القس رأفت رؤوف الجاولي
هذا الدور (جماعة مرسلة) يعني لاهوتيًا: اشتراكنا الملتزم كشعب الله بناءً على دعوة الله في إطار عالم الله لفداء خليقة الله. إن كلمة “إرسالية” غير موجودة في الكتاب المقدس ككلمة ولكنها توجد كتعليم وفكر (أع 13: 1-4)، لكن هناك ما يزيد عن 90 لفظة يستعملها الكتاب ترتبط بها. فالكنيسة دورها هو أن تمتد إلى العالم أجمع وتكون مرسلة إلى أناس محتاجين إلى نعمة المسيح، فالإرسالية هي توصيل رسالة الإنجيل إلى البعيدين الذين لم تصلهم الرسالة بعد. في الواقع قد يخلط البعض بين مفهومي “الكرازة” والإرسالية فالكرازة هي عمل جزئي بينما الإرسالية عمل كلي. تحوي الكرازة – التلمذة – بناء وتثبيت المؤمنين الجدد. وبما أن الكرازة هي جزء هام في العمل المرسلي لذا لا بد من الإشارة السريعة إليها. إن الكرازة هي منهج حياتي علي كل واحد منا ألا يتردد أبدًا في اغتنام كل الفرص المتاحة لأن مَنْ ذاق حلاوة الرب واطمأن قلبه وامتلأ بالسلام الذي لا يعرفه العالم عليه أن يمد يد العون لمن هو محروم ليجعله أيضًا يتذوق حلاوة الرب .
إن نمو كنيسة المسيح لن يتأتى إلا بأشخاص ينسون أنفسهم وينصهرون كالشموع ليضيئوا للآخرين. إن المسئولية ثقيلة لكن الكارز الأعظم “شخص الرب يسوع” يهبنا العون لكي نكرز بالكلمة ليس بكلمات فقط، فأحيانًا تكون كلمات محفوظة (كتسميع معلومات)، لكن الكرازة الحقيقية الحية تكون بكلمات مؤثرة عميقة تصحبها أفعال محيية ولمسات مشجعة.
ونتأمل في موضوعنا “الكنيسة كجماعة مرسلة” من خلال النقاط التالية:
أولًا: إرسالية المسيح والتحدي الآن:
-الاستعداد للإرسالية: قبل أن يبدأ المسيح إرساليته أخذ بعض الوقت في التدريب والتعليم، وهكذا كانت حياة موسى التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أول قسم 40 سنة في مصر، والقسم الثاني 40 سنة في البرية، والقسم الثالث والأخير 40 سنة كانت دعوة الرب له لكي يُخرِج الشعب من العبودية، فكانت حياة موسي 80 سنة إعداد وتعليم للإرسالية فقط وهذا ضعف وقت الخروج للإرسالية. لقد جاء الابن، مرسَلًا من الآب، لكي يحقق مشيئة الله، وبدأ إرساليته العظمى من مجمع الناصرة: «روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء وأجبر منكسري القلوب وأنادي بإفراج عن المسببين وبتخليه للمأسورين لأعلن سنة رضا عند الرب ويوم انتقام لإلهنا وأعزي جميع النائحين» (إش61: 1). بقدوم الرب يسوع انهارت كل الحواجز التي تفصل بين الله والبشر كما سنري في السطور التالية.
كيف قدم المسيح الحب للجميع؟: ذهب المسيح إلى السامرة فارتقى بالمرأة ونقلها من السقوط إلى الرفعة والكرامة كما عمل أيضًا علي كسر العداوة التي قد تفصل بين البشر، إما بوازع ديني أو عقائدي، كالتي تفصل بين اليهود والسامريين (يو4: 4-42). فالمسيح قصد كسر جذور العداوة بين البشر من خلال مقابلة المظلوم.
ثم تأتي وصية المسيح أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم. صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم.
ثانيًا: الكنيسة (بحسب الفكر الكتابي) كجماعة مرسلة:
المقياس الذي نقيس عليه مدى نجاح الكنيسة في القيام بهذا الدور هو: كيف تكون خدمة الآخر؟ إن أروع نموذج يمكن أن يعبِّر بقوة عن خدمة الآخر هو “مثل السامري الصالح” الذي سرده الرب يسوع: “وإذا ناموسي قام يجربه قائلًا: يا معلم ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية. فقال له: ما هو مكتوب في الناموس كيف تقرأ. فأجاب وقال: تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك وقريبك مثل نفسك. فقال له: بالصواب أجبت، افعل هذا فتحيا. وأما هو فإذ أراد أن يبرر نفسه قال ليسوع ومَنْ هو قريبي؟”
فأجاب يسوع وقال: إنسان كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميت. فعرض أن كاهنًا نزل في تلك الطريق فرآه وجاز مقابله. وكذلك لاوي أيضًا إذ صار عند المكان جاء ونظر وجاز مقابله. ولكن سامريًا مسافرًا جاء إليه ولما رآه تحنن. فتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتًا وخمرًا وأركبه على دابته وأتى به إلى فندق واعتنى به. وفي الغد لما مضى اخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق وقال له: اعتن به ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة ترى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص. فقال: الذي صنع معه الرحمة فقال له يسوع: اذهب أنت أيضًا واصنع هكذا” (لو10: 25-37)
ونستطيع أن نستخرج بعض المعاني الأساسية للمثل وهي كالتالي:
1- أن قريبي هو كل إنسان يحتاج لمعونة: حتى لو كانت هناك عداوة بيني وبينه.
2- الاهتمام بالخدمة للمجتمع: يجب أن يستمر المسمى الصحيح ألا وهو “الكنيسة والمجتمع أو الكنيسة في خدمة المجتمع” بدلًا مما هو حادث كثيرًا اليوم مما يمكن أن نطلق عليه “الكنيسة المجتمع” حيث يكون كل تحركنا داخل أسوار الكنيسة فقط.
4- مساعدة الآخر مكلفة: ولكن هناك بعض الناس الذين لديهم تجارب موجعة في محاولة مساعدة الآخر حيث ساعدوا أشخاصًا لكنهم لم يقدِّروا هذه الروح المسيحية في الحب والعطاء، فلا تدع المرارة تأخذك إلى نقطة الإحجام عن مساعدة الآخر (1بط4: 11)
ثالثًا:هل الكنيسة (بحسب الممارسة العملية) جماعة مرسلة؟ (هل الكنيسة الآن هي فعلًا جماعة مُرسَلة: بضم الميم وفتح السين)
1- بعض التحديات التي تواجه الإرسالية المسيحية اليوم:
الكنيسة كجسد المسيح ورسالتها هي امتداد لعمل المسيح ورسالته لكن هناك تحديات صعبة تواجهها اليوم من أهمها ما يلي:
– عدم وجود رؤية محددة للإرسالية وعدم وجود قادة حقيقيين مثقلين ولهم التعليم الصحيح الثابت.
– عدم الخضوع، فنجد أن كل واحد يقوده تفكيره، وكل شاب أتى للإيمان حديثًا لا يريد أن يوجهه القائد الأعلى منه ولا يقبل في حالة الخطأ أن يؤدَّب من الكنيسة .
– أيضًا من بين تحديات الإرسالية أنه توجد تكلفة حقيقية يجب أن يدفعها المرسل بأن يكون الخادم المتألم فلا بد من قبول الألم، فمن غير النافع بالمرة أن يتجنب المرسل الصليب.
2- إستراتيجية سفر الأعمال:
“وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ” (أع 2: 47)، فكل يوم هناك عمل مستمر لربح النفوس… عمل لا يتوقف فنرى كيف أن الكنيسة امتدت قديمًا فسر نمو الكنيسة قديمًا لم يكن في عظة بطرس، ولا في فلسفة بولس، ولا في المعجزات التي كان أجراها الرسل،… ولكن كان سر نمو الكنيسة في “النعمة” الظاهرة على مَنْ آمنوا بالرب يسوع (وجوه منيرة، قلوب نقية، فرح، بساطة، يأكلون بابتهاج وبساطة قلب…). الكنيسة تنتشر عندما نصبح مسيحيين حقيقيين. لنقارن هذا مع ضم الكنيسة اليوم لأعضاء جدد، فهل هم جدد حقًا (أي من خارج أسوار الكنيسة)؟ نرى أنه على الكنيسة أن تعلن حب الله للعالم وأن تكون لمسة الخير والرحمة للمساكين والمعونة للمنسحقين والنصير للمظلومين.
3- المعوقات التي تمنع الكنيسة أن تكون جماعة مرسلة:
– التركيز علي العمل داخل أسوار الكنيسة: لا بد أن تحذر الكنيسة من أن تجعل أعضاءها منخرطين في أنشطة كثيرة تمنعهم عن رؤية الحقول المبيضة للحصاد فالأهم هو: ما هي أولوية الكنيسة؟
– تحول الفكر المرسلي إلى عمل خاص بلجنة أو القيام بنشاط:
عندما تفكر إحدى الكنائس في وجود أي اهتمام كرازي لها فإنها غالبًا ما تجعل هذا الأمر أحد أنشطة الكنيسة فتقوم به لجنة ما … وإن كان هذا مقبول شكلًا لكنه غير مناسب موضوعًا لأن هذه اللجنة هي إحدى لجان الكنيسة وبالتالي لا يوجد ثقل كنسي في التركيز المرسلي لأنه في هذه الحالة ستتساوي قيمة عمل هذه اللجنة مع قيمة عمل باقي لجان الكنيسة.
أخيرًا:
الله يفتح عيوننا ككنيسة في هذه الأيام لنتحرك نحو العالم الصارخ إلينا لكي نسرع إليه ونعينه بالحق… ليس بالشعارات أو الكلمات الجوفاء بل بعمل حقيقي شافٍ له في اسم المسيح.