جلوريا حنا
رأيتُ مؤخرًا منشورًا على أحد منصات التواصل الاجتماعي يعرض مشهدًا من أحد المسلسلات، فيه الرجل يقتل زوجته لأنها سرقت ماله. المدهش في الأمر أن صاحب المنشور كتب ما يجعلنا نعتقد مدى الإعجاب الذي شعر به نتيجة لهذا المشهد ولهذا “الانتقام” كما سماه. هذا الإعجاب ربما يعني أنه قد يفعل شيئًا مماثلًا إذا ما أذاه أحد، أو قد يشجعه مشهد مثل هذا في التصرف بنفس الطريقة.
نرى في المقطع ذاته وجود سيدة ورجل كل ما كانا يفعلانه هو التنصت، وربما كانت مصادفة أيضًا، ثم بمنتهى البساطة، قامت السيدة بطلب الشرطة لتقبض على القاتل انتقامًا منه، إذ كان زوجها السابق الذي حاول قتلها من قبل، وقد سجَّل صاحب المنشور ما قد يُشعِرك بإعجابه بتلك اللقطة أيضًا. إذًا، أي الطريقتين تفضل يا صديقي ناشر المنشور؟! يبدو أنك أعجبت بمبدأ الانتقام بشكل عام بغض النظر عن الطريقة.
تظهر أشياء لنا كأنها الشيء الأمثل، خاصةً إذا خرجت عن السياق أو تم التلاعب بها بشكل ما، وتجدنا نتأثر بها لأنها تغذي شيئًا ما بداخلنا. فمثلًا، في المنشور السابق، الانتقام يغذي شهوة لدينا في إرضاء كبريائنا أو الرغبة في الحصول على الحق في الحال مهما كانت طريقة الحصول عليه. وقد تأتي لنا أفكار مثل أن الطرق الأخرى قد لا تأتي بنتيجة سريعة، وربما أحيانًا لا تأتي بنتيجة على الإطلاق! وهذا لا يُهدئ من غضبنا، وللأسف كثيرًا ما نتعرض في حياتنا ما يؤثر على قراراتنا حتى دون أن نشعر، والأغلبية العظمى لا تتناسب مع حياتنا كأبناء لله.
سمعتُ مؤخرًا قصة من المفترض أن تكون للأطفال، هذه القصة كانت إحدى شخصياتها تقول: “الله خلق لنا الأذرع كي نأخذ حقنا بها…” مثل القول المنتشر في مجتمعنا: “خد حقك بدراعك محدش هينفعك غيره!” هذه قصة للأطفال! يتعلمون فيها أن الحق يأتي بالعضلات! لقد خلق لنا الله الأذرع لنعمل، لنساعد الآخرين، لتساعدنا في أداء مهامنا المختلفة، وليس لكي ينقلب العالم إلى غابة!
عزيزي… فيما يخص الانتقام، يحذِّرنا الرسول بولس قائلًا: “لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ،…” (رومية 12: 19)، ويشجعنا السيد المسيح على محبة الأعداء قائلًا: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ” (متى 5: 44). والحقيقة أن الموعظة على الجبل بها الكثير من: “سمعتم أنه قيل… أما أنا فأقول”، وفيها يعلمنا السيد المسيح كيف ينبغي لأولاد الله أن يعيشوا، لا بقوانين العالم، بل بكلمة الله. ولذلك علينا تحصين أنفسنا جيدًا كي لا نجد أنفسنا نتأثر بالأفكار المتناثرة حولنا، كي نشابه السيد المسيح في كل ما كان يفعل وهو على الأرض، وروحه داخلنا يرشدنا. ربما هذا لن يرضي طبيعتنا البشرية الفاسدة والتي تتصارع مع خليقتنا الجديدة، لكن عندما نثق، سنعرف أن ما يفعله الله هو الصالح لنا، لأنه هو صالح.
ألسنا في عيد الميلاد؟! عيد العطاء والمحبة؟ فكما أحبنا الله وأرسل ابنه ليعيش وسطنا، علينا أن نقدم المحبة للآخرين أيضًا، فلولا محبة الله، لكنا قد هلكنا جميعًا الآن.
عيد ميلاد مجيد!