ترامب سياسي نسيج وحده

4

د. مراد وهبة

عنوان هذا المقال هو عنوان المقال الذي نشرته في صحيفة الأهرام في عام 2019، ثم نشرته في كتابي المعنون: رؤيتي للقرن الحادي والعشرين، 2022، وجاء في بدايته الآتي: إثر اتصال هاتفي مع الرئيس دونالد ترامب في 14/11/2019 قال الرئيس عبدالفتاح السيسي: «كعادته أثبت الرئيس ترامب أنه رجل من طراز فريد، ويمتلك القوة لمواجهة الأزمات والتعامل معها، وإيجاد حلول حاسمة لها». والجدير بالتنويه هنا وصف الرئيس السيسي للرئيس ترامب بأنه رجل من طراز فريد. والمعنى أنه لا يخضع للقواعد الدبلوماسية في تناوله للقضايا السياسية الحادة، ومن ثم يمكن القول إنه رئيس مبدع. والإبداع عندي هو قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم المأزوم، وذلك بالاستناد إلى وضع قادم، أي رؤية مستقبلية. والمغزى في هذا التعريف للإبداع أنه يكمن في العلاقة العضوية بين الجِدّة والتغيير. فإذا قيل عن ترامب إنه مبدع، فمعنى ذلك أنه لا يكتفي بإبداء رأي جديد بل يتجاوزه إلى إحداث تغيير في مسار الأحداث التاريخية. انتهى النص المقتبس، ويبقى بعد ذلك سؤال محوري وهو على النحو الآتي: لماذا أقول عن الرئيس ترامب إنه نسيج وحده؟ وفي صياغة أخرى للسؤال: ما الذي يميّزه عن الآباء المؤسسين لأمريكا؟ هل يميّزه كيفية تناوله لأمريكا بعد إضافة لفظ «عظمى» سمةً لأمريكا، بعد أن سرقها أوباما لكي يهديها للإسلام السياسي، ومنها إلى الخلافة الإسلامية لكي تكون حاكمة لكوكب الأرض؟

جوابي أن لفظ «عظمى» هنا يعني الحاكمة لهذا الكوكب، وهو لم يكن واردًا لدى رؤية الآباء المؤسسين لأنهم كانوا مهمومين بتحديد هوية أمريكا في نضالها من أجل الاستقلال، وتدعيم احتكار رأس المال، إلا أن هذا الاحتكار قد امتد إلى انتهاك استقلال الدول الأخرى مثل كوبا وهايتي والمكسيك. مثال ذلك: في عام 1918 حاول الرئيس ولسون منع الشعب السوفيتي من تحديد مسار تطوره إثر ثورته في عام 1917. وفي هذا السياق تشوّهت أمريكا، ومن ثم أصبحت في وضع قائم مأزوم يلزم إزالته، وذلك باستدعاء وضع قادم، أي رؤية مستقبلية.

والسؤال إذن: ما هي رؤية ترامب المستقبلية؟ أن تكون أمريكا عظمى مرة أخرى من أجل سلامها وسلام كوكب الأرض. إلا أن مدة رئاسته لن تكون كافية لإنجازها. ومن هنا تكون مهمة من يأتي بعده مواصلة تأسيس أمريكا العظمى على نحو ما يراها. ومن هنا يكون مغزى تعيين سوزي وايلز كبيرةَ موظفي البيت الأبيض، والتي يقال عنها إنها «العذراء الجليدية»، وهو لقب يعني في المقام الأول أنها خالية من الهموم الأسرية، ولديها في المقام الثاني جهاز مناعة ضد العواطف والانفعالات والأهواء بحيث تأتي رؤيتها المستقبلية في اتفاق مع رؤية ترامب، ومن ثم تكون مهيأة لأن تكون مرشحة الحزب الجمهوري في انتخابات عام 2028، بل تكون أول امرأة تحكم أمريكا.

وإذا سارت الأمور في هذا السياق، فإنه يكون من المتوقع أن يتحول شعار «أمريكا عظمى مرة أخرى» من وضع قادم إلى وضع قائم. ومن هنا يلزم إثارة السؤال الآتي: هل ينطبق على أمريكا قانون المصطلحات الثلاثة الذي صككته لتفسير حركة التاريخ، ومن ثم تغرق أمريكا في بحر الوضع القائم المأزوم، ومنه إلى وضع يمضي ويقال عنه إنه تراث، أي خالٍ من أية فاعلية؟ هذا هو التحدي الذي سيواجه أمريكا في مستقبل الأيام، إلا أن هذا التحدي قد يكون في الإمكان مجاوزته بحكم أن كوكب الأرض ذاته، بعد أن يكون محكومًا بهوية أمريكا العظمى مرة أخرى، قد يكون هو المانع من سقوط أمريكا في وضع قائم مأزوم، وبالتالي يمنع الأصل، وهو أمريكا العظمى، من الدخول في هذا الوضع. وهذا هو جوابي على السؤال المثار، وقد أكون على خطأ في إبدائه، إلا أن هذا الخطأ لا يترتب عليه الشك في مواصلة المسار الخاص بأمريكا العظمى.

وإذا كان ذلك كذلك، فماذا تكون فلسفة أمريكا العظمى مرة أخرى؟ جواب هذا السؤال له قصة، بدايتها القرن التاسع عشر عندما نشأت الجامعات في أمريكا، إذ استوردت الفلسفة من الجامعات الأوروبية، فتحكمت فلسفة اسكتلندا في برنستون، وفلسفة كانط في شيكاغو، وفلسفة هيجل في سانت لويس، وفلسفة توما الأكويني في المؤسسات الكاثوليكية. ولم تنشأ فلسفة أمريكية إلا مع نشوء البرجماتية. والسؤال إذن: من هو الذي أنشأها، وماذا ارتأى، وكيف سارت بعده؟ وفي نهاية المطاف يُثار السؤال الآتي: ما علاقة مسار هذه القصة بعنوان هذا المقال؟

وأجيب بسؤال: هل ثمة علاقة بين ترامب السياسي والفلسفة البرجماتية؟ وهل هذه العلاقة تؤثر على كونه نسيجًا وحده؟ أسئلةٌ الجواب عنها لن يكون ممكنًا إلا في سياق القصة ذاتها. والقصة بحكم علاقتها بترامب يلزم أن تكشف عن العلاقة بين ترامب السياسي وترامب نسيج وحده. والمعنى هنا أن السياسة عند ترامب لن تكون تكرارًا لسياسة المؤسسين لأمريكا، لأن التباين بين ترامب وسابقيه يلزم منه الكشف عن أن التباين ذاته يلزم أن يكون نسيجًا وحده.

وإذا كان ذلك كذلك، فهل يُقال عن ترامب إنه ملياردير مغموس في السياسة إلى الحد الذي تكون فيه السياسة هي الحاكمة لرؤيته لأمريكا العظمى مرة أخرى؟

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا