هل الزواج الفاشل “صليب” لا بد أن يُحتمل؟!
الوصاية الدينية على “الزواج والطلاق” تزهق الأرواح
تحقيق: د. ماريانا يوسف
كلنا قرأنا أو سمعنا ما حدث لــ “منال” التي عاشت في نفس المجتمع الذي ينصحها دائمًا بالاحتمال والصبر، بدءًا من الأقارب وانتهاءً برجال الدين، حتى فقدت حياتها ثمنًا للاحتمال المقدس. أم لثلاث فتيات وولد، عاشت ضحية العنف المزمن القادم من زوجها الذي اعتاد ضربها، ليصل في نهاية المطاف إلى قتلها، وشق جمجمتها. القصة ليست فقط واقعة منال التي تم إصدار الحكم فيها باعتبار القتل ضربًا أفضى إلى الموت، وأفلت الزوج القاتل من الإعدام بالسجن لمدة سبع سنوات، لكن القصة في كل امرأة تحيا ظروف منال وتُطالب بالعيش بكرامة وبلا إهانة، بينما يجبرها المحيطون على الاستمرار بحجة أن الزيجة الخربة تجربة ويرددون: «احملي صليبك» ضاربين عرض الحائط بأن حمل الصليب يجب أن يتوافق مع عدم التفريط في «وزنة» الله المُعطاة للإنسان وهي حماية ذاته وصحته وحياته.
ووسط كل تلك الأحداث يظل قانون الأحوال الشخصية حبيس الأدراج، وفي كل انعقاد لمجلس النواب ينتظر الأقباط خروجه للنور ليحل بعضًا من مشاكل الزواج والإرث وخلافه ولكن دون فائدة. والقانون المنتظر هو ليس بالقانون الأمثل ولكنه يحل الكثير من المشكلات ويجنبنا الكثير من تلك الحوادث المشابهة لــ “منال”، حيث يعتبره البعض الحل المنتظر والأفضل لتلك المشكلات.
بينما يرى البعض الآخر ان الحل ليس في هذا القانون وأن الحل يكمن في الزواج المدني لا الكنسي باعتبار أن الكنيسة مؤسسة روحية، وليست جهة تقنين ولا محكمة أحوال شخصية. دورها ترشد وتعلم، وليس من حقها أن تتحكم في مصير الناس وتحكم عليهم بالعذاب مدى الحياة، حيث ترى تلك الفئة أن الزواج والطلاق شؤون مدنية يجب أن يكون لها قانون مدني واضح ينظمها للجميع، بغض النظر عن معتقده أو انتمائه.
متى بدأ الزواج الكنسي؟
لم تفرض الكنيسة الأولى أي شكل معين للزواج، لا في الشرق ولا في الغرب إذ كان الرضى المشترك والـ “نعم” المتبادلة بحرية أمام شهود كافية لعقده. فالكنيسة كانت تؤمن بأن الزواج مؤسسة إلهية منذ بدء الخليقة، والمسيحيون الأولون اعتبروا أن سر العماد يكرس ذواتهم وحياتهم، وتاليًا زواجهم، للمسيح إلى الأبد. أما آباء القرون الأولى فكان همهم الأساسي: الحد من إمكان الانفصال بين الزوجين والعمل على إضفاء طابع مسيحي على المساكنة والتأثير على التشريع الروماني فيما خص الزواج.
قبل القرن الرابع كان الأسقف أو الكاهن مدعوًا أحيانًا إلى حضور الزواج، فيوقع مع الشهود على سجلّ عائليّ، ويبارك العروسين بصلاة قصيرة. لكنّ هذا العمل كان ذا طابع شخصيّ صرف.
ابتداءً من النصف الثاني للقرن الرابع، أصبح وجود الأسقف أو الكاهن في الزواج تقليدًا. وفي الشرق، الأكثر روحانية من الغرب، أضيف إلى بركة الكاهن وصلاته الخاصة إنشاد بعض المزامير أو مقاطع منها، كالآيات: “فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن آدم حتى تفتقده؟ وتنقصه قليلا عن الملائكة، وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه”.
فبدأ الزواج يتحول إلى ليتورجيا مع حضور الأسقف أو من ينوب عنه لتكريس الزواج، وثمة إثبات على أن أول بركة ليتورجية للزواج أعطيت أيام البابا داماسيوس (366-384).
انتشر هذا الحضور وازداد في جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية بعد إعلان مرسوم ميلانو في سنة 313، فأقام الأسقف أو الكاهن مراسم الزواج التقليدي بموجب القانون الروماني.
في الشرق يبارك الكاهن الزوجين اللذين يشبكان أيديهما ويضع الإكليل على رأسيهما. ويقول القديس غريغوريوس النزينزي (330-390) أن هذا التقليد الأخير أتى من أرمينيا. كذلك كانت الخطوبة في تقاليد الكنائس النسطورية والمونوفيزية خطوبة دينية، أما في الزواج فكان الكاهن يضع يده على رأس العروسين في الكنيسة، ويبارك الخاتمين بوجود شهود.
في الغرب كان الكاهن يضع طرحة فوق رأسي العروسين معًا. وكل هذه الأمور كان رب العائلة يقوم بها قبل أن يتولاها الأسقف أو الكاهن.
في الإسكندرية بدأت الذبيحة ترافق الزواج المقام في المنازل لكن دخول الليتورجيا نقله فيما بعد إلى الكنائس.
هكذا انتقل الزواج المدني للمسيحيين من المنازل إلى المذابح مع ليتورجيا شبه رسمية كانت ركيزتها وضع الإكليل على رأس العروسين في الشرق، ووضع طرحة في الغرب بواسطة الكاهن الذي يباركهما.
وحتى القرن التاسع كان لمسيحيي الدولة البيزنطية، ورثة الشرق والغرب الروماني، نوعان من الزواج: المدني والليتورجي.
مع بداية القرن الخامس أصبح الإكليروس في الشرق، وبسرعة أكبر من الغرب، فاعلاً في الزواج، لكن حضوره لم يكن ضروريًا أو إلزاميًا، حتى إن عدم حضوره لم يبطل الزواج، لأن الكنيسة اعتبرت أن الرضى وقبول الزوجين هو العامل الأساسي لعقده.
طيلة الألف الأول لم يكن الزواج المسيحي لا “دينيًا” ولا “مدنيًا” إذ إن الكنيسة لا تقوم به ولا وجود لممثل السلطة الزمنية عند عقده.
أما الأرمل أو الأرملة فلم توافق الكنيسة على زواجهما أو مباركته حتى القرن الثامن، لكنها اعترفت بحصوله انطلاقًا من قول القديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس: إن هذا السر لعظيم، وإني أقول هذا في أمر المسيح والكنيسة.
أدى موقف الكنيسة هذا إلى أمرين :
– في الألف الأول تشددت في مسألة الرابط الزوجي غير مبالية بشروطه القانونية.
– تناقض موقفها بين تعلقها بالزواج الوحيد من جهة وخلاص الذين لم تبارك زواجهم الثاني من جهة أخرى.
أما سبب هذين الأمرين فهو ثنائية السلطة زمنية وروحية، وتداخلهما في الدولة البيزنطية، وبخاصة بعد سنة 318، إذ اعترفت الإمبراطورية بصلاحيات الأساقفة وسلطتهم في الأمور الزمنية لأن الإمبراطور قسطنطين أراد الاستفادة منهم تفعيلاً للإدارة المدنية، وتاليًا تحويلهم إلى أداة سياسية مميزة لضبط أمور الإمبراطوريّة.
هل الزواج المدني هو الحل؟!
يغيب خيار الزواج المدني عن الإطار القانوني المصري، ويتم الزواج إما بواسطة مأذون أو كاهن. وفي الوقت الذي يبدو فيه الحديث عن إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين مكررًا منذ 2008 وحتى اليوم رغم وعود الدولة المتكررة بقرب صدوره.
البعض يرى أن الحل بفتح الباب أمام الزواج المدني، حيث يمنح إتاحة الزواج المدني لجميع المواطنين – أيًا كانت ديانتهم – الحق في اختيار الطريقة التي يرغبون في الزواج بها، وبالتالي يصير الزواج الديني بواسطة الكنيسة أحد الخيارات المطروحة أمام الأقباط. وبهذا تنتهي سطوة النظام التشريعي الحالي الذي يجعل زواج المصريين المسيحيين وطلاقهم غير ممكنين إلا بواسطة النظام الكنسي.
ويرون أن ذلك يجعل المسيحيين المصريين مواطنين وليسوا رعايا للكنيسة تتحكم في أحوالهم الشخصية والمعيشية، بغض النظر عن درجة تدينهم أو رغبتهم في الانتماء إلى الطائفة دينيًا وروحيًا.
من جهة أخرى يزعج الزواج المدني الكنيسة التي ترى أنه من الضروري الحفاظ على الزواج المسيحي بشكله الحالي حفاظًا على الهوية القبطية وباعتباره “سرًا كنسيًا”. وتعارض الكنيسة بشدة إتاحة الزواج المدني والكنسي أمام الكثيرين للاختيار بينهما، لأن هذا يقلل من سيطرتها القانونية وربما الروحية على رعاياها ويتيح لهم التغريد خارج السرب، وهو الأمر الذي يبدو عصيًا في ظل التحالف السياسي القائم بين الدولة والكنيسة والذي يعتمد من الأساس على تبادل المصالح وفقًا للنظام الملي الجديد.
رامي كامل: العنف الأسري “قد” يكون سببًا من أسباب طلب الطلاق
من جانبه، يعلق الباحث القبطي رامي كامل بأن ليس كل عنف أسري سببه طلب الطلاق، وليس كل طلب طلاق سببه عنف أسري، وأن العنف الأسري “قد” يكون سببًا من أسباب طلب الطلاق.
ويضيف أن العنف الأسري له أسباب وأشكال كثيرة وليست المرأة دائمًا هي الطرف المنتهك، لكن يمكن أن يكون الراجل ضحية أيضًا.
ويرى رامي أن التصدي للعنف الأسري عمل قانوني بحت والكنيسة والكهنة لا علاقة لهم بالأمر، إلا في إطار النصح والإرشاد الروحي، أما لو ذهب المتضرر إلى أقرب قسم شرطة لاتخاذ إجراء فالكاهن ليست له أي صفة قانونية ليتدخل في الأمر.
وأشار إلى أن قضايا العنف الأسري تنظر أمام القضاء “وليس الكنيسة” ويترافع فيها محامون “وليس كهنة”، وأن عدم لجوء الواقع عليهم انتهاك للقانون ومؤسسات الدولة هو جهل منهم وعليهم معرفة كيفية اللجوء للقانون ومؤسسات الدولة.
ماجد سوس: الاعتداء يبطل الزواج المسيحي… فالعقد يُبني على واجبات والتزامات ومَنْ يكسر بنوده يبطل عقده
من جانبه، صرح ماجد سوس المحامي والكاتب القبطي أن الحديث عن ملف الأحوال الشخصية في مجتمعنا المسيحي قد يبدو شائكًا، ويصعب الاقتراب منه، ربما يعود هذا لعدة أسباب من بينها إما الخوف من كسر وصية المسيح الذي حصرها البعض في سبب وحيد للطلاق، وإما خوفًا من ازدياد حالات الطلاق التي قد تؤدي في نظر البعض إلى تفكيك الأسرة المسيحية وتمزيق جسد المسيح.
وأضاف أن سر الزواج عقد أملاك والعقد شريعة المتعاقدين يُبنى على واجبات والتزامات ومَنْ يكسر بنوده يخضع لقانونه ومعه قد يبطل عقده. والبطلان نوعان: بطلان مطلق وبطلان نسبي. البطلان المطلق هو أي شرط مبني على مخالفة النظام العام والآداب كأن يتزوج الشخص بمحارمه مثلًا، أو بالإكراه، أو بالنصب، أو الزواج بأكثر من امرأة في ذات الوقت. والبطلان النسبي هو في حالات الغش والتدليس والخيانة وتغيير الديانة.
وأشار إلى أن الاعتداء على الزوجة هو كسر للعقد الذي بُني على الحب والاحترام: “أيها الرجال، أحبوا نساءكم، ولا تكونوا قساة عليهن” (كو 3 : 19). “كذلكم أيها الرجال، كونوا ساكنين بحسب الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف، معطين إياهن كرامة، كالوارثات أيضًا معكم نعمة الحياة، لكيلا تعاق صلواتكم” (1 بط 3: 7).
وأيضًا الخيانة والهجر لسنوات كسر لعقد الزواج المبني على أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته. وكذلك الإدمان، والشذوذ الجنسي والسجن كلها أمور تكسر العقد المبني على العيش بتعاليم الإنجيل.
وأوضح أنه لئلا يتحجج البعض بأن هذا توسع في أسباب الإباحة للتطليق، فقد أنشأت الكنيسة مجالس إكليريكية متعددة في أنحاء الكرازة، وبعد أن كانت في يد أسقف واحد جعلها البابا تواضروس الثاني في ست لجان بها أسقف وكهنة ومحامي وطبيبة ويتم تغييرهم بما فيهم الأسقف من أجل الشفافية والعدالة وسرعة إنجاز العمل، ولهذه المجالس سلطة تقصي الحقائق والتأكد من صحة الادعاء.
وأوضح أن مقولة “لا طلاق إلا لعلة الزنا” هي مأخوذة معنىً لا نصًا من إنجيل متى، فقد أتت من ترجمة غير دقيقة للنص اليوناني، فالقديس متى كتب لليهود وهو الوحيد الذي تكلم في إنجيله في أمر الزنا. إن كلمة “طلاق” في اليونانية لم ترد في العهد الجديد كله إلا ثلاث مرات فقط: في (متى 5: 31) “وَقِيلَ: ʼمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فلعيطها كِتَابَ طَلاَق‘”، وفي (متى 19: 7) “قَالُوا لَهُ: ʼفَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟‘”، وفي (مرقس 10: 44) “فَقَالُوا: ʼمُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ‘”.
وأكمل سوس أنه في ردود المسيح على أسئلة محاوريه اليهود كان يناقش الهجر أو الرفض ولم يستخدم كلمة طلاق، بل استخدم كلمة يونانية معناها الدقيق هو الهجر والتخلي، وقد جاءت هذه الكلمة في العهد الجديد 68 مرة، ويكون كلام المسيح الصحيح هنا هو أن كل مَنْ هجر أو تخلى عن امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني، والسبب أنه في ذاك الزمان كان الرجل يترك امرأته ويهجرها ويتزوج بامرأة أخرى دون أن يعطي زوجته الأولى كتاب طلاق.
وحتى لو سلمنا أن يسوع أعطى مثال الزنا للتطليق فهو نفسه مَنْ حذر الزوج في سفر ملاخي قائلًا: “فَقُلْتُمْ: «لِمَاذَا؟» مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ. لاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. «لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا»” (ملا 2: 14-16).
فالمسيح لا يسمح ولا يقبل مطلقًا لبناتنا وأولادنا أن يعيشوا مذللين أو في مرارة وأتعاب نفسية شديدة ويقول لهم “هذا صليبكم” أبدًا، فهذا ليس صليبًا ليُحمل، بل هو صليب ليقيم ويحرر من الظلم. الله غير مُجرب بالشرور، والإهانة والضرب ومرارة العيش ليست إلا شرًا، ومخطئ مَنْ يتستر على مفتري أو ظالم. ليس من العدل أن نعطي لهم أمثلة لأناس قليلة احتملت فالمسيح جاء ليعطي حياة أفضل.
ويختتم حديثه بأن المسيحية لا تشجع على الطلاق أو التطليق ولا تشرِّع للطلاق بالمفهوم المدني، لكنها تعترف ببطلان الزواج في حالات كثيرة إذا تم خرق جوهر العقد المقدس المبني على الحب وأن وصية الزوج والزوجة يوم إكليلهما هي ليست كلمات لملء الليتورجيا بل هي دستور وعهد مقدس أمام مذبح الرب.
وتابع: الحرمان من الزواج مخالف للشرائع المدنية المصرية وقوانين حقوق الإنسان العالمية، وأيضًا يُعتبر مخالفًا لقوانين الرعاية للمؤمنين حسب الإنجيل والقوانين الرسولية، والتي تحرم الحكم على أي مؤمن مسيحي حكمًا أبديًا، بل يجب إعطاؤه الفرصة الثانية للتوبة وتجديد الحياة.
أسباب الطلاق في القانون الجديد المنتظر
وقّعت الطوائف المسيحية على الصيغة النهائية لقانون الأحوال الشخصية للمسيحيين بعد 87 عامًا من العمل بلائحة 38، توقف العمل خلالها فعليًا بتلك اللائحة لعقود طويلة إلا في أضيق الحدود، حينها كان سبب تشدد الكنيسة في مسألة الطلاق وإعطاء تصريح الزواج مرة أخرى هو لجوء البعض إلى أبواب تتسق مع ما تقر به المحاكم بينما ترفضه الكنيسة. وأيسر هذه الطرق تغيير الملة، حيث يتم الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية وفقًا لنص قانوني يفيد بأنه في حالة اختلاف الملة بين الطرفين تطبق الشريعة الإسلامية. وقد ظل الوضع هكذا، وكانت هناك ثلاث 3 محاولات لإصدار القانون: الأولى في عام 1978، والثانية في عام 1998، والثالثة في عام 2008 وانتهت بصدور لائحة سدت شرايين الأمل لدى المنكوبين، وظل الوضع معلقًا لمئات الآلاف من الأسر المسيحية المصرية.
وعلى أثر صرخات المُتعَبين، أقر البابا تواضروس في عام 2016 تعديلات للحد من المشكلة التي تؤرق الناس، وهي قصر أسباب الطلاق على علة الزنا، وحينها وسع العمل وألغى مركزية المجلس الإكليريكي، وذلك بتقسيمه إلى ستة مجالس فرعية في الأقاليم، ومجالس أخرى في الكنائس، حتى بدأ العمل على مشروع القانون الجديد للأحوال الشخصية لغير المسلمين، واستمر لمدة سنوات طويلة بين شد وجذب ومحاولات توافق بين الطوائف المسيحية، إذ يضم مشروع القانون الحالي طوائف الأقباط الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس، الروم الأرثوذكس، الكاثوليك، الإنجيليين.
المشكلة كانت في الفجوة بين ما تراه الكنيسة وبين لائحة 38، حيث لا تلتزم الكنيسة بتنفيذ أحكام القضاء في مسألة الطلاق، لذلك جاء العمل في القانون لسد تلك الفجوة، ولذا فإن مشروع القانون الجديد حدد أسباب الطلاق للأرثوذكس وقصرها على ثلاثة أسباب هي:
1- الزنا: وهناك آليات لتسهيل إثبات ذلك لأنها جريمة شديدة الصعوبة في إثباتها، ومنها الأخذ بدلائل مثل الخطابات والرسائل والدردشات الإلكترونية، والصور، والحجز الفندقي، وهكذا فتح القانون الباب أمام القضاء للاستناد إلى قرائن موثوقة والتأكد من واقعة الزنا. وأضيف إلى ذلك تحريض الزوج لزوجته أو استغلالها من أجل مصلحة ما، أو وقوعه في براثن الإدمان ودعوته المدمنين إلى منزل الزوجية وهو ما يعتد به كدفع للزنا.
2- الشذوذ: السبب الثاني هو الشذوذ وإجبار الزوجة على الاستخدام غير الطبيعي في الجنس.
3- تغيير الدين: السبب الثالث هو تغيير الدين «التحول عن المسيحية»، وألغى القانون تغيير الملة كسبب لتغيير وضع الزيجة ليقطع الطريق على «بزنس» التحول بين الطوائف من أجل الطلاق.
القانون أيضًا وضع في الاعتبار مسألة بطلان الزواج لأسباب سابقة على تاريخه، مثل اكتشاف مرض أو علة، ويحق للطرفين التصريح بالزواج، لكن في بعض الحالات يشترط موافقة الطرف الجديد على عيب الطرف الذي أبطل زواجه، فمثلًا إذا أبطل الزواج لأن الزوج غير قادر جنسيًا، يُشترط الحصول على موافقة كتابية من الزوجة الجديدة التي قد تكون قبلت الزواج منه لأنها «مثلًا» أرملة تريد مَنْ يتحمل معها مسئولية أطفالها.
أما في الكنيسة الإنجيلية فينص القانون الجديد على قصر الطلاق على الزنا الفعلي وتغيير الدين، ويمنع تمامًا الطلاق في الكنيسة الكاثوليكية.
ويبقى السؤال… متى يخرج قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين ليحقق أمنياتهم التي تمنوها منذ 47 عامًا في حياة كريمة؟ حيث كان تقديم أول قانون للأحوال الشخصية لغير المسلمين في عام 1977.
ويُعد قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين في مصر خطوة كبيرة نحو تنظيم وضبط الأحوال الشخصية للمسيحيين بمختلف طوائفهم. فبعد سنوات من الجدل والنقاشات، أصبح للمسيحيين قانونًا واضحًا يعالج كافة الأمور من خطوبة، زواج، طلاق، حضانة، ورؤية، بما يحقق المصلحة العامة للأسرة المصرية.