه أناني شحاذ
الله الذي يبارك.. يصبح يلعن
الله الذي يحب.. يصبح يكره
الله الذي يغفر.. يصبح يرجم.. يدين
الله الذي خلق الإنسان لكي يحيا حياة أفضل.. ها بيديه الكريمتين يُحمِّي الآتون
لتصبح الحياة معه أكثر بؤسًا ودمارًا.. أكثر خرابًا
الله الذي غسل أرجل الجميع..
الآن نغسل أرجل كهنته ولا يقبلون..
نـُقبِّل أياديهم ولا يتضعون
نسجد أسفل أرجلهم ولا يشقون الثوب والقلب الحجري تواضعًا
الله الذي ينبغي أن يهتم بالخاطي..
الآن لا يهتم إلا بالخطية وشعور الخاطي بالذنب والإثم.. وبأنه لا شيء
إله يحيا على أنقاض عبيده وانحناء كيانهم ليصبح رخوًا ضعيفًا ذليلًا.. ليسهل استعمارهم
وتحريكهم كعرائس على مسرحه العبثي
تعطيه مالك لتشتري غفرانه
تعطيه طاعتك لتشتري بركته
تمسح ليلاً نهارًا جوخ كهنته
حاملين اسمه لتحمي نفسك من لعنتهم.. وإقصائهم لك
لتُطرح خارج هيكله الأرضي وملكوته السماوي.. منبوذًا مهرطقًا متوجًا بالبَرَص
الله الذي لا يهمه المظهر ولا الشكل
لا المقابر المزخرفة من الخارج.. ولا القناع شبه الروحي وشبه النور
الآن يسلمونك مع الإيمان قناع التقوى.. زخرفة القبر
زخرفة البر.. مكياج أولاد الله
وكل تقاليع الموضة الروحية..
لتواكب مسيرة القطيع “الذي لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم”
إلا بكل ما هو اجتراري.. إلا بكل ما هو باطل كالأمم
فلا تعود تشابه صورة ابنه..
بل تشابههم إلى حد المسخ
في تمتماتهم وتعويذاتهم لتحضيره كأنبياء البعل
حتى أبجديتك العفوية.. أصبحت محفوظة
والصلاة الربانية الأوتوماتيكية التي تقولها كالببغاء دون أدنى عمق يُحرر كيانك من الداخل
حـريتك الآن طقسية.. صنمية.. منقوشة على حجر
أصبحت الآن.. ما يطلبه المستمعون.. ما يطلبه المؤمنون
ما يطلبه أولي الأمر.. وقادتك الروحيون جدًا
تركت نفسك لا للروح ليأخذك حيث يشاء.. لا
بل تركت نفسك ليأخذوك هم
حيث لا تشاء ولا يشاء الروح..
بل حيث يشاءون هم.. أصحاب الرؤى النفسية الوهمية
مَنْ يرون ما لا تراه.. مَنْ يعلمون ما تجهله
مَنْ جعلوا هيكله مغارة لصوص
ومَنْ جعلوا الإله كمصباح علاء الدين يخدمهم
الآن يتكبرون.. الآن يمتلئون شحمًا ولحمًا.. وذهبًا
حيث تخمة الجسد.. أما في الروح فشحاذون
تسمعهم.. لا تقشعر روحك
يَعبرون على المرضى والفقراء والمحتاجين.. عبور الفريسي
عبور كفيف البصيرة.. عبور ضرير الروح
عبور القلب الحجري
عبور بلا أدنى اكتراث.. بلا أدنى فحص
محبتك للفقراء سيدي.. تحولت على أيدي هؤلاء إلى صدقة..
وحولت الفقراء إلى إخوة الرب مجازًا
أعطوهم إعانة لا تروي ظمأ الجوع الكافر
جوع الروح وجوع الجسد أول كل شهر
محبتك للخطاة..
واتهامك الأول والأخير أنك لا تجلس إلا معهم
ولا تبحث إلا عن المرضى.. لا الأصحاء
على أيدي هؤلاء سيدي تحولت إلى استعلاء روحي..
كبرياء ما بعده كبرياء إلا كبرياء لوسيفر..
ورجم روحي في جلسات قديسي العالم
وأبناء ملكوتك الأطهار..
المختارين منذ الأزل!
المسيح يـُصلب من جديد..
ليس اسم رواية لـ “كازانتزاكيس”.. ليصادروها
ولا آخر قصيدة لي..
ولا فيلم سينمائي.. يطالبون بمنعه
كما فعلوا في فيلم “بحب السيما”
بل هو واقع في كل لحظة وكل يوم
وعلى أيدي مَنْ سيدي؟!
ليس على أيدي الأعداء الذين نحبهم ونصلي لأجلهم
بل على أيدي رعاياك
حوارييك العصريين
العصريين جدًا
الروحيين جدًا.. جدًا
كبرياء جعل غاندي يقول قديمًا: “لولا المسيحيين لصرت مسيحيًا”
وأنا لا أعذر غاندي ولا غيره في خلطهم المستفز والسطحي بينك وبيننا
بين الحـب ومُدّعي الحب
بين الحق ومُـدّعي الحق
بين الحرية ومُـدّعي الحرية
بين الأبرع جمالاً من كل بني البشر ومن كل الملائكة وبين القابعين في هاوية الأنا
بين المسيح وبين المسيحيين
لا عُذر لمن يخلط بين الشمس ومرآة مضببة تعكسها
بين نهر سباحة لا يُعبر وبين حفرة ضيقة الأفق
بين إله تؤمن به وأتباع لا يزالون يلمسون هدب ثوبه دون إيمان
المسيح يُصلب من جديد
من الأعداء والأحباب
من يهوذا وإنكار بطرس
المسيح يُصلب من جديد
من فريسيي كل عصر وصيارفة كل هيكل المتربحين بلعبة الدين!