19.4 C
Cairo
الجمعة, نوفمبر 22, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيهل نبوات العهد القديم بالفعل دقيقة؟

هل نبوات العهد القديم بالفعل دقيقة؟

والتر س. كايزر

إن موضوع “نبوات الكتاب المقدس” التي تمت هو في أساسه موضوع “العلم بكل شيء” – أي أن الله قادر على أن يعرف المستقبل وينبئ به، وهذا في الحقيقة هو ما يقرره إشعياء النبي (إش41: 22، 23): “أحضروا أصنامكم لينبؤنا عما يأتي به المستقبل، وعن الأمور الغابرة. أطلعونا على أحداث الغيب فنعلم أنكم آلهة حقًا. إيتوا بمعجزة خيرًا كانت أم شرًا، تثير دهشتنا أو رعبنا” (كتاب الحياة).

وهذا هو سبب أن امتحان النبي في سفر التثنية (تث18: 22) كان: “إن كل ما يتنبأ به النبي باسم الرب، ولا يتحقق، يكون ادعاء منه لم ينطق به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه” (كتاب الحياة).

ومع ذلك فإن التشكيك في نبوات الكتاب المقدس لم تخمد جذوته حتى عصرنا الحاضر. فكثيرًا ما يقولون إن اللغة غامضة جدًا، وإن إتمامها مصطنع، أو إن النبوات كُتبت بعد وقوع الأحداث نفسها، وإن إتمامها سوء تفسير لها، وإن هذه الظاهرة نفسها موجودة في ديانات أخرى.

ولكن كل هذه الادعاءات لا مبرر لها، فما يقولون عنه “غامض” نجده قد وضح تمامًا في نبوات تالية، وأصبح كامل الوضوح في زمن إتمام النبوة. أما الادعاء بأن الإتمام مصطنع، فيحتاج إلى إيمان أقوى مما تستلزمه الثقة بها، إذ كيف يمكن لنبي أن يرتب أحداثًا معقدة مثل أحداث السبي البابلي مثلًا؟ وكيف يمكن لشخص أو لمجموعة من الأشخاص أن ترتب أحداث مولد طفل في بيت لحم من نسل يهوذا، من بيت داود، ويعلم مقدمه يوحنا المعمدان، ويصنع المعجزات التي عملها الرب يسوع حسب نبوات الكتاب المقدس، ويموت على الصليب، ثم يقوم ثانيةً في اليوم الثالث؟

كما أن الادعاء بأن هذه النبوات كانت بعد وقوع الأحداث معناه أن مَنْ يدّعي ذلك يجب أن يكون واثقًا تمامًا من قدرته على تحديد تواريخ الأحداث بكل دقة، مثل نبوات (إش40-66)، ونبوات دانيال، وأقوال الرب يسوع المسيح على جبل الزيتون في (مت24، 25)، ولكن هناك شيء آخر يتعلق بهذا الموضوع يصوره التعليق الحديث للكاتب: “و. س. تونر” على (دا 8):

“يلزمنا أن نفترض أن الرؤيا ككل هي نبوة بعد وقوع الأحداث، لماذا؟ لأنه ليس في قدرة البشر أن يتنبأوا بدقة بأحداث المستقبل قبل حدوثها بقرون، وأن يقولوا إن دانيال استطاع ذلك، ولو على أساس رؤية رمزية تعطف عليه بها الله وفسرها له الملك، فهذا يتعارض تمامًا مع حقائق الطبيعة البشرية، فالذي أمامنا هنا هو في الحقيقة ليس خريطة بالمستقبل وُضِعت في القرن السادس قبل الميلاد، بل هي تفسير لأحداث عصر الكاتب نفسه ما بين 176-164ق.م.”

فعدم ثقة “تونر” في نبوة دانيال بناها على “حقائق الطبيعة البشرية” كما يعرفها، وهذا إنكار واضح لقوة الله وقدرته على توصيل كلمته لعبيده الأنبياء، بينما هو يثق في “الطبيعة البشرية” كأمر أكثر يقينية. وليس ثمة مثال أقوى من ذلك لمدى تأثير افتراضات لإنسان وتأويلاته للنبوات.

ويُرجِع آخرون إلى افتراض سوء التفسير، مدعين أن ما يسمى إتمام النبوة ما هو في غالب الأحيان إلا مجرد مصادفة في اللغة. وفي الحقيقة هناك بعض هذه التلميحات في العهد الجديد إلى أقوال في العهد القديم لا تتطابق تمامًا، وهي أحوال نادرة، ولا تتعلق بإتمام نبوة. فهناك من يشيرون إلى (هو11: 1) “من مصر دعوت ابني” كمثال لإساءة التفسير في (مت2: 15)، ولكنهم يتجاهلون أن متى يقتبسها عند دخول يسوع ومريم إلى مصر، وليس عند خروجهم منها، وسبب اقتباس متى لهذا العدد من هوشع ليس عبارة “من مصر” بل الترابط الشديد بين “ابني” وأولئك الذين عبروا البحر الأحمر. فإنقاذ الله العجيب للشعب استخدمه متى ليذكِّرهم بإنقاذه لابنه ليس من يد فرعون، بل من يد هيرودس.

وأخيرًا، الادعاء بأن نفس الظاهرة موجودة في ديانات أخرى يثير السؤال: “أين؟”، فبينما تمتلئ تواريخ الأمم الوثنية بقصص العرافين والتنبؤات الملفقة، ما أبعد الشُقة بين سمو وصدق نبوات الكتاب المقدس وتلك الموجودة في كتب الديانات الأخرى!

ومنذ القرن التاسع عشر، كثرت الإشارة إلى النبوات الآتية بأنها لم تتحقق في الكتاب المقدس:

1- النبوة عن خراب صور بواسطة نبوخذنصر (حز26: 7-14؛ 29: 17-20).

2- نبوة يونان عن تدمير نينوى (يون4: 3).

3- نبوة إشعياء عن تدمير دمشق (إش17: 1).

ولكن عدم إتمام النبوات يجب تفسيره على أساس التقسيم الثلاثي لنبوات الكتاب المقدس، أي نبوات تتم بدون شرط، ونبوات إتمامها مشروط، ونبوات مرتبط إتمامها بنبوات أخرى.

وهذه الأنواع الثلاثة من النبوات مصحوبة عادة بدلائل تساعد القارئ والمفسر على التمييز بينها.

وقائمة النبوات غير المشروطة ليست طويلة، ولكنها هامة لأنها في الأغلب الأعم تختص بأمر خلاصنا. وتسمى غير مشروطة لأنها معطاة من جانب واحد، هو الله، بدون أي التزامات من جانب البشر الفانين، مثلما مر الله واحدة بين القطع في (تك 15)، مما يعني أن اللعنة ستقع عليه إذا لم يتم ما وعد به إبراهيم في العهد الإبراهيمي، وهذا معناه أن هذا الالتزام من جانب واحد ينطبق على العهود الأخرى من نفس النوع، كعهد الله مع الفضول (تك8: 21، 22) ووعده لإبراهيم (تك12: 2، 3؛ 15: 9-21)، ووعده لداود (2صم7: 8-16) ووعده بالعهد الجديد (إر31: 31-34) ووعده بسماوات جديدة وأرض جديدة (إش65: 17-19؛ 66: 22-24).

وكانت غالبية النبوات من النوع المشروط، فهي تشتمل على “إلا إذا” أو “إذ حفظت وصاياي”، “فهي نبوات شرطية” فما جاء في (لا26؛ تث 28) عن “إذا سمعت” أو “إن لم تسمع” قد أشير إليه أو اقتُبس مئات المرات في كتابات الستة عشر نبيًا في العهد القديم. فهذه الطبيعة الشرطية للتهديد أو العهد هي التي تفسر لنا حالة النبي يونان، فقد كان كلامه تحذيرًا للشعب من أنه بعد أربعين يومًا تنقلب المدينة، فاتعظ الشعب من حالة يونان نفسه ونجاته من بطن الحوت (ألم يقل الرب يسوع أن يونان نفسه كان “آية” لأهل نينوى؟ آية لماذا؟ للرحمة؟) أي أن الله يمكن أن يكون رحيمًا ويرجع عن دينونته المعلنة. لقد افترضوا أن الله لا بد عنده “إذا” في التهديد بهذه الكارثة الرهيبة، وكانوا مصيبين في ذلك، مما سبب الغم ليونان، وقد تأيد هذا المبدأ بشدة في (إر18: 7-10).

“تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقلع والهدم والإهلاك، فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرها، فأندم عن الشر الذي قصدت أن أصنعه بها. وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغرس، فتفعل الشر في عيني فلا تسمع لصوتي، فأندم عن الخير الذي قلت إني أحسن إليها به.”

هذا الرجوع عن دينونة معلنة (أو الإنقاذ) من جانب الله يحدث على أساس شرط التوبة والتغيير، ولم يكن في التعامل مع أمة بأكملها بل في التعامل مع الأفراد أيضًا، وهذا ما حدث بالضبط مع أخاب في (1مل21: 25-29) بعد أن اتضع أمام الرب لأجل ما فعله هو وإيزابل في تدبير مقتل نابوت. فبعد القول: “ولم يكن كأخاب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب” (1مل21: 25)، قال الرب للنبي إيليا عن أخاب: “فمن أجل أنه قد اتضع أمامي لا أجلب الشر على بيته” (1مل21: 29). فهذا مثال قوي للشرطية في النبوات على مستوى الأفراد. وبالمثل إذ تاب ابنه فإن الدينونة المُهَدد بها تتحول عن ابنه وعن ذلك الجيل بسبب رحمة الله.

ولكن هناك بعض النبوات التي لا تنطوي تحت النوع غير المشروط أو المشروط، وهي النبوات المرتبطة بنبوات أخرى، وهي قسم فرعي من النوع المشروط. ومن هذا النوع الثالث، النبوات الواردة في (حز26: 7-14).

“لأنه هكذا قال السيد الرب: هأنذا أجلب على صور نبوخذراصر ملك بابل من الشمال… ويبني عليك معاقل ويبني عليك برجًا ويقيم عليك مترسة ويرفع عليك ترسًا. ويجعل مجانق على أسوارك، ويهدم أبراجك بأدوات حربه. ولكثرة خيله يغطيك غبارها… يقتل شعبك بالسيف فتسقط إلى الأرض.”

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا