العدد 8 الصادر في مايو 2006 كوتشينة الايام ومقالات أخرى خلل عقلي أم خلل ديني؟
لقد كانت الأحداث الدامية في مدينة الإسكندرية صدمة حقيقة وتصعيداً خطيراً للحرب الإسلامية المسيحية التي بدأت في مصر والبلاد العربية منذ الاحتلال الإسلامي لمصر المسيحية. يومئذ بدأت الحرب بنشوة النصر للغزاة الذين جاءوا من الجزيرة العربية لمواجهة الكنيسة في مصر، كنيسة كانت واحدة جامعة رسولية وقفت يوماً بلا عتاد أو سيف أو خنجر أو سكين أمام الدولة الرومانية فأبادتها من الوجود بإذن الله ووقفت ضد هرطقات الهراطقة وضلالات المضلين بسيف الروح الذي هو كلمة الله تبارك اسمه فهزمت حجافل الظلام وأرواح الشر في السماويات وخرجت منتصرة غالبة قاهرة كجيش بألوية، ثم انقسمت وتفرقت وخلطت بين الدين والدولة، ونصب الأباطرة والبطاركة أنفسهم آلهة من دون الله في عصور مظلمة وقال بعضهم أنهم خلفاء بطرس الرسول وقال الآخرون أنهم خلفاء مرقس الرسول، وتصارعت الكنيستان الأختان ورفعت كلٌ علم رسولها في وجه الأخرى، وتقاتل الندان فغضب المولى على من نصبوا أنفسهم حماة لكنيسته، جسده على الأرض، وباعوا لأولاده الجنة بصكوك الغفران وهم لا يملكونها، وحملوا الصليب أداة الرحمة والحق الذي فيه تعانقا، وحولوه إلى سلاح وعلم للحرب والقتل والغزو والنهب، والصليب منهم براء. أغضبوه تبارك اسمه وأخذوا مكانه ومكانته فأسلمهم جل شأنه إلى ذهن مرفوض، وأعطى لهم القفا لا الوجه، ودفعهم تبارك اسمه لأعدائهم فجاءوا واحتلوا أرضهم، وفرضوا عليهم الجزية ليدفعوها عن أيديهم صاغرين، وأصبحت الكنيسة التي أراد لها السيد المسيح أن تكون نوراً للعالم وملحاً للأرض، سبباً في جلب العصور المظلمة والمفسدة في الأرض.
لكن كانت هناك دائماً ولا تزال قلة قليلة باقية وستظل إلى أن تلاقي ربها، قلة أمينة تابعة لمسيحها، عاكفة على إرضائه، منفذة لأوامره وأحكامه، ناشرة للعدل والحب والسلام بين الناس في أحلك الليالي وأظلم العصور.
أما الحرب الإسلامية المسيحية فأخذت تخبو حيناً ويتقد سعيرها حيناً آخر، وتعددت أساليبها وامتدت لتشمل ملء قلوب الأطفال الصغار بالحقد والكراهية تجاه الآخر. ومازلت أتذكر شبابيك تلك الكنيسة الصغيرة في بلدة السويس وهي ترشق بالحجارة وأكياس الزبالة والمخلفات الآدمية تقريباً في كل مرة نجتمع فيها في الكنيسة وكنت يومئذ طفلاً صغيراً أبلغ من العمر 5 سنوات. ثم كبرت الحرب لتشمل الأطفال في المدارس والشباب في الكليات، ثم صراعات الرجال ومنها التلقائية العشوائية ومنها المدبرة الموجهة المستهدفة. ثم تصاعدت الحرب لحرق الكنائس ومنع المسيحيين بالقوة من بناء كنائسهم أو ترميمها ومنعهم من الصلاة في ديارهم وكنائسهم. وكلها كانت حرباً عن بعد دون الالتحام المباشر بالأسلحة التي كانت بيضاء فتلطخت الآن بالدماء. إلى أن جاءت أحداث الإسكندرية منذ أسابيع قليلة لتدخل مرحلة جديدة على يد فرقة انتحارية خول لها الوسواس الخناس أن تنزل إلى ثلاث كنائس في الإسكندرية لتلتحم بالمصلين الآمنين هناك في أقدس الأماكن على الأرض، بيوت الله الكنائس، التي يملأ قلبك السلام والسكون والخشوع عند دخولها فلا تتصور أن تجد سيفاً ولا خنجراً ولا سكيناً ولا كرهاً ولا ضغينة لأن ربها المسيح يسوع تبارك اسمه حرم على أتباعها أن يحملوا سيفاً ولا جنزيراً، فتتحول تلك الأماكن الهادئة الساكنة الآمنة إلى أرض معارك ودماء وضغينة في لحظات. وكل هذا مفهوم، فالشر دائماً بالمرصاد لعباد الله، والحقد والضغينة تنتج قتلاً وموتاً وبغضاً دفيناً.
لكن ما لا أفهمه في كل أحداث الإسكندرية هو تصريح لأحد كبار المسئولين بالمدينة بعد ما يقل عن 30 دقيقة من وقوع الحادث، بأن القاتل والمعتدي على بيوت الله هو واحد ومصاب بخلل عقلي. وأقول الصدق، إن هذا التصريح كاد أن يصيبني ويصيب كل من سمعوه يُقال بهذه السرعة بخلل عقلي. وحيث أن طبيعتي التي خلقني بها المولى تبارك اسمه، والتي أشكره عليها، ترفض بإصرار قبول كل ما أسمعه دون فحص وتدقيق وتمحيص، فلقد ظلت هذه الكلمات ترن في أذني ساعات وأياماً، خلل عقلي، خلل عقلي. وتذكرت قصة واقعية رواها لي قسيس كبير وحكيم، قال لي كنت في مستشفى للأمراض العقلية بالعباسية في زيارة رعوية لقريب لأسرة من أعضاء كنيستي، دخلت غرفة الاستقبال بالمستشفى وسجلت اسمي واسم المريض الذي أريد مقابلته، وكان يجلس بالغرفة رجل متقدم في العمر تبدو عليه ملامح الوقار والهدوء، فابتسم لي ورحب لرفقتي في غرفة الانتظار، وما هي إلا لحظات وجاء مريض عنده خلل عقلي يرفع إحدى يديه ويضرب بها في الهواء ويشير لنفسه قائلاً بأعلى صوته في عبارات واضحة مرتبة، أنا مَلِك إنجلترا، أنا ملك إنجلترا، وهززت رأسي أسفاً على هذا المختل عقلياً وتمنيت له الشفاء، وقلت لزميلي بالغرفة مسكين هذا الرجل عنده خلل عقلي، فهز رأسه قائلاً: مسكين، هذا الرجل مجنون، عنده خلل عقلي، أجبته الله يعفي ويشفي. وفجأة قام رفيقي وصرخ بصوت عظيم، هذا الرجل عنده خلل عقلي، مجنون، يقول إنه هو ملك إنجلترا، ألا يعلم أنني أنا ملك إنجلترا. وخرج من الغرفة يصرخ ويقول أنا ملك إنجلترا، مش هو ملك إنجلترا، أنا ملك إنجلترا. وأنهى هذا الراعي حكايته وهو يقول: شر البلية ما يضحك، شيء يبكي وشيء يضحك، الرجل الذي يتهم غيره أن عنده خلل عقلي هو كمان عنده خلل عقلي. قال القسيس وقلت لنفسي ماذا تتوقع في هذا المكان، مصحة للأمراض العقلية، ماذا تضم، بالطبع أناس كل منهم يتهم الآخر أن عنده خللاً عقلياً، وربما هو الذي يعاني من نفس هذا المرض.
لا أدري ما الذي ذكرني بهذه القصة المضحكة المبكية عند سماعي لتصريح المسئولين أن فاعل هذه الجريمة شخص مصاب بخلل عقلي، فقلت لنفسي يبدو أن هذا العالم قد أصبح مستشفى كبيراً يضم كل من بهم خلل عقلي، جميعنا. وكعادتي رأيت أن أسأل نفسي عدة أسئلة، قررت أن أتشاركها معك عزيزي القارئ وهي: ما هو تعريف الخلل العقلي؟ من هو الذي يعاني من الخلل العقلي؟ ما أسباب الخلل العقلي؟ من هو أول من أصابه الخلل العقلي؟ هل هناك علاج أو شفاء للخلل العقلي؟ وهل هو خلل عقلي أم خلل ديني روحي؟ وإليك ما يتيسر من إجابات:
ما هو الخلل العقلي؟
في رأيي أن الخلل العقلي هي حالة من العطب، أو عدم الاتزان أو العمل بطريقة غير طبيعية منطقية تصيب عقل الإنسان وتظهر في تصرفات غير طبيعية أو منطقية ينتج عنها ردود أفعال غير سوية. وإليك بعض ردود الأفعال التي تدلك على الخلل العقلي:
أولاً: أن يفقد أي مسئول في أي دولة الاتصال بالواقع الحاضر الذي نحن عليه اليوم وينسى أو يتناسى أننا في عصر التكنولوجيا والساتلايت والحريات الحقيقية أو المزيفة، وأننا لسنا في العصور التي لم يكن لنا فيها حول ولا قوة للتعبير عن أنفسنا، فيخرج علينا بتصريح يمكن لأي طفل صغير أن يُفنده، ويتحداه أن يثبته، بأن الاعتداء على الثلاث كنائس كان حادثاً فردياً قام به واحد مصاب بخلل عقلي، هذا في حد ذاته خلل عقلي. ففي أمريكا والبلاد الأوروبية التي تتمتع بحرية حقيقية ويُحترم فيها الإنسان وحقوقه لا يمكن لأي مسئول كبير أو صغير أن يتجرأ ويصدر هذا التصريح عن مرتكب أية جريمة مهما كانت. فالذين يُصدرون هذا التصريح هم جماعة من أطباء النفس والمخ والأعصاب ومتخصصي الأبحاث السيكولوجية والاجتماعية بعد دراسة وفحص وتشخيص، ولهم وحدهم الحق في إصدار تقرير يقول إن هذا المجرم مصاب بخلل عقلي أم لا، ويستغرق ذلك أياماً أو أسابيع، وقد تمتد إلى شهور. وفي حالة تجرأ رجل للبوليس أو وزير أو غفير بالنطق بهذا التصريح يجبر على تقديم استقالته فوراً والاعتذار للشعب الذي أهانه بالاستخفاف بعقله وأدلى لهم بتصريحات غير مسئولة وكاذبة، حتى لو كانت نيته سليمة ويريد أن يخمد الفتنة النائمة التي لعن الله من أيقظها. فالأعمال ليست بالنيات في تداول هذه التصريحات بل بالبحث والعلم والطب واستخدام القانون والعقل والمنطق.
ثانياً: إن من ظواهر الخلل العقلي أن يُصر المرء على استخدام وسيلة واحدة في مواجهة مشكلات مختلفة ولعلاج قضايا متنوعة، لا لشيء إلا لأنها اُستخدمت وجُربت من قبل ونجحت في حالة من الحالات. فطريقة الخلل العقلي كانت تصلح في الفترة المشئومة ما بين 1952 وحتى 1981 حين كان المغضوب عليهم يُزجون في ما كان يُعرف “بالعصفورية” أي مصحة الأمراض النفسية والعقلية بالعباسية، يُنفون وهم في كامل قواهم العقلية، ولا يخرجون منها، وإن خرجوا فلابد من ترك عقولهم وراءهم في المصحة ليعودوا لها صاغرين.
ثالثاً: إن من ظواهر الخلل العقلي أن يخرج علينا من ينكر علينا أن هناك حرباً باردة أو ساخنة بين المسلمين والأقباط في مصر وفي كل العالم، ويستخدم في الدفاع عن رأيه تعبيرات عفا عليها الدهر مثل: “الوحدة الوطنية” و”عاش الهلال مع الصليب” و”مبارك شعبي مصر” ويستشهد بما حدث في ثورة 1919 وغيرها.
رابعاً: إن من ظواهر الخلل العقلي أن تتصور جماعة أو حكومة أو مسئول، كبيراً كان أم صغيراً أن شعباً أعزل مهاناً في أرضه سيظل يتحمل الضغط والقهر والإرهاب دون أن يدافع عن نفسه أو يتظاهر أو يحتج بطريقة أو أخرى، وقد تدفعه الضغوط والقهور إلى استخدام نفس وسائل مضطهديه وقاهريه في الانتقام، فالبادئ أظلم.
خامساً: إن من الخلل العقلي والديني أن يُنظر للمسيحيين على أنهم كفار مشركون بالله يحق ضدهم القتال والجهاد لإخضاعهم وإخراجهم من دينهم إلى الإسلام، وأن كنائسهم وأموالهم غنيمة وأن مصيرهم في سعير أعده المولى للكافرين. فمن الخلل العقلي والديني أن يُجبر أحد على الإيمان مع أنه لا إكراه في الدين.
سادساً: إن من ظواهر الخلل العقلي أن نكتفي بتغطية الأحداث والتستر على القتلى والإرهابيين لنخمد بها النار المتأججة في الصدور، ونحن نعلم أنها لم تنطفئ منذ أن أوقدها الشيطان الرجيم في قلوب الرجال، بل هي لا تزال تتقد منتظرة الفرصة للتوهج من جديد إلى أن يحدث الانفجار النهائي الذي سيضر بالجميع.
سابعاً: من ظواهر الخلل العقلي أيضاً أن نظن أن نار الفتنة يمكن لمسئول أو حكومة أن تطفئها إن سلماً وسلاماً أو قهراً وإجباراً، فالفتنة أكبر من الحكومات وإن أخمدتها مؤقتاً. ومع أن الحكومة وحدها لا يمكنها إطفاء الفتنة والحرب الدائرة، ولو في الأفكار والقلوب فقط بين المسلمين والمسيحيين في مصر والبلاد العربية، إلا أنها بردود أفعالها تجاه هذه الفتنة وطريقة علاجها يمكنها أن تزيدها اشتعالاً أو تقلل من حجم توهجها.
لقد خلق المولى تبارك اسمه آدم وحواء في كامل قواهما العقلية، ميزهم بها القدير على كل مخلوقاته وأعطاهم إرادة حرة للاختيار بين الخير والشر. ولست أدري هل أصاب آدم وحواء خلل عقلي جعلهما أول من أصيبا بالخلل العقلي على الأرض بأن يصدقا الوسواس الخناس ويقبلا غوايته ويعصيا ربهما ويأكلا الشجرة المحرمة، أم أصابهما خلل ديني في عصيانهما لتعاليم ربهما أدى بهما إلى صراع نفسي عند رؤيتهما للثمرة المحرمة وانتهى بهما بخلل عقلي فمدا أيديهما للشجرة المحرمة وأكلا منها فانفتحت أعينهما وعلما أنهما ارتكبا أكبر الكبائر وهي عصيانه جل شأنه.
ومنذ أن أكل آدم وحواء من الشجرة المحرمة أصبح مؤكداً أنهما قد أُصيبا هما ونسلهما بخلل عقلي ديني جلب عليهما وعلى نسلهما اللعنة إلى يوم رفعها بموت المسيح.
والارتباط بين الخلل العقلي والخلل الديني شديد الصلة والوثاق، فهما رفيقان لا يفترقان. والأدلة على ذلك كثيرة.
علم المولى تبارك اسمه آدم وحواء أن طريقة إرضائه جل شأنه وطلب غفرانه لا يمكن أن تكون إلا بالذبيحة التي قدمها الإنسان فداء وضحية عن نفسه، ويُسفك دمها نيابة عن دمه وإلا لحق عليه العذاب الأليم. وعلم آدم وحواء ابناهما هابيل وقايين تعاليم هذا الدين، دين الذبيحة والفداء. فأصاب الابن الأكبر خلل ديني أدى به إلى خلل عقلي، أما الخلل الديني فقد ظهر برفضه أن يرضى المولى ويطلب غفرانه بتقديم ذبيحة له كما أمره جل شأنه وأمر والديه، فقدم تقدمته من أثمار الأرض فرفض المولى تقدمته، فسقط على وجهه، وأصابه خلل عقلي وقام على أخيه وقتله. وظهر الخلل العقلي في إخفائه الأمر عن المولى تبارك اسمه وهو العليم بكل شيء.
– أليس من الخلل الديني الذي لابد من أن يؤدي إلى خلل عقلي أن يأتي الرسل والأنبياء بالآيات البينات ويأمروا الناس أن يرجعوا عن عصيانهم ويتوبوا إلى الله فيرفض العباد يد الخالق الممتدة لهم بالخير والإحسان.
– أليس من الخلل الديني الذي يؤدي إلى الخلل العقلي أن يظن البعض أنهم هم وحدهم شعب الله المختار أو أنهم خير أمة أخرجت للناس أو أنهم وحدهم لهم السماوات لكون أسمائهم يوحنا وبطرس ومتى وللآخرين جهنم النار وبئس المصير.
أما عن علاج الخلل العقلي فلابد أن يبدأ بعلاج كل خلل ديني روحي في حياة الإنسان، فلقد صمم المولى تبارك اسمه الإنسان على أن يعمل بروحه جل شأنه. وإن لم يمتلئ الإنسان من المحبة لا يمكن أن يستقيم دينه، وإن آجلاً أو عاجلاً سيصاب بخلل ديني يؤدي به إلى خلل عقلي لا تحمد عقباه.
على الإنسان أن يترك للمولى أن يملأ قلبه بالمحبة، فمن يحب أخاه الإنسان يحب الله، ومن لا يحب أخاه الإنسان لا يحب الله ولا يعرف الله لأن الله محبة كما يعلمنا تنزيل الحكيم العليم في الكتاب المقدس.
إن علاج الخلل الديني الذي يؤدي إلى خلل عقلي أيضاً أن يكون الإنسان في سلام مع نفسه وربه وأخيه الإنسان، وهذا لا يأتي إلا بأن يمتلئ الإنسان من رئيس السلام شخص السيد المسيح وتعاليمه الإلهية العظيمة، الذي قال لأتباعه: “سلاماً أترك لكم سلامي أعطيكم”. فإن لم يمتلئ الإنسان بهذا السلام امتلأ بالاضطراب وعدم الأمان وهو واحد من أهم أسباب الخلل العقلي.
أما الوسائل العملية التي أقترحها لكي يخلص المواطن مسيحياً كان أم مسلماً من الخلل العقلي:
1. أن يعيش المسئولون في الواقع ولا يتصورا أن العالم مصحة كبيرة لمرض الخلل العقلي وأن يفكروا في تصريحاتهم قبل أن ينطقوها، فالكلمة التي تخرج من الفم لا يمكن ردها مرة أخرى.
2. أن يتذكر المسيحيون تعاليم السيد المسيح ويعملوها، لقد قال السيد المسيح: “لا تقاوموا الشر بالشر”، فعين بعين وسن بسن ليست شريعة المسيح تبارك اسمه. فلقد كان تبارك اسمه إذا شُتم لم يكن يشتم عوضاً، وإذا تألم لم يكن يُهدد بل كان يُسلم لمن يقضي بعدل. فشريعة المسيح لا تعطي لكم الحق مهما تألمتم وظُلمتم في الأرض أن تقتلوا حتى أعداءكم ولا أن تنتقموا لأنفسكم بالتخريب أو التكسير لأنه مكتوب: “لي النقمة أنا أجازي يقول الرب”. هذا ليس معناه أن لا تحتجوا على مضطهديكم أو أن تُوصلوا أصواتكم “التي لن تُسمع” للمسئولين وكبار رجال الدولة فهذا حقكم. من رأى منكم منكراً فليقومه بلسانه وإن لم يستطع فبصلاته وإن لم يستطع فبمحبته وهذا أعظم الإيمان، فالمحبة لا تسقط أبداً.
واقتراحي لكم أن تكتب كل كنيسة يافطة بيضاء تحمل آية من آيات الله البينات التى نطقها المولى على لسان سيدنا المسيح وتطلقونها على أبواب كنائسكم ليقرأها العابرون وتكون رسالة محبة وسلام لكل من يقرأها، وإن خرجتم في مسيرات لتكن سلمية تُحمل بها لافتات مكتوب عليها آيات السيد المسيح التي تدعو للمحبة والسلام، اكتبوا على أبواب كنائسكم من الخارج:
قال السيد المسيح: “أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم”.
قال السيد المسيح: “لا تقاوموا الشر بالشر”.
قال السيد المسيح: “اغفروا يغفر لكم”.
قال السيد المسيح: “إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه”.
وافتحوا أبواب كنائسكم لإخوانكم المسلمين، حتى الذين يعادونكم، أطعموهم واسقوهم وقدموا لهم المحبة، حتى لو ظنوا أنكم خائفين متملقين. اعملوا هذا من القلب لأجل المسيح وتتميم وصايا نبيكم وربكم وسيدكم المسيح، وبهذا توقفون كل خلل ديني في حياتكم وحياة الآخرين ولن تصابوا بخلل عقلي أبداً.
اعقدوا اجتماعات للصلاة في البيوت والكنائس والجمعيات. قولوا يا رب خلص، وارحمنا وأعنا. اللهم إنا نستعين بك من كل خلل عقلي ومن كل انحراف ديني ومن موات ضميري. اللهم أعطنا حبك ورحمتك وأعطنا سلامك ونعمتك، اللهم دافع عن كنيستك بمنح المحبة والسلام لشعبك وأمتك.
اللهم أعطنا أن نحب إخواننا المسلمين، ولا تسمح للضغينة أن تتسرب إلى قلوبنا يا ربنا المعين، واعف عنا وارحمنا وتوفنا مع الأبرار والقديسين. اللهم أعن حكومتنا وأولي الأمر منا على مواجهة الصعاب، وخلصنا من نفوسنا ومن الإرهاب. اللهم بارك بلادنا بسلامك ومحبتك واهد قلوبنا إلى سبيلك وطاعتك. اللهم أعطنا أن نحبك من كل قلوبنا ونُظهر المحبة لإخواننا وأعدائنا، وأن نكرمك في حياتنا وكنائسنا وبيوتنا، استجب لنا يا رب العالمين.