20.4 C
Cairo
الأربعاء, ديسمبر 18, 2024
الرئيسيةكتاب الطريقهل أخطأ متى عندما قال عن المسيح يدعى ناصريًا؟

هل أخطأ متى عندما قال عن المسيح يدعى ناصريًا؟

د. فريز صموئيل

هل أخطأ متى عندما قال عن المسيح يدعى ناصريًا؟  كتب مايكل بيجنت: “متى ومرقس ولوقا كانوا متفقين في الرأي بأن المسيح كان يعيش في الناصرة في الجليل، ولوقا يورد معلومات أكثر بعض الشيء، يضيف بأن المسيح بلغ سن الرشد هناك وأن أبويه كانا يذهبان كل سنة إلى أورشليم للاحتفال بعيد الفصح.. لسوء الحظ ليس هناك أي دليل على الإطلاق أن الناصرة كانت موجودة حتى عهد المسيح. أول ذكر لها لم يظهر في أي وقت قبل القرن الثالث بعد الميلاد” (أوراق يسوع، المترجم بعنوان صحف المسيح، ص 146).

   الرد:

     في تعليقنا على هذا الاتهام سوف نناقش النقاط التالية :

     أولاً: الناصرة في العهد الجديد:

    هل أخطأ متى عندما قال عن المسيح يدعى ناصريًا؟ لم تذكر الناصرة في العهد القديم أو في التلمود أو في كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس، ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن عدم ذكرها في المراجع السابقة لا يعني عدم وجودها، فمن المؤكد أن هناك قرى ومدن كثيرة مثلها لم تذكر في هذه المراجع لعدم وجود مناسبة تستدعى ذكرها والحديث عنها.

     إن كلمة “ناصرة” مأخوذة من جذر الكلمة العبرية التي تعني “غصن” وهي تقع في الجليل (مر1: 19)، على جبل مرتفع (لو4: 29)، على بعد 15 ميلاً من بحر الجليل (بحيرة طبرية)، وعلى بعد 20 ميلاً من الشرق من ساحل البحر المتوسط، وعلى بعد 70 ميلاً إلى الشمال من أورشليم “القدس”.

     وكان سكانها – مثل كل الجليل- خليطًا من اليهود والأمم ولهم لهجتهم الخاصة (مت26: 73) هذا ما جعل نثنائيل الجليلي يقول لفيلبس “أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح” (يو1: 46) .

وقد ذكرت الناصرة في العهد الجديد 29 مرة منها:

1- في الناصرة بشر الملاك العذراء مريم بأنها ستكون أم المسيح يسوع: “وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل…” (لو1: 26 و27) .

2- إلى الناصرة رجع يوسف ومريم والمسيح بعد عودتهم من مصر: “.. وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصريًا” (مت2: 22 و23) .

3- وفي الناصرة قضى السيد لمسيح الفترة من 12–30 من عمره، ففي اليوم الثامن بعد ختانه “.. رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة..” (لو2: 39–41).

4- وفي الناصرة كان يسوع يمارس العبادة في المجمع “وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى..” (يو4: 16).

5- وعندما بدأ يوحنا يعمد “جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد..” (مر1: 9).

إذن الناصرة كانت موجودة في زمن المسيح ولها ارتباط واضح بالمسيح نفسه.

ثانيًا: الأدلة على وجود الناصرة في زمن المسيح:

1- ذكرها في العهد الجديد في المواضع المذكورة سابقًا..

2- إليها نسب المسيح فدعي بـ”الناصري” ولا يمكن أن ينسب إنسان إلى مكان ليس له وجود.

3- هناك أدلة من خلال علم الآثار تؤكد وجودها “حتى إن سكت هؤلاء فالأحجار تتكلم” وتعلن أن الناصرة كانت موجودة في زمن المسيح.

ومن هذه الأدلة:

– ذكر د. جيمس سترانج -من جامعة فلوريدا- أنه عند سقوط أورشليم في سنة 70م لم يكن هناك حاجة لوجود الكهنة في الهيكل لأنه دُمر، لذلك أرسلوا إلى أماكن مختلفة. وقد وجد علماء الآثار قائمة باللغة الآرامية تصف الأربعة والعشرين فرقة، وقد سجل فيها أن واحدًا منهم أرسل إلى الناصرة .

– اكتشف وجود مقابر بالقرب من الناصرة ترجع إلى القرن الأول الميلادي، وهذا يؤكد أن مدينة كانت في هذا المكان، فخارج حدودها وجدت لمدافن، لأنه بحسب الشريعة اليهودية يجب دفن الموتى خارج المدينة “آثار العهد الجديد، جاك فينجان. جامعة برينستون”.

– في مخطوطة اكتشفت سنة 1962 في قيصرية ماريتميا ذكرت الناصرة بأنها مدينة صغيرة ليس لها شهرة واسعة أو منزلة رفيعة (الآثار والأخبار والمسيحية المبكرة، ص 56) .

– يذكر أيان سميث أن آثار فترة ما قبل المسيحية والتي وجدت سنة 1955م تحت كنيسة البشارة في الناصرة الحالية توحي بأن الناصرة ربما وجدت في زمن يسوع وليس هناك من شك بأنها كانت مدينة صغيرة .

     ثالثًا: ما هو المقصود بالنبوة “سيدعى ناصريًا”؟

إن تسمية يسوع المسيح بالناصري دليل واضح يؤكد وجود الناصرة، وقد ذُكر أن يسوع من الناصرة (مر1: 9؛ مت24: 11؛ يو1: 45) وقد دعي بـ “الناصري” نسبة إلى الناصرة فهكذا دعاه بطرس (أع 2: 22، 3: 6، 4: 10) وبولس (أع26: 9) وبرتيماوس (مر10: 27) والجنود الرومان (يو28: 75) وهكذا كتب بيلاطس على الصليب (يو19: 39) والتلميذان في الطريق إلى عمواس (لو24: 19) والملاك عند القبر الفارغ (مر16:6).

     وعندما رجع المسيح من مصر “أتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سيدعى ناصريًا” (مت2: 23) ولأنه ليس هناك نبوة حرفية بهذا النص لذلك استغلها الكثير من الكتاب في الهجوم على الكتاب المقدس، فمثلًا يقول المهندس أحمد عبد الوهاب: “إن أسفار الأنبياء لم تقل شيئًا عن هذا وإن العلماء متفقون على أن مصدر هذه النبوة غير معلوم.” (المسيح في مصادر العقيدة المسيحية) .

     يجمع كثير من علماء الكتاب المقدس على أن البشير متى كان يشير بهذا القول إلى نبوة إشعياء النبي “ويخرج قضيب من جدع يسى وينبت غصن من أصوله” (إش11: 1) لأن كلمة ناصرة وكلمة ناصري “التي تعني الشخص المولود أو المقيم في الناصرة” مأخوذة من جذر الكلمة العبرية التي تعني “غصن” والغصن هو أحد ألقاب المسيا وقد ذكر الغصن كلقب للمسيح في العهد القديم سبع مرات:

“في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاء ومجدًا” (إش4: 2).

“ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله” (إش11: 1).

“نبت قدامه كفرخ وكعرق (غصن) من أرض يابسة” (إش53: 5).

   “ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملكًا وينجح ويجري حقًا وعدلاً في الأرض” (إر23: 5).

   “في تلك الأيام وفي ذلك الزمان أنبت لداود غصن البر فيجري عدلاً وبرًا في الأرض” (إر33: 15).

   “لأني هأنذا آتي بعبدي الغصن” (زك3: 8).

   “هكذا قال رب الجنود: هوذا الرجل الغصن اسمه” (زك6: 12).

     والبعض الآخر من العلماء يرى أن متى لا يشير إلى نبوة بعينها بل إلى مجمل العديد من النبوات التي تشير إلى أن المسيح سيكون محتقرًا ومخذولاً (إش53: 1-3) فقد كان المسيح من أهل الناصرة التي كانت موضع احتقار وازدراء (يو1: 46) والدليل على أن البشير متى لا يشير إلى نبوة محددة بل خلاصة العديد من النبوات هو استخدامه لصيغة الجمع “لكي يتم ما قبل بالأنبياء” لقد أورد البشير متى آية كنبوات تحققت (مت1 : 23؛ 2: 15 و18 و23؛ 3: 3؛ 4: 15؛ 18: 17؛ 12: 8-21؛ 13: 35؛ 21: 5؛ 27: 9) وفي (مت2: 23) استخدم صيغة الجمع، وفي الآيات التي تستعمل فيها صيغة الجمع الأنبياء أو مرادف أسماء الجمع، مثل: الناموس أو الكتاب، نجد أن الاقتباس لم يكن حرفيًا بل عبارة عن ملخص أو نتيجة نهائية مثل (مت7 : 12؛ يو7: 37 و38؛ غلا3: 12).

     إذن ما اقتبسه الرسول متى لا نجده مدونًا حرفيًا في آية واحدة محددة بل هو صياغة جديدة لعدة آيات مقتبسة من أسفار الأنبياء، ولذا استعمل صيغة الجمع “لكي يتم ما قيل بالأنبياء. وهذا يرد على الاتهام المذكور في البداية.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا