من المعروف أنه لم تعد العلاقات الاجتماعية تقتصر على الطرق التقليدية المباشرة مثل المقابلات أو الزيارات أو الخروجات العائلية، بل أخذت شكلًا جديدًا يتوافق مع التطور التكنولوجي الهائل الذي نعيشه، والذي حدد لنا أنماطًا وأساليبًا جديدة للتفاعل الاجتماعي. ومن أهم هذه الأساليب هي منصات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها التيك توك TikTok، وتعتبر هذه المنصة من أشهر المنصات الحالية حيث إنها تتيح لأي فيديو أن يصل إلى ملايين المستخدمين في وقت قصير، مما يؤدي إلى تمكن الأشخاص من التعبير عن ذواتهم ومنحهم شهرة واسعة.
لقد بدأت هذه المنصة في الظهور في الصين عام 2016، وذلك تحت اسم شركة Douyin، وفي عام 2017 أطلقت الشركة على المنصة اسم TikTok، والتي انتشرت في كل أنحاء أوروبا وأمريكا وبعض الدول العربية مثل مصر.
إلا أنه مع انتشار هذه المنصة فُرضت تحديات جديدة إذ تحولت من مجرد وسيلة للترفيه إلى ساحة تؤثر بعمق في الصحة النفسية، ومن بين الظواهر النفسية التي باتت ترتبط بشكل متزايد يأتي القلق الاجتماعي كأحد أبرز التحديات التي يواجهها الأشخاص في هذا السياق.
والقلق الاجتماعي هو نوع من اضطرابات القلق النفسي، ويظهر عندما يشعر الفرد بخوف مفرط من المواقف الاجتماعية أو الخوف من التحدث أمام الآخرين خشية التعرض للهجوم أو النقد أو التعليقات السلبية.
وقد يرجع السبب إلى تركيز الأشخاص الزائد على آراء الآخرين نحو أنفسهم. ويصاحب هذا القلق أعراض جسمية مثل سرعة ضربات القلب وارتجاف الجسد وتصبب العرق الشديد.
لقد ثبت بالدراسات العلمية أن التيك توك يتسبب في ظهور أعراض القلق الاجتماعي، حيث يعرض مقاطع من المؤثرات التي تُظهر الأشخاص في أفضل حالتهم، وقد يدفع ذلك المتفرج إلى مقارنة نفسه بغيره، مما يولد لديه شعورًا بالنقص وعدم الكفاءة، وأحيانًا الشعور بصغر النفس.
بالإضافة إلى الخوف من التنمر والإساءات اللفظية، مما يعمق مشاعر الرفض وعدم القبول للشخص المشترك في هذه المقاطع. كما أنه يزيد من الضغط النفسي للشخص الذي يضع نفسه تحت الأضواء ويحرص على الظهور بطريقة جذابة، مما يخلق في داخله قلقًا جديدًا للاحتفاظ بتكرار نجاحه.
كما يتطلب من الشخص أن يظهر بمظهر مثالي غير واقعي، مما يرفع مستوى القلق والتوتر لدى كثير من المستخدمين، وذلك بسبب وجود فجوة واسعة بين الذات الواقعية والذات المثالية.
كما أن الاعتمادية النفسية تلعب دورًا هامًا، إذ يستمد المستخدمون لهذه المنصة قيمتهم وإحساسهم بتقدير ذواتهم على عدد المشاهدات وعدد المعجبين، مما يجعل مزاجهم غير ثابت، حيث أنه متعلق بالأداء الرقمي الخادع. هذا خلاف أن هذه المنصة تعمل على عزل الأشخاص وخاصة الشباب عن واقع الحياة المعاش، وذلك في محاولة لتغيب العقل البشري عن عالمه الأصلي وانحصاره في عالم خيالي.
لذلك فإن القلق الاجتماعي لم يعد يقتصر على الخوف من الوقوف أمام الجمهور، بل أصبح يشمل الخوف من النشر أو من التقييم السلبي الذي قد يؤدي إلى خسارة القبول الافتراضي.
إن من أكثر الفئات عرضة لهذا النوع من القلق هم الشباب والمراهقون، أو الأشخاص الذين يعانون من صغر النفس والإحساس بعدم القيمة، أو لديهم خبرات فشل مع التنمر سواء الإلكتروني أو الواقعي، أو الأشخاص الذين لديهم استعداد نفسي وتاريخ من القلق سواء العائلي أو الفردي.
كيف تواجه خطر الـTikTok
في البداية، لابد أن ندرك بأن مثل هذه المنصات هي من أكبر الفخاخ التي ينصبها عدو الخير في حياتنا النفسية، وخاصة أنها تبدو في ظاهرها نشاطًا مشروعًا حيث يقضي الأشخاص أوقاتًا مسلية وممتعة، إلا أنه من خلال ذلك يقع الشخص في مصيدة القلق والتوتر، حيث الصراعات الداخلية التي يعيشها بسبب انفتاحه على عالم مليء بالمثيرات الخيالية وغير الواقعية وتحكمه أرقامًا افتراضية.
بالإضافة إلى أن استنزاف أوقات طويلة أمام هذه المنصات قد يفقد الشخص أشياء هامة وثمينة، من أهمها فقدانه لهويته الأصلية التي جُبل عليها. كما تفقده الاستمتاع بالعلاقات الحميمية والصحية، والتي تثري المشاعر والوجدان وتبني الحياة النفسية. هذا خلاف أنها تعمل على سرقة الوقت الذي يمكن أن يُستثمر في أمور أكثر فائدة لتنمية المهارات العقلية والحياتية، وتساعد على النضوج والنمو النفسي والروحي. والأهم من ذلك هو أنها تفقد الشخص أوقاتًا ثمينة يمكن أن يقضيها في الشركة مع الإله القدير، والتحدث إليه ومعرفة طرقه وتتميم مشيئته ومقاصده في الحياة، وهو من أهم الأهداف التي نعيش من أجلها.
لذلك لابد من ضبط سلوك الاستخدام وبناء نقد ذاتي حي، وذلك بتعزيز التقدير الذاتي من مصادر خارجية مثل العلاقات الصحية وممارسة هوايات وأنشطة واقعية ستنمي المهارات البدنية والعقلية.
كما يقتضي الأمر تقليل ساعات الاستخدام وعدم الاستخدام المفرط أو السلبي لهذه المنصة.
كما أن الدعم النفسي من العائلة والأصدقاء قد يكون بديلًا جيدًا وواقعيًا لهذا العالم الافتراضي.
وأخيرًا، على مستخدم منصة الـTikTok أن يفرغ نفسه وذهنه من كل مثيرات وتشوهات هذا العالم الخيالي كي يدرك دعوة الله له ويحققها في حياته، فيحصل على السلام الداخلي والهدوء النفسي والاستمتاع والشبع الحقيقي بالحياة.