19.4 C
Cairo
الخميس, مايو 22, 2025
الرئيسيةفكر مسيحينحو فكر لاهوتي سليم

نحو فكر لاهوتي سليم

القس رأفت رؤوف الجاولي

كثيرًا ما يكون هناك توارد أفكار وتصارعها حول أمر أو آخر، وقد يكون مليئًا بالصخب أو ربما التجريح. ويعتقد البعض أنه يدافع عن قضية لاهوتية هامة أو يحامي عنها بطريقته الخاصة. وتنتشر مثل هذه الحوارات على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك. ويبقى السؤال الأهم: عن أي موضوع يدور النقاش؟ هل يتم جذب بعض الكلمات دون مراعاة قرينتها لصبغ شخص أو أشخاص بصبغة أو صفة معينة؟ إذا كان هذا هو بيت القصيد فإنه يُعد جدلًا لاهوتيًا لا فكرًا لاهوتيًا. وللإيضاح نذكر الآن ما نعتبره فكرًا لاهوتيًا وذلك حتى يمكن التمييز بينهما بصورة أو بأخرى.

1- دراسة علم اللاهوت،

نحن نشكر الله لأجل كل المبدعين الذين أثروا الفكر اللاهوتي المسيحي بروائعهم. وإذا أردنا في كلمات مقتضبة أن نوضح أهمية دراسة علم اللاهوت يمكن القول إنها هي ببساطة التعمق في كلمة الله لاكتشاف ما قد أعلنه الله لنا عن نفسه. وعندما نقوم بذلك، نتعرف عليه كخالق كل شيء، وحافظ كل شيء، وحاكم كل شيء، فهو الألف والياء، البداية والنهاية. فعندما سأل موسى الله عمن يقوم بإرساله لفرعون، أجاب الله: “أهْيَهِ الَّذِي أهْيَهْ” (أنا هو) (خروج 14:3). ويشير الاسم “أنا هو” إلى شخص الله القدير، الكائن بذاته منذ الأزل، وله عقل وإرادة – وهو “شخص” الله الذي أعلن نفسه للبشر من خلال كلمته، ومن خلال ابنه يسوع المسيح.

وبدراسة علم اللاهوت، نتعرف على الله، حتى يمكننا أن نمجده بمحبتنا وطاعتنا. وهنا لاحظ التتابع: لا بد وأن نتعرف على الله قبل أن نتمكن من محبته، والدراسة السطحية أو غير الصحيحة لعلم اللاهوت ستعقد حياتنا بدلًا من ملئها بالرجاء الذي نصبو إليه. فمن المهم جدًا أن نتعلم عن الله، لأننا نقسو على أنفسنا إن حاولنا أن نعيش في هذا العالم دون معرفة الله.

2- الفكر اللاهوتي هو نهج فكري ثابت:

النهج أو المنهج الفكري اللاهوتي الثابت هو الذي لا يتأثر بالتيار المحيط فلا يعود للخلف قيد أنملة ما دام موقنًا (في ضوء كلمة الله الثابتة إلى الأبد) أن ما يقوله هو الصواب. وليس هذا مدعاة إلى الكمال بل هو “الثبات على المبدأ” والذي من الممكن أن صاحبه يزداد عمقًا فيه لا أن يتأرجح بين معتقده ومعتقد آخر. وقد أنسى إذا ذكرتُ أسماء إن ذكرتُ البعض، لذا فستتغاضى عن سرد الأسماء لأسباب كثيرة منها أن البعض يضع صفة فورًا لكل اسم قد يُذكر، ومنها أيضًا أننا كبشر محدودون وذاكرتنا لا تسعفنا في التذكر الواضح لكل صاحب منهج لاهوتي، لكن من الواضح من جانب آخر أن مثل هؤلاء يدفعون الثمن لا ثمن العناد بل ثمن الثبات على المبدأ. وعلى النقيض فإن البعض على مواقع التواصل الاجتماعي يعتقدون أنهم مصلحون زمانهم فيتبنون أفكارًا مبتورة تجذب الأسماع وقد يطبعون كتبًا تنادي بما يقولون اعتمادًا على أنهم يعرفون أنها أفكار ضد التيار وبمبدأ خالف تُعرف. نعم، هلك شعبي لعدم المعرفة. وإن نجح مثل هؤلاء حينًا فإن الخدمة كمياه البحر تقذف بعيدًا كل جسم غريب وإن طال الزمان.

3- الفكر اللاهوتي هو خلاصة دراسات عميقة متعددة:

صاحب الفكر اللاهوتي السديد لم يستمد قناعاته من آرائه الشخصية بل من قراءاته الموضوعية في كتب ودراساته اللاهوتية العليا مع الفصل بين الغث والثمين، لذا ليس كل مَنْ درس دراسات لاهوتية معتمدة أو غير معتمدة أصبح رائدًا للفكر اللاهوتي بل مَنْ استمر دارسًا لدراسات أعلى مثل الدكتوراه لفهم حقائق هامة حول موضوع دراسته. وبعد اكتمال دراساته، قد يجلس ممحصًا ما درس ليبدأ بنفسه في دراسة تزداد عمقًا لتشكيل هويته اللاهوتية. لذا لا توجد نهاية للدراسة بل إثراء مستمر لفكر الدارس. لا يوجد منطق يقول: “ليس في الإمكان أفضل مما كان”، فهو سلم ليس له نهاية من العرق والجهد والسهر المستمر.

4- الفكر اللاهوتي هو بناء لا هدام لأنه موضوعي لا شخصي:

صاحب الفكر اللاهوتي الحقيقي لم يأخذ هذا المنهج أو ذاك لكي يضاد أحدًا أو يسفه آخر، بل لأنه ارتكز على موضوع هام لا يرى سواه موضعًا لدراسة تستحق البحث والتنقيب الواعي والجيد والمستمر. هذا الارتكاز العميق هو الذي يضمن سلامة البحث المنهجي له بل يضمن أيضًا النتائج التي يصل إليها ما دام ناضجًا في فكره الكتابي. وقد يقول البعض بأنه توجد مناهج تفسيرية متنوعة لكلمة الله لكن لا بد أن كل فاهم وواع يتمسك بالثمين ويرفض الغث. لا بد من الوعي بكل كلمة قبل نطقها أو طبعها لئلا تكون حجرًا قاسيًا لرجم الآخرين أو لرجم المفكر اللاهوتي لنفسه دون وعي بما يفعل.

مع صلاتي وتشوقي لبناء فكر لاهوتي عميق يشبع شعب الرب في زمن الجوع الروحي الآن.

مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا