17.4 C
Cairo
الثلاثاء, ديسمبر 3, 2024
الرئيسيةفكر مسيحيقيامة المسيح ليست معجزة...!!

قيامة المسيح ليست معجزة…!!

الدكتور القس چورچ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر

     يصور البعض قيامة الرب يسوع من الموت بأنها معجزة أكثر من الخيال… فوق حد التصور، ومما لاشك فيه أن تجسد وحياة وتعاليم وموت وقيامة المسيح هي بالفعل آية الآيات عبر كل الأزمان والعصور.

فلقد سجل الوحي المقدس في سفر إشعياء “ولكن يعطيكم السيد نفسه آية” (إش7: 14) .

فالمسيح هو آيتنا الرائعة ومعجزتنا المبهرة الذي لا نحتاج لغيره أو لأحد معه ليتأكد إيماننا إلا أنه ونحن بصدد الحديث عن القيامة وفي ضوء الكلمة المقدسة يمكننا القول بأن قيامة المسيح ليست معجزة، فالقيامة بالنسبة للمسيح أمر طبيعي للغاية، فقيامته لا تبعث فينا أية دهشة، ولا ترسم أمامنا علامة استفهام واحدة، إذ هي ضرورة ترتبط به، وبرهاني على ذلك ما يلي:

أولاً: هل معجزة أن يقوم رب الحياة؟!

هل معجزة أن يقوم الرب يسوع المسيح الذي في مجد لاهوته دُعي (الله) (يو1: 1) “وأنه رب الكل” (أع10: 36) “وهو رب الأرباب” (رؤ19: 16)، “وهو بهاء مجد الله ورسم جوهره” (عب1: 3) “وهو الذي له وحده عدم الموت” (1تي6: 16) “وهو الحي إلى الأبد.. وهو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد ” (عب13: 8). “وهو الآلف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر” (رؤ22: 18)، وهو والآب واحد، ومن رآه فقد رأى الآب (يو14: 9) .

هل معجزة أن يقوم ذاك الذي كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. (يو1: 3)، والمكتوب عنه الواهب حياة للعالم (يو6: 33)، والذي أتي لتكون لنا حياة وأفضل حياة وحياة أبدية. (يو10: 10، 28، 17: 2).

هل معجزة أن يقوم رب الحياة الذي قال عن نفسه “أنا هو خبز الحياة” (يو6: 48) “أنا هو القيامة والحياة” (يو11: 45) “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو14: 6).

كيف لا يقوم..؟! من عاش يزرع الحب.. ينثر العطف.. يمنح الحنان، والذي كان يجول بين البشر يصنع خيرًا.

ياه! فكم من المعجزات صنع..؟! كم من أمراض شفى..؟! كم من دموع كفكف..؟! كم من قيود حطم..؟! كم من جراح ضمد..؟! كم من متاعب أراح..؟! لقد بسط ذراعيه ليحتضن البشر في كل مكان، جاع ليشبعهم، افتقر ليغنيهم، تعب ليريحهم، بكى ليمسح دموعهم، واتضع ليرفعهم من حضيض الذل والهوان!! كيف لا يقوم..؟!! فهل يصمت القلب الكبير النابض بالحب والحنان؟! وهل ينتصر الظلام على مملكة النور؟! وهل تضيع الحياة في متاهات القبور؟! ماذا حدث؟ أيكون القبر نهاية مثل هذه الحياة..؟! أين العدل..؟! أيموت الحق..؟! أيمكن تفسير هذه الحياة الغامرة بالعطاء، الدافقة بالحب، بدون قيامة..؟! هل مات سيدي..؟! وهل يموت رب الحياة..؟! وهل يهزم الحقد الحب..؟! لا وألف لا! إنما سيدي، دخل القبر.. ليحارب الموت في عرينه، فيصرعه، ويبطل قوته، وينزع شوكته ولعل هذا ما قصده بطرس في عظته القوية التي ألقاها بكل شجاعة وبسالة بقوة الروح القدس في يوم الخمسين وربح بها ثلاثة الآف نفس عندما قال “اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم، كما أنتم أيضًا تعلمون، هذا أخذتموه مُسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه، الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه” (أع22: 24).

ثانيًا :هل معجزة أن يقوم َمنْ أقام الموتى؟!

إن انتصار المسيح على الموت في موقعة الجلجثه لم يكن الانتصار الأول، فلقد سبقتها انتصارات كثيرة في معارك ضارية، فها هو يايرس يقع عند قدمي الرب يسوع، والدموع تنساب من عينيه على خديه، إذ أن ابنته الوحيدة تلفظ أنفاسها الأخيرة. وبينما يايرس يتكلم جاء واحد من دار رئيس المجمع قائلاً له: “قد ماتت ابنتك”، وتهالك يايرس على الأرض باكيًا، ولكن الرب يسوع يأخذ بيده، ويربت على كتفه، ويكفكف دموعه، ويقول له “لاتخف آمن فقط، وانطلق به إلى البيت، وبينما الجموع تبكي وتنتحب، يقول السيد: “لم تمت الصبية لكنها نائمة”.. وابتسم البعض ابتسامه السخرية والتهكم!! آه لو أدرك الإنسان من هو الذي يقول ذلك!! إنه رب الحياة.. إله المعجزات.. فليس عجيبًا أن يقول: “يا صبية قومي” (لو8).

وفي يوم من الأيام التقى الرب يسوع مع ملك الأهوال عند أبواب نايين، وكانت الضحية شابًا وحيدًا لأمه.. قلبها النابض، وعكازها الوحيد، ونافذة الرجاء التي تطل منها على الدنيا.. أشفق الناس على قلبها المحطم، ولكنهم أحنوا هاماتهم أمام سلطان الموت، أما الرب يسوع فأبى إلا أن ينتزع الفريسة من فم الجبار، وقال بصوت آمر مقتدر: “أيها الشاب لك أقول قم” وعاد الابن إلى الحياة فدفعه إلى حضن أمه (لو7).

وعاد ملك الأهوال ليجرب حظه من جديد، وكان في هذه المرة قد أطبق على الفريسة بقبضة من حديد، فالميت قد أنتن إذ كان له أربعة أيام في القبر، وتمت مراسيم العزاء، ولكن ها هو رب الحياة يأتي ويعلن بكل قوة وسلطان قائلاً: “أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل مَنْ كان حيًا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد” وعند قبر لعازر وسط الجموع الغفيرة وبصوت عظيم ينادي “لعازرهلم خارجًا” (يو11).

كيف لا؟! ألم يسطر الوحي “كما أن الآب يُقيمُ الأموات ويُحيي، كذلك الابنُ أيضًا يُحيي من يشاء” (يو5: 21).

على أن أعظم تلك المعارك جميعًا كانت معركة الصليب، فيومها بدا الموت وكأنه انتصر على الحياة وبدا الظلام وكأنه أدرك النور، وبدا الوجود وكأنه قبر كبير.

كيف لا ؟! وقد اقتادوا سيدي إلى محكمة ظالمة غادرة تتسم بالجهل والحقد والأنانية وانتهت بصليب الجلجثه..

ووقتها قالوا: وصلنا للنهاية.. انتهت الرواية.. تحققت الغاية.. أُسدل الستار.. ضُرب الراعي.. تشتت القطيع!! ولكن كيف يمكن أن يكون الصليب والقبر نهايته..؟! نهاية ذاك الذي قال: “انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه” (يو2: 19) والذي قال: “هذا الجيل شرير يطلب آية ولا تُعطى له إلا آية يونان النبي” (لو11: 29). والذي كان جوهر رسالته أن ابن الإنسان يُقتل وفي اليوم الثالث يقوم (مت16: 21) والذي قال لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضًا (يو10: 17-18) هل يبقى تحت الثرى مقبورًا..؟!

أجل! إن سحابة الجور قد تغطي – إلى حين شمس العدالة، وقد تحرس المظالم باب الرجاء لتسجن نور الحقيقة عن الظهور، وقد يخلع الشيطان على الظلم صفة الشرعية.. لكن صبرًا فهذا الحجر الذي أرادوه سدًا منيعًا، جعله الفادي المقتدر برجًا شامخًا، أرادوه حجر عثرة في طريق الحق، فإذا برب الحق يجعله حجر زاوية في بناءه الشاهق.. ما أعجب تفكيرك أيها الإنسان.. فهل من المنطق أن يقف الحجر حائلًا أمام صخر الدهور؟!! وهل يُعقل أن يمنع الحراس الشمس من الشروق.. بكل تأكيد لا وألف لا!!! لقد عاد جيش الموت مدحورًا، وأقبل رب الحياة رافعًا لواء الغلبة ظافرًا منصورًا هاتفًا أين شوكتك أيها الموت، أين غلبتك أيها القبر وأيتها الهاوية، لقد أبُتلع الموت إلى غلبة (1كو15: 54) ودقت نواقيس النصر، وصدحت موسيقى السماء وعلا هتاف الملائكة: “المسيح قام.. بالحقيقة قام” فهل من المنطق أن نطلب الحي بين الأموات (لو24: 5).

ثالثًا: ما قيمة التجسد بدون القيامة؟!

نعم! لقد كان ميلاد المسيح فريدًا ومجيدًا، قسم التاريخ إلى قسمين ما قبل وما بعد الميلاد، لكن لولا أنه مات لأجل خطايانا وقام لأجل تبريرنا، ما أضحى يوم ميلاده مركزًا للتاريخ وبوصلة للزمن.

حقًا! تعاليم المسيح وأمثاله وعظاته ما أروعها، أحلى من العسل، وأغلى من الذهب، جمعت إلى عمق المعاني وروعتها بساطة العبارة ورقتها، فأضحت مرجعًا ونموذجًا للقيم والمبادئ والأخلاق في كل ربوع الأرض، تملأ عقولنا بالحكمة، وتنير لنا طريق الحياة، لكن لولا قيامته ما أصبحت تعاليمه ووصاياه تسكن في قلوبنا بغنى، ونترجمها في حياتنا عن قناعة ورضي، وما كان إنجيله ينتشر ويملأ كل ربوع الدنيا بكل لغات ولهجات العالم.

أجل! معجزات المسيح خارقة ومبهرة، لقد أظهر سلطانه على الطبيعة، وعلى المرض، وعلى الموت، على مسمع ومرأى من الناس، وما سجلته ريشة الوحي المقدس من معجزات هي بمثابة عينات أو نماذج للمعجزات التي أجراها،  فيكفي ما سطره (يو21: 25) “وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة”.

لكن كل معجزات المسيح ما كانت تبهرنا وتجعله يملك على قلوبنا لولا أننا نعلم أنه المسيح المقام.

حقًا! محبة المسيح فوق حد التصور، ففي صليبه رأينا روعة الحب… حب ليس له مثيل أو نظير، حب بلا حدود أو قيود، حب لا يقارن ولا يضارع، حب أعظم من أعظم حب، حب إلى المنتهى، حب لا ينتهي، لكن الصليب بدون القيامة بالرغم ما فيه جمال الحب والتضحية والعطاء لا يكفي للتبرير والفداء فلولا القيامة لكان الصليب مأساة ومرثاة بدون أمل أو رجاء، ولكن بقيامته نجد أرق الأشعار بمصاحبة أعذب الألحان تشيد بأمجاده وتشدوا بصنيعه، وبعد أن كان.. صليب الموت أضحى صليب الحياة. كان صليب الهوان والعار، فأصبح صليب المجد والفخار.

فلا عجب أن التلاميذ اعتبروا القيامة هي أساس المسيحية فأخذوا ينادون بها مُنذ اللحظة الأولى للقيامة، فلقد كانت قيامة المسيح هي الدليل القاطع والبرهان الساطع على حقيقة إلوهيته، وصدق رسالته، وكمال كفارته.

وأثبتت القيامة بما لا يدع مجالًا للشك أن الحياة أقوى من الموت، والحب أسمى من الكراهية، والخير أجمل من الشر، والحق أحق من الباطل.

ولولا القيامة لكانت كرازتنا باطلة، وإيماننا باطل، ونحن بعد في خطايانا، والذين رقدوا في المسيح قد هلكوا، ونحن نعيش الشقاء ومصيرنا الفناء (1كو15).

فلو لم يكن المسيح قد قام.. كيف نستطيع أن نقبل قضية التجسد لو ظل المسيح سجين القبر وحبيس الأكفان؟ وكيف نفسر معجزاته التي انفرد بها والتي برهنت وأثبتت سلطانه ولاهوته ؟ وكيف يتسنى لنا قبول قضية الغفران بسفك دم الرب يسوع على الصليب، لو لم يقم من بين الأموات، وكان الصليب نهاية المطاف؟؟.. لقد قام المسيح وقامت المسيحية، فقيامة المسيح حجر أساسي في بناء المسيحية، ودليل قاطع على صدق النبوات، ودافع قوي للكرازة بالإنجيل، بشرى الخلاص المفرحة.

المقاله السابقة
المقالة القادمة
مقالات أخرى

اترك رد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا