الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر
يقول المرنم “الله لنا ملجأ وقوة. عونًا في الضيقات وُجد شديدًا. لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض، ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار” (مز46: 1، 2).
والجدير بالذكر أن مناسبة كتابة هذا المزمور هو نجاة أورشليم في زمن الملك حزقيا من هجوم سنحاريب ملك أشور (راجع 2مل18، 19، إش36، 37). إن حزقيا مثل أي مؤمن تعرضت سفينة حياته لعواصف الزمن وأمواج بحر الحياة، وكما استطاع حزقيا أن يصل إلى شاطئ الأمان بسلام، هكذا كل مؤمن يحذو حذوه يستطيع أن يتمتع بسلام الله الذي يفوق كل عقل مهما كانت عواصف الحياة غادرة وآلام الزمان ضارية.
هذه المعجزة ثرية بالقيم الإيمانية، والمبادئ اللاهوتية، والدروس الروحية أذكر منها الآتي:
أولًا: اعرض متاعبك على إلهك
ترصد عدسة الوحي المقدس صورة بديعة الجمال لحزقيا، وهو يأخذ رسائل التهديد التي وصلته من سنحاريب ملك أشور ودخل بها إلى بيت الرب وصلى قائلًا: “يارب الجنود، إله إسرائيل الجالس فوق الكروبيم، أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض. أنت صنعت السماوات والأرض. أمل يارب أذنك واسمع. افتح يارب عينيك وانظر، واسمع كل كلام سنحاريب الذي أرسله ليعير الله الحي… والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده، فتعلم ممالك الأرض كلها أنك أنت الرب وحدك” (إش37: 16، 17، 20).
فأرسل الله إليه النبي إشعياء ليطمئنه بأن النصر آتٍ لاشك فيه، وأنه سيدافع عنهم، وأن سنحاريب المتكبر سوف ينهزم وقد كان، فقد ضرب ملاك الرب من جيش أشور 185 ألف جندي، والكتاب لم يفصح لنا كيف مات كل هؤلاء في ليلة واحدة… وكأن الله يريد أن يقول لنا في وسط معاركك ومخاوفك، وتحدياتك وصعابك قد يأتيك عدو الخير لكي يثير في نفسك القلق، ويرسم في ذهنك الكثير من علامات الاستفهام، وإذ بالرب يرتب لك النصر والنجاة من حيث لا تدري.
لم يكن تصرف حزقيا غريبًا عليه، فهو الشخص الذي كان يتمتع بعلاقة حميمة ولصِيقة بالرب فمكتوب عنه “والتصق بالرب ولم يحد عنه” (2مل18: 6).
نعم! نحتاج أن تكون لنا هذه العلاقة الحميمة والعميقة مع إلهنا، ويكون شعارنا ما قاله المرنم “التصقت نفسي بك” (مز63: 8).
ثانيًا: وجود الله في وسطنا هو سر انتصارنا
ياه! ما أجمل أن نختبر كلمات المرنم “الله في وسطها فلن تتزعزع. يعينها الله عند إقبال الصبح” (مز46: 5). نختبر حضوره في وسط حياتنا وبيوتنا وأسرنا وأعمالنا، مهما كانت قسوة الظروف المحيطة بنا نشعر بالفرح والسلام… ونشدو يعظم انتصارنا بالذي أحبنا.
كيف لا؟! ومكتوب في (مي3: 11) “أليس الرب في وسطنا؟ لا يأتي علينا شر!”.
ألا تُذكرنا هذه الكلمات بالصورة التي رصدتها عدسة الوحي المقدس للرب يسوع وهو نائم في سفينة يعبر بها مع تلاميذه بحيرة طبرية وهبت العواصف، وهاجت الأمواج، وبدأت السفينة تتأرجح وسط البحر الهائج، وخاف في وقتها التلاميذ وهرعوا للرب “فأيقظوه وقالوا له: “يا معلم، أما يهمك أننا نهلك؟”. فقام وانتهر الريح، وقال للبحر: “اسكت! ابكم!”. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم. وقال لهم: “ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم؟”. فخافوا خوفًا عظيمًا، وقالوا بعضهم لبعض: “من هو هذا؟ فإن الريح أيضًا والبحر يطيعانه!” (مر4: 35- 41). ويبقى السؤال: وهل يمكن أن تغرق سفينة في وسطها الرب يسوع؟!
نعم! قبل أن تعاتب إلهك وتسأله “لماذا أنت بعيدًا عني؟”… اسأل نفسك “هل أنا قريب من الرب؟”.
ثالثًا: نختبر عظمة وشدة الله في الشدائد
يتحدث (مزمور 46) عن قوة الله وشدته التي تبدو لنا في وقت الشدة.. فتمنح شعبه الاطمئنان والسلام فيترنم “لا نخشى ولو تزحزحت الأرض، ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار”.
لقد هجم الجيش الأشوري المدجج بالسلاح على المدينة الوادعة أورشليم مدينة السلام. فامتلأ أهلها بالفزع والهلع لأن هجمات العدو وصيحاتهم زلزلت الجبال، وزحزحت الأرض، وكأن الجبال تنقلب إلى قلب البحار… في وسط هذا الضجيج، كان صوت الإيمان أعلى منه، يعلن أن الله لنا ملجأ وقوة، وأنه في الشدائد وُجد شديدًا.
نعم! قد يكون ما حولنا يمثل تهديدًا لنا، ولكننا يجب أن نطمئن ولا نخشى لأن في وجود الرب معنا حماية لنا “فماذا نقول لهذا؟ إن كان الله معنا، فمن علينا؟” (رو8: 31).
الله لنا ملجأ وقوة يعيننا في الضيق عندما يهاجمنا العدو، وهو فُلك نجاتنا، ومدينة ملجأنا، يرد الظلم عنا، ويهبنا القوة لنواجه مصاعب الحياة، وفي القلب سلام، وفي النفس رجاء، وفي الفم ترنيمة.
رابعًا: إلهنا صادق في وعوده
“رب الجنود معنا” هذا هو وعد الرب لنا وهو صادق في وعوده، فهو “عمانوئيل الذي تفسيره: الله معنا” (مت1: 23). وهو إله يعقوب بمعنى إله العهد الذي أنعم على يعقوب أبي الأسباط فأدخله في عهد معه، عندما كان هاربًا من وجه أخيه عيسو وهو في طريقه إلى بيت خاله لابان، ووعده بأن يكون معه، ويحفظه ويعيده إلى أرضه (تك28: 10- 21). ومع أن يعقوب ارتكب الكثير الخطايا، من غش ومكر واستغلال وابتزاز، إلا أن الرب لم يرفضه بل جدد له الوعد القديم (تك32: 22- 29)، لأن العهد لم يكن متوقفًا على صلاح يعقوب، بل على أمانة الرب لكلمته… وهكذا لو أن حياتك تمر بحالة من الفتور والضعف والسلبيات… ثق أن الله أمين في وعوده حتى لو لم تكن أمينًا… فمراحم الله لا تزول… وكثيرة هي أمانته.
عبرة في عبارة: على قدر المسافة التي بينك وبين إلهك… على قدر إحساسك بالسلام والأمان.