بعد 80 عامًا من النشاط السياسي والدعوي في البلاد، أعلنت الحكومة الأردنية حظر جماعة الإخوان المسلمين رسميًا، ومنع ممارستها أي أنشطة لها، ومصادرة مقراتها وممتلكاتها و تجريم أي ترويج لأفكارها أو النشر عنها.
وجاء القرار الذي أعلنه وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، إنفاذًا لما قال إنه القرار القضائي القطعي السابق الصادر منذ العام 2020، الذي صدر عن محكمة التمييز وقضى باعتبار الجماعة “مُنحلة” قانونيًا.
تضمن قرار الحكومة “حظر نشاطات ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين واعتبارها جمعية غير مشروعة وتسريع عمل لجنة الحل المكلفة بمصادرة ممتلكات الجماعة وفقًا للأحكام القضائية ذات العلاقة، واعتبار الانتساب لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة أمرًا محظورًا، و حظر الترويج لأفكار الجماعة تحت طائلة المساءلة القانونية، وكذلك اعتبار أي نشاط للجماعة أيًا كان نوعه عملاً يخالف أحكام القانون ويوجب المساءلة القانونية”.
كما اشتمل القرار على “إغلاق أية مكاتب أو مقار تستخدم من الجماعة حتى لو كانت بالتشارك مع أي جهات أخرى، ومنع التعامل أو النشر لما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين المنحلة وكافة واجهاتها وأذرعها”.
وأعلن وزير الداخلية الأردني ملاحقة “أي شخص أو جهة يثبت تورطها بأعمال إجرامية مرتبطة بالقضايا المعلنة أو الجماعة المنحلة”.
الخطوة المتوقعة جاءت بعد سلسلة من الأحداث المتسارعة التي شهدتها المملكة منذ 15 أبريل المنتهي، مع إعلان إحباط “مخططات” تستهدف “الأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل الأردن”، وتوقيف السلطات 16 أردنيًا، في اتهامات بـ”تصنيع صواريخ بأدوات محلية وأخرى جرى استيرادها من الخارج لغايات غير مشروعة، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروع لتصنيع طائرات مسيرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج”.
من التأسيس إلى الحظر.. السجل الأسود لـ«إخوان الأردن»
العاهل الأردني الملك عبدالله يصفهم: “ذئاب في ثياب حملان”.
وصف لم يكن بعيدًا عن واقع الجماعة في تناقض أساليبها الظاهرة وأهدافها الحقيقية والتي دفعتها للهيمنة لعقود على مفاصل في الدولة والمجتمع، قبل أن تتلقى ضربات متتالية انتهت بإعلان حظرها ومصادرة ممتلكاتها.
فالمتابع لتاريخ تلك الجماعة منذ نشأتها عام 1945 وحتى قرار حظرها، يجد أن هذا التقييم يلخص تاريخ تلك الجماعة الأسود، ففي بداياتها، تقربت من السلطات في البلاد وحاولت خداع الأردنيين وتضليلهم، فركزت جهودها على العمل الخيري والاجتماعي، وقاموا بالتجارة بالقضية الفلسطينية واستغلوها، مطية لتحقيق أهدافهم الخبيثة، وهي السعي للسيطرة على مفاصل الدولة، وإنشاء الخلافة المزعومة.
وتكشفت تلك الأهداف بشكل جلي، وأفصحوا عنها صراحة، في أعقاب ما عرف باحتجاجات الربيع العربي، ليسقط قناع الحملان ويظهر وجه الذئاب. وفي أعقاب ثورة المصريين على الإخوان بعد عام من صولهم للحكم في 30 يونيو 2013، تلقت جماعة إخوان الأردن ضربة موجعة، وبدأ مسلسل الصراع داخلها، وتوالت الانشقاقات والاستقالات، زاد على ذلك حكم صدر عام 2020 من أعلى هيئة قضائية في البلاد باعتبار محكمة التمييز تلك الجماعة “منحلة”.
لتأتي الضربة القاضية بإعلان وزير الداخلية الأردني مازن الفراية حظر جماعة الإخوان في البلاد ونشاطاتها ومصادرة كل ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة، وحظر الانضمام إليها أو الانتساب لصفوفها، واعتبار أي نشاط لها مخالفة صريحة للقانون.
الموقع الإخباري “العين الإخبارية” استعرض أبرز المحطات في تاريخ “إخوان الأردن” الأسود منذ النشأة وحتى الحظر، ومرورًا بسعيها إشعال وتأجيج الاحتجاجات ضد الحكومات الأردنية المتعاقبة، ودعمها للعنف والإرهاب، ومحاولتها توريط الأردن بتعكير علاقاته مع دول شقيقة
النشأة والأهداف
تأسست جماعة الإخوان في الأردن يوم 19 نوفمبر 1945، بمبادرة من الأردني عبداللطيف أبوقورة بالتشاور والتنسيق مع مرشد جماعة الإخوان ومؤسسها في مصر حسن البنا، لتكون أحد فروع تنظيم الإخوان الأم الذي أنشأه البنا عام 1928.
ركزت الجماعة أنشطتها في البداية على العمل الخيري والاجتماعي، الأمر الذي مكنها من الحصول على ترخيص من الحكومة بتأسيسها في 9 يناير 1946، ولكن سرعان ما بدأت تعمل على الهيمنة على مفاصل الدولة.
وفي عام 1956 بدأت الجماعة أولى خطواتها على الطريق السياسي بالمشاركة في الانتخابات النيابية ونجح منهم أربعة نواب من بين 40 نائبًا.
وفي عام 1992، قررت الجماعة إنشاء ذراع سياسية لها، فأسست حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي لعب دورًا كبيرًا في إشعال وتأجيج الاحتجاجات ضد الحكومات الأردنية المتعاقبة.
ومع إعلان عمان الإصلاح السياسي، عارضه إخوان المملكة بشدة ليقينهم من أنه سيحول دون وصولهم للسلطة، وأعلنوا على مدار فترات متفاوتة مقاطعتهم للانتخابات البرلمانية.
استغلال القضية الفلسطينية
منذ تأسيسها، قامت جماعة إخوان الأردن بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية، لتوسيع شعبيتها وزيادة قاعدتها.
وكان هناك تداخل واضح خلال تسعينيات القرن الماضي بين إخوان الأردن وحركة حماس كفرع للإخوان في فلسطين.
وفي عام 1999 أغلقت السلطات الأردنية مكاتب حركة “حماس” في البلاد، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق عدد من قادتها (من حاملي الجنسية الأردنية) بتهمة الانتماء إلى تنظيم “غير أردني” هو حركة حماس، يعمل على أرض بلادهم، قبل أن تسمح لهم بمغاردة البلاد.
ومنذ ذلك الوقت بدأت السلطات رصد علاقات جماعة إخوان الأردن الخارجية وعلاقاتهم بمرشد الإخوان في مصر وبحركة حماس وغيرها.
الوجه الآخر
وفي أعقاب اندلاع ما عرف باحتجاجات الربيع العربي أواخر عام 2010، وتصدر جماعة الإخوان المشهد السياسي في أكثر من بلد عربي، بدأت فكرة الحكم تراود إخوان الأردن أكثر من أي وقت مضى، وسقط قناعها وبدأت الكشف عن هدفها الحقيقي في إنشاء دولة الخلافة.
واستغلت جماعة الإخوان الاحتجاجات التي اندلعت في تلك الفترة لأسباب مختلفة وحاولت السيطرة على الشارع الأردني وتوجيهه وفق أجندة سياسية لها علاقة بالصراع على الحكم.
بعد وصول الإخوان للحكم في مصر، كشفت الجماعة صراحة عن هدفها الحقيقي، وفي يناير 2013، تعهد زعيمها همام سعيد، الذي كان مراقبًا عامًا للجماعة في ذلك الوقت، بأن الأردن ستكون “دولة في الخلافة الإسلامية”.
أهداف تلك الجماعة لم تكن خافية عن السلطات في البلاد، وهو ما عبر عنه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية في مارس 2013.
وشن الملك عبدالله الثاني هجومًا حادًا على الإخوان، واصفًا إياهم بأنهم “ذئاب في ثياب حملان”، وأنهم “طائفة ماسونية”، وأن ولاءهم دومًا لمرشدهم العام، قائلاً: إن “منعهم من الوصول إلى السلطة هو معركتنا الرئيسية”.
الانحدار إلى الهاوية
أزاحت ما عرفت باحتجاجات “الربيع العربي” الستار عن الوجه الحقيقي لإخوان الأردن، فكانت أيضًا هي بداية رحلة سقوطها، وظهور الصراعات بين قياداتها.
فبعد سنتين فقط من تلك الاحتجاجات، وتحديدا في نوفمبر 2012ـ انشقت مجموعة من قيادات الإخوان عن الجماعة بقيادة ارحيل غرابية وأعلنت ما تسمى مبادرة “زمزم”، التي تنادي خصوصًا بإنهاء احتكار الخطاب الإسلامي من قبل الإخوان في المملكة والالتفات للشأن الأردني، حين كانت الجماعة منشغلة أكثر بالقضايا الإقليمية.
وتلقى إخوان الأردن ضربة أخرى، بعد ثورة المصريين ضد حكم الإخوان القاعدة الرئيسية لـ “مكتب الإرشاد” الدولي للحركة في يوليو 2013.
وفي عام 2015، تلقى إخوان الأردن ضربة ثالثة، عبر أكبر عملية انشقاق، بقيادة المراقب العام السابق، عبد المجيد ذنيبات، الذي حصل على ترخيص من الدولة بإنشاء جمعية جديدة باسم “الإخوان المسلمين” في شهر مارس من العام نفسه.
وبذلك أصبحت تلك الجمعية الجديدة هي المرخصة قانونيًا، حيث أصبحت جماعة الإخوان الأم في البلاد التي جرى تأسيسها رسميًا عام 1946 منحلة حكمًا من تاريخ 16 يونيو 1953 تطبيقًا لحكم المادة 12 من قانون الجمعيات الخيرية رقم 36 لسنة 1953.
لتتوالى الخلافات داخل الجماعة، والتي وصلت ذروتها في ديسمبر 2015، بالإعلان عن استقالة 400 عضو من حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية للجماعة.
وبسبب أنشطة الجماعة المشبوهة ورفضها في تصويب أوضاعها، أعلنت السلطات الأردنية في 10 فبراير 2016، عدم شرعية هذه الجماعة وأغلقت فرع الجماعة بمحافظة العقبة، ليتبعه عدة إغلاقات في إربد وجرش وعجلون والكرك والمفرق ومادبا، إضافة إلى المركز العام بمنطقة العبدلي في عمان، قبل أن تغلق “المقر التاريخي للجماعة”، بوسط البلد في عمان مايو من العام نفسه.
وفي منتصف يوليو 2020، أصدرت محكمة التمييز، أعلى محكمة أردنية، قرارًا حاسمًا بحل جماعة الإخوان بشكل نهائي وقطعي، واعتبارها فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، لعدم قيامها بتصويب أوضاعها وفقًا للقوانين.
وقائع مخجلة
ومع قرار حظر جماعة الإخوان في الأردن، يستذكر العالم عددًا من المواقف المخزية لها، من أبرزها تأييد غزو الكويت في أغسطس سنة 1990، حيث أيدوا الغزو وكانوا الأكثر تطرفًا في موقفهم من بين فروع جماعة الأخوان الأخرى ووصف أحدهم صدام بأنه خليفة المسلمين.
كما دعموا الإرهاب ولعل قيادات في الجماعة تملك تاريخًا حافلاً في الوقوف إلى جانب الإرهاب والعنف، ومن أبرز النماذج على ذلك قيام أربعة نواب ينتمون لجبهة العمل الإسلامي – الذراع السياسية للإخوان المسلمين – بتقديم العزاء في مقتل الإرهابي أبومصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق في يونيو 2006 ووصف أحدهم الزرقاوي بـ”الشهيد والمجاهد” ونزعه لصفة الشهداء عن ضحايا تفجيرات عمان الإرهابية في التاسع من نوفمبر 2005، التي تبناها الزرقاوي.
وفي نوفمبر 2014، تم اكتشاف خلية سرية من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فيما عرف إعلاميًا آنذاك بخلية حماس، حيث اعتقلت السلطات أفراد الخلية الذي ينتمي غالبيتهم إلى نقابة المهندسين الأردنيين، التي تسيطر عليها جماعة الإخوان، في نوفمبر وديسمبر من العام نفسه.
ثم في يوليو 2015، قضت محكمة أمن الدولة الأردنية بالسجن لفترات متفاوتة على 12 متهمًا أردنيًا على خلفية علاقتهم بحركة حماس بعد إدانتهم بأربع تهم تتلخص بـ”تصنيع مواد مفرقعة بقصد استعمالها على وجه غير مشروع بالاشتراك، والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، بالإضافة إلى تجنيد أشخاص بقصد الالتحاق بجماعات مسلحة والالتحاق بها.
عمدت جماعة الإخوان إلى تعكير العلاقات مع الدول الشقيقة، قبل أن تعتقل السلطات الأردنية نائب المراقب العام لجماعة الإخوان في المملكة آنذاك زكي بني ارشيد يوم 20 نوفمبر 2014 بتهمة “تعكير العلاقة مع دولة شقيقة”، بعد توجيهات إساءة لدولة الإمارات، رفضًا للقائمة التي نشرتها أبو ظبي للمنظمات “الإرهابية”، ومن بينها جماعة الإخوان.
وأصدرت محكمة أمن الدولة في فبراير 2015 حكما بسجنه لمدة عام ونصف العام مع الأشغال الشاقة بتهمة “القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لتعكير صلاتها وصفو علاقتها بدولة شقيقة”.
وفي عام 2022، اتخذ النائب العام الأردني قرارًا بوقف مجلس نقابة المعلمين الذي يسيطر عليه التنظيم، وإغلاق مقراتها لمدة سنتين.
تداعيات قرار الحظر
يطرح قرار السلطات الأردنية عدة تساؤلات بشأن التداعيات المحتملة للحظر وما قد يترتب عنه بالنسبة للجناح السياسي للجماعة، أي “جبهة العمل الإسلامي”، التي تنشط تحت مظلة قانونية داخل البرلمان، إذ تتضارب آراء المحللين حول احتمال تضييق السلطات الخناق على هذا الفاعل السياسي، فيما يرهن آخرون ذلك بطبيعة نتائج التحقيقات الجارية بشأن وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الجماعة الأم من عدمه.
على صعيد آخر، يرجح مراقبون أن تباشر السلطات ملاحقات قضائية واعتقالات، ما قد يدفع الجماعة إلى الانتقال للعمل السري.
وفقًا لمختصين بشؤون الشرق الأوسط، فإن القرار يحمل رسالة ضمنية للجهات الداعمة لحماس التي تتمتع بشعبية داخل الأردن.
وبحسب المحلل السياسي الأردني الرداد، فإن “هذا التطور يعكس أزمة حقيقية داخل حركة حماس، التي باتت على وشك الخروج من غزة، وتبحث عن ساحة بديلة. كما يبدو أن بعض القيادات، التي تحمل وثائق هوية أردنية، ترى في الأردن موقعًا محتملًا للتمركز. وبالتالي، فإن الجماعة التي تسيطر عليها حماس باتت تنفذ مشروعًا إستراتيجيًا لتحويل الأردن إلى “ساحة بديلة”، على غرار نموذج حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، ما يشير إلى مشروع دولة داخل دولة بدعم إيراني”.
دلالات مهمة لقرار حظر الجماعة
يحمل قرار الحكومة الأردنية حظر جماعة الإخوان في الأردن ومصادرة ممتلكاتها في ذلك التوقيت، وتصريح وزير الداخلية الأردني بشأن “ثبوت قيام عناصر في جماعة الإخوان المسلمين بالعمل في الظلام وبنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار والعبث بالأمن والوحدة الوطنية والإخلال بمنظومة الأمن والنظام العام” العديد من الدلالات المهمة، سواء بالنسبة للجماعة أو بالنسبة للحكومة الأردنية، يمكن تحديد أبرزها في النقاط التالية:
1- العنف المتأصل داخل جماعة الإخوان: يمكن القول إن الاعترافات التي بثتها وسائل الإعلام المختلفة لعدد من عناصر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن المتورطين في الخلايا الإرهابية، والتي أكدوا فيها انتماءهم للجماعة، أثبتت بشكل واضح تورط الجماعة في مخططات التخريب التي كانت تسعى لها الخلايا الإرهابية التي تم القبض عليها، وذلك على الرغم من محاولة الجماعة التنصل من ذلك، من خلال بيانات حاولت تحسين صورتها، إذ تحدثت فيها عن حرصها على أمن واستقرار البلاد، وأنها لا علاقة لها بالعنف، وأنها على الدوام تقف إلى جانب الأردن واستقراره.
2- عزم الأردن القوي على تقويض تهديدات الجماعة: الاعترافات المصورة التي بثها التليفزيون الأردني، والتي كشفت تورط بعض العناصر الإخوانية في الخلايا التخريبية، إلى جانب محاولة عناصر تلك الخلايا التوجه نحو التصنيع الداخلي للأسلحة، تفتح الباب على مصراعيه بشأن التكهنات حول إمكانية سعي جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لتأسيس تنظيم سري خاص بها، يمكنها من تهديد أمن البلاد واستقرارها، وتعريض الأردن للخطر، لا سيما وأن العنف متأصل في أفكار هذه الجماعة منذ زمن بعيد، وأن قناع الدعوة والعمل الخيري ما هو إلا وسيلة لتجنب الضربات الإجهاضية لأنشطتها الإرهابية، على غرار ما كانت تفعله الجماعة في مصر، والتي تُعتبر العباءة الفكرية والتنظيمية التي خرج من تحتها كل فروع الجماعة.
3- تصاعد الرفض الشعبي لجماعة الإخوان: قرار وزير الداخلية الأردني مازن الفراية “حظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة، واعتبارها جمعية غير مشروعة” واعتبار الانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين أمرًا محظورًا، وحظر الترويج لأفكارها، وتحت طائلة المساءلة القانونية – كل ذلك يشير إلى أن هذا القرار جاء انعكاسًا لتصاعد حالة الغضب والرفض الشعبي لاستمرار الأنشطة المشبوهة والتخريبية لجماعة الإخوان المسلمين داخل الأردن، خاصةً وأن القرار قد جاء بعد مطالبة غالبية نواب الأردن بحظر الجماعة، وفصل أعضاء حزب “جبهة العمل الإسلامي” من البرلمان، وهو ما ظهر جليًّا خلال الجلسة التي عقدها مجلس النواب الأردني، على خلفية كشف جهاز المخابرات عن خلية إرهابية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
4- استمرار تراجع الإخوان في المنطقة: يُعدُّ فرع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أحد أهم فروع الجماعة في الوقت الراهن، في ظل الانحسار الكبير الذي تعاني منه الجماعة، والعديد من فروعها الخارجية، عقب حظر الجماعة وأنشطتها في العديد من الدول، واعتبارها تنظيمًا إرهابيًّا، خاصةً في كل من الإمارات ومصر والسعودية والبحرين، بل وصدور العديد من الفتاوى الدينية الرسمية التي تجرم الجماعة وأنشطتها المثيرة للفتن. لذا فقد كانت الجماعة الأم وتنظيمها الدولي يراهنان على هذا الفرع في إثبات بقاء الجماعة تنظيميًا وسياسيًا على الساحة، وإثبات أنها ليست جماعة إرهابية، بدليل مشاركتها السياسية والنيابية، وهو ما كانت تروج له في العديد من وسائل الإعلام الموالية للإخوان، وبالتالي فإن حظر الجماعة في الأردن يمثل ضربة قوية للجماعة كلها في المنطقة العربية، وهو ما يعني مزيدًا من تراجعها سياسيًا وتنظيميًا، خاصة وأن الجماعة منذ مطلع عام 2021 قد بدأت تفقد عناصر نفوذها وقوتها، على المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والإعلامية كافة.
“تيار التغيير” الإخواني بالخارج يصف عناصر خلية الأردن بـ”الأبطال”
وصف “تيار التغيير”، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، اليوم الخميس، في بيان، عناصر خلية الأردن بـ”الأبطال”، وهو ما يتناقض مع موقف الجماعة الرسمي، والذي أعلنت من خلاله تبرؤها منهم.
وأعلن التيار، الذي يقوده عناصر من “حركة حسم” – المدرجة بقرار من السلطات المصرية في قوائم الإرهاب – تثمينه لمواقف عناصر خلية الأردن، معلنًا أن “ما فعلوه يتطابق مع ما أقره بيان لجنة الاجتهاد والفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، ومعربًا عن استنكاره الشديد لموقف الجماعة الرسمي التي سارعت إلى “التبرؤ منهم”.
لكن ما هو “تيار التغيير” بالخارج التابع لجماعة الإخوان؟
ظهرت جبهة ثالثة رافضة لممارسات جبهتي الإخوان المتنازعتين”، وهما جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، وجبهة لندن بقيادة صلاح عبد الحق.
الجبهة الثالثة يقودها شباب الجماعة الموالون للقيادي السابق محمد كمال، والذي قُتل في معركة مع قوات الأمن المصرية في عام 2016، وكان يتولى اللجان النوعية المسلحة، وأعلنت عن نفسها لأول مرة في نهاية العام 2022.
وبحسب مصادر، فقد “توعد مسئولو هذا التيار قيادات الجبهتين في الجماعة بالعقاب وأعلنوا عن رغبتهم في إزاحة القيادات الكبيرة والقديمة، والدفع بوجوه جديدة من بينهم لإدارة الجماعة، مستندين في ذلك إلى وجود ظهير كبير يدعمهم داخل الجماعة، ووجود 80% من أعضاء المكاتب الإدارية في مصر موالين لمحمد كمال، ويمكنهم السيطرة على الجماعة، والحشد لإسقاط جبهتي لندن وإسطنبول”.
وقالت المصادر إن التيار الثالث ظهر تحت اسم “تيار التغيير”، لينفذ وفق تعبيره، تعاليم حسن البنا وسيد قطب، وقرر إصدار ما يعرف بـ”الوثيقة السياسية”.
يقود هذا التيار، محمد منتصر المتحدث السابق للجماعة، وأحد مؤسسي “حركة حسم” الإرهابية والهارب لتركيا، إلى جانب يحيى موسى المتهم الأول في اغتيال النائب العام المصري والمدرج على قوائم الإرهاب الأمريكية، ومحمد إلهامي وجمال عبد الستار، بالإضافة إلى أحمد مولانا، عضو الجبهة السلفية.
و”تتبنى هذه الجبهة أو التيار العنف كوسيلة للتغيير، وطالبوا بعمليات عنف في مصر من أجل إزاحة النظام والإفراج عن عناصرهم في السجون”، بحسب المصادر.
كما أصدر التيار منصة إعلامية تسمى “ميدان”، يروج فيها لأفكاره ومعتقداته ويدعو فيها للعنف وحمل السلاح وتغيير الأنظمة بالقوة.
ورغم الخلافات الظاهرية بين التيار وجبهتي الإخوان، إلا أن اللواء عادل عزب، مسئول الملف الإخواني السابق بجهاز الأمن الوطني المصري، أكد أن “هذا ليس صحيحًا، وأن الجماعة وفرعها المسمى بـ”تيار التغيير” يمارسون سويًا لعبة تبادل الأدوار، حيث تتبرأ الجماعة من بعض الأفعال والتصرفات التي ترتكبها تجنبًا للصدام مع الحكومات، وتنسبها لعناصر هذا التيار وتعلن تبرؤها منه”. وأضاف أن “هذه اللعبة باتت مكشوفة لأجهزة الأمن، وتأكدت من ذلك خلال اعترافات المتورطين في عمليات عنف وتخريب ارتكبتها جماعتا “حسم” و”لواء الثورة”، وتأكيدهم أنهم يتلقون تكليفاتهم من قادة الإخوان”.
يُذكر أن الصراع بين جبهتي إسطنبول ولندن كان شهد هدوءًا مؤقتًا في الشهور الأخيرة، خاصة بعد اندلاع أحداث 7 أكتوبر من العام 2023.
وكان الانشقاق قد بدأ رسميًا في ديسمبر من العام 2021 مع الإعلان عن جبهة إسطنبول للقيام بمهام المرشد العام للجماعة لمدة 6 أشهر، ومحاولة جبهة لندن انتزاع هذا الحق لها، إلا أن وثيقة سرية كشفت لاحقًا أن التصدعات بين الجبهتين بدأت منذ العام 2016.