جلوريا حنا
تحدثت في المرة السابقة عن المفهوم السائد للحرية في المجتمع، وكيف أننا نتخذ الحرية عذرًا لنا لنخطئ، ولهذا السبب نجد الكثيرين ينتهكون القواعد باعتبار أنها مقيدة لحريتهم. وفي ظل منصات التواصل الاجتماعي وسرعة انتشار الأخبار في دقائق معدودة، نستطيع أن نجد الكثير من الأخبار عن أناس اخترقوا القانون بدون وجود ما يثبت أنه تم اعتقالهم أو تطبيق العقوبة الخاصة بذلك الفعل عليهم (قد يكون حدث ولكن دون أن ينتشر الخبر)، وهنا تظهر في كثير من التعليقات مقولة: “من أَمِنَ العقوبة أساء الأدب”.
يبدو أننا نعاني تلك الأيام من مشاكل في اتباع حتى أبسط القواعد الأخلاقية التي تفرضها علينا إنسانيتنا، وأيضًا أبسط القوانين الموضوعة لنا سواء من الدولة أو من الدين. أتذكر مقالًا قرأته عن بعض الفتيات اللواتي كن يسرقن لأسباب عدة، إحداهن قالت إنها للتسلية أو بغرض المغامرة، مما يعني أنها ترى مبدأ “لا تسرق” أمرًا مملًا ومقيدًا.
وقع شعب إسرائيل في الخطأ نفسه سابقًا، إذ تركوا وصايا الله وساروا وراء الأوثان، وفي النهاية عندما كان الله يعرضهم للتأديب، كانوا يقولون عن طرقه أنها غير مستقيمة، «وَبَيْتُ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: لَيْسَتْ طَرِيقُ الرَّبِّ مُسْتَوِيَةً. أَطُرُقِي غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ أَلَيْسَتْ طُرُقُكُمْ غَيْرَ مُسْتَقِيمَةٍ؟» (حزقيال 18: 29)، على الرغم من أن الله كان واضحًا جدًا من قبل دخولهم أرض الموعد بشأن اللعنات التي سوف تحل بهم عندما يتركون فرائضه والموجودة في سفر التثنية، كما أنه أرسل لهم الأنبياء لتنبيههم.
هل ترى أن القواعد مملة؟ أو أنها تعيق “حريتنا”؟ إذا فكرنا في الأمر فسوف نجد أن الوصايا التي وضعها الله لشعبه في العهد القديم غرضها مصلحتهم في المقام الأول، فالوصايا: “لا تزن! لا تسرق! لا تشهد زور! لا تشته ما لقريبك… ” تحافظ على العلاقات والثقة بينهم، وبالتالي يكونون أقوى إذ لا يوجد شيء يدمر علاقتهم بعضهم ببعض، كما أنها تحمي الإنسان من أمراض مختلفة. ونلاحظ أن الله قال على البهاق أنه غير نجس، إذ أنه حالة جلدية غير معدية، وفيما يخص لمس الأجساد الميتة أو لمس الدم والتطهر بعد ذلك، فهذا أيضًا لحماية صحة الإنسان، وبالطبع الأمر نفسه بالنسبة لوصايا العهد الجديد.
عزيزي… قد نرى أن الوصايا أو القوانين مملة، ودائمًا ما نشعر بالضجر ممن هم أكبر منا عندما يطلبون منا فعل شيء أو عدم فعله، لكن، في الواقع، التمرد على تلك القواعد هو ما جلب لنا تلك المشاكل والقضايا التي نسمع عنها، بل ذلك ما أخرج آدم وحواء من جنة عدن. أشجعك يا عزيزي وأشجع نفسي معك على أن نطيع الله فيما يريدنا أن نفعله ولا نفعله، أن نطيعه ونعيش بحسب المثال الذي أعطاه لنا، السيد المسيح. وأختم معك بهذا العدد من سفر التثنية، لنتذكر معًا أن طاعة الله هي الحياة: «قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركةَ واللعنةَ. فاختر الحياة لكي تحيا أَنت ونسلك» (تثنية30: 19).