مسلسل معاوية.. يثير الجدل، الأزهر يرفض، والافتاء توافق بشروط
يعرض في السعودية ودعوة قضائية لمنع عرض المسلسل في مصر
لا يزال الجدل يدور بشأن مسلسل “معاوية”، الذي بدأ عرضه، خلال رمضان الجاري على قنوات “إم بي سي” السعودية، بما فيها “إم بي سي مصر”.
وكان من المفترض أن يتم عرض تلك الدراما التاريخية، التي توصف بأنها أضخم إنتاج تلفزيوني عربي، قبل نحو عامين، ولكن جرى تأجيله بسبب اعتراضات من مراجع شيعية في العديد من دول العالم، وكان أبرزها اعتراض رجل الدين العراقي مقتدى الصدر.
تدور أحداث مسلسل معاوية، الذي يقدم باللغة العربية الفصحى بشكل كامل، حول الأحداث التي جرت مع معاوية بن أبي سفيان بعد وفاة عثمان بن عفان، حيث يتولى علي بن أبي طالب الخلافة بعد ذلك، لتستمر الأحداث وصولًا إلى عصر الخلافة الأموية التي ستكون بزعامة معاوية لتتوالى الأحداث، في إطار تشويقي.
الجدل حول شخصية معاوية ليس جديدًا، إذ تُعتبر هذه الحقبة من أكثر الفترات إثارة للنقاش بين المؤرخين، كما أن الخلاف بين السنة والشيعة حول معاوية يجعل أي تناول له في الدراما مثيرًا لحساسيات مذهبية.
ويجسد دوره معاوية بن أبي سفيان، السوري لجين إسماعيل، بينما يؤدي دور الخليفة عثمان، الفنان المخضرم أيمن زيدان.
ويظهر الفنان وائل شرف في دور “عمرو بن العاص”، بينما تجسد الفنانة سهير بن عمارة دور “هند بنت عتبة والدة معاوية”، أما الفنانة أسماء جلال فتجسد شخصية “زوجة معاوية”.
والمسلسل من تأليف الكاتب الصحفي المصري خالد صلاح، وإخراج طارق العريان، حيث أشارت بعض التقارير إلى أن تكلفته قد فاقت 100 مليون دولار.
الأزهر يؤكد رفضه تجسيد الصحابة في الدراما
أكد الدكتور عبد العزيز النجار، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، رفض الأزهر تجسيد الشخصيات الإسلامية البارزة، خاصةً العشرة المبشرين بالجنة وآل البيت، في الأعمال الدرامية، مشددًا على أن ذلك يثير الفتنة والانقسام بين المسلمين.
وأوضح النجار أن المبادئ الدينية لا تتغير مع الزمن، مستشهدًا بقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: “نحن لا نريد عصرنة الدين، بل نريد تديين العصر”، مؤكدًا أن الدين يظل ثابتًا رغم تغير العصور.
وأشار إلى أن رفض الأزهر والهيئات الدينية لتجسيد الصحابة والأنبياء ليس مجرد رأي عابر، بل هو موقف شرعي تحرص عليه المؤسسات الإسلامية حول العالم، داعيًا إلى الالتزام بقرارات الأزهر ودار الإفتاء في هذا الشأن.
كما أثار النجار قضية التمثيل من منظور شرعي، متسائلًا عن الأساس الديني الذي يبيح هذا المجال، مشيرًا إلى أن الدراما أصبحت تُفرض على المجتمعات دون دليل شرعي يبرر وجودها.
وفي ختام تصريحاته، شدد على أن الفتاوى الصادرة عن الأزهر ودار الإفتاء تحظر تجسيد الصحابة، إلا أن العديد من الأعمال الدرامية لا تلتزم بهذه التوجيهات، مما يثير الجدل في كل مرة يُطرح فيها عمل يتناول شخصيات إسلامية بارزة.
دار الإفتاء المصرية: تمثيل الشخصيات التاريخية في الدراما أمر جائز بشروط
دار الإفتاء المصرية قالت إن تمثيل الشخصيات التاريخية في الدراما أمر جائز، “بشرط تقديمها بصورة تليق بمقامها، وعدم تشويه سيرتها أو تصويرها بشكل ينتقص من قيمتها”.
وأضافت الدار: “إلا أن الأمر يختلف عند الحديث عن الصحابة، حيث وضعت دار الإفتاء عدة ضوابط تحكم تمثيلهم، أبرزها عدم تجسيد شخصيات الصحابة العشرة المبشرين بالجنة وأمهات المؤمنين، وآل البيت الكرام، وبنات النبي، نظرًا لمكانتهم العظيمة في الإسلام”.
وفي مسلسل معاوية تظهر بعض الشخصيات المبشرة بالجنة مثل، الخليفة عثمان بن عفان والخليفة الرابع علي بن أبي طالب.
دعوة قضائية لمنع عرض المسلسل في مصر
وفي هذا السياق، أعلن المحامي المستشار هيثم المغربي عزمه إقامة دعوى قضائية لمنع عرض المسلسل في مصر، وذلك لتجسيد الفنان الأردني إياد نصار لشخصية علي بن أبي طالب.
وكتب المغربي عبر صفحته الرسمية على فيسبوك: “سأقوم برفع دعوى قضائية ضد مسلسل معاوية وقناة “إم بي سي” والشركة المنتجة لطرحهم برومو المسلسل يظهر فيه أحد الممثلين بتجسيد شخصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهناك فتوى شرعية من الأزهر الشريف، بمنع تجسيد آل البيت في عمل درامي”.
وتابع: “أي شخص ينتمي لنقابة الأشراف يرغب ينضم معي أنا وأسرتي في الدعوى يتواصل معي فورًا”.
العراق: يثير “السجالات الطائفية”… العراق يمنع بث المسلسل
أصدرت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية، السبت، قرارًا بمنع بث مسلسل “معاوية” في قناة “إم بي سي العراق”. وعللت الهيئة في بيان قرارها إلى أنه عمل بطابع تاريخي “جدلي قد يؤدي إلى إثارة السجالات الطائفية”.
وأضافت الهيئة أن بث ذلك المسلسل من شأنه أن “يهدد السلم المجتمعي ويؤثر على النسيج الاجتماعي، خاصةً خلال شهر رمضان”.
وأشار البيان الذي نشرته وكالة الأنباء العراقية “واع” إلى أن قرار المنع يستند إلى الصلاحيات القانونية للهيئة و”التزامًا بمسؤوليتها في تنظيم قطاع الإعلام وضمان انسجام المحتوى الإعلامي مع المعايير الوطنية والمهنية المعتمدة في العراق”.
وقالت الهيئة إنها أبلغت إدارة “إم بي سي العراق”. وحذرت أنها “ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أي جهة تخالف الضوابط الإعلامية النافذة في البلاد”.
مؤلف مسلسل “معاوية” يرد على المنتقدين..
دافع الكاتب المصري خالد صلاح مؤلف مسلسل معاوية، عن العمل الدرامي وكتب في منشور على فيسبوك أن المسلسل لم يكن يهدف للترويج إلى رواية معينة أو ينحاز لطرف دون آخر، وإنما أراد تقديم قراءة جديدة ترسم صورة لمعاوية ابن أبي سفيان من غير اللجوء لمنطق المنتصر والمهزوم.
وقال صلاح في بيان له: “معاوية لم يكن مجرد رجل دولة أو قائد عسكري يخوض معاركه بالسيف، بل كان إنسانًا صاغته الأيام كما تصوغ النار الحديد، قاسيًا حين تستدعي الحاجة، ولينًا حين يتطلب الأمر التروي والتدبر”.
وأضاف صلاح: “سعينا إلى الاقتراب من معاوية كإنسان وجد نفسه وسط زلزال سياسي لا يهدأ، واضطر إلى أن يكون لاعبًا رئيسيًا في صراعات لم يخترها بنفسه، بل ألقتها الأقدار بين يديه.”
وأشار المؤلف إلى أن معاوية كان إنسانًا يتعامل مع التحديات الكبرى في عصره: “لم يكن معاوية رجل سيف كخالد بن الوليد، ولا ناسكًا زاهدًا كعلي بن أبي طالب، بل كان رجل التدبر الطويل والانتظار الصامت. تعلم منذ صغره أن النصر لا يتحقق دائمًا في ساحات القتال، وأن الحرب ليست دائمًا الحل الأمثل، بل أحيانا تكون المصيدة التي يقع فيها المتعجلون”.
واختتم مؤلف المسلسل حديثه قائلا إن العمل يطرح تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، ويدعو المشاهدين إلى إعادة التفكير في شخصية تاريخية أثرت في مسار الأحداث الإسلامية، بعيدًا عن الجدل المسبق الذي يحيط بها عبر العصور.
أصحاب المسلسل: إعادة إحياء الإمبراطورية العربية في مواجهة السرد التركي 2025
بعيد عن الخلافات المذهبية والعقائدية وتحريم تجسيد الصحابة، يشكل مسلسل “معاوية” جزءًا من رد الاعتبار العربي للتاريخ العربي، في زمن تشهد فيه الشاشات العربية هيمنةً متزايدةً للأعمال التاريخية التركية. يطلُّ مسلسل “معاوية” كصرخة ثقافية تعيد للتاريخ العربي مجده.
يُعتبر مسلسل “معاوية”، الذي بدأ عرضه في 1 رمضان 2025 عبر قنوات MBC السعودية ومنصة “شاهد”، محاولةً جريئةً لموازنة السردية التاريخية السينمائية بين الماضي العربي العثماني والأموي.
من التأسيس إلى المواجهة الإعلامية
لا يكتفي مسلسل “معاوية” بسرد الأحداث بل يحفر في البُنى التحتية للإمبراطورية الأموية، مُبرِزًا كيف حول معاوية بن أبي سفيان الخلافة من نظام شوروي إلى ملكية وراثية. تُظهر الحلقات الأولى آلية بناء الدولة من خلال مشاهد تخطيط المدن الجديدة مثل القيروان، وإعادة هيكلة الجيش، وإنشاء نظام البريد السريع الذي ربط الأندلس بدمشق.
يُقدّم العمل خريطةً متحركةً للفتوحات الأموية، مع إبراز التحديات اللوجستية في إدارة إمبراطورية امتدت من نهر السند إلى المحيط الأطلسي. تظهر الحلقات معضلة الحفاظ على الهوية العربية وسط تنوع الأعراق في الأقاليم المفتوحة، وهو ما يتجلى في مشهد تعيين موسى بن نصير واليًا على المغرب العربي.
من خلال مسلسل “معاوية” يحمل أهمية خاصة، إذ يعكس القوة العسكرية والسياسية التي كانت تتمتع بها الدولة الأموية في ذروتها. يعرض المسلسل الصراع بين الأمويين والعباسيين وأيضًا مواجهتهم مع تحديات داخلية وخارجية من قبل القوى المعاصرة، مثل الإمبراطورية البيزنطية والدول الفارسية.
هذا العمل يوجه رسالة قوية إلى الجمهور العربي والعالمي عن دور العرب في التاريخ، وخاصة في الفترة الأموية التي شهدت تقدمًا علميًا وثقافيًا هائلًا في مجالات عدة مثل الفلسفة والطب والجغرافيا والفنون. علاوة على ذلك، يبرز المسلسل القوة السياسية والاقتصادية التي هيمنت عليها الدولة الأموية، مما يعكس التراث العربي الذي شكل جزءًا مهمًا من تاريخ العالم.
مواجهة السرد التركي: معارك السيناريو قبل الشاشة
بينما أنفقت مجموعة MBC ما يقارب 50 مليون دولار على مسلسل “معاوية”، مقابل 10 ملايين دولار للموسم الواحد من “المؤسس عثمان”، تظهر الفروقات في:
تصوير المعارك باستخدام 3000 كومبارس مقابل 500 في العمل التركي
استخدام تقنيات CGI لمحاكاة معالم أثرية اندثرت
تصوير المشاهد في دولة تونس مقابل الاعتماد التركي على مواقع محلية
الصراع على الرواية التاريخية
يُثير المسلسل جدلًا حول شرعية تمثيل الأتراك للتاريخ الإسلامي، خاصةً مع تصوير “قيامة أرطغرل” للدولة العثمانية كامتداد طبيعي للخلافة الراشدة. يُجيب “معاوية” على هذا الطرح عبر مشهد لقاء دبلوماسي بين معاوية وبعثة بيزنطية، يُؤكّد فيه على عروبة المشروع السياسي الإسلامي.
التحديات اللغوية في التمثيل
واجه الممثلون تحديًا في محاكاة اللهجة القُرشية القديمة، حيث استعان الفريق بخبراء لغة من جامعة دمشق لإعادة بناء المفردات والنطق التاريخي. تظهر هذه الجهود في مشهد خطبة معاوية باللغة العربية الفصحى التي كانت سائدة في القرن الأول الهجري.
معركة الوجود الثقافي على الشاشة
يُشكّل “معاوية” نقطة تحوّل في الصناعة الدرامية العربية، ليس فقط كمنتج ترفيهي، بل كأداة لإعادة كتابة التاريخ بعيون عربية. رغم التحديات التقنية والأيدولوجية، ينجح العمل في خلق حوار جيوسياسي حول أولوية السرديات التاريخية، مُثبتًا أن المعارك الثقافية في القرن الحادي والعشرين تُخاض بالكاميرات قبل السيف.
الإنتاج يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة صراعًا على الهوية الثقافية، حيث تُظهر الإحصائيات أن 78% من المشاهدين العرب يرون في المسلسل ردًا على “المؤسس عثمان” التركي. هذا الصراع الثقافي يتجسّد في المنافسة على منصات البث مثل “شاهد”.
الاستقبال الجماهيري وتأثيره الجيوسياسي
حقّق المسلسل نسبة مشاهدة 78% في العالم العربي خلال 24 ساعة من العرض، بينما وصلت نسبة التفاعل على تويتر إلى 2.3 مليون تغريدة. لكنّ هذه النجاحات تُوازيها تحفظاتٌ لبعض المؤرخين الذين يشيرون إلى تبسيط الأحداث لصالح الحبكة الدرامية.