مسرحية عن سيرته فتحت ملف صاحب سجدة الشكر في “النكسة” من جديد
كيف يؤثر الشيوخ حتى بعد وفاتهم في تشكيل الوعي المصري الجمعي؟ الشعراوي مثالًا
تحقيق: د. ماريانا يوسف
يعود الشيخ محمد متولي الشعراوي لتصدر “الترند” بشكل شبه دوري، ويتكرر هذا مرة سنويًا على الأقل منذ ظهور شبكات التواصل الاجتماعي في مصر. ومع اتساع قاعدة مستخدميها في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، تحولت استعادة الشعراوي إلى حرب تعليقات وكتابات تحليلية أو ساخرة من منتقدي الشيخ وتأثير برنامجه التلفزيوني الشهير وتفسيراته للقرآن والتي يرونها متطرفة، مقابل ردود بعضها رصين وأغلبها يميل للسباب أو التكفير، يستخدمها محبو الشيخ للدفاع عنه وصد هجمات منتقديه.
هذه المرة، عاد الشيخ الشعراوي إلى ساحة الجدل والخلاف بعد إعلان مسئول في وزارة الثقافة المصرية أن الوزارة ستنتج عبر البيت الفني للمسرح وعلى خشبة المسرح القومي، أكبر وأهم مسرح في مصر، مسرحية عن حياة الشعراوي، على أن تُعرض ضمن البرنامج المسرحي لشهر رمضان المقبل.
ظل الاختلاف على الشيخ وتفسيراته وأسلوبه وهيمنته على العقل الجمعي المصري تزامنًا، وربما تحالفًا أو تضامنًا أو إمدادًا أو تدعيمًا، مع موجة تدين السبعينيات التي غزت المجتمع المصري، بدءًا من قاعدته العريضة مرورًا بطبقاته المختلفة، وإن كان بدرجات متفاوتة، أقرب ما يكون إلى المحرمات.
وأهمية قائمة التحريم والتكريه والتوجيه الطويلة التي بثها الشيخ الراحل في المجتمع المصري عبر دروسه التي كان يتربع فيها على مقعد مرتفع، ويجلس الرجال حوله على أرض المسجد، وينقلها التلفزيون وتسري في ربوع البلاد وتلقى آذانًا مصغية وقلوبًا متفاعلة وعقولًا مستسلمة، ليست في الطول بقدر ما هي في الأثر الباقي والمتحكم في المجتمع المصري حتى اليوم.
قطعة إملاء عن الشعراوي تثير الجدل.. إدراج رجل دين في الامتحان هل يتعارض مع مبادئ الدولة المدنية؟
تداول مدونون صورًا لنص كانت إحدى مدارس القاهرة قد اختارته لاختبار طلابها في الإملاء. ويقدم النص الذي حمل عنوان “إمام الدعاة” نبذة عن حياة الشعراوي وفيه جمل تكيل المديح له وتشيد بأسلوبه البسيط في تفسير القرآن.
وورد في النص: “الشعراوي، إمام الدعاة وأشهر علماء المسلمين في العصر الحديث، أحبه الناس لبساطة أسلوبه، والدليل على ذلك أنه عندما فسَّر القرآن الكريم فهمه الجاهل والعارف، وبالرغم من أنه رحل عن عالمنا، فإنه ما زال حيًا بعلمه لأن المال يفنى والعلم يبقى.”
استوقفت تلك القطعة النصية رواد موقع فيسبوك، خلال الأيام الماضية. فمن المعلقين مَنْ سارع إلى نشرها للاحتفاء بالشعراوي، ومنهم مَنْ شكك في الصور برمتها داعيًا إلى التحقق منها. وهناك أيضًا مَنْ أشاد بإدارة المدرسة لتذكير طلابها بسيرة واحد من أكثر رجال الدين تأثيرًا.
لكن ذلك الاحتفاء بالشيخ وبالنص الإملائي قوبل بانتقادات عديدة مما دفع الجهات التعليمية إلى فتح تحقيق في الأمر، فقد أشارت مواقع صحفية إلى أن مدير منطقة إدارة الساحل التعليمية أمر بتحويل النص الإملائي إلى الشؤون القانونية لفحصه.
منتصر: لا لقطعة إملاء عن الشعراوي ولا قطعة إملاء عن البابا شنودة
ويرى البعض في إدراج اسم رجل دين في امتحان للإملاء أمرًا غير مبرر، ويتعارض مع مبادئ الدولة المدنية. وهنالك مَنْ طالب بتحديد شرط مسبق لصياغة أسئلة الامتحان حتى تكون مجردة من الأهواء الدينية والسياسية والأيديولوجية.
وكان الإعلامي والكاتب خالد منتصر من بين مَنْ دعوا إلى فتح تحقيق عاجل في الواقعة لضمان حيادية المؤسسات التعليمية، حيث انتقد الإعلامي النص الإملائي وما تضمَّنه من “طيف ديني مميز”، على حد وصفه.
ففي مقطع مصور نشره على يوتيوب، أشار منتصر إلى أن “منطقة الساحل التعليمية التي تتبعها المدرسة المذكورة تضم نسبة كبيرة من الطلاب الأقباط.”
وتابع قائلًا: “يجب أن تتعامل المؤسسة التعليمية في الدولة المدنية مع الوجدان المشترك الجمعي الوطني وأن ترسِّخ مفهوم المواطنة.”
وأكد منتصر أنه لا يعترض على شخص الشعراوي، بل يستغرب إقحام أسماء رجال الدين في اختبار للغة العربية، مضيفًا: “يعني لا لقطعة إملاء عن الشعراوي ولا قطعة إملاء عن البابا شنودة في مدرسة تابعة للدولة وليست مدرسة دينية.”
الشعراوي وفتاوى السلطة
يتمتع الشيخ محمد متولي الشعراوي بمكانة كبيرة في قلوب المسلمين الذي يلقبونه بـ “إمام الدعاة”، وخاصةً مع النجاح الكبير لخواطر تفسير القرآن والتي نجح فيها في تبسيط وتفسير القرآن للعامة. وبالرغم من ذلك، أصدر الشعراوي بعض الفتاوى الغريبة التي أثارت الجدل حتى بعده وفاته.
قال الشعراوي في أحد الفيديوهات إن المرأة لا تخرج للعمل إلا لأمرين؛ أولهما ألا يكون لها عائل، وفي هذه الحالة “تبقى معذورة”، والثاني هو أن تخرج على قدر الضرورة، لافتًا إلى أن مهمة المجتمع المؤمن ألا يترك المرأة هكذا بل يقضي لها حاجتها حتى تعود لمنزلها سريعًا.
وكانت للشيخ الشعراوي فتوى أثارت الجدل فترة من الزمن، حيث جاء رأي الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي، في حوار تلفزيوني له ببرنامج “لقاء الإيمان”، أن أكل لحوم الخيل ليس محرمًا، مؤكدًا صحة حديث أسماء بنت أبي بكر: “نحرنا فرسًا فأكلناه على عهد رسول الله.”
وأوضح الإمام الراحل في فيديو سابق له أن الحكمة في تحريم أكل لحم الخيل والبغال والحمير في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هي لكونها تفنى، خاصةً أنها كانت أدوات قتال وحمل، وتابع: “إذا كانت العلة انتهت، فيجوز أكلها.”
وعرض “الشعراوي” خلال حديث تليفزيوني في شهر رمضان عام 1984 رأيه في أخلاق المرأة، والعلاقة بينها وبين ما ترتديه، حيث قال: “المرأة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوة أبنائه منها”، مؤكدًا أن المرأة المستورة أو المحجبة هي وحدها التي تنجب لزوجها أبناء يكون واثقًا من أنهم أبناؤه، على حد قوله.
رأي “الشعراوي” أثار جدلًا كبيرًا، ما دفع المفكر الراحل فؤاد زكريا للرد عليه في مقال بعنوان “كبوة الشيخ”، نشره في صحيفة القبس الكويتية في نفس العام، ثم وضعه بعد ذلك في كتابه “الحقيقة والوهم في الحركات الإسلامية المعاصرة”.
وفي كتابه “أفكار مهددة بالقتل: من الشعراوي إلى سلمان رشدي”، نشر الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى قصيدة كتبها الشعراوي يمدح فيها الملك فهد بن عبد العزيز، رفعه فيها إلى مصاف الآلهة، حيث يقول الشيخ:
يا ابن عبد العزيز.. يا فهد شكرًا
أنت ظل الله في الأرض
تحيا بك البلاد أمنًا وسرًا
“ظل الله في الأرض”، هذا الشطر من القصيدة أثار جدلًا، حيث رفع فيه الشعراوي الملك فهد إلى مصاف الآلهة، بل دافع بعض العلماء عن “الشعراوي”، مستندين إلى حديث “السلطان ظل الله في الأرض، يأوى إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم، ومَنْ أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة.”
وقف الشعراوي في مجلس الشعب يوم 20 مارس 1978، ودافع عن الرئيس السادات ضد المعارضة التي كانت تهاجمه، قائلًا: “لو كان لي من الأمر شيء، لحكمتُ لهذا الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة”، وزاد على حديثه الآية القرآنية: “ألا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.”
قول “الشعراوي” أثار غضب عدد كبير من المعارضين ورجال الدين، حيث وصف “السادات” بأنه شخص فوق السؤال، وأنه منزَّه بما يفعل عن “غوغاء المعارضة”. وهاجم الشيخ الراحل عبد الحميد كشك “الشعراوي” بسبب تلك الواقعة، وقال: “ماذا تقول لربك غدًا يا شيخ شعراوي لما وقفت في مجلس الشعب وقلت ما قلته؟ مَنْ الذي لا يُسأل عما يفعل يا شعراوي؟”
قال “الشيخ” في كتاب “الشعراوي بين السياسة والدين”، الصادر عن دار الفتح للإعلام للعربي: “مَنْ قال إن دولة متخلفة (مصر) في العالم الثالث ما زالت في بدء المحاولات لكي تنهض تشرع بمهمة توظيف كل أفرادها وتأخذ على عاتقها تعليم الأغلبية بالجامعة؟ إننا ننسى أن مَنْ يتعلم بالجامعة في الولايات المتحدة يدفع الكثير حتى يمكن له ذلك.”
وأضاف: “لو حسبنا ما تدفعه الأسرة على الدروس الخصوصية لأولادها لوجدناه يساوي عشرة أمثال ما كانت تتكلفه الدراسة يوم أن كانت بمصاريف، فدعونا من نفاق الجماهير ولنشرع في علاج مثل هذه القضايا بروح جديدة.”
أجرى “الشعراوي” حوارًا مع مجلة “صوت الجامعة” في فبراير 1993، نقل الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى أجزاءً منه في سلسلة مقالات بعنوان “هذه شهادتي عن الشيخ الشعراوي”، نشرها في موقع “الدستور الأصلي” وصحيفة “التحرير” في أبريل 2013.
تحدث “الشعراوي” في الحوار عن قضية “الاختلاط في الجامعات”، وأكد رفضه للاختلاط، بقوله: “وجود الطالبات مع الطلاب حرام، متقوليش اختلاط وبعدين تسألني عن حدود العلاقة، لأن وجودهم مع بعض من الأول حرام.” فحاول المحرر أن يحصل على شيء إيجابي واحد من الاختلاط، فرد “الشعراوي”: “إيجابيات إيه؟ الاختلاط كله سلبيات، واسألوا المشرفين عن نظافة دورات المياه في الجامعة.”
عرض “الشعراوي”، خلال حديث تليفزيوني في رمضان عام 1984 تفسيره للآيات المتعلقة بالسماوات والأرض، ووصل إلى نتيجة مفادها أن “علوم الفضاء وتكنولوجيا الأقمار الصناعية كلها لا تساوي شيئًا، وأن الإنسان الذي اخترع ورق الكلينكس أو عود الكبريت أفاد البشرية بأكثر مما أفادها ذلك الذي اخترع صاروخًا يصل إلى القمر.”
أحمد عبده ماهر: أفكاره ومقولاته تحريضية ومعادية للعلم والسلم الاجتماعي
المستشار والباحث الدكتور أحمد عبده ماهر (قرآني مصري) يرفض تقديس البعض للشيخ الشعراوي، ويتفق مع الآراء الناقدة له، حيث يقول: “مثلًا قال [الشعراوي] يجب أن نُغضِب اليهود والمسيحيين، ونخلص في ذلك فيرضى عنا ربنا.” ويواصل ماهر: “هذا التفكير نجح في أن يجعل المسلمين بعيدين عن السلام النفسي مع الإخوة الأقباط لدرجة أن بعض المشايخ جهروا علنًا بكفر الأقباط بلا حياء، وما عاد أحد يهتم بسلامة النسيج الوطني بفضل ذلك الفقه المغلوط.”
ويعتبر ماهر أن هناك كثيرين يؤيدون الشيخ الشعراوي من دون التعرف بشكل عميق على أفكاره ومقولاته التحريضية والمعادية للعلم والسلم الاجتماعي، حيث اكتفوا بمشاهدة الرجل الذي صنع جماهيريته من “تفسير لغوي مبسط للقرآن”، ويتساءل: “هل مَنْ يدعم الشعراوي يعلم شيئًا عن مقولاته وآرائه التي يرى فيها وجوب قتل المرتد تارك الصلاة؟ ومنعه غسيل الكلى لكل مريض بالفشل الكلوي وعدم الإنفاق على علاجه وتركه ليموت وإلا يُعد السعي للعلاج عنادًا مع الإرادة الإلهية؟ هذا بخلاف إجازته وطء الخادمة، والأدهى والأمر هو إعلانه عن سجوده شكرًا لله على هزيمة جيش المسلمين في نكسة 1967 رغم آلام الجرحى والأسرى والمعاقين وأسر الشهداء جراء هذه الحرب، هذا بخلاف تندره وفتاواه عن المرأة عمومًا والزوجات خصوصًا، واستحلال ضربهن وشتمهن.”
توفيق حميد: رجال الدين يكيلون بمكيالين..وأعطوا لأنفسهم حق التدخل في أمور لم يدرسوها
من جانبه، علَّق د. توفيق حميد المفكر والباحث في مجال الإسلام السياسي على تناقض رجال الدين الذين لا يسمحون لأحد غيرهم بالتدخل في الأمور الدينية، وحجتهم في هذا أنهم ليسوا متخصصين. ومن جهة أخرى، فإن أغلبهم يقحمون أنفسهم في أمور خارج نطاق العبادات والعقيدة، فهم تارة يتكلمون عن أرباح البنوك وكيف أنها محرمة، وتارة يتدخلون في أمور طبية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مثل زراعة الأعضاء وغيرها من الأمور الطبية. وكان أحرى برجال الدين هؤلاء ألا يكيلوا بمكيالين، فإن أعطوا لأنفسهم حق التدخل في أمور لم يدرسوها، فإن غيرهم لهم نفس الحق في أن يتدخلوا في المفاهيم الدينية خاصةً تلك التي تعوق مسيرة التقدم والحضارة.
وأكد د. توفيق عدم وجود تعريف للكلمات المستخدمة في النقاش مثل كلمة “الوسطية”، فها نحن نواجه صراعًا شرسًا بين مَنْ يقول إن الشيخ الشعراوي كان وسطيًا ومَنْ يقول العكس من ذلك. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: هل مَنْ يقولون إن الشيخ الشعراوي وسطي يرون أن دعمه لقتل تارك الصلاة وسجوده فرحًا بعد النكسة وإباحته لضرب المرأة وتحريمه للتبرع بالأعضاء ودعوته لأخذ الجزية من غير المسلمين وإذلالهم وخلق كراهية ضد المسيحيين نوع من أنواع الوسطية؟!
وأشار إلى محاولة حل المشكلة بعدم وضع بعض المؤسسات الإعلامية فيديوهات البرامج التي تمت مناقشة موضوع الشعراوي فيها على اليوتيوب كما حدث مع الإعلامية عزة مصطفي وغيرها ممن تبنوا رأيًا نقديًا لفكر الشعراوي. فالمنع لم يمنع الناس من تداول الفيديوهات أو مقاطع منها عبر وسائل متعددة، والأهم من ذلك أنه أظهر ضعف مَنْ يدافعون عن فكر الشعراوي وعجزهم عن الرد المنطقي مما يتسبب في رفض أكثر لفكر الشعراوي على عكس ما يريدون!
وأخيرًا فقد أظهرت قضية الصراع حول فكر الشيخ الشعراوي أننا نحتاج لثورة فكرية ترفض تقديس الأشخاص وترفض قبول فكرهم بصورة مطلقة وتضع تعريفًا واضحًا للكلمات المستخدمة في المناقشة!
فتاوى الشعراوي المثيرة للجدل
العلم والقضاء والقدر
علينا أن نرى المبدأ الذي أرساه ذلك الشيخ وغيره من كراهية للعلم وكيف أنهم تسببوا عبر فتاواهم بقتل المئات بل الآلاف من المرضى تحت ذريعة “القضاء والقدر” و”إرادة الله” بدلًا من توجيه الجموع لأهمية الخضوع والامتثال للعلم واحترامه بينما هم عندما يمرضون يتركون فتاواهم خلفهم ويذهبون للعلاج في أغلي وأفضل المستشفيات سواء داخل البلاد أو خارجها.
فمثالنا هنا، الشيخ الشعراوي، أفتى بحرمة نقل الأعضاء وحرمة علاج الفشل الكلوي وتسبب بذلك في موت الكثيرين، وهى جرائم قتل عمد ولكنها تحت ذريعة “الفتوى”.
كما نصح الناس بترك آبائهم وأمهاتهم الكبار في السن للموت بدون علاج بلا رحمة ثم ذهب وهو في شيخوخته للعلاج في الخارج. ألم يسمع ما جاء في سورة المائدة عن النفس البشرية: “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”؟
وحين يسأل أحدهم عن حكم التبرع بالأعضاء البشرية في ضوء القوانين التي تجري صياغتها بهدف تنظيم التبرع وإنقاذ الأرواح، يهرع كثيرون إلى بث المقطع الذي ينفعل فيه الشيخ الجليل، موضحًا أن “أعضاء الإنسان ليست ملكه حتى يتصرف فيها، لا تعتقد أنها (الأعضاء) لك (للإنسان)، لكنها ستظل أعضاؤه ملكه يبقيها على حالها، يحفظها، يصيبها بآفة، أو يعطلها، فالأشياء النافعة لابن آدم يخلقها الله ويجعلها ثم يملِّكها لك، لكن ذات الإنسان وأبعاد الإنسان خُلقت لله وجُعلت من الله وتظل مملوكة لله، ولو أن الإنسان مَلَكَ ذاته وأبعاضه (أجزاءه) ليتصرف فيها لما حرَّم الله الجنة على المنتحر، فلا يأخذ الحياة إلا مَنْ يملكها.”
رضاء المسيحيين واليهود هو ضد الدين
تُعتبر تلك الفتوى من أقدم فتاوى التمييز والاضطهاد القائم على الدين، فقد أفتى بأن فعل أي شيء ترضى عنه “اليهود والنصارى” هو ضد الدين، أو بمعنى آخر فإن كنت طبيبًا مسلمًا ورحمتَ مريضًا مسيحيًا وعالجته فإن ذلك، في نظر الشيخ الشعراوي، ضد الدين لأن المريض المسيحي سيرضى بذلك عن الطبيب المسلم الذي يعالجه!
واليوم حين يسأل أحدهم عن حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وهو أحد مكونات التشدد والتطرف اللذين عصفا بالمصريين على مدار نصف قرن، يهرع المجيب إلى بث ما قاله “إمام الدعاة” عبر برنامجه التلفزيوني، يقول، “يلزم علينا أن نستعيذ بالله من أن نقوم بتصرف يُرضي عنا اليهود أو النصارى.”
الحجاب يثبت شرعية الأبناء
ومن هنا بدأت غزوة الحجاب في المجتمع المصري والتمييز بين المسيحية والمسلمة عبر قطعة قماش فوق الرأس باتت ترمز للعفة والشرف في نظر الشيوخ، وبدونها تصبح النساء مجازًا عاهرات من وجهة نظر الشعراوي الذي حاول أن يشكك كل رجل في بنوة أبنائه إن كانت زوجته غير محجبة. وهذا الاتهام في حد ذاته يُوجَّه لجميع شيوخ الأزهر في الأربعينات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لأن زوجاتهم لم يكن محجبات!
مجامعة الخادمة واجبة على المسلم
من جهة يشكك الرجال في بنوة أبنائهم، ومن جهة أخرى يقلب موازين الشرف حين يفتي بمضاجعة الزوج للخادمة وهذا يُعد عبر القانون جريمة اغتصاب، فهو أجاز للزوج أن يجامع الخادمة في المنزل وذلك –كما قال– لأنه “لما سيدها يضاجعها لا تجد لربة البيت مزية عليها.” فهل ترضى أي امرأة وزوجة محترمة بذلك؟!
تحريم فوائد البنوك… من أجل عيون البنوك الإسلامية
حتى الاقتصاد لم يسلم من فتاواه، ونرى ذلك في كل مرة تقوم فيها البنوك المصري بطرح شهادات استثمار فنرى التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تكفِّر وتحرِّم فوائد تلك البنود مستندة على فتوى الشعراوي فقط، وهكذا أصبح مؤثرًا ليس فقط في العلاقات الإنسانية والاجتماعية داخل الدولة ولكن أيضًا في سياساتها واقتصادها، فلا ننسى أنه أفتى بحرمة فوائد البنوك ليصبح الشعب المصري والسلطة تحت رحمة شركات توظيف الأموال الإسلامية!
كما حرَّم السياحة ورفض أموالها مما تسبب في النهاية في إضعاف اقتصاد الدولة المصرية وانتشار الفقر بين الكثيرين بالرغم من أنهم كانوا يستطيعون العيش في رغد إن انتشرت السياحة بالشكل المطلوب في ربوع بلادهم!
المرأة مصرف لشهوة الرجل.. ويحق للرجل ضربها
لم تتوقف فتاوى الشعراوى عند ذلك الحد بل كان المصدر الرئيسي لكل الخلافات الزوجية، فرغم تكريم الأديان السماوية للمرأة إلا أن الشيخ الشعراوي قد ضرب بهذا عرض الحائط، حيث أبدى معارضته الشديدة لخروج المرأة للعمل وقال بضرورة بقائها في المنزل، ووصفها بأنها “مصرف” لشهوة الرجل على حد تعبيره، كما عبَّر عن تأييده لضرب الزوج لزوجته.
تارك الصلاة يُقتل
تلك الفتوى التي اقتبسها الإرهابيون في معظم عملياتهم الإرهابية، حيث أفتى الشعراوي بأن تارك الصلاة لو كان مُنكرًا لها يُقتل، ولو كان متكاسلًا يستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتَل أيضًا. ففي الحالتين، من وجهة نظر الشيخ، ينبغي أن نقتل مَنْ لا يصلي! تخيَّل معي لو تم تطبيق هذه الكلام فعلًا في مصر، ألن تتحول مصر لإمارة من إمارات داعش؟ فكم من مسلمين لا يصلون. فقط انظر حولك في مقر عملك أو البناية التي تسكن بها، وستجد كثيرين لا يصلون ، فهل نتحرك لقتل بعضنا البعض؟
في النهاية
القضية هنا ليست هي شخص الشيخ الشعراوي، والذي لا ينكر أحد، حتى أشد معارضيه، حب وتبجيل وتقدير ملايين المسلمين له. ولكن القضية هي فرض الوصاية الفكرية على المجتمع، وتحريم الحد الأدنى من النقاش المنطقي والعقلاني حول آراء وفتاوى الشيخ باعتباره شخصية عامة ومؤثرة. فالخلاف هنا ليس على شخصه بقدر ما هو خلاف على كيفية التعامل مع أفكاره؛ هل بالتقديس المطلق وتجريم أو تحريم أي تفكير نقدي، على شاكلة “لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي”؟ أم باحترام حق الاختلاف وحرية الرأي؟ هذا هو السؤال وهذا هو الخلاف الحقيقي.
كذلك ينبغي فصل الدين عن الدولة، فلا يصح أن يتحكم شيخ أو مجموعة من الشيوخ في تقرير مصير الشعوب عبر وجهات نظر لا تتناسب مع الظروف الراهنة أو قد تتسبب في تأجيج الطائفية أو تصيغ وعيًا جمعيًا عامًا بلا منطق.
وستبقى الأسئلة التالية تطرح نفسها… هل يحق لنا مناقشة فكر الشيخ أم لا؟ أليس هذا الفكر مؤثرًا في الملايين بشهادة مؤيدي الشيخ ومعارضيه؟ أليس الشيخ هو رجل دين قضى عمره يقدم أفكاره وفهمه للدين للمجتمع ككل، ولا تزال هذه الأفكار تؤثر فيه؟ فبأي حق يتم تجريم مناقشة هذه الأفكار؟ ومَنْ الذي يمتلك حق الوصاية ليحرم أفراد المجتمع، وبالأخص المثقفين والكُتَّاب والإعلاميين، من حق نقاشها؟
ولماذا تحدث هذه الثورة العارمة كلما أشار أحد إلى بعض الفتاوى مثل فتوى تحريم زراعة الأعضاء مثلًا؟ ما العيب في النقاش؟ وما الضرر من وضع أفكار الشيخ متولي الشعراوي أو غيره تحت مجهر العقل والنقد؟ ولماذا يضطرب وينزعج كثيرون من مجرد مشاركة فيديو لأحد فتاواه مثل قتل تارك الصلاة حتى لو لم يُكتب أي تعليق على هذه الفيديوهات؟ أليس هذا هو ما قاله الرجل وسجَّلته الكاميرات وأتاحت لنا تكنولوجيا العصر إعادة عرضه بسبب مواقع سهَّلت أرشفة المحتوى البصري مثل اليوتيوب؟