22.4 C
Cairo
الإثنين, مارس 3, 2025
الرئيسيةفكر مسيحيهداسا.. أستيرا

هداسا.. أستيرا

د. أماني ألبرت

(شبنة هو ابن عم الطفلة التي ماتت أمها أثناء ولادتها وسبقها أباها، وقد اتفق شبنة مع عمته رفقة أن تسمى الطفلة اليتيمة هداسا. كانت العمة “رفقة” هي الأم الروحية لكل أبناء عشيرتهم. أضاع “أبيحائل”، والد الطفلة، قبل مماته ثروته مع تجار غرباء ولم يحتمل الخيانة فمرض.

وبسبب علاقة شبنة (مردخاي) بهذه الطفلة الصغيرة التي غزت محبتها قلبه، أعاد اكتشاف نفسه. لقد وجد أنه لا زال قادرًا على العطاء والحب والاهتمام، واختبر مشاعر من نوع جديد أضفت الحيوية والانتعاش على حياته. تطورت العلاقة بين شبنة والطفلة الصغيرة وأصبح يخاف عليها من أي شيء. التحق مردخاي بالعمل في القصر الملكي. وذات يوم، أقام الملك حفلًا كبيرًا تسللت إليه هداسا سرًا، رأت أمور لم تتوقعها، عاد مردخاي من الاحتفال متوعكًا. وفي أحد الأيام عاد مردخاي ووجد الحزن يخيم على بلدته واكتشف ما كان يخاف منه لقد أخذوا هداسا إلى القصر، تطورت الأحداث والتقي مردخاي هيجاي مسؤل بيت النساء في قصر الملك، وفي بيت النساء يتم اعداد الفتيات ليختار منهم الملك زوجة له، وفي بيت النساء تحدث كثير من المكايد والمؤامرات فماذا حدث مع هداسا (يمكنك قراءة الحلقات السابقة على موقع الجريدة.)

تنهدت “هداسا” وقالت:

– هل تعرف يا “هيجاي”؟ كنتُ أتمنى أن أذهب بعيدًا عن هنا… إلى مدينة آبائي وأجدادي… يرافقني أبي والعمة “رفقة” وبقية أسرتي الكبيرة… ولكن الظروف حالت دون الذهاب.

كان “هيجاي” يتمتع بالذكاء والخبرة الكافيين لإرشادها.

– انظري… الملك لا يميل لمثل هذه الأحاديث ويجدها مملة… لا يجد جدوى في الحديث عن اختلاف العبادة من إله لآخر… فلا تتحدثي معه في هذا الأمر أبدًا.

قالت “هداسا” بارتباك… وقد تذكرت النصيحة التي أرسلها لها “مردخاي” مع “هتاخ” ألا تفصح عن شعبها وجنسها:

– آه، بالطبع… لقد وُلِدتُ هنا أنا وآبائي وكل قومي… حتى أنه حينما أتيحت لهم الفرصة للرجوع فضلوا البقاء هنا… لديك كل الحق بما أنه لا مجال للعودة، إذن لا داع للحديث.

– اسمعي… لدي لك اقتراح جيد.

– وما هو؟

– ما معنى اسم “هداسا”؟

– شجرة الآس المزهرة

– شجرة الآس المزهرة… حسنًا، أود أن أمنحك اسمًا فارسيًا.. سيشد هذا انتباه الملك.

– ولكن اسمي هو هويتي.

ثم تراجعت قليلًا وقالت:

– فكرة. ولم لا؟.. بماذا سأدعى؟

– “أستير”.

أجابت باستفهام وقد لاقى الاسم قبولًا لديها؟

– “أستير”؟

– نعم… الاسم يشير إلى فينوس نجمة الصباح، التي تسلط ضوئها بعد توقف جميع النجوم الأخرى عن التألق، وبينما لا تزال الشمس تتأخر في شروقها تتلألأ هي.

– هههه… “هيجاي”، بالطبع لا تقصد.

– ولم لا؟ لكل شخص نصيب من اسمه… تحلي بالأمل… النجمات الأخريات ليست في مثل روعتك… والحقيقة هذه خطتي… دعينا نعرض الأقل جودة أولًا ثم نفاجئ مليكنا بالأروع على الإطلاق.

– ولكن لا تنسَ أن هناك منافسة شرسة من بعض الفتيات.

– هذا أيضًا له حل… نعرضهن وراء بعضهن فيكون قرار الاختيار صعبًا.

– “هيجاي”، لا أعرف كيف أشكرك.

– هههه… فقط تذكريني حينما تصبحي ملكة.

– لا تبالغ في تقديرك لي.

– بل لا تقللي من إمكانياتك… “هداسا”، أقصد “أستير”، فيكِ شيء مختلف عن الجميع صدقيني.

– ولكني دخلتُ باسم “هداسا”… وهذا ما تم تسجيله في مواثيق المملكة.

– نعم… ولكنها لا تخرج إلا بخروجك من بيت النساء… ما زال بإمكاننا تغيير الاسم… وسأرسله كما جرت العادة وأنتِ ذاهبة للملك… لا تقلقي… اتركي هذا الأمر لي… هيا.. لقد تأخر الوقت… ادخلي لتنامي.

تثاءبت وقد داعب النوم عينيها.

– أووه… أشكرك على كل شيء… تصبح على خير “هيجاي”.

*********

تهامس العاملين في القصر، خاصةً رجال الدولة، يما حدث. فقد تواترت الأخبار بموت قائد الجيش “ماردونيوس” الذي لم يستطع الصمود لفترة طويلة فخسر المعركة في بلاتيا في 479 ق.م. ثم جاء التأكيد للملك بهزيمة جيشه هزيمة نكراء.

حزن الملك حزنًا عميقًا بسبب هزيمته… وكعادته قرر أن يتناسى الأمر… أو بمعنى أدق يتجاهله وكأنه لم يكن… فشغل نفسه بتجديد العاصمة وأعمال الإنشاءات صباحًا وبمسابقة العذارى مساءً.

نشر الملك السفن البحرية وأسس لها موانئ بطول سواحل كارون والبحرين وعمان واليمن. لم يكن هدفه من نشر الأسطول الفارسي لأغراض حفظ السلام فقط، ولكنه فتح الباب أمام التجارة مع الهند عبر الخليج الفارسي.

تزايدت صيغ المعاهدات والمبادلات التجارية التي ترد إلى كتبة المملكة… واكتشف “مردخاي” أخطاء فادحة في الفترة القصيرة التي تولى فيها “شيلاي” مكانه، ولكن الأمر ظل بينه هو و”إنليل” بعدما أصلحاه سويًا في كافة الوثائق.

قدَّر “إنليل” لـ “مردخاي” موقفه، فواحد مكانه كان يمكن أن يتسبب في الإطاحة به من منصبه… ويومًا وراء يوم كانا يجلسان لمناقشة أحوال المملكة فبادر “إنليل” بالحديث:

– عاد الملك إلى موطنه تاركًا خلفه جيشًا تم القضاء على أغلبه.

– سمعتُ أن المتبقي منهم مرضى ويعانون سوء التغذية.

– لا أفهم لماذا لم يرسل لهم مساعدات؟

– الملك ذكي… أدرك أنه سيُهزم فرجع وتركهم… ولما بلغه خبر هزيمتهم تجاهل فشله وانشغل بأمر آخر.

– سمعتُ أنه منشغل داخل القصر بتشكيل الأواني بالطمي.

– صراحةً أجد أنه يقود نهضة معمارية في البلاد… فهو مهتم حاليًا بالمشروعات البنائية للصروح الضخمة… بالإضافة إلى نصب جده التذكاري… وما أنجزه في طريق المملكة الذي يصل جميع أنحاء الإمبراطورية… وبناء قصر أكثر فخامة، أبادانا (قاعة الجمهور)، وبوابة شوشن الضخمة وقاعة المائة عمود… ومبنى “الحريم”… كما أنه أتم معظم مشاريع البناء التي بدأها أبوه “داريوس” في “برسيليوليس”.

– ولكن يا “مردخاي”… ‏هذا يضع عجزًا كبيرًا على خزانة الدولة… والمنشآت التي لم تكتمل كانت بسبب عجز في توفير مواد البناء… هو لا يمنح السيولة الكافية لأجور البنائين والنجارين.

– لا تقلق… سيعوض هذا بفرض المزيد من الضرائب.

*********

من داخل قاعة القصر الملكي الرئيسية، جلس الملك “أحشويروش” يملي على الكتبة مقولته الشهيرة “أنا زركسيس ملك الملوك، ملك كل البلدان التي تتحدث كل أنواع اللغات، ملك كل الأرض بعيدة المدى” ليكتبوها بكل اللغات وينقشوها على كل مبنى جديد.

وبعد طول انتظار، وافق أخيرًا على مناقشة مستشاره في بعض الطلبات المالية.

– مولاي… أنت تقود نهضة معمارية لم يسبق لها مثيل… لقد تم جلب العمال من جميع أنحاء الإمبراطورية… ولكن ما نأخذه من الخزانة لا يكفي أجورهم.

– حسنًا… الأمر بسيط… ليعملوا بالسخرة.

– مولاي… كما تشاء ولكنك كنت دائمًا تقول لنا… لندفع أجورهم فنحصل على المزيد من الإنتاج ولا تكون هناك ثورات… مثلما فعل الملك “كورش” والملك “داريوس”.

– كم المتبقي في الخزينة؟

وهنا تدخل مستشار الملك الجديد ضئيل الحجم “هامان”:

– مولاي… هل تسمح أن تسند لي هذه المهمة؟ سأراجع معهم كل شيء ونحاول إيجاد حلول جذرية للأمر ومصادر جديدة للميزانية.

– حسنا… توكل المهمة لمستشار الملك “هامان”.

– “هامان”، مولاي…

– أيًا يكن.

أثار وجود “هامان” امتعاض المستشارين… فمنذ عودة الملك وهو لا يجالسهم كما كان يفعل… كما استطاع “هامان” هذا أن يشد الملك إليه في فترة قصيرة… فرتب جلسات سكر وعربدة للملك… وحاول أن يتقرب إليه بكل الطرق… بينما ظل المستشارون يبحثون عنه فهم لا يعرفون له أصلًا ولا فصلًا… سوى ما فعل في معركة اسبرطة.

استطاع “هامان” في مدة يسيرة التقرب للملك… فنال ثقته… وشيئًا فشيئًا تغلغل في أمور القصر… وتناثرت الأقوال أنه يعبد الكوبرا، خاصةً أنه نقش صورتها على جبهته.

*********

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا