في ذكرى وفاته الـــ 47… جبرتي العصر… شهيد السلام… يوسف السباعي
“لا فلسطين بعد اليوم” شعار مظاهرات المصريين بعد اغتيال السباعي
تحقيق: إيهاب أدونيا
يُعد يوسف السباعي من الشخصيات الهامة في تاريخ السياسة المصرية، وقد وَلَّدت حادثة اغتياله صدمة هائلة في نفوس فئات الشعب المصري، وذلك لمكانته في قلوب المصريين كأديب وسياسي وشخصية مرموقة في المجتمع، ناهيك عما أحدثته تلك الواقعة من خلافات دبلوماسية بين دولتي مصر وقبرص، وذلك بعد قيام الرئيس السادات في 22 فبراير 1978 بسحب اعتراف مصر بـسبيروس كبريانو كرئيس لجمهورية قبرص، وكان ذلك بسبب إصرار السلطات القبرصية على محاكمة الجناة على أرضها ورفض تسليمهم إلى الحكومة المصرية، على الرغم من الضمانات التي قدمتها الحكومة المصرية إلى السلطات القبرصية بـأنهم سينالون محاكمة عادلة في المحاكم المصرية، تلك الخلافات التي أدت إلى وقوع أضرار جسيمة على المستوى الاقتصادي بين البلدين، ناهيك عن النزاعات التي حصلت بين الجانبين على الصعيدين الأمني والعسكري.
من هو يوسف السباعي
لعل الأجيال الجديدة لا تعرف يوسف السباعي إلا من خلال الأفلام التي اعتمدت على قصصه مثل “بين الأطلال” و”إني راحلة” و”رد قلبي” و”نحن لا نزرع الشوك” و”نادية” و”أم رتيبة” وغيرها.
تقلد السباعي العديد من الوظائف في المجالات العسكرية والثقافية والصحفية، وُلِدَ يوسف السباعي في 17 يونيو 1917 في الدرب الأحمر بالقاهرة لأب مولع بالأدب والترجمة، والتحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1937، وتدرج في الأعمال العسكرية في سلاح الفرسان. وفي عام 1940، دَرَّس سلاح الفرسان في المدرسة الثانوية العسكرية، ثم في عام 1943 أصبح مدرسًا للتاريخ العسكري بالكلية الحربية. وفي العام 1949، رُقيَّ يوسف صاحب الاثنين وثلاثين عامًا إلى رتبة عميد، ثم أصبح كبيرًا للمعلمين في المدرسة العسكرية عام 1952. وبعد حصوله على شهادة أركان حرب، أصبح مدير المتحف الحربي بالقاهرة.
ومن أبرز إسهامات الضابط يوسف السباعي في الجيش المصري تطوير سلاح الفرسان بما يواكب متطلبات العصر، ويساير طبيعة التطور الصناعي الذي تشهده الجيوش، ومتابعة سباق التسلح بكل ما هو جديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وهو الذي وضع حجر الأساس لما يُعرف حاليًا باسم سلاح المدرعات.
أما الوظائف المدنية والثقافية التي تقلدها فقد تعددت، نذكر منها سكرتير المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1956، وسكرتير منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية عام 1957. أما الوظائف الصحفية، فقد بدأت بتولي رئاسة تحرير آخر ساعة 1967، ورئاسة مجلس إدارة دار الهلال عام 1971، وتولي رئاسة مجلس إدارة ورئاسة تحرير الأهرام عام 1976. وفي عام 1977، تم انتخابه نقيبًا للصحفيين. ومن إسهاماته إنشاء نادي القصة وجمعية الأدباء ونادي القلم وغيرها. واختاره السادات وزيرًا للثقافة عام 1973 وحتى عام 1975، حيث حقق خلال تلك الفترة عددًا من الإنجازات.
كيف تم اغتيال السباعي؟
كانت الساعة الحادية عشرة صباحًا حين نزل الكاتب يوسف السباعي، وزير الثقافة المصرية ورئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام، من حجرته في فندق هيلتون بالعاصمة القبرصية نيقوسيا، وتوجه إلى قاعة في الدور الأرضي لحضور مؤتمر منظمة التضامن الأفروآسيوي يوم 18 فبراير1978، وكان مشاركًا فيه بصفته أمين عام المنظمة. وقبل دخوله القاعة، توقف أمام منفذ بيع للكتب والصحف مجاورة لها، وفجأة دوت طلقات رصاص، وإذا به يقع قتيلًا على أثرها.
وقعت هذه الجريمة الإرهابية بعد شهرين و27 يومًا من زيارة السادات إلى القدس «19 نوفمبر 1977»، وكان «السباعي»، ضمن الوفد المرافق له. ووسط الغضب العربي من الزيارة، تنوعت وسائل التعبير عنه لتشمل مظاهرات شعبية، وسحب دول عربية لسفرائها من القاهرة، وتهديدها بقطع العلاقات مع مصر، كما هددت منظمات فلسطينية باستهداف كل الشخصيات التي رافقت السادات، وكانت هذه العملية تنفيذًا لهذا التهديد.
أعلن «أبو نضال» من مقره في العراق مسؤوليته عن هذه الجريمة، و«أبو نضال» هو الفلسطيني صبري البنا، المولود في مايو 1937، وانضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ثم انشق عنها في عام 1974، وتنقل بين سوريا وليبيا والعراق حتى وُجِدَ مقتولًا برصاصة في رأسه صيف عام 2002 بشقته في العاصمة العراقية بغداد.
إبراهيم عيسى: اغتيال يوسف السباعي هو ثمن دفعه المثقف المصري المنتصر للسلام
قال “عيسى” خلال تقديم برنامجه “حديث القاهرة” المذاع على فضائية القاهرة والناس: “يوسف السباعي اُغتيل في بهو فندق هيلتون بنيقوسيا خلال مؤتمر التضامن الأفروآسيوي.”
وأضاف: “اغتيال يوسف السباعي هو ثمن دفعه المثقف المصري المنتصر للسلام، وعشرات الآلاف خرجوا للتنديد باغتيال يوسف السباعي أثناء تشييع جنازته.”
وتابع: “ما حدث في الماضي يتكرر الآن، فمصر رغم أنها تنتصر للقضية الفلسطينية ولكنها تتعرض إلى الكثير من المزايدات والتشويه والتشكيك.”
ماذا قالوا عن الأديب الراحل؟
أطلق نجيب محفوظ على يوسف السباعي لقب “جبرتي العصر” لأنه سجَّل بكتاباته الأدبية أحداث الثورة منذ قيامها حتى بشائر النصر في حرب أكتوبر المجيدة عبر أعماله: “رد قلبي”، “جفت الدموع”، “ليل له آخر”، “أقوى من الزمن”، “العمر لحظة”. وقال عنه في كتاب صدر ببيروت بعنوان “الفكر والفن في أدب يوسف السباعي”، وهو مجموعة مقالات نقدية بأقلام أجيال مختلفة على رأسهم طه حسين وقد أشرف الكاتب غالي شكري على تقديم هذا الكتاب وإعداده، إن أدب يوسف السباعي في مجمله ظاهرة اجتماعية فمن هنا تنبع الأهمية القصوى في إصدار هذه النماذج بين دفتي كتاب حول أدب يوسف السباعي.
أما توفيق الحكيم فوصف أسلوب “السباعي” بأنه سهل عذب باسم ساخر، وحدد محور كتاباته بقوله إنه يتناول بالرمز والسخرية بعض عيوب المجتمع المصري.
وقال مرسي سعد الدين في مقدمة كتاب “يوسف السباعي فارس الرومانسية” إن السباعي لم يكن مجرد كاتب رومانسي بل كانت له رؤية سياسية واجتماعية في رصده لأحداث مصر. وقالت لوتس عبد الكريم إن دور السباعي في الثقافة المصرية لا يقل عن دوره ككاتب، وأشارت إلى وصف الناقد المصري الراحل الدكتور محمد مندور للسباعي بأنه لا يقبع في برج عاجي بل ينزل إلى السوق ويضرب في الأزقة والدروب.