21.4 C
Cairo
الجمعة, نوفمبر 22, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيكنيسة حاملة ثورة النضال

كنيسة حاملة ثورة النضال

كريستيان جيفارا

طفلٌ آمن بالمسيح يسوع ربًا ومخلصًا ومناضلًا.. وُلِدَ ولادة جديدة

تمتص جذوره وقلبه وروحه عصارة اللبن العديم الغش..

وصايا المـُعلِّم.. مجاهرته بالحب.. نزيف دمه المقدس..

جمال إلوهيته التي تُلمس.. إنسانيته المبهرة.. صمته العميق

هامته المرفوعة على الصليب.. قبره الفارغ..

قيامته في اليوم الثالث..

ظهوراته المباغتة الكاسرة شوكة الموت

والاختفاء والذكرى والموت والتلاشي

طفل ينمو في القامة والنعمة والرؤية

في أوقات فراغه كان يغلق بابه عليه ويقف أمام مرآته يقلد المُعلِّم.. ليتشبه به..

كان يرى المُعلِّم أمام فريسيي عصره.. الحرفيين إلى الدرجة القصوى..

إلى درجة الحرف الذي يقتل (2 كو 3: 6)

كان المُعلِّم جريئًا جرأة لم يعهدوها.. وحكيمًا حكمة ليست في متناول اليد

كان يشق نقاب حروفهم الصنمية فيجدوا أنفسهم عرايا أمام الجوهر.. أمام المعنى

أمام قيمة اللآلئ المختبئة والمسكوت عنها في الداخل

وكان الطفل يعلم معنى أن يواجه أحد فريسيي هذا العصر

وما يمكن أن تكون توابع هذه المواجهة.. وحجم مجازفة ومخاطرة كهذه

الفريسيون كانوا أعلى طبقة تتشح برداء التقوى في هذا العصر.. تتكبر على ضعاف الإيمان

تحمل سلطة تغيير المنكر والأمر بالمعروف..

تعرف كيف تحشد الشارع في لحظة.. وكيف تجنِّد القطيع..

أصوليو كل عصر.. المحاولون دائمًا الإمساك بخيوط اللعبة..

والمحركون الدمى على مسرح الأحداث..

الظاهرون للناس بثياب الحملان وهم في الداخل ذئاب خاطفة (مت 7: 15)..

المتسربلون بتواضع وبساطة الحمام وهم بالداخل جحور دهاء الحيات (مت 10: 16)..

الزاهدون شكلًا.. والكانزون كنوز الجاه والسلطة موضوعًا ..

البائعون في سوق الديانات صكوك الغفران ومفاتيح الجنة والنار..

وأرقام خزينة الصلوات المسموعة.. والطلبات المشفوعة..

حاملو كروت الوساطة للسماء.. مَنْ لهم الدالة على الإله..

كل هؤلاء واجههم المناضل.. المُخلِّص المُعلِّم.

كان الطفل يـُدهـِش دهشة لم يسبق لها مثيل.. وكانت دقات قلبه تزداد اضطرابًا.. وقطرات عرقه تـُزرف كالدمع وهو يرى الأحداث تتصاعد إلى ذروة المواجهة..

ليس فقط مع الفريسيين بل مع قمة جبل الأصولية..

مع عرش السلطة الكهنوتية في ذاك العصر..

مع الطبقة التي لا يقدر أحد أن يتكلم عنها مع أحد ولا حتى مع نفسه دون أن يشعر أنه ينبغي عليه أن يخلع نعليه لأنه في مكان مقدس مع أناس مقدسين.

ظهروا له مرارًا في نومه في شبه ملاك نور (2كو11: 14)!

وها المُعلِّم لا يخلع نعليه وهو يواجههم..

وأسمع كلماته كالرعد: بيتي بيت الصلاة يـُدعى وأنتم جعلتموه مغارة لصوص (مت21: 13).

وها موائد الصيارفة وبائعي الحمام.. “غاسلي أموال الكهنة”..

حيث تقاطع المصالح الموجود منذ البدء بين الدين والمال

بين طبقة الكهنوت.. ورجال الأعمال

حيث الحبل السُري المختفي عن أعين القطيع.. والظاهر كالشمس في عين المسيح

كم حاول المسيح مرارًا أن يقطع هذا الحبل السُري..

أن يفطم طبقة الكهنوت ويجعلها تعتمد اعتمادًا حقيقيًا وكليًا على الله..

بيت الصلاة.. للصلاة يُدعى.. وليس للربح الرخيص

أعطوا ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر (مت22: 21)

لا يمكن أن تخدموا سيدين.. الله والمال (مت6: 24)

حاول المسيح مرارًا وتكرارًا..

ولا يزال يحاول مع طبقة الكهنوت إلى الآن “لعله ينجح”

يأخذ الطفل نفسًا عميقًا لعله يهدئ من انفعالاته التي تزداد اضطرابًا كلما حاول أن يـُقلد المُعلِّم

كل مرة يحاول أن يقلده ويشبهه.. يبدأ ولا يقدر أن يُكمل

فمواجهات المسيح المتلاطمة تكاد تُغرِق الطفل في بحر النضال الذي لا يـُعبَّر

وفجأة يجد الطفل نفسه متلصصًا من خلف ستار مشهد لمواجهة المسيح مع الصدوقيين – رجال الدين المتحالفين مع رجال السياسة..

مع بيلاطس وهيرودس وحاشيتهم

وها حبل سُري آخر هنا.. تقاطع مصالح أخرى..

بين الدين.. والسياسة

هل يصمت المُعلِّم ؟ هل يقف مشلولًا مصلوبًا على صليب العجز؟

لا.. قولوا لهذا الثعلب ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل.

بل ينبغي أن أسير اليوم وغدًا وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج عن أورشليم.

يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردتُ أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يـُترك لكم خرابًا (لو13: 32–35).

هل سمعتم معي؟
ها هيرودس وهو أعلى سلطة سياسية في محيطه.. في عصره.. لم يخف منه المُعلِّم..

لم يخف من عساكره.. ولا زوار فجره ولا معتقلاته المزروعة من المحيط إلى الخليج..

ولا قوانينه سيئة السـمعة.. لم يخف المُعلِّم

واجهه في عقر داره.. أمام أعين الجميع.. على الملأ..

ومَنْ له أذنان للسمع فليسمع (مت11: 15).

مَنْ له عينان تبصران.. فليبصر

لأننا نقف أمام مَنْ هو أعظم من كل مناضلي التاريخ.. غاندي.. سبارتاكوس.. جيفارا

وها هيرودس وبيلاطس – العدوان قبل المسيح – في مواجهة المـُعلِّم اتحدا.. تحالفا ضد ملك الملوك ورب الأرباب (لو23: 12).

اغسل يديك يا بيلاطس بالماء.. فهذا التطهر الخارجي لا يطهِّر القلب ولا يقدِّس الروح كالقبور المزخرفة من الخارج.. كالأطعمة جميلة المنظر لكن بالداخل ممتلئة بالسم

اغسل يديك يا بيلاطس.. فدم المُعلِّم ليس ككل الدماء

وها صوت جموع اليهود – خاصته قديمًا – تشهد على نفسها..

“دمه علينا وعلى أولادنا” (مت27: 25)

تشهد على نفسها شهادة سجَّلها الوحي وسجلها التاريخ

ولا يقدر أحد أن يمحوها حتى لو كان بابا روما!!

يزداد الطفل عشقًا لمناضله الأول والأخير – فارس عمره –

الذي لم يواجه فقط أجناد الشر الأرضية من كهنة وساسة ورجال مال..

بل كل مَنْ عمل ضد الإنسان.. ضد الحياة.. ضد الله..

واجه أيضًا جذور الشر والفساد.. أجناد الشر الروحية في السماويات (أف6: 12).. واجههم.. جرَّد الرياسات والسلاطين.. أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه (كو2: 15).

وها العالم كله.. الذي كان مستعبدًا لرئيس سلطان الهواء – إبليس وجنوده – لأول مرة يرى هذا الشرير والنجس والطاغي والمدعي القوة والسلطان مهزومًا.. ضعيفًا.. يصرخ.. يفر هاربًا في مواجهته مع المُخلِّص

وها الطفل يبتسم ضاحكًا وهو يسمع صراخ الشياطين قائلة للمُخلِّص:

أتيت لتهلكنا.. أنا أعرفك أنت قدوس الله (مر 1: 24)… ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي.. لا تعذبني (مر 5: 7)

يضحك لأنه لأول مرة يرى مُدَّعي القوة ضعيفًا..

ورافع راية الجبروت.. جبانًا

ومَنْ يستعبد كثيرين من البشر.. ها هو أمام المُخلِّص يصرخ

وها مبدع الشر أمام الله الحقيقي.. يُحاكَم مُنكَّس الرأس

يقوم الطفل فجأة.. يمسك بفرشاته وألوانه ويجلس ليرسم لوحة لمشهد التجربة..

ويقول بصوت مسموع إن تجربة المسيح مع الشيطان في البرية تحمل أسرار الحياة الحقة

أصغوا لها جيدًا.

إن كنت ابن الله فقُل أن تصير هذه الحجارة خبزًا

فأجابه المُعلِّم: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله

حيث الخبز والحرية.. وجهي عملة الحياة الحقة

إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل. لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك. فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك.

فقال له المُعلِّم: مكتوب لا تجرب الرب إلهك.

لأنه يوجد شك مريض وشك عادل

إيمان شياطين تقشعر.. وإيمان مبني على الصخر

أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي.

اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد (مت4: 2-10)

يا شياطين الكون.. مسيحنا لا ينحني

منتصب القامة يمشي.. مرفوع الهامة يمشي

لم ينحنِ.. ولن ينحني

لم يُهزم.. ولن يُهزم

انتصر.. ينتصر.. وسينتصر

يبتسم الطفل ابتسامة لا أعرف مغزاها

هل هي دهشة.. أم تعجب.. أم استفهام

وهو ينظر إلى مشهد مواجهة المسيح حتى مع حوارييه.. تلاميذه.. خلصاء قلبه..

تابعي آثاره.. فها بطرس المرشح الأول لرعاية الخراف الجدد.. وهو ضمن الثالوث المُقرب (مع يوحنا ويعقوب) بعد أن قال: أنت هو المسيح ابن الله الحي وقال له يسوع: إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات (مت16: 17)

يواجهه مواجهة تزلزل أركان غرفة الطفل وهو يرى يسوع ينتهر بطرس قائلًا: اذهب عني يا شيطان.. أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس. إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني (مر8: 33–34).

ها المسيح يواجه بطرس وكل تلاميذه.. لأنه لم يأتِ ليلقي سلامًا فقط بل ليلقي أيضًا سيفًا.. لكنه ليس سيفًا للقتل بل لتحديد الأشياء.. ليعرف التلاميذ ونعرف مع مَنْ.. وضد مَنْ نحن

لأن مَنْ يتبع المناضل ينبغي أن ينكر نفسه ويحمل صليبه ويناضل

لأن الباب ضيق والطريق كرب.. فاسهروا وصلوا لأن خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا مَنْ يبتلعه

لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد بل الروح (مت10: 28)

مَنْ ينكرني قدام الناس أنكره قدام أبي الذي في السموات (مت10: 33)

ليس التلميذ أفضل من المُعلِّم ولا العبد أفضل من سيده (مت10: 24)

المُعلِّم.. اضطُهد.. رُفـِض.. صُلـِب

وتلاميذه تجرَّبوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضًا وحبس

رُجموا.. نُشروا.. جُـرِّبوا.. ماتوا قتلًا بالسيف.. طافوا في جلود غنم وجلود معزى.. مُعتازين مكروبين مذلين.. وهم لم يكن العالم مستحقًا لهم (عب11: 36–38)

كل مَنْ يحيا بالتقوى يـُضطهد.. وسيظل يـُضطهد.

“ليست الكنيسة المنتصرة سوى وهم.. لأنها تفترض أن زمن النضال قد انتهى

ولكن المسيح قال إن مملكته ليست من هذا العالم.. وإن البغضة والمعارضة والضيق ستكونان في العالم ومن العالم.. إذًا كنيسة المسيح يمكن بقاؤها فقط بالنضال.. بالصراع ضد العالم في كل وقت والنضال لصالح الحق في كل وقت

لأن محبة العالم هي بغضة لله.. واليوم الذي سيصير فيه العالم والمسيحية أصدقاءً تكون المسيحية قد بطُلت ويصير المسيح مصلحًا.. أو نبيًا أو حالمًا

وفي هذا الوقت ستزحف المسيحية بثياب رثة ولا نعلم إن كنا بحاجة لخلع قبعاتنا تعظيمًا لها باسم تقدمها وتحالفها وصداقتها مع العالم أم ينبغي أن تنحني هي لنا وتخلع رداء الانتصار الوهمي وتلبس سلاح الله الكامل لتناضل معنا ضد العالم.”         كيركجارد

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا